أن مداراة الزوجة عمل لا يتقنه الصبي والرجل الجاهل، فكذلك أصول مداراة الزوج (التبعّل) لا تحسنها المرأة البليدة.
إن الرجل الذي يخوض معترك الحياة، ويخرج منه غالباً أو مغلوباً، لابد أن يكون له ملاذ آمن يأوي إليه ويستشعر فيه الطمأنينة والراحة والسكينة. وليس ثمّة ملاذ أكثر أمناً من الأسرة، على أن لا يكون زمام الرئاسة فيها بيد المرأة، ومن هنا فقد اعتبر الرسول (ص) ذلك الملاذ بداية لاستراحة الرجل ومنطلقاً لجهاد المرأة. كانت بضعة الرسول فاطمة الزهراء (ع) مثالاً لحُسن التبعّل، إلى درجة أن علياً (ع) متى ما كان يعود إلى تلك الدار المتواضعة، كان يستنشق فيها أنفاس الطمأنينة والاستقرار، ويعوذ فيها عن كل ما كان يلقاه من تنكيل الأعداء وما يسمعه من زفرات الأصدقاء. لقد كانت فاطمة تجسيداً لمبدأ حُسن التبعّل لزوجها، ونادرا ما كان يمضي يوم إلا والرسول (ص) يثني على هذه المرأة التي كانت تؤدي فريضة جهادها على خير وجه. لقد أوصى الرسول للمرأة بحُسن التبعّل، وأوصى الرجل بأن يبدأ بمن يعول. لأن المرأة لو قالت لزوجها يوماً: لم أجد في دارك خيراً. لن تشمّ رائحة الجنة. وإذا ترك الرجل زوجته وأولاده في عَوْزٍ وفاقة، فلن يكون في مأمن من ضغطة القبر، وإن كان كثير الصوم والصلاة والعبادة.
إن سعادة الأسرة رهينة بكفاءة المرأة وتدبيرها. وإنما قال الرسول (ص): ((الجنة تحت أقدام الأمهات))، وجعل الجنة حيثما تضع الأم أقدامها، فلأن الولد يقتفي آثار أمه، ويضع قدمه حيث تضع قدمها. فيا لها من منزلة رفيعة تكون فيها الجنة إكليلاً على رؤوس الخلائق، وتكون في الوقت ذاته تحت أقدام الأمهات. وإلا فإن جهنم فاغرة فاها تستقبل أياً كان، أباً كان أم أماً أم ولداً.
على المرأة أن تلتفت إلى قول الرسول الكريم (ص): ((قسط ساعة تعدل عبادة سنة)). وذلك لأن السلطان لا يُراد منه كل هذه العبادة وكثرة الصلاة والأوراد، وإنما يراد منه العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه. وأنتِ أيتها المرأة، عليك أن تحسني التبعل لزوجك بحيث تجعلينه يدعو لك في شيخوخته ويقول: جزاك الله خيراً يا زوجتي العزيزة، فأنتِ لم تتركي في قلبي ذكري سيئة، وأنا الآن بعدما جاوزت السبعين من عمري حينما ألتفت ورائي وأنظر إلى الماضي منذ عهد الطفولة حتى يومي هذا، أرى حياتي حافلة باللؤلؤ والمرجان، ولا أحدها زاخرة بالرماد أو التراب. فأنا لم أخلف رماداً، وإنما خلّفت ورائي جواهر.
إذا كان لديك زوج كفوء ودّعيه عند الخروج من الدار خطوة أو خطوتين، وحثّيه ـ بالأسلوب المقبول لديه ـ على الإحسان إلى
الناس وأن يعاملهم مثلما يرجو منهم أن يكرموا أولاده ويعاملوهم.
وإذا كان زوجك ربُّ عمل، ودّعيه وأوصيه بالعمّال خيراً، وذكّريه بالله وحضّيه على أن يكون للعمال أباً عطوفاً.
وإذا كان زوجك عاملاً، ذكّريه عند توديعك إياه بأنك إنما تودعينه امتثالاً لأمر الله، وادعيه إلى ذكر الله على كل حال، وأن لا يهمل عمله، ولا يلحق الضرر بأدوات صاحب العمل وأجهزته.
استقبلي زوجك عند مجيئه إلى البيت وسلّمي عليه واستطلعي أحواله، فإن وجدته مسروراً أظهري الانشراح والانبساط، وإن وجدته كئيباً محزوناً واسيه. فقد روي أن رجلاً جاء إلى الإمام وقال له: لدي زوجة كلّما رأتني مكروباً تقول لي: إن كنت مكروباً لأمر الدنيا ... لا جعلها الله من القدر بحيث تغتمّ لها، وإذا كنت مكروباً لأجل الآخرة زادك الله كرباً على كربك. فقال له الإمام: ((والله إن لله في هذه الدنيا موكلين، وزوجتك واحدة منهم)).
