لم يكن مشهد النهاية المأسوية التي أجبرت عليها الفتاة المصرية المسكينة سمية رضا خطاب البالغة من العمر 19 عاماً، بإلقاء نفسها من أعلى كوبري قصر النيل الشهير مفضلة الموت حتى تنجو من براثن ذئب بشري أبي إلا أن يتحرش بها، إلا صرخة إدانة مدوية في وجه المجتمع المصري الذي أوشك أن يحتل المرتبة الأولى عالمياً في ارتكاب جرائم التحرش بالمرأة،
حسبما جاء في أحدث تقرير لوكالة الأسوشيتد برس الأمريكية في مايو الماضي الذي انتهى إلى أن نحو 99 في المئة من فتيات وسيدات وأطفال مصر تعرضن للتحرش لفظاً وفعلاً، بعدما ماتت الضمائر وغابت القيم وتبخرت الأخلاق، منذ ثورة 25 يناير التي خرج الشباب فيها يطالب بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية،
ومع إسقاط النظام الحاكم، سقطت القيم والأخلاق في الشارع المصري على خلفية حالة الانفلات الأمني وأصبحنا نسمع ونرصد ونشاهد حالات من التحرش الجنسي الجماعي بشكل حيواني تقشعر له الأبدان.
عقوبة قاسية ... ولكن!
وبحسب تركيبة المجتمع المصري البالغ تعداد سكانه 87.850 مليون نسمة التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الذكور احتلوا النسبة الأكبر بـ51.3 في المئة من هؤلاء السكان بينما تمثل الإناث 48.7 في المئة،
فإن نحو 40 مليون أنثى "تقريباً" تعرضن ويتعرضن للتحرش يومياً رغم كثرة القوانين الذي تجرمه، ورغم تغليظ العقوبات بالمتحرشين، التي تبدأ بالحبس 6 أشهر وتصل إلى حد الإعدام، لكن يبدو أن نسبة كبيرة من الرجال والشباب والفتيان يعيشون حالة من الفوران الجنسي لم يشهدها المجتمع المصري من قبل.
كبت جنسي وغياب الأخلاق
يقول د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، الذي أرجع انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في مصر إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وازدياد معدلات الطلاق والكبت الجنسي في المجتمع وغياب القيم الأخلاقية التي كان رجال المجتمع المصري يتحلون بها مثل الشهامة والنخوة والرجولة،
وقال: إن "التحرش لا يرتبط فقط بمناطق الفقراء في مصر، بل انتقلت عدواه إلى المناطق الراقية التي أصبح يحدث فيها ذلك"، مضيفاً أن فكرة الزواج انتابها خلل اجتماعي وأصبح الأزواج يصابون بالملل عقب الزواج، فلم تعد هناك صفات القدرة على الكفاح والتحمل التي كانت سائدة في الماضي وتعطي الفرد الإحساس بالمسؤولية والانتماء للمنزل،
كما ذكر أستاذ الطب النفسي أن قيم الحصول على كل شيء دون مجهود أضحت سائدة في المجتمع، إضافة إلى تعامل الشارع باستهانة شديدة مع التحرش طالما لم يصل إلى حدِّ الاغتصاب، وسيادة ثقافة الصمت داخل المجتمع.
الثقافة تغيرت
من ناحيتها، ترى الدكتورة " آمنة نصير" أستاذ الفلسفة بجامعة الأزهر أن الثقافة المصرية تغيرت "انظروا إلى أولادنا اليوم، لا يوجد شيء يملأ حياتهم باستثناء التلفزيون والإنترنت،
والآن لدينا مشكلة الزواج المتأخر، وعندما تجتمع كل هذه العوامل في سلة واحدة تكون النتيجة مشكلات اجتماعية مثل التحرش".
غياب الأمن
وفي تقرير آخر رصد الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى تفشي ظاهرة التحرش الجنسي في مصر فيما يلي:
ـ 20 في المئة من الشباب المصري يعاني البطالة التي تؤدي إلى العجز في إشباع الاحتياجات الاقتصادية والعاطفية ومن أهمها تأخر سن الزواج بشكل كبير.
ـ الرجال والشباب ينفقون أكثر من 20 مليار جنيه سنوياً على المخدرات التي تسهم في تغييب الوعي وتساعد على انتشار التحرش.
ـ دخول الشباب على المواقع الإباحية بشبكة الإنترنت بشكل مكثف وغير مسبوق.
ـ غياب الأمن وربما اختفاؤه من الشارع المصري، ما أدى إلى ارتفاع نسبة جرائم التحرش الجنسي التي تمثل 20 في المئة من مجمل الجرائم التي ترتكب بعد أن كانت تمثل في السابق 6 في المئة فقط.
المصدر القاهرة - روتانا