كربلاء: اسم قديم في التاريخ
٢٥
كربلاء في التاريخ واللغة:
وردت عدة تسميات للبقعة المباركة التي شهدت فصول مأساة آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مثلما ورد لفظ كربلاء بإخبار الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بمقتل ولده الحسين في هذه البقعة، أما التسميات الأخرى لهذه الأرض فمنه: الطف، شاطئ الفرات، نينوى، النواويس، أرض العراق، أرض بابل، وغيرها.
وسنتطرق لهذه التسميات بنوع من التفصيل.
1 - كربلاء:
اسم قديم في التاريخ يرجع إلى عهد البابليين، وقد استطاع المؤرخون والباحثون التوصل إلى معرفة لفظة كربلاء من نعت الكلمة وتحليلها اللغوي، فقيل إنها منحوتة من كلمة كور بابل العربية.
وهي تعني مجموعة قرى بابلية، فالأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء الحالية استخرج منها بعض الجرار الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.
لذلك يرى الباحثون أن كربلاء: هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات، ويحدثنا التاريخ أنها كانت من أمهات مدن ما بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس الفرات القديم وعلى أرضها كان معبد للعبادة والصلاة، وقد كثرت حولها المقابر، كما عثر على جثث الموتى داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل العهد المسيحي.
أما الأقوام الذين سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها، وقد أخذت كربلاء تزدهر شيئا فشيئا لا سيما على عهد الكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة لهم.
ويرى فريق آخر من المؤرخين: إن لفظة كربلاء، مركبة من كلمتين آشوريتين هم: كرب و إبلا ومعناهما حرم الله، وذهب آخرون إلى أن الكلمة فارسية المصدر، فهم يرون أنها مركبة من كلمتين هم: كار و بالا ومعناهما العمل الأعلى أي العمل السماوي، أو بعبارة أخرى محل للعبادة والصلاة.
وأما صاحب دبستان المذاهب فيرى: إن كربلاء كانت في الزمن السالف تحوي بيوت نيران ومعابد المجوس ويطلق عليها بلغتهم مه يار سور علمأي المكان المقدس.
لكن أصحاب اللغة ومنهم ياقوت الحموي يرون رد كربلاء إلى أصول عربية وذلك من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي.
فكربلاء: بالمد، الكربلة: وهي رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مكربلا، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك.
ويقال: كربلت الحنطة إذ هديتها ونقيتها، وينشد في صفة الحنطة:
يحملن صحراء رسوبا للثقل * قد غربلت وكربلت من الفصل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك.
والكربل: اسم نبت الحماض، وقال أبو وجزة يصف عهون الهودج:
وثامر كربل وعميم دفلي *** عليها والندى سبط يمور
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به.
وذهب ابن منظور مذهب ياقوت الحموي في التحليل اللغوي للفظة كربلاء إلا أنه زاد فيها بقوله: والكربل: نبت له نور أحمر مشرق، حكاه أبو حنيفة:
وأنشد كأن جنى الدفلى يغشي خدرها *** ونوار ضاح من خزامى وكربل
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته في هذا الموضع، فسمي به.
وقال أيض: وكربلاء اسم موضع وبها قبر الحسين بن علي عليهما السلام، قال كثير:
فسبط سبط إيمان وبر *** وسبط غيبته كربلاء
وقال صفي الدين البغدادي: هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام في طريق البرية عند الكوفة، على جانب الفرات، وعلى هذا الأساس أطلق عليها اسم النوائح وربما اشتقت من كلمة النياح لكثرة البكاء والعويل منذ نزول الحسين (عليه السلام) فيها وذكر ياقوت الحموي أبياتا أنشدها الشاعر معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة:
إذا هي حلت بكربلاء معلما * فجوز العذيب دونها والنوائحا
فباتت نواها من نواك فطاولت * مع الشانئين الكواشحا
توهمت ربعا بالمعبر واضحا * أبت قرتاه اليوم لا تراوحا
وقال صاحب مجمع البحرين في كربلاء: إن كربلاء موضع معروف بها قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
روي أنه (عليه السلام) اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى و الغاضرية بستين ألف درهم، وتصدق بها عليهم، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثا.
