الرسول الأعظم
محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم
هو النبي المختار محمد بن عبدلله صلى الله عليه وآله وسلم , آخر الأنبياء والمرسلين,أبوه عبدالله بن عبدالمطلب
وأمه آمنة بنت وهب,ولد في مكة المكرمة سنة عام الفيل.فقد والده قبل أن يولد.ماتت امه وهو في السادسة من عمره الشريف, نشأ في حجر جده عبدالمطلب حتى مات وهو في الثامنة من عمره , كفله عمه أبو طالب وسافر معه إلى الشام في الثانية عشر من عمره , تزوج مع خديجة بنت خويلد في الخامسة والعشرين من عمره , وبعث على الأربعين من عمره الشريف,قام بأمر الله ودعى إلى سبيله إلى أن أرادوا به كيداً . فترك مكة قاصداً يثرب سراً وخفية عن عيون الأعداء
بات علي في فراشه تلك الليلة التي خرج ليغطي الأمر على المشركين.دخل المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وأقام فيها عشر سنين.
أرتحل إلى رضوان الله في بداية السنة الحادية عشر في الثامن والعشرين من شهر صفر ودفن في حجرته الشريفة .
سجل لنا التاريخ صوراً رائعة وقصصاً جميلة عن أيام صغره وإليكم بعضها:
"أمـيــر عــلى صبــيان بنـي هــاشم"
قال السروي : ولما ظهر أمره صلى الله عليه وآله وسلم
عاداه أبو جهل وجمع صبيان بني مخزوم
وقال: أنا أميركم وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبدالمطلب على النبي وقالوا:
أنت الأمير
قالت أم علي وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست ولها زمان يابسة , فأتى
النبي صلى الله عليه وآله يوماً إلى الشجرة فمسّها بكفّه فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرطب
فكنت كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة , فإذا كانت وقت ضاحي النهار, يدخل يقول : يااماه
أعطيني ديوان العسكر,وكان ياخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسّم الرطب على صبيان بني هاشم,
فلمّا كان بعض الأيام دخل وقال : يا اماه أعطيني ديوان العسكر.
فقلت : ياولدي إعلم أن النخلة ما أعطتنا اليوم شيئاً , قالت: فوحقّ نور وجهه لقد رأيته
وقد تقدم نحو النخلة وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد انحنت حتى صار رأسها عنده ,
فأخذ من الرطب ما أراده ثم عادت النخلة كما كانت.فمن ذلك اليوم
قلت: اللّهم ارزقني ذكراً يكون أخاً لمحمد فحملت بعلي بن أبي طالب فرزقته,
فما كان يقرب صنماً ولا يسجد لوثن كلّ ذلك ببركة محمد صلى الله عليه وآله.
"أراهــا حراماً يصونني ربـي"
كان النبي إبن سبع سنين , فقالت اليهود , وجدنا في كتبنا أن محمداً يجنّبه ربّه من
الحرام والشبهات فجرّبوه , فقدّموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة , فكانت قريش يأكلون
منها والرسول تعدل يده عنها , فقالوا : مالك؟
قال : أراها حراماً يصونني ربي عنها.
فقالوا : هي حلال فنلقمك؟
قال: فافعلو إن قدرتم , فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات , فجاؤه بدجاجة
أخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء , فتناول منها لقمة
فسقطت من يده.
فقال : وما أراها إلاّ من شبهة يصونني ربي عنها.
فقالوا : نلقمك منها , فكلما تناولوا منها ثقلت أيديهم.
فقالوا : لهذا شأن عظيم.
"حــديث البستان في بــيت أبـي طالب"
قالت فاطمة بنت أسد : كان في بستان دارنا نخلات ,
وكان أوّل إدارك الرّطب , وكان أربعون صبياً من أتراب محمد
يدخلون علينا كل يومٍ في البستان ويلتقطون ما يسقط , فما رأيت قط محمداً أخذ
رطبة من يد صبي سبق إليها, والآخرون يختلس بعضهم بعضٍ. وكنت كل يوم
ألتقط لمحمد حفنة فما فوقها , وكذلك جاريتي.
فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط له شيئاً ونسيت جاريتي , وكان محمد نائماً
ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب وأنصرفوا .فنمت فوضعت الكمّ
على وجهي حياءً من محمد إذا انتبه.
قالت فاطمة: فانتبه محمد ودخل البستان فلم ير رطبة على الأرض, فانصرف,
فقالت له الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.
قالت:فانصرف محمد إلى البستان وأشار إلى نخلة
وقال: أيّتها الشجرة,أنا جائع.
