[align=right]
قصة سائق التكسي
بقلم عبدالرحمن المشهداني
في صباح يوم مشرق وجميل اوقفتُ سيارة اجره كي تقلني الى عملي وكانت سيارة حمراء اللون قديمه ذات نوافذ مكسره واما صاحبها فكان رجل ذو وجه جميل ولكن كانت علامات الحزن في وجهه ظاهرة ويرتدي ملابس باليه.بدأت رحلتنا وهو صامت لم يتكلم بكلمه واحده.فبدأت انا بالحديث .
انا :- طقس جميل اليس كذلك ؟؟. فيرد: وفي صوته تعب وحزن ظاهران
نعم سيدي الجو جميل اليوم. ويدوم سكوته مرة اخرى. حاولتُ اكثر من مره ان احدثهُ لارضي فضولي عن سبب حزنه ولكن دون فائده تذكر, فسكتنا نحن الاثنان لمدة ليست بالقصيره وثم التفت الي وعينه كانت تدمع بما يكفي لارى تألمه وقال سأخبرك بقصتي كاملةً لان رأيتك مهتماً لامري فقص لي قصته فكان اسمه (-----------) وكان متزوجاً وله ثلاثة اطفال ولدان وبنت وفي يوم قرر القدر ان يأخذهم منه كلهم في نفس اللحظة, وامام عينه حيث انفجرت عليهم قنبلة ماتوا على اثرها وصاروا اشلاء بشر وهو يقف مكتوف اليدين لا يستطيع فعل شئ , اقام مجلس للعزاء لاحقاً وتقبل العزايا من الجميع ولكن اي عزاء يشفي غليله وجروح قلبه فقد اصبح وحيداً بعد الان , بعد الحادثة باسبوع جاء اليه رجل شاب وقال له انا الذي نصبت القنبلة وقد قمت بقتل عائلتك خطأٍ ولكن اقسم بالله الذي رفع السماء بلا عمد ان هذه اول مره اخطأ فيها ولا اعرف السبب ,وها انا ذا امامك واعرف ما في داخلك من ألم لاني قد ذقته قبل ذلك من قِبَلْ قوات الاحتلال التي قتلت لي اسرتي,والان سلمتُ لكَ قَدري فأي حكم تحكمهُ انا راضٍ به , فعندما سَمِعَ الرجلُ قصة قاتل عائلته احس ان نار قلبه انطفئ شيئاً منها فعفى عنه ولم يطلب جزية ,فانطلق الى المكان الذي جاء منه وبقي الرجل وحده في بيته يفكر في عائلته التي دُمرتْ, فقرر ان يقتل نفسه ليتخلص من هذا الالم ولكن قبل ذلك يعمل لايفاء الديون التي عليه , فظل يعمل طوال اليوم الى ان استأجره رجلٌ سكران لا يفقه ما يقول من الكلام فسأله ما بكَ مهموماً كما اراك ؟؟ فاخبره بقصته كاملةٍ ,فسكتَ الرجل ودام صمتهُ الى ان وصل الى المكان المقصود وبعد دفع الاجره نصحه بالعمل في الايام القادمه وان يقص قصته على كل من يستأجره ويسمع رأيه فيها حتى يختار الرأي الاكثر صواباً من بين الجميع ومنه يجمع المال ليسدد الديون التي عليه وان لم يقتنع بالنهايه ينفذ ما يجول في خاطره في ذلك الحين وبالفعل اقنعني هذا الرجل وجعلني افكر فيما نصحني,وفي اليوم التالي بدأتُ بالعمل وكأن الامل قد بُثَ لي من جديد ولكن مازالت فكرة الانتحار في بالي ولم اتردد في فعلها وقلتُ في نفسي اجرب فلن اخسر شيئاً حتى ارى ما سيخبرني الناس ,فاستأجرني كثير من الناس وقصصتُ قصتي على القليل منهم فالاول استأجرني رجلا غنياً قد تعطلت سيارته فلما قصصت عليه قصتي قال لو كنت مكانك لانتحرتُ فوراً ولم اكن لاتردد لحظة, حينها عرفت انني اتخذْت القرارَ الصحيح واما الثاني فكنتُ اظنه شاباً ملتزماً بدينه لانه كان طويل اللحية ولما قصصتُ عليه قصتي اجابني