محمد خضير
مُعلم القصة العربية
يرتبط جزء من تاريخ القصة العراقية في الستينات بعدد من القاصين من بينهم القاص محمد خضير، ليس لانه قاص متميز، بل لانه تعامل مع القصة تعاملا فنيا متقدما فوجد هو وعدد من القاصين ان قالب القصة القصيرة بحاجة إلى تغيير جذري في بنيته بعد إن كانت الحكاية تتلبسه وتملا مساحاته الداخلية وتحيله إلى عدد من الاشكال الفنية القدية. كالسيرة والمقامة والاحلام والرؤية. واول ما فعلوه هو أن داخلوا بين ضمائر الشخصيات فتدد رواة الحدث الواحد مما مهد لتعدد الازمنة والامكنة وبالتالي لتعدد زوايا الرؤية واتخذ القاص مكانا مغايرا لرواية الحدث غير المكان الذي كان يقبع به قاص الخمسينات..فقالب القصة القصيرة هو أكثر الاشكال الفنية عرضة للانتهاك والتغيير لذا يصعب ضبه والتعامل معه دون ان يكون الخروج علية منهجياً فهو - أي القلب الفني- مبدأ فني وفكري قبل ان يكون وعاء يضع القاصون فيه موضوعاتهم. لذا كانت الثورة الفنية في الستينات هي ثورة فنية في القالب القصصي. وبالطبع ان النظرة النقدية لاحداث الستينات وما مر به المجتمع العربي جعلت القصة القصيرة تتطور ليس بزوايا تناولها للحدث فقط، بل بسعة حدثها والتغيرات الجذرية على لغتها الفنية وعلى تنوع الشخصيات وتباين مهماتها وعلى حجم الاحداث المحلية والعربية والعالمية، ومن ثم تدخل الجميع في صياغتها.
في السياق نفسه لم نجد عند القاص محمد خضير أية قصة يكون فيها ضمير الراوي هو ضميره الشخصي كقاص. فقد ناي بفنه القصصي ان يبتعد كثيرا عن همومه الذاتية ومشكلاته الآنية وما يدور حوله أو ما يشترك هو فيه. وتعامل مع الانسان مهما كان، وفي اي موقع يكون اتعاملا حياديا مشروطا بما يمتلكه من كمية كبيرة على الفعل الفني. فالضمير الفني للشخصية غير شخصاني، ولا يعود عليه او على جزء من حياته الخاصة، بل هو ضمير لجماعة معبرة بلسان الفرد الذي يختار له دائما الاسم الشامل الدال. وقد وجد في اسم " علي" اسما وكنيه دالة على معظم شخصياته. مما يجعل الشخصية القصصية عنده اكبر من أي اسم الشخص الذي يروي او يجسد الحكاية.. فعلي الذي يرد في معظم قصصه يجرده من اسم الاب ايضا مما يمنحه شعبية الشخصية وصلة عميقة بالموروث الديني والشعبي والاجتماعي .بل وعلى ان اسم علي نموذج للشخصية العراقية كلها.
