وسيم باسم
هيّأ علي جعفر (55 عاماً) نفسه لقطع مسافة تبلغ نحو 125 كيلومتراً من مكان إقامته في مدينة الديوانيّة (193 كلم جنوب بغداد)، إلى مدينة كربلاء المقدّسة (108 كم جنوب غرب بغداد)، في ذكرى 'أربعينيّة'، الحسين بن علي، الإمام لدى الشيعة في العالم، الذي دفن في هذه المدينة بعد مقتله عام 685 ميلاديّ على أيادي جيش يزيد بن معاوية في معركة الطف، في كربلاء.
واعتاد المسلمون الشيعة في العالم على الحجّ السنويّ مشياً على الأقدام، إليه والبكاء عند قبره، والتعهّد بالدفاع عن مبادئه، لمناسبة مضي أربعين يوماً على مقتله.
واعتاد جعفر على هذه المسيرة الدينيّة كلّ عامّ إلى جانب الآلاف من الحجّاج، لكنّ السير هذه السنة سيكون أسهل، بعد شقّ طريق مستقلّ عن الطرق المبلّطة، أطلق عليه اسم 'يا حسين'، وخصّص للراجلين إلى المدينة المقدّسة، لدى المسلمين الشيعة في العالم.
ويقول أبو حيدر الموسوي (60 عاماً) في مدينة الديوانيّة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد ساهم في الجهد الهندسيّ لإنشاء الطريق، إنّ 'الطريق الجديد مخصّص للزوّار الذين يقطعون المسافات الطويلة، سيراً على الأقدام، وهو طريق غير مبلّط، لكن تمّ رصفه جيّداً، وتمّت تغطيته بالرمال، ويسير بمحاذاة طرق السيّارات الرئيسيّة'.
وقبل حلول مناسبة 'الأربعينيّة'، يقطع هذا الطريق الآلاف من الناس من الرجال والنساء وحتّى الأطفال والمعاقين، في مظاهرة دينيّة سنويّة، اعتاد الناس على الاحتفال بها منذ عام 2003. وقبل هذا التاريخ، لم يكن في إمكان الناس ممارستها بعدما منعها نظام صدّام حسين.
وفي تقاطع الهاشميّة، جنوب بابل (100 كم جنوب بغداد)، قال الحاج سعد الياسري (40 عاماً) في 12 تشرين الثاني/نوفمبر إنّه 'قدم من مدينة البصرة (545 كم جنوب بغداد) مشياً على الأقدام، وسلك في مسيرته أجزاء كبيرة من هذا الطريق'.
وأضاف الياسري: 'اكتمل الطريق في الكثير من أجزائه، وهو مشروع مفيد'.
ويتابع بالقول: 'مضى على خروجي من البصرة نحو أسبوعين، وها أنا أواصل السير إلى كربلاء، حيث آمل أن أصلها قبل المناسبة، بسبب اقتراب موعد سفري إلى خارج العراق لمعاجلة ابنتي، وكان عليّ أن أؤدّي واجبي الدينيّ مبكراً قبل أوانه'.
وبحسب الياسري، 'فقد جرت العادة أن يبكر الراجلون من المدن البعيدة في الجنوب والشمال، قبل شهر تقريباً، لكي يضمنوا الوصول إلى المدينة المقدّسة قبل حلول مناسبة 'الأربعينيّة' بأيّام'.
ويلفت الإعلاميّ والمحلّل السياسيّ جاسم الموسوي في حديثه في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر في بغداد، إلى أنّ 'هذا الطريق ربّما يكون الطريق الدينيّ الأوّل في العالم'.
ويشير إلى أهميّته 'الروحيّة' بالقول: 'الطريق يوحّد الناس في مواجهة الظلم، ويكشف عن تكافل إنسانيّ عبر التواصل بين الفقراء والأغنياء، وبين الناس العاديّين والمسؤولين، لأنّ جميعهم يشاركون في هذه المظاهرة الدينيّة'.
