المُعَلَّم بُطْرُس كَرامة
شعراء من حمص
هو بطرس بن إبراهيم كرامة ، وُلِدَ في حمص سنة 1774 م وفيها نشأ وتادّب وتمكّن من العلوم . ترك والده إبراهيم حمص مع عائلته نتيجة خلافات عائلية نزح إلى عكا بفاسطين ثم إلى لبنان ، وكان بطرس يُتْقِن اللغة التركية نطقاً وكتابة ويحفظ الشعر وينظمه بسهولة منذ صغره . ولقد سمع الأمير بشير الشهابي أمير لبنان بنباهة وذكاء بطرس فأرسل بطلبه عام 1810 م حيث أنه بحاجة إلى مُعَلِّم ليدرّسَ ولديه خليل وأمين وعندما حضر كلّفه الأمير بمهمة تدريس ولديه . ولاحظ الأمير على المعلم بطرس كفاءته وسعة اطلاعه ونجابته وإخلاصه في العمل ،
فجعله من مُعتَمداً من قبله ومستشاره في شؤون الإدارة وجعله نائباً له ، واستمرّ المعلِّم بطرس في إدارة جبل لبنان فعُرِفَ بحكمته وجدارته فانتشر صيته وزادت شهرته وبقي مُلازماً للأمير لا يُفارقه مطلقاً ، وسافر معه إلى مصر واتصل بأدبائها حتى أنه في عام 1840 م حينما نُفيَ الأمير بشير إلى مالطة كان مُرافقاً له وبعدها رافقه إلى الأستانة (اسطنبول ) حيث اتصل ببعض رجال الدولة فَعُيِّنَ مُترجماً في البلاط وبقي يعمل في الأستانة حتى وافته المنية سنة 1851 م بعد وفاة الأمير بشير الشهابي بسنة واحدة .
كان المعلم بطرس كرامة شاعراً فذاً ، تنقّل بين سورية ولبنان ومصر ومالطة وتركيا فصيح اللسان ، ذو موهبة وقدرة بلاغية فائقة ، مهيب الجانب ، عفيف النفس ، له ديوان شعر مطبوع يحتوي على نحو سبعة آلاف أكثرها في مدح الأمير بشير الشهابي بيت أسماه ( سجع الحمامة ) طبع في بيروت سنة 1898 وقدّم له سليم ناصيف ويذكر عمر رضا كحالة أن له ثلاثة دواوين اولها ما نظم في سوريا وثانيها ما نظم في مصر وثالثها ما نظم في الأستانة وآخر مخطوط عنوانه ( سلافة العقول في منظومات اسطنبول ) موجود في مكتبة المرحوم عيسى اسكندر المعلوف بالإضافة إلى مختارات من الموشّحات الأندلسية بعنوان ( الدراري السبع). وتخليداً لذكراه أطلق مجلس مدينة حمص اسمه على إحدى الشوارع في حي الحميدية مقابل بناء الميتم الأرثوذكسي .
كان أكثر شعره في مدح الأمير بشير وأعماله كما مدح كل مَنْ عاصره من الأمراء والعظماء . وأشهر قصائده :
1 ـ القصيدة الخاليّة .
2 ـ هاجت ريـاحٌ
3 ـ ما للمعاني تفيض ؟ في رثاء الأمير بشير الشهابي .
4 ـ سرى النسيم .
5 ـ كيف أسلو .
6 ـ درّة القريض وشفاء المريض : قصيدة غير منشورة في ديوانه نظمها استغفاراً عمّا بدا
منه وعارض فيها دعاة المادية .
