كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يكون حريصًا على إيصال الخير إلى إخوانه من المسلمين، وأن يكون هذا الشعور متجرِّدًا لله، ولا يتعلَّق بمصالح دنيويَّة أو مادِّيَّة؛ لهذا كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يحضَّ المسلم على الدعاء لأخيه بظهر الغيب، أي يدعو له وهو غائب غير حاضر؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ". وفي رواية أخرى عند مسلم كذلك عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ".
فهذه صورة عجيبة يُشَجِّعنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء للمسلمين؛ فالخير لن يصل إلى الأخ فقط؛ إنما سيناله الداعي كذلك؛ لأن الله الذي أرسل الملَكَ ليقول: "آمِينَ". أرسله وهو يُريد الإجابة، كما أن الملَكَ يقول بيقين: "وَلَكَ بِمِثْلٍ". وهذه مسألة لا يمكن أن يقطع بها الملَكَ بمفرده، إنما أخبره الله بتحقُّق الإجابة، فصار أداء هذه السُّنَّة الجميلة نافعًا للطرفين: الداعي والمدعو له؛ بل أكَّدت أم الدرداء رضي الله عنها لزوج ابنتها الدرداء، وهو عبد الله بن صفوان، أن هذه الدعوة مستجابة، فقد روى مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ".
فلْنُطَبِّق هذه السُّنَّة الرائعة، ونراجع سجلَّ إخواننا وأصدقائنا، ولْنَدْعُ لكلِّ واحد منهم بما نتوقَّع أنه يحتاجه، وسيستجيب الله عز وجل لدعائنا؛ فيخرج أخواننا من أزماتهم، ويتحقَّق لنا من الخير مثل الذي دعونا به لهم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
د/راغب السرجاني