بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ولعله تفسير لقول الامام الصادق(ع): «ان لجدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ الى يوم القيامة».
ومرة اخرى تطل علينا زيارة الاربعين المباركة حيث تم احياء هذه المناسبة الخالدة منذ عودة السبايا من آل محمد(ص) من الشام الى العراق بعد اربعين يوماً على استشهاد الامام واصحابه ومعظم اهل بيته الاطهار في واقعة الطف الخالدة.
وفي كل مرة ينهل فيها محبو الامام قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء، وهو ما ابقى على القبس المنير لهذه الملحمة العظيمة مضيئاً يخطف الابصار عبر العصور منذ اكثر من الف وثلاثمائة سنة، وجعل الرجال يطأطئون رؤوسهم لعظمة صاحب الذكرى والمؤمنين يتزودون من هذه المدرسة الغنية لدنياهم وأخراهم.
ان ذكرى عاشوراء مرت بمسيرة طويلة من التحولات وان التضحيات التي قدمها الاسلاف والوالهون بسيد الشهداء عليه السلام هي التي اوصلت الينا تعابير هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم والاستبداد والعريقة باهدافها المقدسة، ونحن لا يمكننا ان نعلن انتماءنا الى مدرسة الحسين(ع) الالهية ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل تحقيق اهدافها السامية، فضلا عن واجبنا المقدس في ان نسلم هذه الامانة الحسينية السماوية الى ابنائنا والاجيال اللاحقة مصونة لا تشوبها شائبة كما استلمناها نحن من ابائنا واجدادنا وفي الوقت نفسه نديمها فاعلة ومحفوظة من اي زيغ او تحريف.
ان اولى مهام محبي اهل البيت عليهم السلام هي اعلاء شأن عاشوراء وثقافة عاشوراء ومواكب عاشوراء واحياء كل مايتعلق بها ويخلد ذكراها ولا يخفى ان تلك مسالة محفوفة بالمخاطر والمشاق والصعوبات، لكنها مشاق عاقبتها الثواب الجزيل والاجر الجميل فالذين قدموا في هذا الطريق الخدمات الجليلة خالصة للامام الحسين عليه السلام وتحملوا من اجل ذلك العناء والعذاب سيسجل لهم ذلك باحرف من نور في سفر التاريخ، وفي المقابل ستكتب اسماء الذين وجهوا الاهانة لمواكب العزاء او تعرضوا للزوار بالاعتداء والتقتيل والتنكيل ستكتب اسماؤهم باحرف من نار وهوان ويرون العذاب الاليم في الدنيا قبل الاخرة.
وفي مثل هذا اليوم ونحن نحيا مراسيم زيارة الاربعين للامام الحسين(ع) الذي جعله الله سبحانه وتعالى (مصباح هدى وسفينة نجاة) على ما جاء في الحديث النبوي الشريف، ينبغي لنا جميعا ان نقوم بما يريده الله تعالى ويرضاه منا، ويكون محققاً لاهداف سيد الشهداء، ولاجل ذلك لابد لنا ان نستلهم الوصايا والدروس من مراجعنا العظام الذي يوصونا بمايلي:
1- ترسيخ اصول العقيدة الاسلامية من التوحيد وما يتعلق به من صفات الله الثبوتية وبعثة الانبياء وما يرتبط بها وبعثة رسول الاسلام خاتم النبيين محمد(ص) وما يتصل بها، والامامة وبحوثها واثباتاتها والمعاد وشؤونه ونتائجه من الثواب والعقاب والجنة والنار.
2- تركيز الاخلاق الاسلامية التي هي الاخرى من اهداف نهضة الحسين(ع) وهو ضحى من اجلها بنفسه الشريفة واهل بيته الاطهار واكد على احيائها قولا وفعلا.
3- تعظيم الشعائر الحسينية وبناء الحسينيات واقامة مجالس العزاء والمواكب وانشاء الهيئات وتعميم مظاهر الحزن والمصيبة لانها وسيلة مثلى لجذب الناس الى الدين ليفتحوا له عقولهم ونفوسهم ويستلهموا بسببه كل خير ويحظوا بجوامع السعادة في الدنيا والاخرة.
4- ان سعادة الدنيا والاخرة رهينة مثلث يشكل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة والطرف الثالث هو الفضيلة، وهذه اكد عليها القران الحكيم اكثر من مرة واعلنها رسول الله(ص) واميرالمؤمنين(ع) قولاً ومارساها فعلاً طيلة حكومتهما المثالية الفريدة، والفضيلة هذه كانت في طليعة اهداف نهضة الحسين (ع) في قيامه ضد بني امية الذين سحقوا القيم وافسدوا البلاد واذلوا العباد وفرضوا على الامة الاقتصاد البغيض والاستغلال والسياسة الظالمة حتى اصبح المظهر العام للأمة غير الذي جاء به رسول الله(ص) وبشر به العالم وطبّقه في حياته الكريمة.
وقد ورد عن الامام الصادق(ع) في ادعية عاشوراء: «اللهم ان الامة خالفت الائمة... وهجرت الكتاب الذي امرت بمعرفته والوصي الذي امرت بطاعته... فأماتوا الحق وعدلوا عن القسط... وتمسكوا بالباطل وضيعوا الحق...».
واذا عرف العالم اليوم ابعاد هذه المثلث «الاقتصاد السليم والسياسة العادلة والفضيلة» وفهم ابعاده ووقف على حدوده التي جاءت في الاسلام صريحة واضحة لتسابق الى اعتناق الاسلام ودخلت شرائحه في دين الله كما كانت الاقوام بالامس تدخل الاسلام في عهد الرسول(ص) بالمدينة المنورة حتى قال الله تعالى في القران الكريم «ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا».
واخيرا فأن التيارات السياسية والدينية وقياداتها الفاعلة مدعوة اليوم واكثر من اي يوم مضى الى المزيد من التواصل والتفاهم والتركيز على نقاط الاشتراك بينها لأن ما يجمع هذه التيارات من مرتكزات الدين وميراث التاريخ ومصالح الدنيا وتطلعات المستقبل لهي اكثر بكثير مما يفرقهم ويمزق صفوفهم.
كما ان التماسك في مجتمعنا هو الذي افشل دائما مؤامرات الطامعين وكان وسيلة للتغلب على مصاعب الحياة ولا يزال النظام الديني المتمثل في الحوزات والمرجعيات والمساجد والهيئات يقوم بدور فعال في رص الصفوف وتوحيد الكلمة وضبط النفس والدعوة الى نبذ التفرقة الطائفية حتى تنتهي الفتنة ومن ايقظها وتحل لعنة الله على الظالمين القتلة