ولد القاص محمد خضير في البصرة عام 1942 وأكمل فيها مدارسه الثلاث وتخرج في دار المعلمين وما يزال معلما في مدارسها إلى اليوم، ومن شدة حبه للبصرة نادرا ما كان يغادرها إلى مدينة أخرى. لا بل أنه آثر أن لا يرحل عن العراق نهائيا رغم الظروف القاسية التي مر بها. فهو يؤمن أن من يخرب عشه في مكانه الشخصي يمكنه أن يخربه في أي مكان يحل فيه. لذلك بقي يتابع ما يحدث لمدينة العراق الكبرى أعني البصرة من ويلات وحروب وتدمير فرصد عبر يوميات وكتابات غائرة في الواقعية الرمزية والتعبيرية ما يحدث لهذه المدينة من تحولات تدميرية مهلكة. ضمنه نصه " بصرياثا"
لم يكن محمد خضير معروفا على نطاق عربي إلا بعد نشر قصته " الارجوحة " في مجلة الاداب البيروتية وفيها هاجس ما سوف يحدث في عموم المنطقة العربية من حروب وتدمير وموت وغياب وانتظار. وكانه وهو يعيد تشكيل مأسي العرب في بداية الستينات فنيا يكشف عن ثيمة سوف تتغلغل في الجسد العراقي من خلال بنية الغياب، غياب الجندي والزوج والعشيق علي في جبهات القتال أو في السجون والمنافي والاماكن المعزولة ومن ثم موته. وقصة الارجوحة ليست إلا نقل خبر موت البطل فنيا إلى اسرته في جنوب العراق.. ليست حدث القصة استثنائيا، فما يحدث على شاكلته الكثير ولكن الاستثناء فيه هو الفنية التي قدم القاص بها خبر الوفاة وهو الجمع الفني بين الرواية بضمير الغائب والحكاية بضمير المتكلم في إطار من الممارسة المشهدية التي يشترك فيها الراوي والاسرة.
وعندما اصدر مجموعته القصصية الاولى " المملكة السوداءط عام عام 1972 كانت بداية لتغيير بنية القصة العراقية تغييرا جذريا فقد تعامل في هذه المجموعة مع الاماكن المعزولة والبيوت التي تسكنها النسوة العجائز والعانسات ومحطات القطار النائية والبقع الحياتية المظلمة والاضرحة وتلك الشابات اللواتي يجدن في ثيمة الغائب دالة على بحثهن عن المجهول ومن الاجحاف اختصار الحديث عن هذه المجموعة بأسطر فقد كتب النقاد عنها كثيرا ولقيت على مستوى الوطن العربي ما يجعل كاتبها في صدارة القاصين المجددين.
ثم يصدر مجموعتة الثانية " في درجة 45 مئوي" عام 1978 وهي المجموعة التي اشار النقد إليها بوصف قصصها اكثر اجتماعية من قصص المملكة السوداء لانه اعتمد البحث بها عن موضوعات تشمل الكثيرين لاسيما وان شخصياتها من عامة الناس، اولئك الذين يقتعدون الارصفة والمقاهي والشوارع ولامكنة المعروفة غير المنزوية أو المظلمة وشخصياتها كبيرة في السن وليسو ممن دخلوا حروبا او هاجروا او غابوا عن مرابع طفولتهم.
ثم يصدر بعد عقد ونصف " بصرياثا - صورة مدينة" عام 1993 وهي سيرة ذاتية لمدينة تقع تحت القصف اليومي . ويعني بها مدينة البصرة. يقول القاص كتبت هذه السيرة لمدينة البصرة لأني شعرت أنها مدينة معرضة لان تمحى وتدمر. فأردت أن أدون ما حدث لها وما سوف يحدث. فالاماكن تختزن التاريخ وتؤكده من خلال لغتها وشخصياتها وافعالها والبصرة مدينة ليست اية مدينة فيها ارث ووجود العراق كله. ويختار محمد خضير اسمها القديم كما ورد في كتب التاريخ والمدونات القديمة " بصرياثا" وهو اسم يتعلق بصورة المكان قبل ان يتعلق بصورة الاحداث لم يسم القاص هذه الكتابة إلا سيرة مدينة تلك السيرة التي تروى بالكلمات ولكن في زمن تحاصر به المدينة وتقصف ويموت ابناءها وتهدم دورها.
.فعين الجمل أو الزبير ليست إلا البحث عن افق الصحراء القديمة التي صنعت البصرة. قبل ان يخط مدارها عقبة بن نافع سنة 13 هجرية. ومالعشار وام البروم وابي الخصيب وغيرها إلا مدونات لمفردات مكانية تستنطق بالحدث المعاصر.. هي سيرة يومية للحرب المدمرة التي شهدتها المدينة تلك التي اتتها من إيران، وتلك التي اتتها من الحلفاء الغربيين، ثم تلك التي نبعت من باطنها بايدي حكامها. وفي كل الاحوال كانت الضحية الكبرى هي البصرة بناسها وامكنتها وازمنتها وقضاياها .
