دمشق الحرائق ..دمشق الحدائق..
طوني حدّاد
ليل دمشق يمطر..
عيناها تذرف حزناً سرمديّاً..
هي دمشق الجريحة تغتسل –مااستطاعت- من أدران غبار الهمج وشوك الصحارى ويباس الرمال وأنياب الذئاب ونتن المغول..
بالماء تعتمد.. وبالأبيض ترتدي الثلجَ ثوب عمادتها المنير ..
دمشق القديمة .. باب توما.. القيميرية.. مقهى النوفرة.. الجامع الأموي .. سوق الحميدية.. حي القنوات .. سوق الطويل..الشاغور.. حي الأمين.. حارة الجورة.. العمارة.. زقاق حنانيا.. المريمية .. حارة الزيتون.. طالع الفضّة .. مكتب عنبر.. القشلة .. باب شرقي..
زقاقٌ يعانق زقاق ..مئذنة تحنو بتكبيرات تشي بالحب والسلام لابقطع الرؤوس وشرب الدماء.. عتبةُ تصافح عتبة.. ياسمينة تخاصر ياسمينة.. مشربيّةٌ نختبي خلفها صبيّة حلوة تراقب شباب الحي وتدندن :
“عالصالحية ياصالحة ياوردة جوريّة ومفرفحة”…
قبلة الماء على خدّ شبّاك بيت دمشقي عتيق انثنتْ شجرة الليمون في صحن داره على نفسها تبكي بحرقةٍ فرقةَ حبيبٍ مزّقتْ جسده قنابل “الحريّة” المسعورة وشقيقةٍ تناوب على افتراسها ضباع الرمال المسعورة..
هي المزاريب الثكلى تنشج وجع حزنها.. وتستصرخ الرب :
الهي ..الهي.. لماذا تركتني ؟
مطر دمشق..تراتيل عشقٍ تسللتْ في غفلة من السكين واختبتْ مثل عصفورة “فيروز” وعششت في القرميد :
“رجعت العصفورة تعشش بالقرميد
و السوسني رجعت تزهر من جديد
إجت الشتويي تجمعوا العشاق
رجعت المدارس أطفال تلج و عيد
و طلع السمّاق و مدّ جناحو
بس اللي راحوا راحوا
بالدفاتر عندي أسامي غياب
أصحابا تركوها صارت بلا صحاب
يوسف الكندرجي صبحي بيّاع الكاز
و أمين البوّاب اللي انقتل عالباب
أساميهن عندي و هني راحوا
و كل اللي راحوا راحوا
قالوا كتير و كتبوا كتير
و مراكب دمع و عواطف حرير
وصلت القصايد لآخر الدني
القصايد المجروحة لآخر الدني
قالوا تهدم وطن الهدير
وطن الزمان اللي علّم و بني
و بكيت الدني بكيت الدني
لكن رح نرجع رح نرجع ..رح نرجع..”!