اغتيال داود القيسي .. القصة الكاملة :من وراء مصرعه.. أغانيه للبعث وصدام أم نشاطه الحزبي (أيام القادسية) أم تصفية حسابات ؟!


في يوم السابع عشر من أيار 2003 اي بعد الاحتلال الامريكي للعراق بشهر واحد قامتْ مجموعة مجهولة باقتحام منزل الفنان العراقي داود القيسي وفتحت عليه نيران اسلحتها فقتلته في الحال ولاذت بالفرار!!
كان اغتيال الفنان القيسي لايحمل اي مسوغات معقولة اومنطقية كما عد ملف اغتياله من الملفات الغامضة وتردد في الشارع العراقي بعيد اغتيال القيسي ان جريمة قتله جاءت عقابا له على اغانيه واناشيده لحزب البعث والرئيس السابق صدام(!!) وهو عذر لايعقل فقد عرف العراقيون مطربين كثر غنوا للبعث وحروب صدام وللرئيس السابق نفسه فلم يمسسهم احد بل ان البعض منهم مازال يقيم حفلات غنائية ويتجول على راحته في العراق !!
ليس القيسي هو المطرب الوحيد الذي انشد وغنى لصدام فهناك اعداد لاتحصى من المطربين والمغنين والملحنين والشعراء الشعبيين الذين مجدوا صدام واولاده وبناته ونظامه ولاحاجة لذكر اسمائهم.. كما ان القيسي ليس الفنان "البعثي" الوحيد في العراق .. اذا لماذا صفي القيسي بهذه الطريقة القاسية التي انهت حياته ورملت زوجته ويتمت اولاده؟!
من خلال جرائم الاغتيالات اوالمحاولات الفاشلة لاغتيال حتى اشخاص عاديين جرت بعد الاحتلال مباشرة اي في صيف عام 2003نستشف ان بعضها نفذ نتيجة عداوات واختلافات ونزاعات وشكاوى عادية وبسيطة وليست بدوافع سياسية او بفعل "القوائم" التي عرفت انذاك.. ان بعض الاشخاص لم يتسامحوا واستغلوا انهيار الامن لينفذوا جرائمهم لينفسوا من خلالها عن احقادهم الشخصية وسمومهم الفتاكة!
لكن يبدو لي ان قضية القيسي امر اخر فالرجل كان "مطلوبا" بعد الاحتلال بعد دخول الالاف من الحدود واصبحت "مودة" قوائم المطلوبين رائجة في ذلك الوقت ويبدو ان اسمه كان ضمن المطلوبين.
كانت عقيلته السيدة منال القيسي قد كتبت عنه في 16 ايار 2006 عن سيرته الذاتية (تم اجراء تعديلات كثيرة في المضمون لوجود اخطاء املائية وطباعية كثيرة في النص الاصلي):
((ولد في بغداد عام 1948 في مستشفى الجمهوري وكان منزل العائلة يقع في الباب الشرقي في ذلك الوقت، عاش طفولته في منطقه كمب الارمن في الباب الشرقي وكانت مدرسته الابتدائية في كنيسة الارمن وخلال هذه الفترة اصيب بمرض التيفوئيد. ولكونه مجتهدا وحسن الاخلاق في مدرسته اخذ القس يزوره الى البيت ويقرأ له ويصلي ويدعوا له بالشفاء.
انتقلت عائلته الى بغداد الجديدة في منطقة تل محمد.
ولد الشهيد من عائلة بسيطة وكان والده يعمل ميكانكي في القوة الجوية في قاعدة العمارة. وبعد ان احيل الى التقاعد ابان الاحتلال البريطاني للعراق تعين في شركة نفط كركوك وتزوج ابو داود من زوجة ثانية وهجر زوجته الاولى اي والدة داود وكان لها ولدان هما صابر وظافر وبعد ما يقارب 13 سنة رجع والده الى زوجته الاولى وكانت تعيش في بيت اهل زوجها طول مدة الهجر.