بنفس ما اجاب به الاول فزادني تصميماً على قراري واما الثالث فكان شيخاً عجوزاً في اخر عمره وكان فقيهاً بالدين فلما قصصت عليه قصتي نهاني عن الانتحار ووصفه لي انه لخطيئة كبيره عند الله ولم يسديني النصيحه بما افعل كأنه يعرف ان لا مخرج من مصيبتي الا الانتحار,بعدها ذهبتُ الى بيتي لكي انال قسطاً من الراحه وعندما اصبحت الساعه الخامسه عصراً خرجتُ كي اكمل عملي كما نصحني الرجل السكران,اتجول واتجول في المدينه ,اصبحت الان الساعه السادسه ولم يستأجرني احد,فقررت الرجوع الى البيت وفي طريقي الى البيت رأيت مجموعه من الشباب يركضون وراء شابين اثنين فوقفت لهما وقلتُ لهما ان يركبا معي وهربنا سوية ولما ابتعدنا سألتهم عن سبب لاحاق اولئك الشباب ورائهم فقصوا لي قصتهم كان الشاب الاكبر اسمه صهيب والاصغر فارس وهم اولاد لرجل غني كان قد مات قبل ايام, وكان هؤلاء الشبان هم اولاد اعمامهم كانوا يريدون قتلهم كي يكون الورث لهم وحدهم, فقلتُ لهم انا وحيدٌ في بيتي ومستعد ان اخبأكم فيه فقبلوا وذهبنا الى البيت وهناك قصصت عليهم قصتي وعبروا عن اسفهم لامري وسألتهم لو كنتم مكاني ماذا تفعلون فاجاب فارس: سأحاول اكمال حياتي واما صهيب فامتنع عن الجواب لا ادري لماذا, وفي الصباح اوصلتهم من حيث ما اخذتهم وبدأت اعمل من جديد وقضيتُ يومي يسأتجرني هذا وذاك ولكني لم اخبر اي احد من هؤلاء بقصتي انتهى يومي الثاني وفي طريقي الى البيت فكرت بمصيبتي كثيراً وقررت الانتحار فلما وصلت الى البيت رأيت صهيب جالس عند باب البيت ينتظرني فسألته ما بالك ؟؟ فاخبرني ان اخاه قد قتل على يد اولاد عمه واما هو فاستطاع الهرب وهو لا يعرف احداً غيري ليختبأ عنده فادخلته للبيت وتعشينا سوية وقال لي كنت اظن اني لن اراك ثانية فسألته عن السبب فقال لي ظننت انك قتلت نفسك فقلتُ في نفسي لولاك لكنت الان ميتاً وبينما كان يقص لي ماذا فعل اولاد عمه بأخوه فاذا بالباب تطرق فخفنا ان يكون الطارق هم اولاد عم صهيب فنظرت بخلسه عبر النافذه فرأيت ناس لا اعرفهم فطلبت من صهيب ان يختبأ,فتحت الباب لهم فاذا بهم يسألوني عن صهيب واطلعوني على صورته وقالوا لي وصهيب يستمع بانه شاب مدمن على المخدرات هو واخوه وانه اليوم قام بقتل اخوه وهو هارب منهم منذ اكثر من اسبوع , فلم اخبرهم بوجود صهيب ولما ذهبوا سالتُ صهيب ما هذا الكلام ؟؟ فقال لي والله انهم يفترون علي وظل يقسم بالله فقلتُ له اليوم هو اخر يوم لك هنا وبعدها لا اريدك ان تريني وجهك ثانيةً وفكرتُ اني لم ارى على وجهه اثراً ادمان المخدرات ربما اكون تسرعت في حكمي عليه وفي اليوم التي استيقظت ولم اجد صهيب ووجدتُ رسالة مكتوبة منه اخبرني فيها عن اسفه ولم يذكر صدق او كذب ما قاله اولاد عمه عنه وقال ايضاً في الرساله :- كنت افكر في مشكلتك في تلك الليله ولم انساك ابداً ان كنت تريد حلً لمشكلتك سأرشدك على رجلً اذهب اليه هو من لديه الجواب الذي سيرضيك ولكن لا تقل له اني ارشدتك له , في البداية لم اهتم الى كلامه وظننته يريد بي سوءً ولكن ظل الفضول يثيرني حول هذا الرجل وهل فعلاً لديه الجواب الذي سيشفيني من تعبي وحزني ؟؟ فركبت سيارتي وذهبت الى هناك وبقيتُ اراقب هذا الرجل من بعيد للتأكد من صدق كلام صهيب واتضح ان الرجل رجل صالح جميع الناس يحبونه فذهبت اليه واستقبلني احسن الاستقبال في بيته المتواضع واخبرته بمصيبتي كاملة فضيفني عصير برتقال وطلبتُ منه الحل فقال لي من ارشدكَ اليَ فقلتُ له ان الذي ارشدني اليكَ لا يرضى ان اذكر اسمه ولا اعرف لماذا !! فاذا به ياخذ عصير البرتقال مني ويطردني خارج بيته فغضبتُ وبدأتُ بالصراخ عليه وهممت بالرجوع الى البيت فاذا بالرجل يفتح الباب لي ثانية ويقول ارجع فانا لم اكمل نصيحتي لك ان كنت تريد ان تريد النصيحه فرجعت اليه ودخلت فامرني بالجلوس فقلت له اكمل نصيحتك لان اريد الذهاب فقال لن اتحدث حتى تجلس فجلستُ وقدم لي هذه المره عصير الزبيب فضربت عصير الزبيب من غضبي وسقط ارضاً وقلت لن اشرب شيئاً اما ان تقول ما هي نصيحتك او اذهب فقال لي ان شئت الذهاب لما اتيتَ لما طردتكَ وملئ الكأس ثانيةً واعطاها لي فقال اشرب فشربتُ عصير الزبيب فاعجبني طعمه اكثر من عصير البرتقال وارتاح بالي قليلاً فقال لما كنت تشرب عصير البرتقال كانوا هؤلاء عائلتك ولما سحبتهُ منك مثل القدر غضبتَ وعندما طردتك من بيتي زاد غضبك مثلما زاد غضبك عندما رأيت بقاتل عائلتك واما نصيحتي هي ان ترجع الى بيتك اقصد الى حياتك الجديدة لانك الان خارجها اي ان تنسى عائلتك وتبقي ذكراهم في قلبك فقط فهنا تدخل حياتك الجديدة ولكن ينقصك ان تبدأ بها فسئلته وكيف ابدأ بها ؟؟ فقال بشربك لعصير افضل كعصير الزبيب الذي يريحك من حرمانك من عصير البرتقال, ففهمت انه يقصد ان ابدأ بحياة جديدة وانشأ اسرة جديدة تنسيني الم اسرتي القديمه التي تدمرت , بصراحه اعجبتني نصيحة الرجل وكيف اسداها لي بطريقة ذكية فشكرته جزيل الشكر وسألته من اين لك كل هذه الحكمه فقال لي ان اخبرتني من ارشدك اليَ اقول لك قصتي, اثارني الفضول حول قصة هذا الرجل الحكيم ولكن تذكرت ان صهيب حملني امانة ان لا اذكر اسمه فقلتُ له لا يمكنني ان اخبرك اسمه ولكن سأتي اليك لاحقاً لاخبرك بأسمه واعرف بقصتك , وانطلقت لابحث عن صهيب وبقيت اليوم كله ابحث عن صهيب ولم اجده فبدأ قلبي يأنبني على طردي له وفي نهاية اليوم رجعت الى بيتي ولم استطيع ايجاد صهيب فنمت وكلِ قلق على صهيب من اولاد عمه وفي صباح اليوم التالي ذهبت لاسأل عليه في المستشفيات ولم اجده فخرجت بالسيارة ابحث عنه من جديد الى ان وجدته جالس وحيداً في احد شوارع المدينه فاوقفت السيارة وجلستُ بجانبه فالتفت الي ولم ينطق بكلمه واحده فاعتذرتُ له فسألني:- أذهبت الى الرجل الذي ارشدتكَ اليه ؟؟