(الهيام بين العراق والشام)
كتاب يجمع قصائد شعراء الشام والعراق للأديب الطريحي
الهيام بين العراق والشام كتاب يحتوي أغلب ما قاله شعراء وشاعرات العراق في دمشق لمؤلفه الأديب والباحث محمد سعيد الطريحي قدم له كل من الدكتور الكاتب علاء الجوادي سفير العراق في سورية والدكتور المؤرخ مازن الصباغ حيث يظهر الكتاب مدى المحبة والعاطفة التي يكنها هؤلاء الشعراء لدمشق من خلال شعرهم العريق والذي غلب عليه أسلوب الشطرين.
وفي الكتاب يرى الشاعر أحمد وانلي والشاعر محمد رضا الشبيبي الشام بعين المحب التي تلتقط الجماليات من خلال خيال ملون فيه كثير من الرؤى الثقافية ويعتمد على عاطفة حب تعود أسبابها لرابطة دم تاريخية قوامها المحبة والمصير المشترك فكأن قصيدته دمشق رؤى في خيال الزمان تدل على شعور مشترك يوحد ما بين شعبين وبلدين هما وطن واحد في ذاكرة الشاعر وانتمائه الإنساني .
دمشق وكم لك من واحة على الصالحية فيها ظباء
مضمخة من شذى قاسيون وأرياضه الشهل والكستناء
فأنت الصبابة يوم الغرام وأنت الملاحم يوم الفداء
وتتوحد رؤى الشاعر محمد رضا الشبيبي وتأتي ممزوجة بعاطفة واحدة دون أن يفرق بين بغداد والشام فيشعر أن هذا الوطن الذي فرقه الطامعون والمستعمرون هو وطن واحد وهو يسكن قلبه وروحه ومصير هذا الوطن مرتبط بمصير شعبه الذي مازال يعاني وطأة الطامعين وسطوة المستعمرين فعندما يكون في بغداد يشتاق إلى دمشق وتطير روحه إليها وعندما يكون في دمشق يطير قلبه إلى بغداد لذلك يتمنى أن يتوحد الشعبان.
أما الشاعر علي الشرفي فرأى دمشق صاحبة طلعة متجددة بهية لا يخربها الزمن ولا تؤثر على رونقها النوائب فكل تحولاتها وتبدلاتها مرتبطة بجمالها وكل أماكنها تتميز بالأصالة فجاءت ألفاظه الشعرية في قصيدة محنة دمشق في أيلول لتعبر عن مكنونات شاعر يحمل بين جوانحه حباً كبيراً لدمشق يقول:
تركنا شم لبنان ولاحت دمشق وجارها الجبل المنيع
وفارقنا الخريف العذب لكن تلقانا فأنعشنا الربيع
لقد لاحت فما أبها وأزهى مناظرها ومطلعها البديع
كأن الشعر قد أعطى دمشقاً مزاياها وأولها الطلوع
الشاعر شرف الدين الحلي يتغنى بدمشق من زاوية أخرى فيميل إلى أن دمشق هي الشرف الأعلى الذي تتصف به الأمة العربية وهي القيمة العظيمة التي يضاف إليها الغنى والجمال فهي التي تكسب ساكنيها وزوارها الراحة النفسية والأمن والاستقرار وتخيم بجمالها على الأرواح بكل ما تمتلك من مجد ومحبة يقول في قصيدة دمشق الشرف الأعلى:
دنت ثمار المنى من كف جانيها وأن للنفس أن تقضي أمانيها
فأنهض إلى خلس اللذات منتهبا أيامها وتمتع من لياليها
حيث التفت فجنات مزخرفة بالحسن يقصر عنها وصف رائيها
مل بي إلى الشرف الأعلى ونيربها فلا غنى لمشوق عن مغانيها
وتكبر الرؤية عند الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ليعبر عن امتنان الشعب العراقي من موقف دمشق اتجاه الأزمة العراقية التي حلت بها أبان الاستعمار الأمريكي فتبدو عواطفه معبرة عن عواطف ملايين العراقيين الذين حلوا ضيوفاً بين أهلهم وأخوتهم في دمشق الشام فوجدوا المحبة ووجدوا الإيثار وعاشوا كأنهم في منازلهم ببغداد يقول في قصيدة شكراً دمشق :