عندما تستقبلين زوجك خذي بيده إلى المكان الذي أعددته لراحته وأجلسيه فيه، واسأليه ما يشتهي من الفاكهة والطعام، وانظري هل يريد طعاماً أم يميل إلى الراحة؟ فإن وجدته راغباً في أن تنامي إلى جانبه، لا تمانعي. وإذا كان الأطفال يثيرون الضجيج والصراخ، اسأليه إن كان ضجيج الأطفال يؤذيه؟ وإنما يجب أن توجهي إليه مثل هذا السؤال لأن بعض الرجال يرون في ضجيج الأطفال دواءً لدفع السأم من ضجيج الحياة، ويحبون ضجيج الأطفال.
لا ترفعي صوتَكِ في البيت إلا ساعة مداعبة وملاطفة الأطفال. فالرجل في مثل هذه الحالة لا يزعجه علو الصوت ولا الإكثار من ملاطفة الأطفال، بل ينظر إلى كل ذاك بلذة وارتياح.
وبعد أن يستقر زوجك ابدئي بالكلام معه، فإذا رأيته قليل الجواب فاعلمي أنه لا رغبة لديه في الاستماع أيضاً. ولا تغفلي أن كثرة كلام الزوجة تشويش للزوج وإزعاج له. وكان القانون في الصين إلى ما قبل فترة وجيزة يتضمن مادة قانونية تنص على أن من جملة الحالات التي تبيح للزوج طلاق زوجته هي كثرة كلام الزوجة. النظافة أصل في غاية الأهمية يجب على الأب والأم رعايته. وقد نهى رسول الله عن رمي النفايات في موضع ما، معتبراً إياه موضعاً لتجمع الميكروبات وحثّ على عدم ترك خيوط العنكبوت عالقة في زوايا الدار. ومن الطبيعي أن الدار المليئة بالقاذورات تصبح بؤرة لتجمع الذباب والحشرات وتصبح بالنتيجة مركزاً لنقل الأمراض.
على المرأة أن تسعى غاية جهدها دون إتلاف شيء من المواد أو رمي شيء منها خارج الدار. وقد كان أحد كبار العلماء مرات عديدة يثني على زوجته قائلاً بأنها لا تترك شيئاً يذهب هدراً، وحتى أنها تحلي بذور الدراق ولا ترميها في النفايات.
من الطبيعي أن الشاب يبحث عن دور أمه في زوجته، والشابة تبحث عن أبيها في مرآة زوجها، وكل أب وكل أم يحبان أولادهما بالفطرة. ويجب الالتفات إلى المحبة بين الزوج والزوجة، وإدراك مغزى الآية الشريفة: (وجعل بينكم مودة ورحمة).
يجب على المرأة أن تلتفت إلى ما يميل إليه زوجها من الهوايات والأعمال، فالرجل الضعيف البنية الذي لا يوجد بين أقاربه شخص مفتول العضلات لا يمكنه التسجيل في نادي كمال الأجسام. وإذا لم يكن لدى الشخص الاستعداد الكافي، فلا فائدة من السعي والجهد. وإذا كان هناك استعداد وكفاءة ولكن لم تقترن بالجدّ والعمل فلا أمل في أن تكون الحياة ناجحة. ولا ريب في أن إدراك المرأة لمدى قدرات زوجها هو أفضل وسيلة لتمهيد سبل الرقي والنجاح أمامه.
إن الاندفاع والحرارة التي يثيرها العمل في مَن يرغب فيه يحفزه على اكتساب مزيد من المعلومات عنه، كي يؤديه على أفضل وأكثر نحو ممكن. وهذه القدرة أكثر ما تتوفر لدى المرأة. فالمرأة قادرة على إقناع الرجل بالاهتمام بخدمة الآخرين، فكما أن أفراد عائلته يتوقعون منه أن يقدم لهم خدمة، فكذلك يتوقع منه أبناء جنسه أن يقدم لهم ما يقدر عليه من الخدمة، وذلك لأن الناس ـ وحتى الحيوانات، بل وجميع الكائنات ـ بحاجة إلى بعضها الآخر. وإذا تخلف أحد منها عن أداء ما عليه، تتخلف على أثره سائر الكائنات.
وعليها أن تبين للرجل بأن خدمة الآخرين مدعاة لزيادة الحماس والاندفاع لدى الإنسان. أن الإنسان يحصل على نوعين من العطاء إزاء فضيلتين كبيرتين من فضائل الحياة، وهما: الإيمان والعمل الصالح، فإذا كان الإيمان قوياً وألزم المرء نفسه بأقصى درجات الطاعة والخدمة، يصبح قادراً على خلق الكرامة بإشارة واحدة. وإذا انتهج منهج الصلاح في أعماله، أي أن يؤدي أعماله بنظم وترتيب وبما ينسجم مع ناموس الكون، تستجيب له آفاق الحياة. إذ أن خدمة الناس تعتبر في الواقع خدمة للذات.
ويجب على المرأة أن تستوعب هذه القاعدة الإسلامية وهي أن زوجها إذا كانت له علاقات صداقة مع أشخاص غير صالحين عليها أن تسعى لمنعه عنهم بأساليب وطرق ليّنة ومقبولة. وفي مقابل ذلك تقوي لديه الرغبة في مجالسة العقلاء والمتدينين.