, وانا اقص عليه كيف نصحني الرجل رأيت احداً من اولاد عمه فصرخت بصهيب هيا بسرعه انهم اولاد عمك اتوا فلم يرضَ صهيب ان يركب معي وقال اتركني وبدأوا يقتربون منا فسحبتُ صهيب رغماً عنه في السيارة وانطلقت بأقصى سرعة فضرب احد منهم النار علينا وتكسرت نوافذ السيارة كما ترى ولما فقدوا اثرنا نظرت الى صهيب فكان مصاب بطلقة في صدره فذهبتُ به بأقصى سرعة الى اقرب مستشفى وهناك اكملت الاجرائات وبدأوا بانتزاع الطلقه من صدره فبقيتُ انتظره الى ان سمعت ان اولاد عمه ابلغوا عني الشرطة واتهموني بخطف ابن عمهم وكان الشهود هم الناس الذي رأوني وانا اجر صهيب الى السيارة كي انقذه فاضطررتُ الى الهروب من المستشفى والبقاء بعيداً عن الانظار وبقيتُ ايامً في الخارج ولم يتبقى لي نقود وزادت حالتي سوءً لما عرفت بان صهيب قد مات على اثر تلك الطلقه ولكن لم اصدق ذلك الا عندما رأيت اسمي ضمن اسماء المطلوبين للعداله بسبب قيامهم بجرائم قتل حينها اسودت الدنيا في وجهي وادركت ان نهايتي قد حانت ,وانا الان مطارد من الشرطة ومن اولاد عم صهيب ومن مصيبتي التي فرحتُ اني سأتخلص منها قريباً , وبعد سماعي لقصة السائق العجبيبة وصلت الى مكان عملي واعطيته اجرته ونزلت مبتعداً عنه بسرعه خوفاً من ان تصيبني مصيبة منه اذا رأوني الشرطة معه واكملت يومي وبقى الفضول يثيرني حول ما سيحصل لهذا الرجل مرت الايام .... وبعد اسبوع قررتُ الذهاب الى الرجل الحكيم الذي ذهب اليه ذلك السائق كي اعرف باقي قصته فقصصت عليه كيف تعرفتُ على السائق الذي اسمه (--------) فقال الرجل الحكيم:- ان (-------) بعدما اوصلك الى مكان عملك جائني واستشارني مرة ثانية وقال لي عن اسم صهيب فنصحته بالاتكال على الله وبعدها اخبرته بقصتي كاملة , وبالفعل تم اظهار برأءة السائق وذلك عن طريق احدى كاميرات المراقبة التي كانت لاحدى المحلات وقام صاحب المحل بتسليمها ليكتشف الشرطة ان الذين قتلوا صهيب هم اولاد عمه وليس السائق فسقطت تهمة القتل عن السائق والقي القبض على اولاد عم صهيب ولكن استطاع احد منهم الهرب من الشرطة واما السائق وبعدما تفتحت زهرة الحياة بوجهه من جديد, قرر ان يبدأ بداية جديده مع نفسه ولكن الرجل ابن عم صهيب الذي استطاع الهرب من الشرطة ذهب الى بيت السائق وقتله فمات السائق واما ابن عم صهيب فلم يستطع احد القبض عليه, وبعدما عرفت بما حل بالسائق بدأ يثيرني الفضول حول قصة هذا الرجل الحكيم ومن هو وكيف صار حكيماً هكذا, ولكن هذا الرجل الحكيم رفض ان أخباري بقصته ولكني سأحاول معرفتها ولكن سأقصها عليكم بعد ان اسمعها منه بنفسي وفي ذلك اليوم رجعت الى البيت وحمدتُ الله على ان عائلتي موجوده وان لي اقارب افضل من اقارب صهيب وادركتُ ان الله احب هذا السائق ووضع كل هذه العراقيل امامه حتى لا يجعله ينتحر وامنتُ ان الله يخلق المصائب لكي يختبرنا ويعلمنا ويزيدنا حكمة ............
القصة فيها اكثر من عبرة وهي ان لا تأخذ ظاهر الافعال فقط لان معظم الافعال يكون القصد منها باطنها وليس ظاهرها وان تصبر على ما يصيبك من مصائب الدهر وان تحاول ان تشرب عصير الحياة الجديدة حتى تتخلص من الم الحياة القديمه وان تكون وان لا تصدق كلام الناس حتى تتاكد منه .......
بقلم اخوكم عبدالرحمن المشهداني
[/align]
[align=justify][/align][align=justify][/align][align=justify][/align]