ومما يدل على كربلاء ووجودها قبل الفتح الإسلامي، ما ذكره الخطيب البغدادي بسند إلى أبي سعيد التميمي قال: أقبلنا مع علي (عليه السلام) من صفين فنزلنا كربلاء.
وذكر أيضا قال: أقبلت من الأنبار مع علي نريد الكوفة وعلي في الناس، فبينا نحن نسير على شاطئ الفرات إذ لجج في الصحراء فتبعه ناس من أصحابه، وأخذ ناس على شاطئ الماء، فكنت من أخذ مع علي حتى توسط الصحراء، فقال الناس: يا أمير المؤمنين إنا نخاف العطش، قال: إن الله سيسقيكم، وراهب قريبا منا، فجاء علي إلى مكانه فقال: احفروا هاهنا، فحفرنا، وكنت فيمن حفر، حتى نزلنا - يعني عرض لنا حجر - فقال علي: ارفعوا هذا الحجر.
فأعانونا عليه حتى رفعناه، فإذا عين باردة طيبة، فشربنا ثم سرنا ليلا أو نحو ذلك، فعطشنا، فقال بعض القوم: لو رجعنا فشربنا.
فرجع الناس وكنت فيمن رجع، فالتمسناها فلم نقدر عليها، فأتينا الراهب فقلن: أين العين التي هاهنا؟قال: أية عين؟قلن: التي شربنا منها واستسقينا والتمسناها فلم نقدر عليها.
فقال الراهب: لا يستخرجها إلا نبي أو وصي.
أما المرحوم الدكتور مصطفى جواد فإنه يرى محاولة ياقوت الحموي برد كربلاء إلى الأصول العربية غير مجدية حيث يقول: وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي رد كربلاء إلى الأصول العربية غير مجدية، ولا يصح الاعتماد عليها، لأنها من باب الظن والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربية مصدرا لسائر الأمكنة والبقاع، مع أن موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأن في العراق كثيرا من البلدان ليست أسماؤها عربية، كبغداد وصرورا وجوخا وبابل وكوش وبعقوبا.
وإن التاريخ لم ينص على عروبة اسم كربلاء فقد كانت قبل الفتح الإسلامي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور في غزوته لغرب العراق سنة 12 ه - 634 م.
قال ياقوت الحموي: ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء فشكا إليه عبد الله بن وشيمه النصري الذبان فقال رجل من أشجع في ذلك:
لقد حبست في كربلاء مطيتي * وفي العين حتى عاد غثا سمينها
إذا رحلت من منزل رجعت له * لعمري وأيها إنني لأهينها
ويمنعها من ماء كل شريعة * رفاق من الذبان زرق عيونها
واستطرد المرحوم جواد قائل: ولقائل أن يقول: إن العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة في الحيرة ونواحيها وكانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية وفي حمايتها وخدمتها.
والجواب: إن المؤرخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سميت بهذا الاسم أعني كربلاء غير أن وزن كربلاء ألحق بالأوزان العربية ونقل فعل لإلى فعللاء في الشعر حسب.
فالأول موازن قرقرى وقهقرى، والثاني موازن لعقرباء وحرملاء، زيد همزة كما زيد برنساء.