وقطعت أم حيدر (45 عاماً) وهي ربّة منزل، العام الماضي نحو 50 كيلومتراً في مسيرتها، التي بدأت من مدينة الحمزة الغربي (30 كم جنوب بابل)، إلى كربلاء، عبر البساتين والقرى، وليس عبر الطريق الرئيسيّ كأغلبيّة الراجلين، كما صرّحت في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر في بابل. وتتابع أمّ حيدر بالقول: 'لم يكن طريق 'يا حسين' قد اكتمل، ممّا اضطرّني إلى سلوك هذه الطرق الفرعيّة، وهي طرق كنّا نعرفها جيّداً قبل عام 2003، لأنّها لا تثير انتباه السلطات الأمنيّة في النظام العراقيّ السابق، الذي حرم المواطنين الشيعة من ممارسة هذا الطقس الدينيّ'.
وتؤكّد أمّ حيدر الذي يدفعها معتقدها الدينيّ إلى حثّ الناس على السير إلى قبر الحسين بن علي في كربلاء، أنّ 'الناس لا يحتاجون في مسيرتهم إلّا إلى الصبر، لأنّ الأكل والشرب وأماكن النوم والخدمات الطبيّة، متوافرة،على طول الطريق من قبل المئات من المتطوّعين الذي يلبّون حاجات الراجلين'.
وتقيم المواكب الدينيّة على طول الطريق، سرادق لمبيت الحجّاج، وتقدّم إليهم كلّ ما يحتاجونه من طعام وشراب وإسعافات طبيّة أوّلية وإرشادات صحيّة.
وفي حديثه في بابل في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، يقول المهندس عامر عبدالله، ويعمل مهندساً في بلديّة قضاء الهاشميّة، وكان مدير بلديّة سابق في مدينة الشوملي (60 كم جنوب بابل)، إنّ 'الحكومات المحلّية قسّمت أعمال الطريق، بحسب طول امتداده داخل حدود كلّ محافظة'.
وأضاف: 'يتمّ تسوية الطريق، وفرشه بالحصى الخابط، ويقدّر طوله في محافظة بابل بحوالى 35100 متر، وتضاف إليه مرافق خدماتيّة بين مسافة وأخرى، من أماكن للراحة والصلاة والمبيت، إضافة إلى الجسور في التقاطعات'.
ويضفي رجل الدين حسين الخاقاني في حديثه في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، في النجف، أبعاداً دينيّة على الطريق، فيقول: 'تعافى مرضى كثيرون، بعد حجّهم مشياً إلى المدينة المقدّسة، وهي من كرامات الإمام الحسين'.
ويؤكّد ذلك لـ'المونيتور' عمران علي (40 عاماً) المصاب بروماتيزم المفاصل في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، في بابل، فيقول إنّه 'شفي من علّته، حين سار العام الماضي إلى المدينة المقدّسة، قاطعاً مسافة 50 كيلومتراً خلال يوم واحد، ليشفى تماماً من العلّة'.
ويتحدّث النقيب في الشرطة عادل الياسري، في بابل في 14 تشرين الثاني/نوفمبر عن أنّ 'الطريق يسهّل المتابعة الأمنيّة، حيث تقام المفارز الأمنيّة التي تحمي الحجّاج من العمليّات المسلّحة، على طول الطريق'.
وفقد الكثير من الحجّاج أرواحهم خلال مسيراتهم الراجلة إلى كربلاء المقدّسة منذ عام 2003، جرّاء التفجيرات والهجومات المسلّحة.
إنّ هذا الطريق، أصبح أحد رموز معتقدات الشيعة في العراق، حيث يسهّل لهم سعيهم إلى التأسيس لبنى تحتيّة، ممارسة شعائرهم الدينيّة بسهولة ويسر، بعيداً عن الاعتداءات المسلّحة، التي يقوم بها تنظيم 'الدولة الإسلاميّة'، حيث يشنّ كلّ عام هجمات مسلّحة على زوّار 'الأربعينيّة'.