طوال أعوام سبقت التعرف على سبب مشكلتها الدائمة، كانت عائلة هانا لوف تطلق اسما خاصا بها على نوبات الألم الدورية التي تصيب ابنتها: «ألم معدة هانا».
تدرجت نوبات الألم التي كانت أصابت هانا أول مرة عندما كان عمرها ثلاثة أعوام من الشعور بعدم الارتياح إلى درجات من الآلام الحادة إلى بطن منتفخ لدرجة عدم تحملها ملمس الملابس. وتلا ذلك نوبات من الغثيان والقيء.
تتذكر لوف التي تبلغ حاليا 38 عاما قائلة: «كنت عادة أستلقي أمام التلفزيون ومعي وعاء حتى يمر الأمر». ولكن في فترة ما بين النوبات، والتي كانت تستمر لمدة 24 إلى 48 ساعة وتحدث كل عدة أسابيع، كانت لوف بحالة جيدة.
* تجاهل طبي
* في البداية تجاهل الأطباء المشكلة، ظنا منهم بأنها ستنتهي وحدها. وكانوا يصفون أدوية لم تكن تقدم أي مساعدة وأجروا تحاليل لم تعط مؤشرا إلى وجود شيء ما. وبعد عجز الطب التقليدي عن إيجاد حل، لجأت أسرتها إلى مجموعة من العلاجات البديلة التي أثبتت عجزها هي الأخرى.
تقول لوف، التي تعمل محررة في دار نشر جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وقد نشأت في أوكلاند: «كان من المهين ألا يكون هناك اسم لشيء يحدث بوضوح في حياتي. كنت أفكر كيف أجعلهم يصدقونني؟». وقد أخبر الأطباء أسرتها أنهم يعتقدون أن مشكلتها نفسية، واشتبه أحد الأطباء في أنها تعاني من النهم، وهو ما نفته لوف بشدة.
وعندما أتمت 17 عاما، علمت لوف اسم وسبب المشكلة التي سيطرت على حياتها، وكانت مندهشة لشعورها بالإحباط.
تذكر لوف كيف قالت لأمها: «ماذا؟ كل هذه الأعوام كانت متوقفة على تحليل للدم؟» ويذكر الطبيب رونالد ادلر، طبيب أمراض الجهاز الهضمي المتقاعد، الذي طلب إجراء التحليل رد فعله المختلف، حيث قال: «كنت قد طلبت إجراء مثل هذا التحليل عشر مرات، ولكن تقريرها هو الوحيد الذي كان إيجابيا». وأضاف وهو يتذكر تفاصيل حالة لوف بعد مرور عشرين عاما: «شعرت بالراحة والسعادة لأنه على الأقل أصبحت لدينا إجابة. وأذكر قلقي بشأن كيفية علاجها».
* تجربة العلاج البديل
* حتى سن السادسة، لم يكن أطباء الأطفال يقدمون شيئا سوى وصفة تقدم راحة عرضية أملا في أن المشكلة أيا ما كانت ستنتهي مع تقدمها في العمر. كذلك لم تساعدها المضادات الحيوية، وكانت لوف تنمو بصورة طبيعية فلم يبد من المرجح أنها تعاني من سوء في امتصاص الجسم. ونصح طبيب بإجراء تنظير داخلي، وهي العملية التي تتطلب إدخال أنبوب عبر الحلق إلى المعدة لفحص الجهاز الهضمي، وهو ما عارضته والدة لوف لأنها اعتبرته مبالغا فيه.
أمام شعورها بالإحباط لعدم إحراز أي تقدم، لجأت والدة لوف إلى الطب البديل.
على مدار الأعوام التالية، وحتى بلغت 11 عاما، جربت لوف أساليب غير تقليدية مختلفة. وكان أن عرضت على طبيب للمعالجة المثلية Homeopathy وصف لها علاجا بالأعشاب ومواد أخرى. وخضعت لعلاج الارتجاع البيولوجي والعلاج النفسي وأدوية تغذية وعلاج على «طريقة ريتش» Reichian therapy التي تتضمن ممارسة التدليك وتدريبات التنفس.
ولكن جميع تلك الوسائل فشلت، على الرغم من ملاحظة طبيب المعالجة المثلية أن لوف لا تعاني من الألم لدى توقف الضغط على منطقة البطن. ويشير ذلك غالبا إلى التهاب الزائدة الدودية، ولكن تم استبعاد هذا الاحتمال في وقت مبكر، ولكنه أيضا قد يعني وجود الانتفاخ.
