أحد أسرار تفوق مُحرك مرسيدس


(عماد الدين مانع - الجزائر) أظهر مُحرك مرسيدس في بداية العام الحالي تفوّق ملحوظ مُقارنةً بمُحركي رينو وفيراري. ويعود السّر في ذلك الى تركيبة ذكيّة لمُحرك التوربو.

محرك «في6» الحراري لهذا الموسم يستخدم تكنولوجيا زيادة التغذية بالطاقة، حيث يرتبط بنظامين لإستعادة الطاقة. المبدأ هو أن التوربو يقوم بشفط الهواء بقوة ويغذي به المحرك، وهذا يعني زيادة ضغط الهواء في الداخل وبالتالي تحسين تعبئة الإسطوانات بخليط «هواء/وقود»، الأمر الذي يؤدي الى تعزيز الطاقة. قُدّم هذا النظام من قبل رينو موسم في العام 1977.

التركيبة التقليديّة لمحرك التوربو:
يتكّون التوربو من 3 عناصر: توربين، ضاغط ومحور يربط بينهما. التوربين يُوضع في مكان تدفق غاز العادم الخارج من المحرك المدفوع بسرعة عالية. هذا التوربين متصل بمحور الى ضاغط متمركز في قناة دخول الهواء للمُحرك.

هذا الضاغط يشفط (يستنشق) ويضغط الهواء المحيط قبل إرساله الى الإسطوانات بالمرور بمبادل هواء/هواء (مبرد داخلي) لتبريده (أو مبادل هواء/ماء كما هو في فيراري ومرسيدس). عمومًا، التوربو هو مجموعة العناصر الـ3 مندمجة معًا وموضوعة في الجزء الخلفي من المُحرك، كما هو مبين في الصورة أدناه:

الصورة 1 توضح البناء التقليدي والمعتمد في فيراري ورينو. المحور الذي يربط التوربين إلى الضاغط قصير جدًا. ونظام «ERS-H» (إستعادة الطاقة الحرارية) الذي يعمل على إسترداد الطاقة المنتشرة من دوران المحور يوضع داخل «V» التي تشكلها مجموعة صفين من الإسطوانات.

الحلّ المبتكر لمرسيدس:
مرسيدس إختارت تركيبة أكثر حداثة وإبتكارًا بتقسيم مكونات التيربو وإبعادها عن بعضها، فخلافًا للصور الرسمية التي تم نشرها أثناء عرض تقديم محرك مرسيدس (كانت غير حقيقية)، فالواقع يقول أنه قد تم فصل التوربين عن الظاغط.

وبعبارة أخرى فان التوربين وكما هو الحال في الحلّ التقليدي مازال يتواجد في الجزء الخلفي لكتلة المحرك، بينما الضاغط يتواجد في الجزء الأمامي. كلا العنصرين بعيدين عن بعضهما بمسافة معتبرة خلافًا للحل التقليدي، وكلا العنصرين يربطهما محور أكثر طولاً والذي يمر داخل «V» (التي تشكلها مجموعة صفين من الإسطوانات)
بُنية محرك مرسيدس غير عادية وتعطي عدّة ميزات:

الأولى تتمثل في: إدارة أفضل للتبريد لأن الضاغط والقنوات موضوعة في الجزء الأمامي من «في6» بعيدًا عن حرارة تقارب 900 درجة مئوية (ناتجة من التوربين وأنابيب العادم الحارقة). كل ذلك يسمح بأن يكون المبرد الداخلي أقل حجمًا (لأن الهواء المضغوط سيكون بحاجة لتبريد أقل) وهذا يستفاد منه من الناحية الإنسيابية بتصميم طوافات (سايدبود) أكثر ضيقًا وبالتالي تكون أكثر فعالية.

الثانية تتمثل في: الأنابيب التي تربط الضاغط بالمبرد الداخلي تكون أكثر قصرًا وهذا يُقلّل من زمن إستجابة التيربو، وتقليل زمن الإستجابة يسمح بتقليل كمية الطاقة المخزنة من طرف «ERS» وهذا يسمح بمواصلة دوران التوربين عندما تكون دواسة التسارع ليست مضغوطة. ومن كل هذا ينتج تفريغ للبطارية بسرعة أقل، وهذا يعطي فائدة كبيرة، خاصة عندما نتذكر أن القواعد تسمح فقط بإستخدام 4 «ميغا-جول» في اللفة، لكن بإسترداد ما قيمته 2 «ميغا-جول» فقط في اللفة.

الثالثة تتمثل في: وضع الضاغط في الجزء الأمامي من كتلة المحرك سمح لمرسيدس بتحرير مساحة في الجزء الخلفي وتحرير مساحة إضافية في الخلف أعطى مرسيدس ميزة إضافية بتقديم علبة التروس قليلاً للأمام وهذا يُعطي مركز ثقل أفضل للسيارة وبالتالي توازن أفضل.

الخطأ الوارد في تركيبة مُحرك مرسيدس يتمثل في الطول غير العادي للمحور، وهذا يجعله أكثر عرضة للعطب. التوربين يقوم بـ125.000 دورة في الدقيقة (هي وتيرة دوران التوربين وينبغي عدم الخلط بينها وبين وتيرة دوران المحرك) وهذا يحتاج لمحور يتمتع بموثوقية نموذجية وهذا ما يظهر عليه محور مرسيدس.

ميزة المرسيدس ليست فقط في وحدة طاقة «PU106A» أو في مبرد «هواء/ماء» (حلّ مشترك مع فيراري)، بل تتمثل أيضاً في قدرة مصنعي وحدة الطاقة في بريكسوورث في تشغيل الكتلة الحرارية في إنسجام مع كلا نظامي إستعادة الطاقة وهذا ما يُفسر تميز وحدة القوة الدافعة للمرسيدس عن البقية. ومن ناحية الإنسيابية لسيارة مرسيدس فهي تمتلك أنف خاص وهيكل متقن وتعليق مترابط (نظام فريك).

التكامل المثالي: بالنسبة للأداء الإستثنائي لسيارة المرسيدس «دبليو05»، فهو يرجع بالأساس للتكامل بين مزيج "محرك جيد" مع "هيكل فعّال". وهناك حقيقة لا يعتريها الشك تتمثل في كون عملاء مرسيدس (الفرق الأخرى) إستلموا وحدة الطاقة من مرسيدس في وقت متأخر وبالتالي كان لهم وقت قليل لدراسة تفاصيل البحث عن أفضل السبل لتحقيق الدمج المثالي للمحرك مع هيكل السيارة. فمهندسي براكلي عملوا يدًا بيد وفي وقت مبكر مع زملائهم المسؤولين عن المحرك في بريكسوورث التي تبعد 40 كلم عن المصنع.

على الرغم من أنّ خصوم السهام الفضيّة على دراية من هذه الوضعيّة الذكيّة لمحرك المرسيدس منذ بضعة أسابيع الّا أنهم غير قادرين على اعتمادها، لأنّ التعديل على المُحركات لهذا الموسم تم تجميده منذ 28 فبراير/شباط الماضي، وهذا ما يُجبر رينو وفيراري على إيجاد سُبل أخرى تمكنهما من سدّ الفجوة التي تفصلهما عن مرسيدس.