ولد الشهيد بعد ذلك وكان الفرق في العمر كبيرا بينه وبينه اخويه ومن ثم ولدت اخته نوشه وبعدها اخته منى كان الشهيد يعتمد على نفسه في مصروفه ويساعد اهله منذ الصغر. وكان في فترة العطل الدراسية يعمل اي شيء ولا يتقاعس مثل باقي الاولاد. ومن الاعمال التي كان يقوم بها هي نصب مراجيح العيد قرب دارهم لاطفال المنطقة وقد حدثني هو رحمه الله شخصيا بهذا وقال كنت لا اقبل ان يشتري لي اهلي ملابس العيد وكنت اعمل طيلة ايام العيد وعنده انتهائه اذهب الى السوق واشتري ملابس العيد بنفسي لاني لا احب ان ارهق اهلي. كان والده مشغولا في عمله ولا يعود منه الا في الشهر مرة واحدة بحكم عمله البعيد في كركوك.
من مواقف شجاعته منذ صباه والذي تثبت قوته وصبره على اشد واصعب المواقف وكان يحدثني دائما بما كان قد حرم من الذي يجب ان يفعله اهله منذ صغره والذي يعرفه كل مسلم وهو الختان لكنه عندما بلغ11 سنة من عمره لم يختنه اهله ايضا. وبالصدفة قام جار لهم بختان اولاده.وعندما انتهى من ختان اولاده ذهب داود بنفسه الى الرجل وقال له عمي اريد منك ان تفعل كذا. فتعجب الرجل من شجاعته وكذلك جارتهم ام الاولاد, وبدون علم اي احد من اهله ورجع الى اهله وهو مختون.وهذا اكبر دليل على اعتماده على نفسه وشجاعته وقوة ارادته في هذا العمر.
كانت مدرسته في تل محمد وبعد ذلك انتقل الى ثانوية الجمهورية بعد ان سكن اهله في حي الامين دور النفط وما زال بيت اهله هناك وفي هذه الثانوية شهدت انطلاقته الحزبية والاعلامية حيث كانت هناك مناسبة وجاءت فرقة موسيقية الى المدرسة وطلبت من الطلاب المشاركة بهذا الاحتفال فشارك هو لكونه يملك صوتا قويا ومدويا فانشد مقطع نشيد للفنان عبد الحليم حافظ وهو(وطني حبيبي وطني الاكبر) وكان بين الموسيقين احد منتسبي الاذاعة والتلفزيون فدعاه الى القدوم الى الاذاعة والتلفزيون لكي يشارك في برنامج (ركن الهواة) وفعلا ذهب وقبل فيها واستمر في هذا المجال الفني وخدم الحركة الفنية منذ اكثر من 35 سنة واسهم في تطورها عبر مواقعه الادارية في الفن العراقي وتنقل بين مدير في دائرة الفنون الموسيقية ومدير لقسم الموسيقى والغناء في دائرة الاذاعة والتلفزيون ونقيب للفنانين على مدى دورات عدة وكانت الدورات الاخيرة لا ينافسه فيها احد على منصبه وكان الفنانون يرددون ان النقابة (لايكه لداود وهو لايك اله).
شغل منصب مدير شركة بابل الانتاج الفني والتلفزيوني ومدير لمهرجان بابل الدولي لسنوات طويلة وبقى على هذه المسؤولية حتى استشهاده ‍وهو في هذا المنصب.
كان الشهيد مخلصا بعلاقته مع اصدقائه وجيرانه ولكونه عاش اكثر فترة حياته في تل محمد وبقى ارتباطه باهل المنطقة مستمرا وكان مع تنظيم فريق كرة القدم لشباب تل محمد وكان متواجدا دائما وكان ايضا يعمل خطاطا مع ابن عمته ولهم محل في نفس المنطقة ومن خلال مدرسته الجمهورية وهذه المدرسة التي شهدت انتسابه للفن عام 1963.
وفي فترة انقلاب تشرين الثاني 1963 داهمت الشرطة بيته لاعتقاله فتصدى والده رحمه الله لهم الا ان بعض افراد الشرطة ضربوا والده على صدره وتسببوا له بضرر خطر في رئته مات والده على اثره.
قبض عليه وزج في سجن رقم (1) لحيازته سلاحا ممنوعا ثم افرج عنه ووجد نفسه مسؤولا عن اعالة عائلة كبيرة بعد وفاة ابيه متأثرا بالجرح الذي تسببت به الشرطة. فاضطره الى ترك الدراسة في معهد الفنون الجميلة لاعالتهم ولكنه كان في هذا الوقت يعمل بالاذاعة والتلفزيون وبعدها التحق بالخدمة العسكرية الالزامية.
