مَن هو أبو نَيزَر ؟
كان أبو نَيزَر مِن وُلْد بعض ملوك العجم، أو مِن وُلْد النَّجاشيّ. قال المبرّد في كتابه ( الكامل في الأدب ): صحّ عندي أنّ أبا نَيزَر مِن وُلْد النجاشيّ، رَغِب في الإسلام وهو صغير، فأُتيَ به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فربّاه، فلمّا تُوفّي رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عاش مع أهل البيت عليهم السّلام؛ إذ كان ربيبَ المصطفى صلّى الله عليه وآله.
وقيل: إنّ أبا نَيزَر مِن أبناء ملوك العجم، أُهديَ ( إمّا مملوكاً أو خادماً ) إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ صار إلى أمير المؤمنين عليِّ عليه السّلام وكان يعمل في بستانِ نخلهِ عليه السّلام، هو الذي نَقَل الخبرَ المشهور عن أمير المؤمنين عليه السّلام في استخراج العَين ووَقْفِها ـ كما ذكره المبرّد في ( الكامل في الأدب ).
وملخَّص الخبر: أنّ أبا نَيزر قال: جاءني الإمام عليٌّ عليه السّلام وأنا أقوم بالضَيعَتَين : عين أبي نَيزَر ، والبُغَيبُغة.. فقال لي: هل عندك مِن طعام ؟ فقلت: طعامٌ لا أرضاه لأمير المؤمنين، قَرْع مِن الضَّيْعة صَنَعتُه بإهالة ، فقال عليه السّلام: علَيّ به. فقام عليه السّلام إلى الربيع فغسل يده وأصاب منه، ثمّ رجع إلى الربيع وغسل يديه بالرمل حتّى نقّاها، ثمّ مسح على بطنه وقال: مَن أدخله بطنُه النارَ فأبعدَه الله. ثمّ أخذ المِعوَلَ وانحدَر في العَين وجعل يضرب.. فأبطأ الماء، فخرج وقد عَرَق جبينُه، فانتَكَفَه ، ثمّ عاد وجعل يُهَمهِم، فانثالت عينٌ كأنّها عُنقُ جَزُور ، فخرج عليه السّلام مُسرِعاً وقال: أُشْهِد اللهَ أنّها صَدَقَة. ثمّ كتب: هذا ما تَصَدَّق به عبدُالله عليّ، تَصَدَّق بالضَّيعَتَين على فقراء المدينة، إلاّ أن يحتاجَ إليهما الحَسَنان، فهما طلْقٌ لهما دون غيرهما. انتهى ملخّصاً .
ونصرٌ هذا..
هو ابن أبي نَيزَر الذي سُمّيتْ تلك العَين باسمه، وقد انضَمَّ نصرٌ إلى الإمام الحسين عليه السّلام يخدمه بعد شهادة أمير المؤمنين والحسن المجتبى عليهما السّلام، حتّى إذا عزم أبو عبدالله الحسين سلام الله عليه على الخروج من المدينة.. رافَقَه نصرٌ إلى مكّة، ثمّ إلى كربلاء، ليشترك مع الأصحاب في تلك الملحمة الشريفة.
الشهادة
قبل أن يبدأ القتال.. كان هنالك أمران قام بهما سيّدُ شباب أهل الجنّة عليه السّلام:
الأوّل ـ تعبئة صفوف عسكره، على قلّة العدد وخِذلان الناصر، فجعلَ زُهيرَ بن القَيْن في الميمنة، وحبيبَ بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايتَه أخاه العباسَ عليه السّلام، وجعل الخيامَ في ظهورهم، وأحرق الحطبَ والقصب في الخندق؛ لكي لا يُباغتَ جيشُه من الخَلْف، وتكونَ الخيام في مأمنٍ من نفوذ العدوّ.
والأمر الثاني ـ تَوَجَّه سيّدُ الشهداء عليه السّلام إلى جيش عمر بن سعد وخاطبَهم بحقائق أربَكَت ـ في بادئ الأمر ـ حالَهم، فغُربِلوا.. حتّى انحاز منهم جماعة وقد حَسَموا موقفهم إلى جانب الحقّ؛ لذا سارع عمر بن سعد إلى إشعال نار الحرب بأن رمى سهمَه المشؤوم نحو عسكر الإمام الحسين عليه السّلام منادياً: اِشهَدوا لي عند الأمير أنّي أوّلُ مَن رمى. ثم انهالت النِّبالُ، وسقط الأصحاب بين طريح، وجريح.. وبدأت الحملة الأولى، كلّ جهة تهجم هجمةَ رجلٍ واحد، فكان للإمام الحسين عليه السّلام خمسون شهيداً. فيما حمل شمرُ بن ذي الجوشن حتّى طعنَ فُسطاطَ الإمام الحسين عليه السّلام، ونادى: علَيّ بالنار لأُحرقَ بيوت الظالمين! فحَمَل عليه أصحاب الحسين عليه السّلام حتّى كَشَفوه عن الخيمة.
وفي تلك الحملة، كان مِن نصيب نصر بن أبي نَيزَر أن يشترك فارساً مُقاتلاً، حتّى عُقِرتْ فَرَسُه، ثمّ سقط شهيداً رضوان الله تعالى عليه . وإلى جانبهِ جمعٌ من الشهداء الأبرار
فرضوان الله عليهم مِن مخلصين
وسلام الله عليهم من مُضحّين
وصلوات الله عليهم من شهداء سعداء مفلحين