بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الامام علي (ع) : العجب فسـاد للعقـل
العجب كقيمة أخلاقية سلبية تسيء إلى إنسانية الإنسان وتعطّل نموّه، وقد أكّدت النصوص التي وردت عن رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع) بالإضافة إلى ما يستفاد في هذا المجال من القرآن الكريم، على أن العجب يمثل مشكلة أخلاقية للإنسان ما يفرض عليه أن يعالجها معالجة واسعة دقيقة عندما تحلّ في عقله أو في قلبه أو في حركته في الحياة.
العجب فسـاد للعقـل
فمن النصوص التي تربط بين العجب وبين فساد العقل، ما ورد عن علي(ع): "عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله". ونحن نعرف أن الحاسد يعيش عقدة في نفسه ضد المحسود، فيحاول أن يدمّر الميزة التي يتميّز بها من أجل أن يسقطه. وهنا يتحرك العجب من حالة غرائزية في نفس الإنسان تمثّل حسد الغريزة للعقل، باعتبار أن الغريزة عندما تلتهب فإنها لا تملك أية ضوابط تضبط لها حركتها، بينما يملك العقل، عندما يدرس الأمور بطريقة حسابية دقيقة، أن يركّز خطواته الفكرية على قاعدة التوازن، لأنّ أفقه هو أفق التأمل والتدبر والتعمّق في الأشياء.
وورد عن الإمام علي(ع): "رضاك عن نفسك من فساد عقلك"، فالرضا عن النفس يمثّل مظهراً من مظاهر فساد العقل، وذلك من جهة أن العقل عندما يطلّ على الذات فإنه يعمل على اكتشاف نقاط الضعف فيها ليحوّلها إلى نقاط قوّة، وهذا هو العقل السليم الذي يدرس الأمور بدقة ليتفهّم طبيعتها من دون أي تهاويل أو أية حالة انتفاخ، حيث يتوازن الإنسان في حركته في الداخل والخارج عندما يتوازن عقله، فإذا كان الإنسان راضياً عن نفسه بحيث لا يقف أمام أية نقطة ضعف، أو أية حالة خلل، فإن هذا يدلّ على أن عقله لا يملك خطّ التوازن في تفكيره.
ويقول(ع): "اتهموا عقولكم، فإنّه من الثقة بها يكون الخطأ". فعندما تنفتح على عقلك اعرف أن عقلك لا يمثل الطاقة التي تصيب دائماً، لماذا؟ لأنّ عقلك مكوّن في الغالب مما قرأته، ومما عشت تجربته، ومما سمعته، وربما يقع الخطأ في ما سمعت أو في ما قرأت أو عشت. لذلك عندما يتكوّن عقلك من خلال العناصر التي قد تصيب وقد تخطىء، فإن عليك أن لا تستسلم لكلّ ما ينطلق به فكرك الراشح من عقلك، فلعله ينطلق من العناصر الخطأ والقاعدة الخطأ، لذلك حاول أن تتهم عقلك لتعيد النظر في ما يملكه من فكر، أو لتحاور الآخرين في ما يطلق عقلك من فكر، فلعلّ الآخرين يكتشفون الخطأ في نتائج عقلك، كما أنّك قد تكتشف الخطأ في ما تنتجه عقول الآخرين.
وفي حديث آخر عنه(ع): "المعجب لا عقل له"، أي الذي يُعجب بنفسه يتحرّك من حالة غرائزية في شخصيته، بحيث يعطي عقله إجازة فلا يتحرك في ما يأخذ به عقله أو يعطيه.
وعن علي(ع): "إزراء الرجل عن نفسه ـ أي عندما تتهم نفسك، وتحاول أن تكشف نقاط الضعف فيها ـ برهان رزانة عقله ـ باعتبار أن العقل يقف أمام النفس التي تحمل نقاط ضعف ونقاط قوة، لينبّهها على نقاط الضعف لتقف موقفاً سلبياً من نقاط ضعفها ـ وعنوان وفور فضله، وإعجاب الرجل بنفسه برهان نقصه وعنوان ضعف عقله". لأنه ينطلق من حالة غريزية قد تخطىء دائماً وقد تنـزل الإنسان عن خط التوازن بدلاً من أن ينطلق من حالة عقلية.
