الحجّاج بن زيدٍ السَّعْديّ
هكذا ذُكِر
الحجّاج بن زيد السعديّ ، بصريّ مِن بني سعد بن تميم ( من عدنان عرب الشمال ). جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الإمام الحسين عليه السّلام، فبقيَ معه حتّى يوم عاشوراء.
قصّة الكتاب
قال السيّد الداوديّ: إنّ الحسين عليه السّلام كتب إلى: المنذر بن الجارود العَبديّ، وإلى يزيد بن مسعود النَّهشليّ، وإلى الأحنَف بن قيس.. وغيرهِم من رؤساء الأخماس والأشراف. فأمّا الأحنَف، فكتب إلى الحسين عليه السّلام يُصبّره ويُرجّيه. وأمّا المنذر، فأخذ الرسولَ إلى ابن زياد فقتله!
وأمّا مسعود بن عمرو، فجمَعَ قومَه: بني تميم، وبني حنظلة، وبني سعد، وبني عامر.. وخطبهم فقال:
ـ يا بني تميم، كيف تَروَنَ موضعي فيكم، وحَسَبي منكم ؟
فقالوا: بَخٍ بَخٍ! أنتَ واللهِ فقرة الظَّهر، ورأس الفَخْر، حَلَلتَ في الشرف وَسَطاً، وتَقدَّمت فيه فُرُطاً.
قال مسعود: فإنّي قد جمعتُكم لأمر، أُريد أن أُشاورَكم فيه، وأستعين بكم عليه.قالوا له: إنّا واللهِ نمنحك النصيحة، ونَجهَدُ لك الرأي، فقُلْ حتّى نسمع. فقال: إنّ معاوية قد مات، فأهْوِنْ به واللهِ هالكاً ومفقوداً! ألا وإنّه قد انكسر بابُ الجَور والإثم، وتَضَعضَعَت أركانُ الظلم. وقد كان أحدَثَ بيعةً عقَدَ بها أمراً ظَنّ أنّه أحكَمَه، وهَيهاتَ الذي أراد! اجتهد واللهِ ففشل، وشاور فخُذِل. وقد قام يزيدُ شاربُ الخمور، ورأسُ الفجور، يَدَّعي الخلافةَ على المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضىً منهم، مع قِصَرِ حِلْم، وقلّةِ عِلم، لا يَعرف من الحقّ مَوطئ قدمه. فأُقسِمُ باللهِ قَسَماً مبروراً، لَجهادُه على الدِّين، أفضَلُ من جهاد المشركين. وهذا الحسينُ بنُ عليٍّ أميرِ المؤمنين، وابنُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، ذو الشرف الأصيل، والرأي الأثيل ، له فضلٌ لا يُوصَف، وعِلمٌ لا يُنزَف، هو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسِنِّه، وقِدَمِه وقَرابته، يَعطِف على الصغير، ويَحنو على الكبير، فأكْرِمْ به راعيَ رعيّة، وإمامَ قومٍ وَجَبَتْ للهِ به الحُجّة، وبَلَغَتْ به الموعظة. فلا تَعْشُوا عن نور الحقّ، ولا تَسْكَعوا في وَهَدِ الباطل فقد كان صَخْرُ بن قيس ( يعني الأحنَف ) قد انخَزَل بكم يوم الجَمَل فاغسِلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ونُصْرتِه. واللهِ لا يُقصّر أحدٌ عن نُصرته إلاّ أورَثَه اللهُ الذُّلّ في وُلْدِه، والقِلّةَ في عشيرته. وها أنا ذا قد لَبِستُ للحربِ لامتَها، وادَّرَعْتُ لها بدِرْعِها، مَن لم يُقتَلْ يَمُتْ، ومَن يَهربْ لم يَفُتْ. فأحسِنوا ـ رَحِمكمُ الله ـ رَدَّ الجواب.
فقالت بنو حنظلة: يا أبا خالد، نحن نَبْلُ كِنانَتِك ، وفُرسان عشيرتك، إن رَمَيتَ بنا أصَبْتَ، وإنْ غَزَوتَ بها فَتَحْتَ، لا تَخوضُ غَمرَةً إلاّ خُضْناها، ولا تَلقى واللهِ شِدّةً إلاّ لَقِيناها، نَنصُركَ بأسيافنا، ونَقيكَ بأبداننا، إذا شِئتَ. وقالت بنو أسد: أبا خالد، إنّ أبغَضَ الأشياء إلينا خِلافُك، والخروج مِن رأيك، وقد كان صخرُ بنُ قيس أمَرَنا بتركِ القتال، فحَمِدنا ما أمَرَنا به، وبَقِيَ عِزُّنا فينا، فأمْهِلْنا نُراجعِ المَشورة، ونَأْتِك برأينا.
