بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
محور المصائب بدأ في اليوم الذي إرتحل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الدنيا حيث إرتأى القوم أن لا تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم وكانت نظرتهم في ذلك نظرة دنيوية وهذه النظرة أبعدتهم عن الأمر الإلهي في النص على تولية علي عليه السلام إماما على الأمة وهاديا لها من الضلال حيث قال تعالى ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )
وقد أورد الطبري في تفسيره المجلد 13 صـ 108 قال ذلك حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال ثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال ثنا معاذ بن مسلم ثنا الهروي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية وضع صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره فقال أنا المنذر ولكل قوم هاد وأومأ بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي ".
فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لينصبوا خليفة لرسول الله نيابة عن الأمة وبدا الإختلاف بينهم في ذلك حتى كادوا أن يتقاتلوا حيث أن الأنصار أرادوها لهم وعلى رأسهم سعد بن عبادة والمهاجرون أرادوها لهم لقربهم من رسول الله فهم ورسول الله من قبيلة واحدة لذا إرتأوا أن تكون الخلافة لواحد منهم وبعد جدال طال وشجار إحتدم تمت مبايعة أبي بكر من قبل جماعة ومعارضة جماعة
هذا والرسول صلى الله عليه وآله لم يدفن بعد
وكان علي عليه السلام مشغولا في تجهيز إبن عمه وأخيه فلم يحضر السقيفة وكان من أقوى المعارضين لما تم فيها لعلمه بأن الخلافة قلدها الله إياه من خلال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في غدير خم حينما أمسك بيده ونادى في مائة ألف أو يزيدون من الصحابة خاطبا
وهذا ما رواه أحمد في مسنده المجلد 4صـ 368 عن عطية العوفي قال ، سألت زيد بن أرقم فقلت له أن ختنا لي حدثني عنك بحديث في شأن علي « رض » يوم غدير خم ، فانا أحب ان أسمعه منك ، فقال : أنكم معشر اهل العراق فيكم ما فيكم ، فقلت له : ليس عليك مني بأس . فقال : نعم كنا بالجحفة فخرج رسول الله « ص » الينا ظهرا وهو آخذ بعضد علي « رض » فقال : يا أيها الناس ألستم تعلمون اني اولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى . قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه
وحتى من أجتمعوا في السقيفة كانوا يعلمون بذلك إلا أنهم كرهوا أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم وهذا ما أدى بالأمة إلى الضياع ولولا وجود الهادي على مر الزمان لساخت الأرض بمن فيها
نعم من هنا بدأت المصائب وأول ضحاياها بضعة المصطفى وروحه التي بين جنبيه لا لشيء إلا لدفاعها المستميت عن حق علي عليه السلام في الإمامة التي جعلها الله له دون سواه من خلال آية التبليغ حيث قال تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 67 المائدة
وبعد التبليغ بولاية علي على الأمة نزلت الآية الكريمة ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا...3 المائدة
فالحجة قد ألقيت وعلى كل من يحمل التقوى في قلبه أن لا يسكت على ضياع ذلك الحق الذي آتاه الله لخيرة أوليائه وحيث أن الزهراء عليها السلام هي الأقرب إلى علي وهي الأعرف به بعد أبيها رسول الله كان من واجبها أن تدافع عن حقه في الإمامة وأن تتحمل كل ما يجري عليها في سبيل أن لا يضيع ذلك الحق فصبرت على الأذى في جنب الله وتحملت المصائب العظام بدءا بغصبها حقها وانتهاءا باستشهادها مظلومة مهضومة من جراء الهجوم على دارها وتبعات ذلك الهجوم التي جعلها نحيلة سقيمة مسكورة أضلاعها والآهات سبيلها لإيصال مظلوميتها إلى أبناء الأمة على مر التأريخ
وحتى هذه الآهات أراد القوم إخمادها حتى لا تؤلب النفوس عليهم
إلا أن الأمير أرادها أن تتأوه وتتأوه وتتاوه لتبين للأمة أن بضعة المصطفى قد حل بها الأذى في سبيل الدفاع عن حق إمامها فبنا لها بيتا خارج المدينة أسماه بيت الأحزان تأتي إليه لتبث شكواها إلى خالقها وإلى أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله نائحة باكية واجدة على ظالميها منادية بأعلى صوتها
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت على مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
وبقيت على هذه الحال إلى لحظة إستشهادها وقبيل ذلك أوصت بوصاياها إلى الأمير ومن جملة وصاياها أن تدفن ليلا وأن يخفى قبرها وأن لا يدع أحد ممن ظلمها أن يحضر جنازتها
ولما أن إرتحلت إلى الرفيق الأعلى قام علي بتجهيزها والألم يفطر قلبه خصوصا حينما وقعت يداه على ضلعها المكسور حيث إنتحى جانبا وأخذ يبكي بكاءا عاليا
ومن ثم واراها الثرى ليلا برفقة الخلص من صحابته وأخفى قبرها والحزن يعلو صفحات وجهه المبارك
ونحن نطلق الآهات التي تحمل ألم الفاجعة لما جرى على سيدة نساء أهل الجنة بقلوب منفطرة وعيون دامعة حاملين الأسى في نفوسنا والحزن يبدو على صفحات وجوهنا
وعزاؤنا نوصله بدمائنا إلى قائم آل محمد عجل الله فرجه معاهدينه على البقاء على العهد في نصرة الدين بأرواحنا وأنفسنا سائرين على نهجه القويم
داعين المولى العلي العظيم أن يكحل ناظرينا بطلعته البهية لنكون من أعوانه الذين يظهرون الدين على الدين كله ولو كره المشركونه تحت قيادته المباركة متأملين أن ننال الشهادة في سبيل ذلك تحت لوائه
لنحظى بالدخول إلى جنات النعيم بمعية جدته المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام