يقول المسؤولون الأمنيون إنه قدم لهم معلومات عن تكتيكات المتطرفين، وساعدهم في العثور على المتشددين وإعتقالهم وإستجوابهم. في محافظة صلاح الدين، خط الجبهة الرئيسي شمالي بغداد، ساعد الجيش في استعادة العديد من المناطق هذا الأسبوع، من بينها مدينة بيجي حيث تمكنت القوات العراقية من تأمين أكبر مصفاة للنفط في البلاد.
سار القائد السابق في تنظيم الدولة الإسلامية نحو غرفة الزوار في سجن بغدادي حصين، دون أن يكون مرتديا البزة الصفراء التقليدية ودونما أغلال كالتي يرزح فيها زملاءه. وقام بتحية الحرس بابتسامة كبيرة .. وقبلهم من وجناتهم.هذا المشهد يكشف الطريق الغريب الذي سلكه أبو شاكر، البالغ من العمر 36 عاماوالذي انضم الى تنظيم القاعدة غضبا من، وردا على، سوء معاملة العرب السنة في العراق، وترقى في التنظيم الذي بات الآن يحمل اسم الدولة الإسلامية. أخيرا، أصبح مخبرا ضد الجماعة عقب اعتقاله. اعتقل أبو شاكر أواخر عام 2013، وقدمت له قوات الأمن العراقية خيارا واحدا: مساعدتهم ضد المتطرفين، بالمقابل سيحصل على امتيازات في السجن. الآن يبدو حرا نسبيا داخل مجمع السجن، ويستطيع أبو شاكر اللعب مع أطفاله الخمسة ويتمتع بزيارات الأهل ومصادقة الحراس.
كان من الواضح إنه كان مستعدا للعمل ضد جماعته السابقة مقابل التواصل مع عائلته - وربما، منع الحكومة من اتخاذ أي إجراء ضدهم. لكن من الصعب قياس حدود مشاعره تجاه المتطرفين. متحدثا للأسوشيتد برس لم يعبر عن أي ندم لإنخراطه في صفوف الجماعة، ولم يندد على نحو مباشر بأفعالها أو التحدث عن أي تحول اديولوجي. لم يقل سوى إنه لم يحب أعمال الجماعة العنيفة مثل مهاجمة الشيعة والمسيحيين. "قال "ليس من المفترض أن تكون على هذه الشاكلة".
وأضاف متحدثا عن الجماعة المسلحة "لا يمكننا وقف هذا الأمر، لكن بإستطاعتنا تحجيمه". وأردف قائلا "ليس لداعش ما تخسره".
كان يتحدث مع الأسوشيتد برس والحراس يدخلون ويخرجون من الغرفة مع تواجد لمسؤول في المخابرات - الذي يعمل معه على نحو وثيق. وتحدث معنا شريطة عدم الكشف سوى عن اسمه الحركي بهدف حماية عائلته. وكان مسلحو الدولة الإسلامية قد أصدروا عدة بيانات تهدد بقتله.
كان ثمة سببان دفعا أبو شاكر للإنضمام الى الجماعة المسلحة غضبه حيال الإحتلال الأمريكي لبلاده الذي أطاح بنظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003 ومرارته تجاه الحكومة الجديدة التي يقول السنة إنها تميزهم وتهمشهم.
انضم أبو شاكر، وهو خريج جامعة بغداد، الى فرع القاعدة في العراق عام 2007. ويبرر ذلك بقوله "إذا غزونا أمريكا ماذا سيكون رد الفعل؟ الشعب الأمريكي سيقاوم بالطبع".
وأضاف إنه ترقى في صفوف اقاعدة بدءا من جندي مشاة، لينتقل من محافظ ديالى، مسقط رأسه، الى بغداد وبعدها الى صلاح الدين وأخيرا الى الفلوجة.
وأوضح قائلا "عندما توكل اليك مهمة جديدة عليك التحرك، الأمر سيان".
خلال تلك الفترة، قتل قائدا القاعدة في العراق - أبو أيوب المصري وابو عمر البغدادي - في غارة أمريكية عام 2010. ليحل محلهما الرجل الطموح أبو بكر البغدادي الذي سيحول الجماعة فيما بعد الى مسار آخر. عام 2012، بدأ أبو شاكر بإرسال المقاتلين الى سوريا، للإنخراط في الحرب الأهلية الدائرة هناك. هناك، حصلت المجموعة على المزيد من الموارد والبراعة القتالية والمقاتلين.
