إسلام الفوضى الخلاقة
أحمد الحباسى
يبدو أن المنظرين و المبتكرين لنظرية الفوضى الخلاقة قد حققوا هدفا باستغلال المؤسسة الدينية العربية في تفتيت و تقسيم الأمة العربية ، كلمة حق أيضا أن المنظرين لهذه الفوضى الدموية لم يصنعوا هذه القنبلة الانشطارية المتمثلة في استغلال الدين في السياسة السلاح الأكثر تدميرا و قدرة على تفجير المجتمعات العربية ، بل أن توظيفهم لهذه القنبلة هو الذي خدم مشروعهم المشبوه ، الآن يتحقق هدف الصهيونية العالمية بأقل التكاليف البشرية و الاقتصادية في حين تدفع الدول العربية دون استثناء فاتورة دموية و اقتصادية غير مسبوقة .
عملية توظيف الإسلام السياسي في نشر الديمقراطية و القضاء على ما يسمى بالأنظمة الاستبدادية هو أحد عناوين الفوضى الخلاقة ، عنوان واسع فضفاض يحتمل كل التجاوزات و يؤدى إلى كل الكوارث الممكنة ، التحرش المذهبي و الفتنة الطائفية هما من ينفذان اليوم الأجندة الامبريالية الصهيونية في المنطقة ، المؤسسة الدينية الظلامية العربية ليست بعيدة عن عامل التنفيذ أو التحريض على التنفيذ ، الزلزال “الديني” أو استعمال الإسلام لإغراض سياسية باستعمال قراءة دينية مبتورة بحيث يتم توظيف الدين لأغراض دنيئة هو أحد أعراض مرض نشر الفوضى باسم الدين ، الجثث المجهولة التي نراها يوميا بالعشرات هي نتاج لعملية غسيل دماغ “دينية” تتم في مختبرات المؤسسة الدينية العربية بعنوانها العريض ، ” احتلال” العراق مجددا من طرف داعش يتم باسم الحرب الدينية أو ما يسمى بعملية النصرة الجهادية لهذا الطرف أو ذاك ، هذه بعض العناوين فقط .
من يحرك الفتنة في لبنان غير الفكر الديني المتطرف ؟ و من يحرك هذا الفكر الديني المتطرف غير المخابرات الصهيونية الخليجية ؟ الصراع لم يعد كما كان سنة 1975 بين المسلمين و المسيحيين ، الآن يتم الاشتغال على صراع بين الشيعة و السنة ، السؤال ، ما الهدف الخفي من هذا الصراع و من يؤجج هذه النار و من يدفع إلى الخيار الصفر ؟ الصورة غير واضحة و غير مكتملة بما يكفى و لكن المخابرات الصهيونية الخليجية ليست بعيدة عن هذا الصراع و عن تصاعد منسوب الاحتقان الطائفي العنيف في لبنان ، استهداف الرئيس رفيق الحريري هو أحد العناوين الأبرز الذي نفذته هذه المخابرات الدولية المذكورة لحصد ” النتائج ” الكارثية التي لحقت هذا الاستهداف الدموي المدروس ، نحن لا ننزه الطرفين ، الشيعة و السنة ، و لكن من الواضح أن اللعبة أكبر من هذه العقول .
هل كانت الحرب على سوريا ضرورة ؟ بمعنى لماذا تحالفت المؤسسة الدينية التكفيرية الخليجية مع الأجندة الصهيونية لإسقاط ركن من أركان حلف المقاومة العربية الوحيد خاصة و أن الهدف من هذه الحملة الصليبية الصهيونية الإرهابية لم يكن نشر الديمقراطية لان الديمقراطية نفسها ترفض أن تزرع بهذا العنف ؟ بالطبع ، هناك من له مصلحة في وصم الإسلام بالإرهاب و في نشر الفوضى الخلاقة ، عصفوران بحجر واحد كما نقول ، من يقتل و يسحل اليوم في سوريا ؟ بالطبع الجميع يشير بأصابع الاتهام المشبوه “للإسلام” و لقوى الشر الإرهابية التي تتحدث باسم الإسلام ، هناك اتهام مباشر للإسلام و بأن الحرب ضد سوريا هي حرب بين الاستبداد و بين القيم الديمقراطية التي يمثلها الإسلام … المتطرف ، مفارقة عجيبة بالفعل ، في حين تبقى القوى “الديمقراطية” الغربية بما فيها إسرائيل الدولة “الديمقراطية” الأولى و الوحيدة في العالم العربي في مقصورة الفرجة على هذا الفعل الدموي المغلف نفاقا برداء الدين ، لذلك نسأل اليوم ، لماذا يصر البعض على لغة الكراهية و الدم التي لا تخدم الإسلام و تنشر الفوضى.
هناك من يدرس ظاهرة الإرهاب باسم الدين الإسلامي ، و هناك من يحلل ، و هناك من يجادل ، لكن كل ذلك لم يعد ينفع ، لان الحرب اليوم قد أخذت أبعادا دولية متشابكة خطيرة ، ولان عملية إقحام الدين في السياسة هي كارثة نووية متنقلة لا يمكن حصر أضرارها المباشرة و الجانبية ، هناك حرب أراد البعض أن تحصل فحصلت بكل إرهاصاتها و ارتداداتها الدموية ، و هناك مسؤولية مباشرة للبعض في إحداث هذه الحرب و السهر العلني على أن تكون مدمرة ، و لا بد لبعض الأنظمة الخليجية و لبعض كتاب و ” مثقفي” نشر ثقافة العنف و الإرهاب أن يتحملوا المسؤولية التاريخية أمام الشعوب العربية ، هناك فرق بين نشر الفوضى و بين السعي لإيقاف مفعول و نتائج هذه الفوضى… الإرهاب الديني لن يتوقف و سيتحسس الجميع رؤوسهم في أقرب الآجال …المسألة مسألة وقت لا غير .