هل يشهد الوطن العربي ظهور شخصية "تيا" بنسختها العربية لمحاربة ظاهرة زواج القاصرات المتفشية فيه والتي كان من ضحاياها وفاة الطفلة اليمنية روان التي لم تبلغ الثامنة من عمرها ليلة عرسها نتيجة إصابتها بنزيف داخلي نتيجة تمزق الرحم بعد أن تزوجت من رجل عمره خمسة أضعاف عمرها في قضية أثارت ضجة في وسائل الإعلام العالمية،
كذلك مواطنتها نجود محمد علي التي زُوجت قبل أن تكمل عامها الثامن ولم تحصل على الطلاق إلا بعدما رفعت شكوى ضد والدها الذي أرغمها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاماً أو الطفلة السودانية أشجان التي زوجها أبواها وهي في الخامسة من عمرها ولم تحصل على الطلاق وبطلان العقد إلا بعد ثلاث سنوات،
ورغم هذا ما زالت بعض الأسر تتباهى بأنها تزوج بناتها قبل سن الـ17 لتحرمهن من فرص التعليم وأحلام الصبا وتفرض عليهن مسؤوليات جسام قبل أن يكتمل نموهن النفسي والبدني وربما قبل أن تصبح امرأة قادرة على الإنجاب.
القاهرة ـ روتانا
"تيا" تهز النرويج
ولمن لا يعرفون "تيا" نقول لهم إنها فتاة نرويجية عمرها 12 عاماً فقط، استطاعت أن تهز كيان المجتمع النرويجي بمدونتها التي أعلنت عبرها أنها ستتزوج من شاب يدعى جير عمره 36 عاماً، وذكرت فيها جميع تفاصيل الزواج، ومراسم العُرْس ومواصفات العريس الذي اختاره لها أبواها وهو العريس الذي لا يعرف عنها شيئاً بل فرح لمجرد أنه سيتزوج.
لقد تحولت مدونة الصغيرة "تيا" إلى حملة شرسة داخل النرويج التي لا تقر بزواج القاصرات ولا تسمح بتزويج الفتيات قبل سن الـ18 عاماً، والتي يرى البعض أنها "إن تمت" ستمثل وبالاً على المجتمع النرويجي كله.
معاناة عربية
وبالحديث عن الدول العربية نجد أنها كلها تعاني من هذا الوبال أو الوباء، بعد أن فشلت أجهزتها الحكومية والأهلية في وضع حلول لها، ويكفي أن نصاب بصدمة حينما نعلم أن دولة مثل اليمن بلغ فيها زواج الفتيات القاصرات نسبة 65 في المئة، وأن بعض القرى في مصر بلغت فيها نسبة زواج القاصرات أكثر من 70 في المئة،
وبعضها حول ذلك الزواج إلى تجارة تعيش عليها بعض البلدان التابعة لمحافظة الجيزة فيما يسمى بالزواج السياحي، وأن نسبة زواج القاصرات في مصر كلها بلغت 15 في المئة،
وفي المغرب أفادت إحصائيات صادرة عن وزارة العدل بأن زواج القاصرين "أقل من 18 عاماً" في ازدياد مطرد، وجاء في الدراسة أن عدد القاصرات اللاتي سمح لهن بالزواج زاد على الضعف في غضون سبع سنوات وارتفع من 18.341 في المئة سنة 2004 إلى 39.041 في المئة سنة 2011.
ويستمر الجدل في المغرب بين من يطالب بإلغاء زواج القاصرات بصفة نهائية من التشريعات، وبين من يدعو للاستمرار في السماح به وفق شروط محددة بشكل استثنائي.
وفي السعودية وبعد جدل واسع دار منذ سنوات في الأوساط الاجتماعية والإعلامية انتهى الأمر منذ شهرين تقريباً إلى إعلان هيئة كبار العلماء عزمها بحث قضية زواج القاصرات في اجتماع دوري يرأسه الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية رئيس هيئة كبار العلماء.
أرقام مخيفة
ورغم صدور عدة قوانين في جميع الدول العربية تمنع زواج الجنسين ممن هم دون الـ18 عاماً فإن متوسط زواج الفتيات القاصرات في الدول النامية التي تنتمي لها الدول العربية بلغ 30 في المئة بما يعادل نحو 250 مليون قاصر حسبما أشار تقرير منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة،
وأن 39 ألف طفل في العالم يُجبر على الزواج يومياً، وكلها أرقام مخيفة دون شك، تعكس مدى الأمية الثقافية والجهل المتفشي وكذلك حالة الفقر والعوز التي تعاني منها بعض الدول العربية وتضطر أسرها إلى تزويج البنات في سن مبكرة حتى تتخلص من أعبائهن المادية.
التحايل على القانون
من جهتها، تقول نجية المغربي الإخصائية الاجتماعية وعضو اللجنة الاستشارية بمحكمة الأسرة بالإسكندرية إن ظاهرة زواج القاصرات في مصر وعدد من الدول العربية واحدة من أهم الملفات الاجتماعية الساخنة، والتي كان من نتائجها السلبية ارتفاع أعداد قضايا الطلاق والخلع التي تشهدها المحاكم المصرية المرفوعة من فتيات قاصرات،
وأشارت إلى أن معظم هذه الحالات تحايلت على المادة رقم 31 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لعام 2008، التي تنص على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة،
كما يشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما،
ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة لكن هذا القانون، لا يجد استجابة حقيقية له في معظم القرى والنجوع المصرية، التي اعتادت فيها الأسر على تزويج أبنائها وبناتها في سن مبكرة وبمجرد البلوغ، وربما قبل ذلك".
استغلال الدين
كثيراً ما يصطدم المعارضون لظاهرة زواج القاصرات أو الزواج المبكر بآراء متشددة من بعض رجال الدين الإسلامي الذين يرون في الزواج المبكر تحصين للنفس والفرج مع أن المعروف في الشرع الإسلامي أنه لا يحدد سناً معيناً للزواج، سواء للفتاة أو للشاب، بل تركه للعرف الاجتماعي والأدبي وفق مقتضى الحال والظروف التي يعايشها القوم أو المجتمع ومن هنا استغل البعض الدين في تحليل الجريمة،
هكذا تقول الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، والتي أضافت أن الضغوطات الاقتصادية القاسية وارتفاع نسبة التسرب من التعليم خاصة بين الفتيات، وغياب القدوة الدينية وقصور الخطاب الديني في مناقشة مثل هذه القضايا الاجتماعية الخطيرة وراء انتشار هذه الظاهرة.
كما تشير الدكتورة سامية إلى أن زواج القاصرات يمثل اعتداءا صارخاً على حقوقهن كأطفال لم يبلغن سن الرشد، وربما لم يكتمل نمو أعضائهن التناسلية، ما يعرضهن للموت المبكر أثناء الحمل أو الولادة.
عدم النضج النفسي والعقلي
وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة وفيات أطفال الأمهات الصغيرات بنسبة أكبر من الأمهات الأكبر سناً لقلة الدراية والوعي بالتربية والتغذية، فضلاً عن عدم نضجهن النفسي والعقلي بالقدر الذي يتفهمن به كيفية القيام بواجباتهن كزوجات وأمهات صغيرات،
فمعظمهن يكنّ في مرحلتي الطفولة أو المراهقة ولا تستطعن إبداء الرأي في أمور حياتهن الزوجية بثقة وارتياح وقد تقعن تحت تأثير الأهل والأقارب في شؤون حياتهن الشخصية.
القاهرة _ روتانا