العجـب من الحمـق
وقد ورد في بعض النصوص اعتبار العجب من الحمق، فالمعجب بنفسه الذي يعيش الإحساس بانتفاخ شخصيته هو إنسان أحمق، فالإمام علي(ع) يقول: "العجب حمق"، و"العجب رأس الحماقة"، و"العجب رأس الجهل"، لأنه يمنع الإنسان من الانفتاح على العلم، باعتبار أنه يحسب جهله علماً.
وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "من أعجب بنفسه هلك"، لأنه يستسلم لنفسه الأمّارة بالسوء من دون أن يفكّر في طبيعة الطريق الذي يسير فيه، والهدف الذي يسعى إليه، والعثرات التي تنتظره، والأمور السلبية التي تحيط به. "ومن أعجب برأيه هلك"، فعندما ترى رأياً فحاول أن تتأمل هذا الرأي وتدرسه في عناصره الداخلية، لتكتشف هل أنّ فيه نقاط ضعف أو أن فيه نقاط قوة، لتتفادى الضعف وتعزّز القوة، ولذلك فقد ورد في بعض الكلمات المأثورة: "من شاور الرجال شاركها عقولها"، اعرض رأيك على الناس الآخرين حتى تكتشف من خلال رأي الناس مدى إصابة رأيك أو خطئه.
ويمضي الإمام الصادق(ع) في حديثه فيقول:
"وإنّ عيسى بن مريم(ع) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه ـ فالحمق أشدّ من العمى والبرص والمرض والموت ـ فقيل يا روح الله، وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه ـ فهو يرى أن رأيه فوق الآراء فلا يمكن أن يخطىء كلية ـ الذي يرى الفضل كلّه له لا عليه ـ فله الفضل على الناس كلّهم وليس لأحد من الناس فضل عليه ـ يوجب الحقّ كلّه لنفسه ـ فهو يوجب لنفسه حقوقاً على الناس ولا يوجب عليها للناس من حق ـ فذلك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته". اعتقاداً منه أنه لا توجد هناك أية ثغرة يمكن أن ينفذ منها الإنسان الذي يريد أن يهديه إلى الهدى، لأنه سجن نفسه في سجن ذاته، فالمريض الذي يعتقد أنّه مريض فعلاً يذهب إلى الطبيب ليعالجه ويداويه، والإنسان الذي يشكّ في ما عنده من رأي أو فكر أو عمل، فإنه يستشير الآخرين ليصل إلى مرحلة الثقة والاطمئنان بما لديه، لكن المعجب بنفسه الذي يرى أنه العالم كلّه، وأن العالم يختصر في ذاته، هو إنسان أغلق على ذاته كلّ نوافذ النور، فلا ينفذ نور الحقّ ولا ضوء العلم إليه.
ومن كلمات علي(ع) ما يدلّل على خطورة العجب على عملية النموّ، فالإنسان المعجب بنفسه يبقى في المستوى نفس الذي هو فيه ولا ينمو، لأنّ النمو متى يكون؟ والازدياد متى يحصل؟ عندما يشعر الإنسان أنّ هناك نقصاً في عمله، وأنّ هناك نقصاً في خبرته، أما عندما يشعر أنه قد أكمل عقله وعلمه وخبرته ولم يعد بحاجة إلى شيء، وأنّه صار في المستوى الذي يعطي فيه ولا يأخذ، فكيف يمكن أن يزداد؟!
فعنه(ع): "الإعجاب يمنع من الازدياد". وللإمام الهادي(ع) كلمة أخرى في هذا المعنى أيضاً: "العجب صارف عن طلب العلم داعٍ إلى القمط"، أي أن المعجب بنفسه يقوم بعملية تقميط وحبس لنفسه فلا تتحرك باتجاه النموّ والازدياد.
وفي الحديث: "من أعجب بحسن حالته قصّر عن حسن حيلته"، فالإنسان الذي يعيش حالة العجب بنفسه، عندما يواجه أية قضية فإنه لا يستطيع أن يخطّط ويتدبّر الأمور، لأنّ المتدبّر هو الذي يفكّر في الأمور ويشعر بوجود المشكلات والأزمات والمآزق، أما الذي لا يشعر بذلك ويرى نفسه على حال حسن، فإنه لا يستطيع أن ينفتح على حلّ للمشكلة، لأنه لا يشعر بوجود مشكلة أصلاً.
منقول