في عام 1973 تطوع القيسي للمشاركة في حرب تشرين و على اثرها منح رتبة عسكريه فخرية (ملازم اول)..
ورغم مسؤولياته الا انه لم ينس حياته العائلية الخاصة فكان يؤدي واجبه بكل تفاصيل الحياة كان يتابع الاولاد في دراستهم من مرحلة الروضة الى ان تخرجوا وهم يحملون اكثر من شهادة جميعهم ومنهم ابنه البكر اسامه (مهندس معماري ومن الاوائل ويحمل شهادة دبلوم بالموسيقى ومن مدرسة الموسيقى والبالية ويعزف على العود) و ابنه الثاني سلوان خريج اكاديمية الفنون الجميلة ويحمل شهادة البكلوريس في هندسة التصميم الصناعي كما ويحمل شهادة الدبلوم في الموسيقى من مدرسة الموسيقى والبالية وعلى الة السنطور العراقية اما سلوان فهو عضو نقابة الفنانين العراقين وعضو مشارك في فرقة ناظم الغزالي وفرقة الرافدين العراقية اما مشاركته الهندسية مشارك في معرض بغداد الدولي تصميم الجناح الخاص بسلطنة عمان ومهرجان بابل الدولي بوضع البوستر الخاص للمهرجان ومهرجان البادية ومهرجان يوم بغداد ومشاركات عديدة ومتنوعة وكل ما يخص الموسيقى والتصاميم الهندسية. ابنته الصغرى هي سمرة كانت عند استشهاده مستلمة البطاقة الامتحانية للسادس العلمي واكملته بعد استشهاد والدها واكملت بكلوريوس اللغة الانكليزية وهي ايضا خريجة مدرسة الموسيقى والبالية واختصاصها البيانو.
في يوم 17 -4 خرج من الدار وذهب الى بيت محسن العلي واخبره محسن ان لؤي حقي مدير عام السينما والمسرح وامام مجموعة من الفنانين والناس يشتم قصي وعدي وصدام مع العلم ان لؤي كان يردد دائما وامام كل من يعرفه بانه الابن الثالث لصدام حسين!!
وقام هذا الشخص بنهب المسرح الوطني ومسرح الرشيد واخذ الكثير من الاجهزة الى داره هو واخوانه !!

يوم استشهاده استيقظ مبكرا جدا واخذ يتجول في ارجاء البيت ووقف الى جوار البيانو وهو يلامسه وبقى يتمعن النظر فيه كانه يعلم ان هذه اخر مره يشاهد فيه بيته ودخل المكتب واخذ يكتب ما يجول في خاطره كالعادة في كل يوم.
بعدها زاره محاسب النقابة وتحدثا عن النقابة وعن الوضع في الشارع العراقي وبلغه ان يبلغ تحياته الى جميع الفنانين واوصاه ان يحافظوا على ممتلكات النقابة وقال للمحاسب يجب عليه مراجعه الناس الذين احتلوا النقابة ويثبت لهم انها ملك للدولة وان له فيها اشياءه الخاصة كان قد تركها هناك في النقابة ومنها تاليف كتابين لمقطوعات موسيقية لم تر النور بعد ومبلغ من المال في خزنته الخاصة ودفتر صكوك وبعد توديع المحاسب طلب مني ان اجلب له السمك وانه لم يسبق له ان اكل السمك في يوم السبت ابدا وكان في هذا اليوم يسير خلفي وينظر الي بشكل غير طبيعي وبعدها سالته ماذا بك لماذا تنظر لي بهذا النظرة الغريبة فقال لي اني راض عنك فتعجبت وفرحت من كلامه هذا الغريب وقلت له حقا انك راض عني وحببت ان اعرف ماذا يقصد من كلامه فرد علي وبالنص (بس الله يعرف اني اشكد راضي عنج) واعتبر هذا وسام عز وشرف لي ووفاء لهذا الرجل النزيه من متع الحياة فشكرته على كلامه الرقيق والجميل والذي اصبح له وقع في نفسي وحمل الامانة لذكره

كاردينيا