ونظرا لأن معظم الأطباء أجروا الكشف عليها وهي في حالة جيدة، كانوا يميلون إلى تفسير الأعراض بطرق مختلفة على حد قولها. ولكن لوف وأسرتها توصلوا، مع تفهمهم الكبير لـ«ألم معدتها»، إلى تمييز بعض الأمور: تبدو النوبات مرتبطة بالتوتر والحماس والوجبات السريعة. وتذكر لوف ذلك قائلة: «كنا خبراء. كنا نعرف كيف نتجاوز النوبات وكيف نبلغ مدرستي ومعلميّ. وكنا نعرف أن السفر والمبيت خارج المنزل والذهاب إلى الحفلات تعني المخاطرة بأن أتعرض للنوبات».
من جانب آخر، كانت صحتها الجيدة للغاية في فترة ما بين النوبات سببا في ارتباك التشخيص. وتوضح لوف أن ذلك جعل «الإنكار أسهل من وجود بعض الحالات المزمنة، لأنه ليس من المهم كم مرة أصيب بالألم، ففي داخلنا أمل مستمر بأن النوبات ربما لا تأتي ثانية». ومع تقدمها في السن وتزايد شعورها بالحرج بسبب مرضها، حاولت لوف أن تخفيه، ولكنه كان أمرا صعبا بسبب تكرار غيابها عن المدرسة.
* طب تخصصيي
* عندما بلغت لوف 13 عاما، بدأت والدتها تصطحبها في جولة جديدة إلى متخصصين. اقترح أحدهم إجراء جراحة استكشافية لاحتمال وجود انسداد معوي، ولكن أشعة مقطعية أجريت لاحقا أثبتت عدم وجوده. واشتبه طبيب أمراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال في رتج (حويصلة) ميكيل Meckel’s diverticulum، وهو ورم صغير في الأمعاء يمكنه أن يسبب ألما وانتفاخا، ولكن تم استبعاده أيضا. وأشار ثالث إلى أن مشكلتها ألم معوي نصفي، تشبه أعراضه تلك التي تصيب الرأس. ولكن رفضت والدة لوف توصية الطبيب بتناول ابنتها أدوية قوية للتغلب على الألم.
عندما وصلت لوف إلى 15 عاما، طرأ عليها عرض جديد: كانت نوبات الألم تأتي يصاحبها تورم في اليدين والقدمين، والأسوأ من ذلك الحلق.
عرضت لوف على طبيب روماتيزم الذي حولها إلى طبيب حساسية، وأظهرت فحوص الحساسية من الأغذية وجود حساسية طفيفة تجاه القمح. وحولها طبيب الحساسية إلى ادلر، طبيب في أمراض الجهاز الهضمي الجديد، لإجراء منظار على القولون. في اليوم الذي ذهبت إليه لوف في مايو (أيار) عام 1990، كانت تتعافى من نوبة ألم ولديها طفح جلدي أحمر اللون على الصدر.
* إشارة وتحليل
* يقول ادلر: «أعتقد أنه في أمراض الجهاز الهضمي، يرجع ألم البطن غير المبرر إلى متلازمة تهيج القولون» متذكرا أنه على الفور استبعد هذا التشخيص العام. وأضاف قائلا: «لا يشعر من يعانون من هذه المتلازمة بالراحة في الهضم». على النقيض، كانت لوف تشعر بالراحة فيما بين النوبات.
يقول ادلر: «كانت تلك هي الإشارة». وكذلك الطفح الجلدي. أخبر ادلر لوف ووالدتها أنه يريد تأجيل التنظير وأوصى بإجراء تحاليل دم متخصصة. ويوضح ادلر أنه منذ أيامه الأولى في ممارسة الطب، كان يضع في فكره دائما «قائمة قصيرة من الأشياء الغريبة» في حالة لم تبرر الأسباب الشائعة مشكلة أحد المرضى.
آلام وتورمات كشف تحليل الدم عما كان يشتبه فيه ادلر. وبعد 14 عاما، أصبح لما تسميه الأسرة «ألم معدة هانا» اسم علمي: وذمة وعائية وراثية، وهو مرض خطير من أعراضه التورم ويسببه نقص في بروتين في الدم يسمى «مثبط سي1» C1 inhibitor.