قالت:فرأيت الشجرة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها محمد
ما أراده , ثم ارتفعت إلى موضعها.
قالت فاطمة: فتعجّبت وكان أبو طالب قد خرج من الدار وكل يوم إذا رجع وقرع الباب
كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب.
فقرع أبو طالب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت , فقال :
هو إنّما يكون نبياً وأنتِ تلدين وزيره بعد ثلاثين سنة.
ولدت علياً كما قال.
" حـديث النــخلة بــرواية المــسعودي "
قال: وكانت في دار أبي طالب نخلة منعوتة بكثرة الحمل,موصوفة بالرّقة وعذوبة
الطعم,شهية المضغ,يعقب طعمها,رائحة طيبة عطرية,كرائحة الزعفران
المذاب بالعسل كثيرة اللحا,قليلة السحا,دقيقة النوى,فكان رسول الله يأتي إليها
كلّ غداة مع أتراب له منهم أبو سفيان ابن الحرث بن عبدالمطلب بن عمه وأبو
سلمة بن عبد الأسد,ومشروح بن نوبية ,فيلتقطون ما يتساقط تحتها من ثمرها
بهبوب الرياح ووقوع الطير ونقره,وكانت فاطمة بنت أسد لاترى رسول الله
يسابق أترابه على البسر والبلح والوقار والرطب في أوانه وكان الغلمة يبادرون
لذلك وهو يمشي بينهم وعليه السكينة والوقار بتواضع وابتسام ويتعجب من
حرصهم وعجلتهم,فكان إن وجد شيئاً ساقطاً بعدهم أخذه والا انصرف بوجهه
منبسط و بشر حسن,فكانت فاطمة تعجب من شدة حيائه وطيب شأنه,وسرعة
دمعته وكثرة رحمته,فربمّا جمعت له من تمر النخل قبل مجيئهم فإذا أقبل
قدمته إليه فيحب أن يأكله معهم.
" مــن أيــن لك هــذه الثــياب الـفــاخرة "
قال الواقدي: ولمّا كملت له عشرة أشهر قامت حليمة يوم الخميس وقعدت
على باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي لتزيّنه وتحمله إلى عند جده
عبدالمطلب,قال: فلم ينتبه النبي وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة,فلم
يخرج إلاّ بعد أربع ساعات,فخرج رسول الله مغسول الرأس,
مسرح الذوائب,وقد زوّق جبينه وذقنه,وعليه ألوان الثياب من السندس
والإستبرق,فتعجبت حليمة من زينة النبي ومن لباسه ممّا رأت عليه,
فقالت: ياولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزّينة الكاملة؟
فقال لها محمداً:أما الثياب فمن الجنة,وأمّا الزّينة فمن الملائكة,
قال: فتعجبت حليمة من ذلك عجباً شديداً,ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة,
فلمّا نظر إليه عبدالمطلب,قام إليه واعتنقه,وأخذه إلى حجره,فقال له:
ياولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزّينة الكاملة؟
فقال النبي:ياجد إستخبر ذلك من حليمة,فكلمته حليمة وقالت: ليس
ذلك من أفعالنا,فأمر عبدالمطلب حليمة أن تكتم ذلك,وأمر لها بألف درهم بيض,
وعشرة دسوت ثياب,وجارية رومية,فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة
إلى حــيّـها.
" حــوار النبي مــع ســادن الــكعــبة "
وفي إثبات الوصيّة: كانت فاطمة بنت أسد لا تفارق رسول الله في ليل
و لانهار, ولا تغفل عنه وعن خدمته ,وتتفقّد مطعمه ومشربه,فكان
يسميها أمّي,وهجرت الأصنام...وتسلّت برسول الله وخدمته عن كل شيء,
فلمّا قطعت عادتها وجد عليها السّدنة من ذلك ومنعوها من الدّخول على الصّنم
الأعظم,وكان رسول اللهيحضر قريشاً في مشاهدهم كلّها غير السّجود
للأصنام والذّبائح للأنصاب وفي حال شرب الخمر ووصف الشعر وقول الزّور
فإنّه كان يجتنبهم مذ كان طفلاً حتّى استكمل فدخل يوماً على سادن من سدنة
الأصنام فقال له:لم تعنت على أمّي فاطمة وتمنعها من زيارة هذه الأحجار
المؤثرة فينا الإعتبار؟
فقال له السادن:لأنها أتت بأمور متشابهة وقطعت بر الآلهة ,وهي لمن عبدها
نافعة ولمن جاء إليها شافعة,وستعلم إبنة أسد أنها لاترزقها ولداً,فقال له
النبي: أ ألأصنام ترزقكم الولدان وتأتيكم بالغيث عند المحل في
السّنوات الشداد؟!
