تاريخ النشر: الثلاثاء 02 ديسمبر 2014



إيهاب الملاح (القاهرة)
كما تتنفس الزهرة الزكية الرائحة، تشع نوراً وجمالاً وبهاءً، عاشت رضوى عاشور تغدق على من حولها حباً وحناناً ومعرفة ووعياً وإبداعاً.. كانت «فريدة» في انصرافها عن الزائف والزائل والتافه، لم تتكالب على منصب أو شهرة أو جاه.. لم تهرول إلى الأعتاب ولم تبتذل قيمتها وعلمها يوماً ما. لم ينقطع إنتاجها الأدبي طوال سنوات انشغالها بالبحث الأكاديمي والتدريس في الجامعة.. زاحم إبداعها عطاءها النقدي، وكانت رضوى عاشور ناقدة «محترمة» لا تكتب إلا ما كدت وتعبت في قراءته وبحثه.. كتابة منتجة لا تجتر ما سبق ولا تسعى لأن تسود أوراقاً وتكدسها لترقية هنا أو مكافأة هناك.. فقط لا تكتب إلا ما يسهم في إنتاج معرفة جديدة وطرح مغاير وإضاءات على مناطق معتمة من إبداعنا المعاصر لم تكن معلومة ولا محل اهتمام قبل أن تسلط عليها رضوى عاشور ضوء معرفتها العميقة ووعيها النقدي الحاد.
تنوعت كتابات رضوى عاشور بين الدراسات النقدية والإبداع الأدبي، وراوحت بين التدريس الجامعي والعمل التطوعي العام، كانت من أبرز وجوه حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وعُرف عنها جرأتها وشجاعتها في الدفاع عن الحريات والتعبير والرأي، وكانت تمثل «نموذجاً ناصعاً» للأستاذة الجامعية القديرة، التي تحنو على طلابها وطالباتها بغير تدليل ولا إسراف، تحرص على غرس القيم والتقاليد الجامعية العريقة في نفوس هؤلاء، بدءاً من احترام قيمة الحرية واستقلال الجامعة والبحث العلمي، مرورا بقيمة التفكير النقدي والإعلاء من فعل المساءلة والنقد والمراجعة، وعدم التسليم بأي فرضيات سابقة إلا تحت مجهر الفحص والدرس العلمي السليم، وليس انتهاء بقيمة الأستاذ الجامعي الذي لا يغادر قاعة الدرس إلا مع خروج النفس الأخير، يحتضن طلابه ويرشدهم ويأخذ بأيديهم، وما كانت رضوى عاشور طيلة حياتها إلا تجسيداً وتحقيقاً يسير على قدمين لهذا النموذج النادر (هل نقول المنقرض؟!)


المبدعة.. من روايتها الأولى «حجر دافئ» إلى آخر أعمالها، وعبر رواياتها وأعمالها القصصية الأخرى، يتصل عالم رضوى عاشور الإبداعي الذي يزاوج بين ما هو فردي/ ذاتي، والاحتفاء بما هو جمعي/ جماعي عام. ويربط بين الوقائع الصغرى والكبرى في حيوات الشخصيات القصصية والروائية وبين ما يوازيها من وقائع في فترات زمنية متعددة محددة ومرجعية، وتاريخية أيضاً، كما في عملها الروائي الكبير «ثلاثية غرناطة».
في روايتها «قطعة من أوروبا»، التي تبدأ أحداثها من القرن التاسع عشر وتستمر حتى مطالع القرن الحادي والعشرين، تبحث رضوى عاشور «إبداعياً» عن سؤال النهضة المجهضة، عن الأسباب التي جعلت الحلم ينقلب إلى كابوس‏، وأمل التقدم يتحول إلى هزائم لا نهاية لها‏، مدركة أنه لا سبيل إلى فهم ما حدث إلا بالعودة إلى لحظة البداية التي زرعت الدودة في أصل الشجرة‏، وتتتبع لحظات الانكسارات بالقفز بين التواريخ وقصاصات الجرائد والكتب‏، سعياً لاكتشاف العلاقات التي تصل ما لا يتصل عادة في وعينا التاريخي السائد‏.‏ .