هل تعطي اختبارات الذكاء بالفعل تقييما دقيقا لذكاء الانسان
ما هو الذكاء؟ يعرف الذكاء بشكل عام بأنه مدى القدرة على سرعة التعلم والتأقلم مع المواقف الجديدة. وقد بدأ اهتمام العلماء بقياس مستوى الذكاء الإنساني اعتبارا من القرن التاسع عشر على يد العالم الانجليزي السير فرانسيس جالتون مرورا بالعالم الفرنسي ألفريد بينيه ووصولا إلى العالم الأمريكي لويس تيرمان في أوائل القرن العشرين، والذي قام في عام 1916 بوضع معايير معينة لقياس مستوى الذكاء الإنساني يُعمل بها حتى وقتنا الحاضر فيما يعرف باسم اختبارات الذكاء أو "الآي كيو" (IQ).
ووفقا لهذه الاختبارات، فإن الشخص الذي تقل نسبة ذكائه عن 100 يكون ضعيف الذكاء، وإذا وصلت النسبة إلى 100 يكون الشخص متوسط الذكاء، وكلما زادت عن 100 كان الشخص أكثر ذكاء، فمثلا إذا تعدت نسبة ذكاء الشخص الـ 130 كان موهوبا. وحسب معايير "تيرمان" فإن نسبة ذكاء الشخص لا تتغير لأن تقييمه - طبقا لاختبارات "الآي كيو"- يظل ثابتا مدى الحياة، لكن ما مدى صحة هذه النظريات؟ وهل فعلا تكفي تلك الاختبارات لتحديد المستوى الحقيقي لذكاء الإنسان؟ وهل نسبة الذكاء تظل ثابتة لا تتغير؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، يبذل علماء النفس قصارى جهدهم حيث شهدت العقود الأخيرة كما كبيرا من الأبحاث المنشورة في مجال تحليل السلوك والتي حاولت التوصل إلى مدى دقة اختبارات الذكاء وما إذا كانت نتائجها ثابتة أم لا. فهناك فريق واسع من الباحثين يرى أن اختبارات الذكاء لا يمكن أن تحدد قدر الذكاء الحقيقي للإنسان وأن هذه الاختبارات ربما يجب أن تصبح جزءا من الماضي لأنها -على سبيل المثال- تقيس مدى استجابة الشخص للتغيرات الخارجية وقدرته على التأقلم مع هذه التغيرات، والشخص يستطيع تطوير هذه المهارات مع تغير البيئة التي يعيش فيها أو مع اكتساب مهارات جديدة مع التقدم في العمر.
دراسات وأبحاث
ففي دراسات أُجريت على أطفال مصابين بالتوحد، سجل الأطفال تقدما كبيرا في اختبارات الذكاء نتيجة التدخل السلوكي المكثف المبكر أي بمجرد تشخيص الحالة على أنها مصابة بالتوحد.
وفى النرويج عام 2009 قام الباحثون بدراسات لبيان تأثير زيادة عدد سنوات التعليم الاجباري في النرويج في الستينيات من خلال إجراء اختبارات الذكاء للطلاب، فوجدوا ارتفاعا في تقييمات الذكاء للأطفال تقدر بـ 3.7 نقطة مقابل كل عام دراسي إضافي.
أما الدراسات الأحدث التي قام بها الباحث جون جونيديز وزملاؤه بجامعة "ميتشجان" الأمريكية، فأشارت إلى تحسن في مستويات الذكاء لدى الأشخاص الذين يمارسون تدريبات للمخ (نوع من اختبارات تنشيط الذاكرة) كما وجدت دراسات أخرى امكانية تحسين مستويات الذكاء لدى الأطفال من خلال تعليمهم مهارات لغوية جديدة لعدة أشهر.
دراسة واسعة
وفي عام 2012 قام الباحثون في جامعة "أونتاريو" بكندا بعمل دراسة موسعة شملت أكثر من مائة ألف شخص، وخلصوا إلى أن هناك ثلاثة مكونات رئيسية على الأقل للذكاء، ولذلك لا يمكن الاعتماد على معيار واحد من الاختبارات لقياس هذه المكونات دفعة واحدة. فيجب تطوير مجموعة أكثر شمولا للاختبارات بحيث تقيس كل نوع من الذكاء على حدة.
وخلال الدراسة طلب الباحثون من الأشخاص المشاركين بها الإجابة على أسئلة معينة لقياس مستويات الذاكرة القصيرة والانتباه و التخطيط والتحليل المنطقي مع الأخذ في الاعتبار المستوى الاجتماعي وأسلوب الحياة للخاضعين للدراسة.
فوجد الباحثون أن هناك ثلاثة مكونات على الأقل للذكاء، وهي: الذاكرة القصيرة، والتحليل المنطقي، ومستوى تذكر الألفاظ و الكلمات.
كما وجدوا أن مستوى المعيشة وأسلوب الحياة أيضا يؤثران على النتائج، فعلى سبيل المثال سجل الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الكمبيوتر كثيرا تقييمات أعلى في اختبارات التحليل المنطقي والذاكرة القصيرة، أما المدخنون فكانت تقييماتهم ضعيفة في اختبارات الذاكرة وتذكر الكلمات، في حين سجل الأشخاص الذين يعانون من القلق تقييمات ضعيفة أيضا في اختبارات الذاكرة القصيرة.
والأهم من ذلك أن الدراسة وجدت أن كل نوع من الذكاء لديه منطقة مختلفة مسئولة عنه بالمخ، ولذلك اعتبر الباحثون أن اختبارات الذكاء التقليدية أو "IQ" تبالغ في تبسيط القدرات العقلية الإنسانية.
حدود تنمية المهارات العقلية
و في ضوء كل ما سبق، فقد خلص الكثير من الباحثين إلى أنه لا شك في وجود حدود لجهود تنمية المهارات العقلية، لكن على المجتمعات ألا تستسلم لتلك الحدود حيث توجد إجراءات علمية من شأنها تحسين تلك المهارات بالفعل.