قال له السادن: نعم! أوما علمت نحن نحمد ذلك عند الأصنام عاجلاً في الفاقة
وآجلاً مدخراً,والتفت إلى السدنة فقال: هذا غلام مات أبوه وجده وامه وظئره
وهو طفل,فكفله من لا يعبأ به ولا يدله على رشده وهو عمه وامرأة عمه
فقال له النبي: فأخبرني عن هذه الأصنام من خلقها ومن ابتداع الأمم
السالفة ورزقها؟
قال السادن: الله فعل ذلك,وهو لجميع الخلق مالك
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فإن أمي تجعل قربانها لله الحي القائم القديم,
فهو أحق من الأصــنام.
الإمام علي عليه السلام
علي بن أبي طالب أمه فاطمة بنت أسد, ولد بعد مضي ثلاثين سنة
من عام الفيل.أخذه النبي من أبيه وامه وهو صغير وتولّى تربيته بنفسه
الزكية حتى بعث بالنبوة.فأتبعه الإمام وكان أول من آمن
به وصّدق رسالته وكان ملازماً له إلى أن هاجر النبي
إلى المدينة,فهاجر بعده بأيام وألتحق به في قبا.
نصبه الرسول إماماً للأمة من بعده,تزوج بفاطمة في السنة الثانية
من الهجرة.
عاش بعد النبي ثلاثين سنة.صابراَ على أنواع المحن ممّا حلّ به
من ظلم الأمة من بعد الرسول,إلى أن بويع له بالخلافة في سنة 35
من الهجرة.خرج إلى البصرة لإخماد فتنة الزّبير,ثم دخل الكوفة وحارب
القاسطين والمارقين وأقام فيها إلى أن ضربه أشقى الأشقياء
عبدالرحمن بن ملجم المرادي على ام رأسه الشريف بالسيف في
شهر رمضان في مسجد الكوفة حال الصلاة في سنة الأربعين من
الهجرة, دفن بظهر الكوفة -النجف الأشرف- بوصية منه.
سجل لنــا التــاريخ صوراً رائعــة عن أيام صغر هذا البطل المقدام
وإليكم بعضها:
" لــم يـفــتـح عيـنـه إلا فــي وجــه النــبي "
وفي المناقب: كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربّيا النبي
وربى النبي وخديجة لعلي وسمعت مذاكرة أنه لما ولد علي
لم يفتح عينيه ثلاثة أيام,فجاء النبي ففتح عينيه ونظر إلى النبي فقال:
خصني بالنظر وخصصته بالعلم.
?لــقد علمـتـم مــوضــعي من رســول الله?
ووصف الإمام أمير المؤمنين أيامه التي قضاها مع رسول الله
من عهد طفولته إلى أن ارتحل النبي
قال في نهج البلاغة: أنا وضعت بكلاكل العرب,وكسرت نواجم قرن
ربيعة ومضر,وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة,
والمنزلة الخصيصة,وضعني في حجره وأنا وليد, يضمّني إلى صدره,
ويكنفني في فراشه,ويمسّني جسده,ويشمّني عرفه,وكان يمضغ الشىء ثم
يلقمنيه,وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل,ولقد قرن الله به
من لدن كان فطيماً,أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن
أخلاق العالم ليله ونهاره,ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل إثرامه,يرفع لي في
كلّ يوم علماً من أخلاقه,ويأمرني بالإقتداء به,وقد كان يجاور في كلّ سنة
بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير
رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما,أرى نوري الوحي والرسالة وأشمّ
ريح النبوة,ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه,فقلت:
يارسول الله ماهذه الرنّة؟
فقال: هذا الشيطان قد آ يس من عبادته.إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ
أنك لست بنبي ولكنّك وزير وانّك لعلى خير.
" عـلــي مــحـطــم الأصــنــام "
وفي الخرائج: أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد وكان علي صبيّاً : رأيته
يكسر الأصنام,فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك.
فقالت: يا عجباً أخبرك بأعجب من هذا وهو أنّي اجتزت بموضع كانت
أصنامهم فيه منصوبة وعليّ في بطني,فوضع رجليه في جوفي شديداً لا
يتركني أقرب منها,وان أمرّ في غير ذلك الموضع وإن كنت لم أعبدها قط,
وإنّما أطوف بالبيت لعبادة الله, لا الأصنـــام.
