تشكل الخبرة عنصراً مهماً في تقديم الأدوار التمثيلية ومجمل الأعمال الفنية، لكن صُنّاع الفن اليوم يتجاهلون في أعمالهم الخبرة الطويلة للنجوم الكبار بسبب تقدمهم في العمر، فيما يرفض هؤلا الكبار قدراً وسناً العودة بأدوارٍ لا تحفظ مكانتهم، ويغيبون عن الأعمال لأن ما يُعرَض عليهم من أدوار لا يُقدمهم بشكل يليق بخبرتهم وعطائهم، بينما هم بحاجة لأعمال تُلمِّع صورتهم في ذاكرة الجمهور عبر الأجيال.
مصطفى القياس/القاهرة:هل يُعقل أن الكثير من نجوم ونجمات الزمن الجميل ممن كانوا بمثابة الحلم الملهم لنجوم اليوم وغيرهم من الفنانين الصاعدين، أصبحوا الآن دون عمل بسبب إهمالهم من قبل صُنّاع الفن المصري؟ إنها مفارقة مؤلمة فعلاً حين نقوم بمقاربة بينهم وبين النجوم الأجانب الذين يستمرون بالعمل حتى أيامهم الأخيرة، وهذا دليل تقدير الشعوب الأجنبية لنجومهم، إلا أن الأمر في مصر بات محزناً للغاية رغم تمسك المجتمع بالقيم الشرقية من عاطفة وتعاون واحترام.
أمام هذا الواقع، يتجه كبار السن والقدر من الفنانين للإعتزال إحتراماً لأنفسهم ولمسيرتهم المهنية، فلا يشاركون بأعمالٍ فنية رديئة- هذا إن عُرِضَت عليهم الأدوار المناسبة! فعلى من تقع مسؤولية تغييبهم عن الأعمال الفنية؟
هل نفذت السيناريوهات حتى لا تتواجد الأدوار لكبار الفن المصري؟ هل يتحكم المخرج باختيار فريق العمل؟ أو المنتج الذي يعتمد العمل الفني على تمويله؟ في هذا السياق، تستعرض "إيلاف" في التحقيق التالي آراء الوسط الفني لتلقي الضوء مجدداً على الفنانين الكبار وحالهم في ظل ظروف الإنتاج في وقتنا الحاضر:
هالة صدقي: الفنان في مصر عمره قصير
رأت الفنانة هالة صدقي أن السبب لعدم إستعانة صُنّاع الفن المصرى بالنجوم والنجمات الكبار يعود لأن الكثير منهم لا يقبل العودة للمشاركة في الأعمال الفنية بأدوارٍ صغيرة لا تُناسبهم لأنهم مازالوا مقتنعين بضرورة التواجد كأبطال، فلابد من تصالح هؤلاء الفنانين مع أنفسهم من أجل العودة للعمل من جديد، ولابد من كتابة أدوار مناسبة لهم بما يتناسب مع نجوميتهم أيضاً. وقالت: "ليس لدينا شركات تُدير الفنان وتضعه في القالب الصحيح ليتم تقديمه بالأدوار المميزة، ولذلك فأنا أرى أن الفنان في مصر عمره قصيرجداً".
ورداً على سؤالها عن الفنانة التي استطاعت الحفاظ على نجوميتها رغم تقدمها في العمر، قالت: "الوحيدة التى إستطاعت التصالح مع نفسها هي الفنانة هدى سلطان، وأعتقد أنها الوحيدة التي إستطاعت التأقلم مع الأمر، حيث وافتها المنية بينما كانت محتفظة بنجوميتها، وأرى أنها توفت وهي نجمة رغم أن تحقيق ذلك ليس سهلاً".