وقالت بنو عامر: نحن بنو أبيك، وحُلَفاؤك، لا نَرضى إن غَضِبْتَ، ولا نُوطِنُ إن ظَعَنْتَ فادْعُنا نُجِبْكَ، وأْمُرْنا نُطِعْكَ، والأمرُ إليكَ إذا شِئتَ.
فالتَفَتَ مسعود بن عمرو إلى بني سعدٍ وقال:
ـ واللهِ يا بني سَعْد، لئن فَعَلتُموها لا رَفَعَ اللهُ السيفَ عنكم أبداً، ولا زالَ فيكم سيفُكم. ثمّ كتب إلى الإمام الحسين عليه السّلام ( قال بعض أهل المقاتل : ) مع الحجّاج بن زيد السعديّ:
أمّا بعد.. فقد وصَلَ إليَّ كتابُك، وفَهِمتُ ما نَدَبتَني إليه ودَعَوتَني له، مِن الأخذ بحظّي مِن طاعتك، والفوزِ بنصيبي مِن نُصْرتك، وإنّ اللهَ لم يُخْلِ الأرضَ مِن عاملٍ عليها بخير، ودليلٍ على سبيلِ نجاة، وأنتم حُجّةُ اللهِ على خَلْقهِ، ووديعتُه في أرضيه، تَفَرّعتُم مِن زيتونةٍ أحمديّة، هو أصلُها، وأنتم فَرعُها، فأقْدِمْ سُعِدتَ بأسعدِ طائر؛ فقد ذَلَّلْتُ لك أعناقَ بني تميم، وتَركتُهم اشَدَّ تَتابُعاً في طاعتك مِن الإبل الظِّماء لِورودِ الماء يومَ خِمْسِها. وقد ذَلَّلتُ لك بني سعد، وغَسَلْتُ دَرَنَ قلوبها بماءِ سَحابةٍ مُزْن، حين استَهّل بَرقُها فلَمَع.
ثمّ أرسَلَ مسعودُ بن عمرٍو كتابَه هذا مع الحجّاج بن زيد، وكان الحجّاج متهيّئاً للمسير إلى الإمام الحسين عليه السّلام بعدما سار إليه جماعةٌ مِن العَبْديّين، فجاؤوا إلى الإمام الحسين عليه السّلام بالطفّ، فلمّا قرأ الإمامُ عليه السّلام الكتاب قال للحجاج: آمَنَكَ اللهُ مِن الخوف، وأعزَّكَ وأرواكَ يومَ العَطَش الأكبر.
وبقي الحجّاج مع أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه حتّى استُشْهِد بين يديه
الفوز.. في الفائزين
قال المحليّ اليمانيّ في ( الحدائق الورديّة ): قُتِل الحجّاجُ بنُ زيدٍ السَّعْديّ مُبارزَةً بعد الظُّهر. وقال غيره: قُتِل في الحملة الأولى بعد الظهْر أي بعد أن قام الإمام الحسين عليه السّلام إلى الصلاة ظهيرة عاشوراء، فصلّى سلام الله عليه فيمَن بقيَ مِن أصحابه، وقد انقَضَت الحملة الأولى، واستُشهِد فيها خمسون مِن أصحاب سيّد الشهداء عليه وعليهم السّلام، واستُشهِد: مسلمُ بن عَوسَجة، وحبيب بن مظاهر، والحُرّ الرِّياحيّ، وسعيد بن عبدالله الحنَفَيّ.. وغيرهم، وعُقِرت الخيل، فتَقَدَّم بقيّةُ الأصحاب: أبو ثُمامة الصائديّ، وزُهَير بن القين، وعمرو بن قَرَظَة، ونافع بن هلال الجَمَليّ، وأسلَم التركيّ، وبُرَير بن خُضَير، وحنظلة بن سعد الشِّباميّ، وعابِس بن شَبيب الشاكريّ، وجَون مولى أبي ذرّ.. ومَن بَعدَهم، كلٌّ قاتَلَ قتالَ الأبطال الأبرار، مُجاهداً في سبيل دينه، وبين يَدَي إمام زمانه، حتّى استُشهِدوا جميعاً.
وكان في جملة هؤلاء الشهداء السعداء: الحجّاج بن زيدٍ السعديّ، الذي توجّه المولى الإمامُ المهديّ المنتظر عجّل الله فَرَجَه الشريف بالسلام عليه مُعدِّداً لشهداء طفّ كربلاء، في زيارته لهم يوم عاشوراء، قائلاً:
السَّلامُ على الحجّاجِ بن زيدِ السَّعْدي... السَّلامُ عليكم يا خير أنصار، السَّلامُ عليكم بما صَبَرتُم فنِعْمَ عُقبى الدار، بَوّأَكُمُ اللهُ مُبَوَّأَ الأبرار