" يــا أمــاه لا تــشــدّي يـــدي "
عن عبدالله بن غالب,عن الصادق في خبر قالت فاطمة بنت أسد
_لمّا ولد علي_: فشددته وقمطته بقماط فنتر القماط,ثم جعلته قماطين
فنترهما,ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستة منها أديم وحرير فجعل
ينترها,ثم قال: يا أمــاه لا تشدّي يدي فإني أحتاج أن أبصبص
لربي بإصبعـــي.
" كـــأنـّـك حــيــدرة "
وعن أنس عن عمر بن الخطاب أن عليّاً رأى حية تقصده وهو في المهد
وشدّت يداه في حال صغره.فحوّل نفسه فأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها
وغمزها غمزة حتّى أدخل أصابعه فيها وأمسكها حتّى ماتت,فلمّا رأت ذلك
أمه نادت واستغاثت فأجتمع الحشم,ثمّ قالت: كــأنــك حــيــدرة.
وقال دعبل:
أبـو تراب حيدرة *** ذاك الإمـام القسورة
مــبيد كل الكفرة *** ليـس له منــاضـل
مبــارز ما يهب *** وضــغيم ما يـغلب
وصـادق لا يكذب *** وفــارس مــحاول
سيف النبّي الصّادق *** مــبيد كـل فــاسق
بـمرهف ذي بارق *** أخــلصه الصــياقل
" قــضمــنا عـــلي "
وعن أبي عبدالله انّه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة
لمّــا بارزه علي: ياقـضم؟
قال: إن رسول كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب
وأغروا به الصبيان وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة
والتراب,وشكى ذلك إلى علي.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك,
فخرج رسول الله ومعه أمير المؤمنين وكان يقضمهم في وجوههم
وآنافهم وآذانهم,فكان الصبيان يرجعون إلى آبائهم ويقولون: قضمنا علي ,
قضمنا علي , فسمي لذلك القـــضم.
" عــلــي أوّل مــن صــلـــى "
وفي المناقب عن كتاب الشيرازي: أن النبي لمّا نزل الوحي عليه أتى
المسجد الحرام وقام يصلي فيه, فاجتاز به علي وكان إبن تسع سنين
فناداه: يا علي,إليّ أقبل, فأقبل إليه ملبّياً قال: انّي رسول الله إليك خاصة
وإلى الخلق عامة,تعال ياعلي فقف عن يميني وصلّ معي,فقال:يارسول الله
حتّى أمضي واستأذن أباطالب والدي قال اذهب فإنه سيأذن لك,فانطلق يستأذن
في اتباعه.
فقال: ياولدي تعلم أنّ محمّداً والله أمين منذ كان إمض واتبعه ترشد وتفلح
وتشهد,فأتى علي ورسول الله قائم يصلّي في المسجد فقام عن يمينه
يصلي معه,فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصلّيان.فقال: يامحمد ما تصنع؟
قال: أعبد إله السماوات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد ياعم وأنا
أدعوك إلى عبادة الله الواحد القهّار,فضحك أبو طالب حتّى بدت نواجذه وأنشأ
يقول:
والله لن يـصلو إليك بجمعهم *** حتـّى أغيب في التـّراب دفينا
" الــطــفــل الـذي لــم يــتـرك صــلاة الــجمـاعة "
روى المفيد(رحمه الله) بسنده عن يحيى بن عفيف بن قيس,عن أبيه قال:
كنت جالساً مع العباس بن عبدالمطلب بمكة قبل أن يظهر أمر النبي حين
تحلقت الشمس,ثم استقبل الكعبة فقام يصلي,ثم جاء غلام فقام عن يمينه,ثم
جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشّاب,فركع الغلام والمرأة,ثم رفع الشاب
فرفعا,ثم سجد الشاب فسجدا,فقلت: ياعبّاس: أمر عظيم! فقال العبّاس: أمر
عظيم,أتدري من هذا الشّاب؟
هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب إبن أخي,
أتدري من هذا الغلام؟
هذا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب,إبن أخي,
أتدري من هذه المرأة؟
هذه خديجة بنت خويلد.
إنّ ابن أخي هذا حدّثني أن ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين
الذي هو عليه,ولا والله ما على الأرض على هذا الدين غير هولاء
الثــلاثـــة.
فــاطمــة الــزهراء عليها السلام
بنت رسول الله ولدت في مكة المكرمة لخمس من الهجرة.
امها خديجة بنت خويلد.كان النبي يكرمها ويعظّمها غاية التعظيم
وكان يقول فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني.هاجرت مع من
هاجر من مكة مع الفاطــميات إلى المدينة.تزوجها الإمام أمير
المؤمنين علــي بن أبي طالب في السنة الثانية مــن الهجرة
وولدت له الحسن والحسين وزينب وام كلثوم.