وعن موقفها من الإستعانة بالفنانين الكبار في أعمالها الفنية، أجابت: إذا جاءت فرصة للإستعانة بالفنانين الكبار في أي عمل فني أُقدمه، فبالطبع لن أتردد في ذلك لأن الدائرة سوف تدور عليّ أنا أيضاً، كما أنني أرى أن وجود الفنانات الكبار في أي عمل فني يكون إضافةً إيجابية لهذا العمل. وأكدت أنها لا تتفق مع مقولة "بريق الفنان لا يدوم"، موضحة أن البريق سيدوم لو إستطاع الحفاظ على النجومية والنجاح مهما تقدم في العمر، والدليل على ذلك هو استمرار هدى سلطان وفريد شوقي بالنجومية حتى وفاتهما، لافتة لأنها لا تعتقد أن الموضوع مرتبط بالشكل أو الجمال على الإطلاق.
أنوشكا: أحرص على التواصل مع نادية لطفي
واعتبرت الفنانة أنوشكا أن كبار السن في الأعمال الفنية هم الخير والبركة، وقالت: لو أخذت الأمر بصفةٍ شخصية فأنا أستعين برأي الفنانة نادية لطفي في أعمالي لأنها من أوائل الناس التي تُعطينى رأيها وإنتقادتها دون مجاملة. فبالرغم من حرصي على معرفة آراء النقاد والجمهور، إلا أنني أعتبر رأيها الأكثر صدقاً وصوابية بالنسبة لي نظراً لخبرتها الطويلة. وأضافت: "بالرغم من جمالية العمل في المجال الفني وبريقه وبهجته، إلا أنه على الجانب الآخر هناك صعوبات نفسية كبيرة تواجه الفنان وخاصة في فترة انحصار الأضواء عنه لكبر سنه. ولكنني أرى الخبرة لدى هؤلاء الفنانين، وحينما أجلس معهم أستمتع بحديثهم، لأنهم أمضوا سنوات طويلة في اكتسابها".
وتابعت موضحة: أذكر مشهد واحد ظهرت به الفنانة كريمة مختار في فيلم "ساعة ونص" وصرختها وهي تقول "يارب". هذا المشهد أثر بي كثيراً. وأنا شخصياً أضم صوتي لكم في هذا الموضوع وأدعو الكتاب والمؤلفين لأن يكتبوا السيناريوهات لأدوار الأم والجدة بشكلٍ أكبر وبعمقٍ أكبر حتى تتناسب الأدوار مع خبرتهم وشهرتهم ومقامهم، لأنني أعتقد بأن استمرار عمل الفنان رغم كبر سنه سيعطيه دفعاً وقوة ليتغلب على أمراض الشيخوخة.
فاستمراهم بالعمل وتحت الاضواء بمثابة علاج. وشرحت أن مسؤولية اختيار الفنانين الكبار للمشاركة في الأعمال الفنية لا تقع على الفنان بل على وجود السيناريو والأدوار التي تحتاج حضوره. فلا بد من أن يكون له مساحة مهمة في العمل ليقبل به. وأضافت: أذكر أنني حينما تعاونت مع الفنانة سناء جميل، كنت أنهي مشاهدي بسرعة وأتفرغ لمشاهدة أدائها هي والفنان عبدالمنعم مدبولي وصلاح ذو الفقار، لأنني كنت أستمتع بمراقبتهم ومشاهدة أدائهم.
عفاف شعيب: الفنانون الكبار أرّخوا الفن
ورأت الفنانة عفاف شعيب أن المسؤولية تقع في الأساس على المؤلف والمخرج والمنتج لأنه ليس هناك أي سينما في العالم تخلو من أدوار مهمة للفنانين الكبار، حيث نرى أدواراً مميزة ومواقع لائقة بهم في الأعمال الأجنبية. ولا يجوز أن ننسى أن هؤلاء الفنانين هم من أرّخوا الحياة الفنية وساهموا برسم خارطة الفن المصري، ولا يصح أن نُقصيهم من العمل الفني بالتجاهل المؤلم.
وأشارت لاستمرار تواصلها مع الفنانة نادية لطفي منذ فترة ولقاءاتها مع الفنانة شويكار بين الحين والآخر، وقالت: بشكلٍ عام أنا حزينة لعدم الإستعانة بالفنانين الكبار وعدم إعطائهم قيمة فنية بما يناسب قاماتهم الكبيرة، لأنه لا يجوز أن يتجاهل جيل اليوم وصُنّاع الأعمال الفنية النجوم الكبار أصحاب الفضل على الفن المصري بهذا الشكل. فإقصاء كبار الفنانين عن العمل وتجاهلهم هو الذي يدفعهم لإعتزال الفن، وينعكس سلباً عليهم فالوقوف أمام الكاميرا والعودة لمزاولة العمل الفني شيء مهم للفنان الذي غاب عن الساحة الفنية لسنواتٍ طويلة.
إلهام شاهين: السيناريو هو من يُحدد الإستعانة بالفنانين الكبار أو الصغار في الأعمال الفنية
من جهتها الفنانة إلهام شاهين رأت أن "الإستعانة بكبار السن أو الصغار أمر يحدده الموضوع والسيناريو المكتوب، وذلك تبعاً للمرحلة العمرية والشكل المناسب للشخصية نفسها. فإذا كان هناك دور الأم أو الجد أو ما شابه ذلك فتكون هناك ضرورة للإستعانة بالنجوم كبار السن، ولكن إذا كان الدور لشاب أو فتاة صغيرة فبالتأكيد لا يمكن الإستعانة بفنان كبير".
داليا مصطفى: الدائرة تدور على الجميع
واعتبرت الفنانة داليا مصطفى أن مشاركة الفنانين الكبار في السن في الأعمال الفنية أمراً جيداً لأنهم يزيدون الأعمال الفنية نجاحاً وقيمة، والدليل أنه في السينما عند الغرب يستمر الفنان بالعمل حتى آخر يوم في حياته دون توقف. وقالت أن المسؤولية لا تقع على الفنان لأن الدائرة تدور على كل شخص، ولكن الأزمة تقع على الإنتاج والإخراج، فلابد من توافر الأدوار اللازمة لهؤلاء الفنانين وتقدير فنهم وخبرتهم لتأمين الإستعانة بهم في الأعمال الفنية". وشددت على أن تقدم الفنان بالعمر يفقده بريق الحضور في العالم العربي، لكن، الوضع في الدول الغربية يختلف لأنهم يقدرونه ويكرمونه طيلة حيات.
نسرين إمام: غياب فاتن حمامة ونيللي سببه غياب السيناريو المناسب
و استذكرت الفنانة نسرين إمام بعض المواقف مع الفنانين الكبار وقالت: تقابلت مع الفنانة نيللي في إحدى الحفلات وسألتها عن سبب غيابها عن الأعمال الجديدة، فأجابتني بأنها لم تجد العمل المناسب الذي يُقدمها بشكلٍ جيد. الرغبة في المشاركة بالأعمال الفنية موجودة لدى الفنانين الكبار، لكنهم يريدون أداوراً قيّمة تقدمهم بشكل جيد للجمهور ومفيد للجيل الجديد الذي يشاركهم الأدوار والمشاهد.
وشرحت: "المشكلة في الأساس تكمن في الدور المميز والسيناريو الذي يجذبهم وليس بفكرة البطولة وأهمية الدور. فأدوار الأم والجدة وما إلى ذلك تكون مهمة إذا كان السيناريو مهماً. وصرّحت بأنها سألت الفنانة فاتن حمامة عن غيابها وعدم المشاركة في الأعمال الفنية رغم أن الجمهور ينتظر عودتها بشغف، فأجابتها بأنها لم تجد عملاً ذي قيمة فنية، وأكدت أنها لا تُمانع العودة بعملٍ مميز إلا أنها لا تستطيع المشاركة بأعمالٍ ليست على المستوى المطلوب لتحفظ مسيرتها الفنية، ولا تريد أن تجعل من نفسها سخرية!
وختمت "إمام" بأنها ترى أن المسؤولية في الأساس تقع على عاتق المؤلفين، لأنهم بنصوصهم يصنعون الأدوار المناسبة لهؤلاء الكبار كي تُحفظ مكانتهم في الأعمال الفنية.