وبنفس القدر الذي ترى المرأة نفسها أضعف من الرجل بسبب بعض الأحوال والأوضاع من قبيل الحمل والحيض والرضاع، فهي تتحلّى أيضاً بنقطة قوة تعوض عما بها من نقاط الضعف، ألا وهي القدرة على الكيد. ولهذا فإن الزوج يرغب في أن يبثّها همومه قبل أن يتوجه إليها بالنصح، ويميل إلى أن تواسيه زوجته في مصائبه. أما إذا لم تدرك المرأة أن زوجها بحاجة إلى مستمع ينصت لهمومه وآلامه حتى يشعر بالراحة، فإنها لن تكون مثقفة ولا محبوبة في نظره.
إذا كُنتِ قد قرأتِ الكتب التي تتحدث عن كيفية التأثير في الآخرين، فلابد وأنكِ علمين كيفية الإصغاء إلى كلام زوجك، يجب أن تنظري إليه أثناء الكلام فإذا وصل إلى جملة مثيرة ابرزي الحركة المناسبة أو المظهر المناسب وكأنك متفاعلة معه بكل جوارحك، وأنك على استعداد للإقدام في سبيل دفع أسباب الأذى عنه. وإذا وجدت أثناء كلامه بأنه ينتظر منك أن تتكلمين، بادري إلى مواساته في الكلام واطلبي إليه أن يعتقد بأن المرء يجب عليه أن يبذل أقصى مساعيه في الحياة، أما إذا لم تتحقق بعض أمانيه، فذلك أمر ليس بيده وإنما منوط بمشيئة الله، وكما قال أمير المؤمنين علي (ع): ((عرفت الله بفسخ العزائم ونقض الهمم)). وإياك وإفشاء ما يبثّه إليك زوجك من هموم ولا تُفشي ذلك حتى لأمك وأبيك ولا حتى لأم زوجك وأبيه.
احذري من إظهار مثالب زوجك، إذ أن ذلك سيرسخ في أعماق نفسه، واعلمي أن الشيطان متى ما شاء أن يوسوس لك للاستهانة بزوجك والحطّ من قدره، ليس عليك إلا أن تذكري أمامه أنك يجب أن تكوني امرأة أفضل وأرفع مما أنت عليه حالياً. لا تقارني بين زوجك وبين أحد من الرجال الآخرين على الإطلاق، وخاصة بينه وبين زملائه في العمل. ونبهيه على الدوام إلى أن الامتثال لأحكام الإسلام هو أفضل مناهج الحياة. ولو أن الباري تبارك وتعالى كانت لديه أعطية لبني الإنسان أفضل من الدين لبعثها إليهم بواسطة نبيه (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع).
يجب على المرأة أن لا تقول لزوجها إنك رجل أبله وعديم الكفاءة وإنني لم أر في بيتك خيراً، وإلا فإنها لن تشمّ رائحة الجنة كما قال رسول الله (ص).
أَستَشِفُّ من مجمل المعارف الإسلامية أن الله تعالى يأمر المرأة أن لا تتكلم مع زوجها بكلام قبيح أو كلام فيه إساءة إليه. وعلى العكس، يجب على الرجل أن لا يتوانى عن الثناء على زوجته والإشادة بها. ويكفي في هذا المجال أن نعلم بأن علماء النفس في القرن الأخير أقرّوا ما جاء به الإسلام قبل أربعة عشر قرناً وهو أن المرأة إذا قالت لزوجها إنني أحبك. وعرف الرجل أنها كاذبة تتوارد على خاطره حينذاك أفكار سيئة وهواجس مؤذية، أما إذا قال الرجل لزوجته كذباً إنه يحبها فإن ذلك يترك تأثيرات إيجابية في نفسها حتى وإن كانت على بينة من كذب ادعائه. ويجب على المرأة أن لا تقول لزوجها: إنك لم تقدّم لي شيئاً، ولم أحصل على شيء منك، ولم أذق طعم السعادة في بيتك، وعليها أن لا تصف حياة زوجها بالسلبية.
وكما أن كل ذرة من ذرات كيان الرجل لا تتصف بالرجولة الكاملة، وهكذا الحال بالنسبة للمرأة أيضاً، ولا كل الإفرازات التي تولدها غدد الرجل رجالية تماماً، ولا كل ما تفرزه غدد المرأة نسائي بالكامل، مما يعني أن الذكورة والأنوثة أمر نسبي ذو مدارج متفاوتة، فما كل فتاة عروس بمعنى الكلمة، ولا كل فتى عريس بمعنى الكلمة، لهذا لابد لكل زوج أن يكون ملمّاً بأعمال ربة البيت ويساعدها فيها، وكذلك المرأة يجب أن تكون خارج دار زوجها بمثابة رجل.
ووفقكم الله جميعا لما يحب ويرضى
المصدر : شبكة ريحانة محمد