كان يطلق على هذا المرض الذي أحيانا ما يظهر في فترة الطفولة وذمة وعائية عصبية angioneurotic edema، بسبب ظن الأطباء الخاطئ بأن له سببا نفسيا. في أغلب الأحيان، يصيب المرض الذي اكتشف أول مرة في عام 1882، الجهاز الهضمي. وفي بعض الحالات من الممكن أن يسبب تورما كبيرا لدرجة أنه يشبه المراحل الأخيرة من الحمل. ومن الممكن أن يسبب الوفاة إذا حدث تورم في الحلق ولم يقدم له علاج طارئ في الوقت المناسب. وفي نسبة 30 في المائة من المرضى، يصاحب طفح جلدي نوبة الألم والتورم، يمكن أن يتسبب فيها الشعور بالقلق.
ولا يوجد علاج لتلك الحالة، التي تصيب نحو واحد من بين كل 50 ألف أميركي وفقا لـ«جينتكس هوم ريفرنس». وعلى الرغم من أن معظم الحالات أسرية، 20 في المائة منها، ومن بينهم لوف، تأتي نتيجة تشوه جيني. توجد احتمالية بنسبة 50 في المائة أن يصاب أبناء الشخص المصاب بالمرض.
عندما اتصلت والدة لوف بها لتخبرها بالأخبار الجديدة، بعد دقائق من حديثها مع ادلر ومعرفة التشخيص، قالت لوف إنها شعرت بالدهشة. وتقول: «قبل أي شيء، أذكر أنني لم أصدقها. وفي تلك المرحلة، كنت أعتقد أننا لن نتمكن مطلقا من معرفة الحقيقة».
كانت الأخبار جيدة وسيئة، لأنه لا يوجد علاج لهذا المرض والخيارات محدودة للغاية. وصف ادلر علاجا لم يحقق أي تقدم. وقررت لوف التي كانت على وشك الالتحاق بالجامعة في ماساشوستس، رفض الاحتمال الآخر الوحيد في ذلك الوقت: تناول الكورتيكوسترويدات (السترويدات القشرية) لفترة طويلة، والتي تسبب العديد من الآثار الجانبية، من بينهم زيادة الوزن وتقلب الحالة المزاجية.
وانضمت إلى الجمعية الوطنية للأمراض النادرة، وهي جماعة مناصرة ودعم، حيث قابلت مرضى آخرين يعانون من الوذمة الوعائية الوراثية، وهو ما ساعدها كثيرا. وتقول: «لم يبد ممكنا أن هناك شخصا آخر يعيش الواقع الغريب الذي كنت أعيشه».
مع مرور الأعوام، خضعت لوف لتجارب طبية عديدة بتناول أدوية تجريبية. وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، حصلت على جرعات مقننة من دواء سينريز. وساهم العلاج الوقائي كثيرا في منع نوبات الألم التي كانت تصيب لوف، ولكنه يظل أحد أغلى الأدوية ثمنا في العالم، وفقا لمجلة «فوربس»، حيث تكلف الكمية السنوية منه نحو 350000 دولار. وتقول لوف إن برنامجها التأميني يغطي تلك التكاليف. ولكن قبل أن يتم إلغاء الحد الأقصى للتأمين الصحي الذي يحصل عليه المرء طوال حياته بموجب قانون إصلاح الرعاية الصحية الذي تم تمريره العام الماضي، كانت لوف قلقة من أن تستنفد الحد الأقصى المسموح لها بمليوني دولار.
وتقول لوف إن التحاليل التي أجراها ابنها الذي يبلغ من العمر 16 عاما أظهرت أنه لا يحمل المرض، في حين أن ابنتها التي تبلغ من العمر 10 أعوام لا تبدو عليها أي إشارات إلى وجود مشكلة ولكنها لم تجر فحوصات حتى الآن.
وتقول لوف إنه على الرغم من محنتها، فإنها لا تتمنى لو كانت لم تعان من المرض الذي ساهم في رسم حياتها كما هي. وتضيف قائلة: «اكتسبت كثيرا من الامتيازات بسبب تعايشي مع المرض وتجاوزي له. من المؤكد أنه صنع شخصيتي».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»