أما الأستاذ انطوان بارا فإنه يعزو كلمة كربلاء بقوله: وقيل عنها قديم كور بابل ثم اختصرت إلى اسم كربلاء تسهيلا للفظها، وبابل كما جاءت في نبوة أشعيا هي صحراء البحر كانت في سهل متسع يقطعه الفرات، وفيها غدران كثيرة حتى ليظن الناظر إليها بأنها صحراء طافية فوق بحر، فأطلق عليها هذا الاسم وفي هذا التفسير شيء من المعقول: إذ كربلاء منطقة صحراوية حارة، وفيها الفرات وبعض الغدران، وتسمية صحراء البحر فيها شبه كبير بتسمية كور بابل، فالكور معناه في العربية هو ذلك الجهاز الذي ينفخ الهواء فوق جمر الحداد لإحماء الحديد، وبابل هيالصحراء الحارة، فصار اللفظ كور بابلي عني لهب صحراء بابل كلهب كور الحداد.وكربلاء تقع على بعد عدة كيلومترات من مشرعة الفرات شمال غرب الكوفة، وكانت في عهد البابليين معبدا، والأسم محرف من كلمت يكرب بمعنى معبد أو مصلى أو محرم،وابل بمعنى إله باللغة الآرامية، فيكون معناه حرم الإله.
وهذا يؤيده وجود الأطلال في شمال غربي كربلاء الحالية وتستخرج في كربلاء القديمة الكائنة في منها أحيانا الجرار الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.
وفي تعوذ الحسين من الكرب والبلاء، مرادف لفظي آخر جاء متطابقا إلى حد كبير مع لفظة كربلاء موصوفة.
فالكرب، هو الشدة المصحوبة بالألم.
والبلاء هو النهاية وبلية الموت.
ولو نسبنا اللفظة إلى مرادف آخر، لوجدناها تصح بلفظة كر وبلاء ومعنى الكر هنا، هو أحد وجهي الهجوم والتراجع في المعارك، وهو ما يعني الهجوم الكر لأن التراجع يعني الفر وهكذا يقال في وصف معركة: قتال بين كر وفرأي بين إقدام وهروب.
أما لفظة كربلاء فمعناها متمم لمعنى لفظة كر وبلاء هنا بعد لفظة كر، غير تلك البلاء بعد لفظة كرب، فاللفظان إذا عطفا على ما قبلهما، فسرا معنى ما سبقهما، فالبلاء بعد الكرب، تعني الشدة والموت، وبعد الكر، تعني المضاء والنجاح في القتل والهجوم، وهكذا يقال في وصف أحد الشجعان: أبلى بلاء حسن أي قاتل بشكل جيد وماض.
وعلى هذا القياس تفسر لفظة كر، بلاء بمعنى: إقدام، وبسالة.
ومهما كان من آراء المؤرخين تبقى كربلاء الأرض المباركة التي كرمها الله تعالى حيث ضمت بين جنباتها الجسد الطاهر لريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وامتزجت تربتها مع دماء العترة الطاهرة من آل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، فتسمية كربلاء كما أخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق الوحي هي ربما أبعد مما ذكره المحللون لهذه اللفظة، فقد أعطى (صلى الله عليه وآله) تفسيرا واقعيا للفظة كربلاء، إذ ذكر فرات الكوفي في تفسيره: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة عليهما السلام: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجم السماء يتهاون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت: يا أبة، وأين هذا الموضع الذي تصف؟قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كرب وبلاء...
نعم: لقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرض كربلاء وقد نعتها بأرض كرب وبلاء قبل أن يدخل العراق إلى حضيرة الإسلام، وقبل أن تطأ أقدام المسلمين أرض العراق التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بني أي الإمام الحسين إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين.
إذن كربلاء هي الأرض التي التقى عليها النبيون وأوصياؤهم، وشهدت أعظم معركة في التاريخ قتل فيها ذرية نبي الأمة (صلى الله عليه وآله) وهم حديثو العهد به، لا بد أن تكون أرضا مباركة كرمها الله تعالى وشرفها على بقاع الأرض الأخرى حتى جاءت هذه التسمية مطابقة للفظ والمعنى.وكانت تحيط بكربلاء عند ورود الحسين (عليه السلام) لها، مجموعة من القرى كالغاضرية ونينوى وعمورا وشاطئ الفرات وغيرها.
المصدر