وأسندت قيادة الفلوجة إلى أبو شاكر عام 2012. وكانت مهمته الأساسية هي الإشراف على الأمن في عمليات القاعدة هناك. وهذا يعني جزئيا تنظيم أماكن الاختباء والحركة بين العراق وسوريا. غير أن مسؤولي الأمن قالوا إنه كان مسؤولا عن عمليات قتل في العراق، من خلال إصدار أوامر للمسلحين بمقاتلة الجنود.
وسقطت الفلوجة تماما في أيدي المتشددين في كانون ثان هذا العام، بعد شهرين من اعتقال أبو شاكر. وحتى في هذا الوقت، كانت المدينة تحت سيطرة التنظيم.
وكانت أسلحتهم بدائية آنذاك، بحسب أبو شاكر، مشيرا إلى أنهم كانوا يصنعون العبوات الناسفة بسهولة.
وأردف قائلا "لكننا لم يكن لدينا سوى قليل من الأسلحة.. كان علينا أن نعتمد على السيارة الملغومة البدائية، فضلا عن الاشتباكات مع الجيش في الشوارع".
ولكن تدريجيا، حظي التنظيم بدعم العشائر السنية في مختلف أرجاء محافظة الأنبار، والتي كانت تشعر باستياء شديد حيال الحكومة.
وفي هذا السياق، قال أبو شاكر "تشعر هذه العشائر بالقهر.. على سبيل المثال، ليست لديهم أي حصة في الوظائف... أو أي تمثيل لهم داخل الحكومة".
ومع الموارد القادمة من سوريا، تمكن التنظيم من منح المقاتلين رواتب مرضية، حيث قال أبو شاكر إنه كان يتقاضى ما يعادل 65 دولارا أمريكيا شهريا، إضافة إلى خمسة وأربعين أخرى لزوجته وعشرين دولارا لكل طفل.
وعجل البغدادي من تحول التنظيم. ففي أوائل 2013، أعاد التنظيم تسمية نفسه ليصبح "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام". وبدأ يستولي على مناطق فى سوريا، ما أدى إلى احتكاكات دموية مع المتمردين السوريين. لدرجة أن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بدأ ينتقد فرع التنظيم في العراق.
وتحت قيادة البغدادي "تغيرت العملية" بحسب تعبير أبو شاكر، مشيرا إلى أن السياسات أصبحت "عشوائية"، فيما تعمقت الخلافات مع القاعدة.
على سبيل المثال، أبدى الظواهري رفضه لسياسة قطع الرؤوس، وقال للتنظيم "لا تسترسلوا في هذه الدعاية.. هذا أمر غير مقبول"، وفقا لما ذكره أبو شاكر.
وبحلول نهاية عام 2013، تبرأ تنظيم القاعدة من جماعة البغدادي. وانطلق البغدادي للأمام وحيدا بقوة ليجتاح الفلوجة وأجزاء أخرى من محافظة الأنبار. ثم استولى مسلحوه فيما بعد على ثاني أكبر المدن العراقية (الموصل) شمالي البلاد في حزيران. ويسيطر تنظيم البغدادي حاليا على ثلث العراق وسوريا.
وفي هذه المرحلة، عرفت الاستخبارات العراقية هذا الرجل ودوره الكبير وبدأت تستفسر عنه من خلال مخبريها المنتشرين في جميع أنحاء المدينة.
هيثم، وهو ضابط استخبارات، قال بدوره إن فريقا استخباراتيا خاطر بالذهاب إلى معقله الفلوجة لمدة عشر أيام، وشاهدوه هو وأسرته يأتون ويذهبون.
وأضاف هيثم أنه كان يتسلل داخل منزله للإصغاء إلى محادثات أبو شاكر.
وتحدث هيثم شريطة الكشف عن اسمه الأول فقط لأنه مازال يعمل بشكل سري.
وفي أواخر 2013، أسر التنظيم أبو شاكر. وعمل مسؤولون في الاستخبارات على الاستعانة به "فكل شخص عنده نقطة ضعف التي كانت أسرته... وأدركنا أننا إذا حاولنا الاستعانة به، فإننا نحتاج أيضا إلى الاستعانة بأسرته".
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية إن أبو شاكر لم يصدر بعد بحقه أي حكم جراء تعاونه مع جماعة متشددة، لكن الدعوى لا تزال قائمة.
وخلال المقابلة، دخلت ابنة أبو شاكر البالغة من العمر عامين إلى حجرة الزوار، وحييت الحراس بقبلة خجولة على خدودهم.
ويقول أبو شاكر إنه يعتبر الحكومة هي الحامي لأسرته حاليا، مشيرا إلى أنه قد يقضي في السجن بقية حياته واعتذر عن ذلك.
ويضيف "لكنني أرى الآن أن اعتقالي أنقذ أسرتي".