ونذكر أدناه فقرات من بعض قصائده :
( القصيدة الخاليّة ) :
التي تتكوّن من 32 بيتاً تنتهي كل أبياتها بكلمة خـال قال فيها :
أمن خدّها الوردي أفتنك الخـال فسحَّ من الأجفان مدمعك الخال ؟ ( الشامة ـ السحاب )
وأومضَ برقٌ من مُحيّا جمالهـا لعينيك أم من ثغرها أومض الخال؟ ( البرق )
رعى الله ذياك القوام وإن يكـن تلاعب في أعطافه التيه والخــال ( الخيلاء )
ولله هاتــيك الجفون فإنــها على الفتك يهواها أخو العشق والخال ( الخلي من العشق )
مهاة بأمي أفـتديها ووالــدي وإن لام عمي الطيّبُ الأصلِ والخال ( أخو الأم )
أرتنا كثيبــاً فوقه خـيزرانة بروحي تلك الخيـزرانة والخــال ( الأكمة )
غلائلها والدرّ أضحى بجـيدها نسيـجان ديـباج الملاحة والخـال ( الثوب الناعم )
ولما تـولّى طرفها كل مهجـة على قـدّها من فرعها عـقد الخال ( اللواء )
إذا فتكت أهل الجمـال فإنمـا لهنّ على أهل الهوى الملك والخـال ( الخلافة )
وليس الهوى إلاّ المروءة والوفا وليس لهُ إلاّ امــرؤٌ ماجـدٌ خـال ( سمحٌ كريم )
وكم يدّعي بالحب مَن ليس أهله وهيهات أين الحب والأحمق والخال ( الضعيف القلب والبدن)
مُعَذّبتي لا تجحدي الحب بينـا لما اتهم الواشي فإني الفتـى الخال ( البريء )
ولي شيمةٌ طابت ثناءً وعفّــةُ تُصاحبني حتى يُصاحــبني الخال ( الكفن )
ولا تسمعي قول العذول فإنــه لقد ساء فينا ظنه الســوء والخال ( التوهّم )
وظبية حسن مذ رأيت ابتسامها عشقت ولم تخط الفراسة والخال ( التخيّل )
توسم طرفي في محاسن وجهها فلاحَ لهُ في بدر سيمائها خال ( ما توسّمت من خير )
إلى مثلها يرنو الحليم صبـابةً ويعشقها سامي النباهة والخال ( الرجل الحسن المخيّلة )
أيا راكباً يطوي الفـلاة ببكرةٍ يُباع بها النهد المطهم والخال ( البعير الضخم )
بعيشك إن جئت الشام فعج إلى مهب الصبا الغربي يعنُّ لك الخال ( الجبل العظيم )
وسلم بأشواقي على مربع عفا كأن رباه بعدنا الأقفر الخال ( الذي لا أنيس له )
وإن قلنَ هل سام التصبر بعدنا ؟ فقل صبره ولّى وفرط الجوى خال ( مقيم ملازم )
لكل جمــاحٍ إن تمادى شكيمةٌ ولكن جماح الدهــر ليس له خــال ( لجام )
=============
وهذه فقرات من قصيدة هـاجت ريــاحٌ جاء فيها :
هاجتْ رياحٌ في الشمال تجــولً وتقدّمت ريحُ الجنــوب تصولُ
وتناوحت حتى كــأن هبوبَهــا فرسانُ حــربٍ أقبـلَت وخيولُ
هبَّت وقد جعل الغمــام ظليلهـا فكأنّــما هو قسْـطلٌ مشْبــولُ
والبرقُ في أفــق السمـاء كأنه بيـن الرــياح أسنّة ونُصـولُ
والغيمُ في أوّج الفضــاء كأنّـه درعٌ عليه عليــه مزْردٌ مقفـولُ
ونما الضباب على الهضاب مُعمِّماً قمـمَ الجبـال كأنـــه إكليـلُ
وتزاحمت فِرَقُ السّحاب وقد بـدا للرعْد في وســط الغيوم صَهيلُ
ما زالت الأنواء يخبط جيشــها حتى عــرا جيشَ الضياء أفولُ
والشمس قد كُسِفَتْ بشهر محـرَّم وجرت على إثْـر الكسوف سيولُ
وبجمعــة في ثالــثٍ منه أتى ثلجٌ يطــوف على البطاح ثقيلُ
عـمَّ الجبالَ كـذا البطاحَ جميعَها وتعمّمـتْ منه رُبـــاً وسهولُ
كم قـريةٍ أضحتْ به مغمــورة ما بان منها منـزلٌ وطلـــولُ
للـه كم من أنفسٍ هلــكت وكم من مربعٍ غضٍّ عــلاه ذبـولُ
فتصايحتْ تلك الخلائقُ بالدعـا للـه فهو الحــافظ المســؤولً
شمل الأنــام برأفةٍ نلنا بهــا أمْنـاً وزال الهــمّ والتنكيــلُ
والشمسُ قد كُسِفَتْ قفلتُ مؤرِّخاً ثلـجٌ أتى وبه الكُسـوفُ دليـلُ