شكرا دمشق وهبت العمر اجمعه حسن الختام وهذا ثوبه الخلق
يا أخت بغداد..مليونان من بلدي في طهر أرضك ما ريعوا ولارهقوا
بنصفهم ضاقت الدنيا بأجمعها وأنت تسمو بك الأرحام والخلق
شكرا دمشق ولا والله لا طمع ولا ادعاء ولا خوف ولا ملق
ويكشف الشاعر محمد مهدي الجواهري أن دمشق هي مقدمة الأمة العربية في كل شيء وهي التي تحمل أوزار أخطائها وتدفع الكفارة التاريخية عن أهلها برغم ما تتعرض له من غدر مكشوف وغير مكشوف ونفاق يريد أصحابه الأذى بتاريخها العريق إلا أن هؤلاء يتهاوون ويرتطمون بقوتها وجبروتها يقول في قصيدة دمشق:
دمشق يا أمة حفت بها الأمم منها إذا انتكست أعلامها علم
كأنما هي عن أوزار جيرتها كفارة وعن الساعي به ندم
يا همة باسمها تستنهض الهمم يا قمة تتهاوى عندها القمم
دمشق إن وجوه الغدر سافرة أخف منها شرورا وهي تلتثم
إن النفاق حفير لا تلوح به خطى المنافق إلا يوم يرتطم
وتتداعى الذكريات عند الشاعر محمد جمال الدين ويستحضر الأماكن التي مر فيها أو جلس عندها مع حبيبته فيمتزج الحب برذاذ النوافير وعبق الياسمين فتبدأ الحبيبة الدمشقية لتحكي لحبيبها في الشارع العراقي عن مآثر الشام وماضيها الجميل وذكرياتها الأخاذة فظهرت تلك الحكاية والقصة الدرامية بشكل شعري حديث اعتمد فيه قصيدة التفعيلة الواحدة خلافا لما فعله الشعراء الباقون في كتابة أسلوب الشطرين إلا أنه كللها بالأصالة وعاطفة الحب التي تجلت فيها الحبيبة إلى جانب الشام يقول في قصيدة في الشام عند النوفرة:
هناك عند النوفره /وخلف ركن الأموي/ وفوق تلك الصخرة الطاعنة
/كنا افترشنا سطحها / في جلسة حالمة / ورحت في عجالة / تحكين
عن تاريخها / في حقب من السنين الغابرة / وعن أياد لامستها
قبلنا / فاقترنت بفجرها / وازدهرت باسمها /..
وتتألق العبارة عند الشاعر راسم المرواني ويكبر في داخله الحب فتسمو العاطفة وتظهر دمشق ظهوراً أنثوياً جميلاً يدل على مكانة دمشق ودلالاتها عند الشاعر فيكسبها القدرة على القول حتى تخاطب السحاب وينهمر المطر يقول في قصيدة شكراً لأنثى الشام:
شكرا .. لقربك .. والقدر .. شكرا .. لهمسك والمطر .. شكرا لأن الشام قالت للسحاب .. اشرب شفاهي .. فانهمر.
وتسمو العاطفة عند الشاعرة العراقية فتنتقي الألفاظ الرقيقة الشفافة والموسيقى الناعمة الهادئة لتصنع من هذا المزيج أسلوبا شعريا يدل على مدى عراقة المرأة العراقية الشاعرة ومدى انتمائها وولائها وحبها لها تقول الشاعرة عاتكة الخزرجي في قصيدة أفدي الشام: أفدي الجباه الغر شعت بالجلال لمجتليها
أفدي البيان السحر أفدي الشعر من فم ملهميها
أهوى دمشق هواي بغداد الحبيبة لو افيها
تتميز القصائد الموجودة في الكتاب بعاطفة صادقة ومتانة الأسلوب الذي يدل على عراقة الشعر العراقي وحضوره المميز على الساحتين العربية والعالمية إضافة لمقومات الشعر الحقيقي الموجودة في القصائد المنشورة في الكتاب الذي طبع في الدار العالمية بدمشق وفي دار الموسم للإعلام في لاهاي ويقع في 244 صفحة من القطع الكبير.