لها مواقف كريمة ومشاهد عظيمة إتجاه ولاية الإمام أمير
المؤمنين وخلافته بعد النبي , عاشت بعد أبيها ستة أشهر
وانتقلت إلى جوار ربّها في شهر جمادى الأولى أو الثانية
وغسلها الإمام ودفنها ليــــلاً ســــراً وخـفى
قبرها بوصية منها لئلاً يحضر جنازتها والصلاة عليها من
سلب حقها ومنع إرثها وظلمها وآذى النبي فــــيها.
سجـل لنا الــتاريخ بعضٍ من صور طفولة هذه المرأة العظيمة
وإليــكم بعضــها:
" النــطــق بــالشــهــادة حــين الــولادة "
روى المفضل بن عمر عن الصادق حديث ولادة فاطمة قائلاً:
إنّ خديجة لما تزوج بها رسول الله هجرتها نسوان مكة فلم يدخلن
عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها,فاستوحشت خديجة لذلك
وكان جزعها وغمها حذراً على رسول الله , فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة
تحدّثها من بطنها وتصبّرها...فلم تزل خديجة على ذلك إلى ان حضرت ولادتها,
فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم لتلين من أمرها ما تلي النساء,فأرسلن إليها:
أنتِ عصيتينا ولم تقبلي قولنا وتزوجتِ محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له,
فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً,فاغتمت خديجة لذلك,فينما هي كذلك إذ دخل
عليها أربع نسوة سمر طوال,كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن
فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة فإنّا رسل ربك إليكِ ونحن أخواتكِ,أنا سارة
وهذه آسيا بنت مزاحك رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثوم
أخت موسى بن عمران,بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء,
فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من
خلفها.فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة,فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور
حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه
ذلك النور,ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة
وإبريق من الجنة وفي الإبريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين
يديها,فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوتين أشدّ بياضاً من اللّبن
وأطيب ريحاً من المسك والعنبر,فلفتّها بواحدة وقنعتها بالثانية.ثم استنطقتها
فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت:
(( أشهد ان لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له, وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء,
وأنّ بعلي سيّد الأوصياء,وولدي سادات الأسباط,سلّمت عليهنّ وسمّت كلّ واحدة
منهنّ بإسمها.وأقبلن يضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشّر أهل السّماء
بعضهم بعضاً بولادة فاطمة ..))
" دفـــاع الــزهـــراء عــن أبــيها "
روي عن عبدالله بن مسعود أنه قال بينما رسول الله ذات يوم قائماً
يصلي بمكة وأناس من قريش في حلقة فيهم أو جهل بن هشام,فقال:
ما يمنع أحدكم أن يأتي الجزور التي نحرها آل فلان فيأخذ سلاها ثم
يأتي به حتى إذا سجد وضعه على ظهره.
قال عبدالله: فانبعث أشقى القوم وأنا أنظر إليه فجاء به حتى وضعه على
ظهره,قال عبدالله: لوكانت لي يومئذ منعة لمنعته.
وجاءت فاطمة وهي يومئذ صبيّة حتى أماطته عن ظهر أبيها ثم جاءت
حتى قامت على رؤسهم فأوسعتهم تقريعاً.
قال: فوالله لقد رأيت بعضهم يضحك حتى أنه ليطرح نفسه على صاحبه
من الضّحك,فلما سلّم النبي أقبل على القوم فقال: اللّهمّ عليك بفلان
وفلان.فلما رأوا النبي قد دعا أسقط في أيديهم.
قال: فوالذي لا إله إلاّ غيره,ما سمّى النبي أحداً إلاّ وقد رأيته يوم بدر
وقد أخذ برجله يجرّ إلى القليب مقتولاً.
" يـــا أبــــتاه أيـــن أمـّـــي "
وعن أبي عبدالله قال: إنّ خديجة لمـّـا توفّيت جعلت فاطمة تلوذ
برسول الله وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمّي؟ فجل النبي
لا يجيبها,فجعلت تدور وتسأله: ورسول الله
لا يدري ما يقول,فنزل جبرئيل فقال: إنّ ربّك يأمرك ان تقرأ على فاطمة
السّلام وتقول لها: إنّ أمّك في بيت من قصب,كعابه من ذهب,وعمده ياقوت
أحمر,بين آسية -إمراة فرعون- ومريم بنت عمران.
فقالت فاطمة: إنّ الله هو السّلام , ومنه السّلام , وإليه السّلام.