ثم يصدر مجموعته القصصية الثالثة وهي " رؤيا خريفط عام عام 1995 يصدرها في عمان بعد إن كانت كل قصصه تصدر في بغداد.ويشتريها هذه المرة قاص اردني تربى على نهب الثقافة العراقية مستغلا قلة موارد المثقفين العراقيين هو الياس فركوح بعد أن اعطى لصاحبها بضعة دولارات فقط فأي اجرام ثقافي يمارسه الناشرون العرب على الثقافة العراقية مستغلين قلة ما في ايديهم. وفي رؤيا خريف نجد مجموعة من القصص التي تعتمد بنية الرؤيا لسبر أغوار الامكنة والازمنة وفيها يتغير قالب القصة القصيرة ثانية ليستطيل وليتسع فيشمل تواريخ مختلفة وحالات متباينة قديمة وحديثة يعالج فيها موضوعا امتلك تركيبة تجمع بين واقعية الصورة وغرائبية الحدث. ولن يخفى على النقد أن هذه الطريقة الغرائبية اتت القصة العراقية بعد أن اشبع الواقع العراقي بما هو غريب وعجائبي ضمن بنيته الواقعية المعاشة فالقصة الحديثة التي يكتبها عدد من قاصي المرحلة عمدوا إلى البحث عن الواقع المخفي وراء المعلن منه فازاحوا بادواتهم الفنية الغطاء الاجتماعي اليومي المعلن عن الحالة ليجدوا ما خلفه واقعا مغايرا وثرا للقص وللبحث. في رؤيا خريف نجد الثيمة متمحورة حول الرؤيا وهي فعل بصري عقلي تأملي وخريف حيث الزمن المتراكم الآيل للزوال بعد أن مر على الواقع الربيع والصيف والشتاء.
ثم يصدر القاص محمد خضير كتابا نقديا هو" الحكاية الجديدة " عام عام 1995 ويصدره ايضا بمعونة من مؤسسة شومان بعد ان اشتراه القاص الياس فركوح ببضعة دولارات ايضاً وفي هذا الكتاب يتحدث القاص عن تجربته في كتابة القصة ليس من خلال اسئلة واجوبة فقط وهو ما عمد في اخر مقالة له، بل من خلال البحث عن مكونات فن الحكاية القديمة والحديثة فهو يعتبر القصة الحديثة حكاية ولكن تغيرت بتغير الواقع عنها والقاص الحديث قصاص قديم لكنه تلبس ثوبا معاصرا ونجد تاثيرات بورخس واضحة في رؤيته النقدية لفن القصة القصيرة ودور الموروث الشفاهي على بنيه هذه القصة المعاصرة. فالتأمل والفراسة وهما ميدانان للبحث يبعثان على البحث والرؤيا في النصوص القديمة. فالرؤيا فعل تاملي لا يفصل بين مفترقات في الزمان وفي المكان بل تخضع كل الابعاد إلى بعد واحد تمكن القاص من ان يجمعها كلها تحت عباءة الحكاية الحديثة.
ما يزال القاص محمد خضير في البصرة وفي زاوية شأنه شان زميلية الشاعر محمود البريكان والعزف عن الظهور ولاعلان يركن إلى موسيقاه وصمته وديوانه الذي لم يكتمل والذي قتل مؤخرا. والقاص محمود عبد الوهاب القاص المقل الذي يترجم ويكتب الأقصوصة الفنية المتميزة ولا ينشر منها إلا بعد عشر سنوات فشكل هؤلاء الثلاثة محورا ثقافيا ارتبطوا بالبصرة مكانا ووجودا ولغة.
مؤلفاته :
المملكة السوداء 1972
في درجة 45 مئوي 1978
بصرياثا صورة مدينة 1993
رؤيا خريف 1995
الحكاية الجديدة 1995
,,,,
راق لي فنقلته لكم
دمتم بود أحبتي
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسافرالليل
