يعرف عن الامام علي انه يعمل بثنائية عجيبة لا تغادر منهجه فهو المقاتل والعاشق لربه وهو الحاكم والفقير والمنظر ورجل التطبيق وعندما طبق النظم الادارية في الدولة فانه نظرها في تصميم وتشكيل الدولة في رسالته لمالك الاشتر (رحمه الله ) الوالي على مصر .

و لاشك إن للحاكم حقوقا وعليه واجبات فمن حقوق الرعية على الحاكم هو ما أوصى به الإمام علي لمحمد بن أبي بكر بقوله احفظ لهم جناحك وألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك واس (من التسوية) بينهم في اللحظة والنظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا يياس الضعفاء من عدلك عليهم () وهو نص يشير الى تحكيم روابط المودة والاخوة وليطمئن الناس برحمة حكومتهم ويخلصوا لها أيمانه بها ويقيموا العدل () ولنا ان نختصر صفات الحاكم في النهج على النحو الآتي .

الأمانة : ان يشعر الحاكم بان الحكم أمانة لديه وتكليف الهي له ، وليس منحة او ملكا شخصيا له () وقد بين ذلك -ع- في رسائله الكثير ومنها لعامله الأشعث بن قيس على أذربيجان موضحا له ان عملك ليس له بطعمة ولكنه أمانة في عنقه وانه مسترع لمن فوقه().

وقد طبق الإمام ذلك على نفسه ،فهو لم يكن لينافس على سلطان ،بل ليرد معالم دين الله ويظهر الإصلاح في البلاد فيأمن المظلوم وتقام حدود الله المعطلة().

المشاورة والتعاون: فالحاكم لا يستغني عن نصح ومشاورة الرعية ، ويشترط الإمام كما في عهده للاشتر بان لا يدخل في مشورته البخيل الذي يعدل به عن الفضل ، ويعده الفقر ، ولا الجبان الذي يضعفه من الأمور ولا الحريص الذي يزين له الشره بالجور() فهولاء من عوائق نمو الدولة وسبب في تحطيمها، وعلى الحاكم أيضا ان يتعاون مع رعيته، ويمثل الإمام ذلك بقوله ( من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق بينهم)() ويقابل ذلك ان من حق الحاكم على الرعية الوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب () .

المحبة والتسامح : ويكون ذلك من جهتين أ-أن لا يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل... أو الجاهل او الجافي فيقطعهم بجفائه() ب- ان يستشعر الوالي الرحمة والمحبة واللطف للرعية، لانهم صنفان أما أخ له في الدين او نضير له في الخلق ، وهؤلاء كما ينبه الإمام يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلة وقد يصيبوا ويخطئوا فيجب ان يعطى لهم العفو والصفح مثلما يرجو الوالي من صفح الله وعفوه ().

عدم الاحتجاب عن الرعية ، فان ذلك شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور ، وذلك الاحتجاب سوف يعظم الصغير ويصغر الكبير من الأمور عند الرعية() وهذه الملاحظة تنم عن معرفة دقيقة بالسياسة والحالة الاجتماعية والنفسية للمجتمع والناس .

المباشرة في التعامل مع الرعية ، فإذا ضنت الرعية بالوالي حيفا فيجب ان يبادر بعذر ليروض نفسه أولا على هذا العمل وثانيا ليرفق برعيته () كما أوصى الإمام ان لا يكون سفيره إلى الناس إلا لسانه ولا حاجب إلا وجهه وان لا يحجب ذا حاجة عن لقائه به ().

أن يواسي بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية ().

ستر عيوب الرعية وابعاد الطالب لمعايب الناس وان لا يعجل إلي تصديق الساعي فانه غاش وان تشبه بالناصحين().

أن يفرغ قسما من وقته لذوي الحاجات وبمجلس عام يكلمونه دون خوف ويورد الإمام علي عن الرسول(ص) قوله لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي ، ويضيف الإمام ان على الوالي احتمال الخرق من الرعية والوعي وان لا يسلط عليهم الضيق والأنف (المتكبر) من الرجال () وعلى الحاكم ان يكون واسع الصدر لان هذه هي آلة الرياسة () ومن عوامل المحبة التي يجب ان يتمتع بها الحاكم هي استقامة العدل في البلاد وبذلك تظهر مودة الرعية والتي لا تظهر إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الأمور وقلة استثقال دولتهم ().

التواضع : على الحاكم أن لا يكون متكبرا معجبا بنفسه ، يحب الإطراء واستماع الثناء من رعيته ، ففي النهج ان من اسخف حالات الولاة عند صالح الناس ان يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر() ويقدم الإمام علي نصيحة الى الولاة بالابتعاد عن الفخر والتكبر لان ذلك أسلوب الشيطان ليمحي إحسان المحسنين ().

النزاهة: وذلك بان لا يستأثر بشي من أموال المسلمين لنفسه وان يساوي الناس بعيشه وان لا يسخط العامة برضى الخاصة () وقد ذكرنا شدة الإمام مع الولاة الذين لا يتمتعون بالنزاهة .

العلم : وهو ما يأتي من الطاعة لله ورسوله (ص) والعلم بالقران والسنة والعمل بها وان يكون الحاكم ذا تجربة في الحكم ، وبتعبير الإمام ان أحق الناس بأمر الحكم أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه(). وفي خطابه إلى أحد عماله أشار إليه بان يرد إلى الله ورسوله والي الأمر ما يشتبه عليه من الأمور ، والرد الى الله هو الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول (ص) الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة ().

العدل: وذلك بان يكون عادلا ولا يحيد عن الحق ولا تأخذه بالله لومة لائم، وفي النهج وصايا للحاكم بان يلزم الحق من لزمه من القريب والبعيد من القرابة او الخاصة () ويوضح الإمام دائما من ان قاعدة العدل يطبقها على نفسه وعلى أولاده() مشيرا الى ان عدم عدل الوالي يأتي من اختلاف هواه فيمنعه ذلك كثير العدل ،في حين يجب ان يكون أمر الناس في الحق سواء لانه ليس في الجور عوض عن العدل () ومن ضاق عليه الجور فالعدل عليه أضيق().

الحلم:ومن ذلك التروي في إصدار الأحكام فالنهج يحذر من العجلة بالأمور قبل أوانها وعلى الوالي ان يتمتع بالحلم فيملك حمية انفه ويملك سورة الغضب وسطوة اليد والسان ، وعلاج غضب الوالي يكمن عند الإمام في كف البادرة وتأخير سطوة اليد حتى يسكن الغضب وعند ذلك يملك الاختيار ، وهذا لا يكون حتى يذكر الوالي او الحاكم نفسه بذكر المعاد الى ربه(). ومن الحلم ان يلبس الوالي للرعية جلبابا من اللين مشوبا بطرف من الشدة وان يداول لهـم بين الرافة و يمزج لهم بين التقريب و الإدناء و الإبعاد والإقصاء ().

المسؤولية: ان من صفات الحاكم الإحساس بالمسؤلية فالإمام يقول اتقوا الله في عباده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم().

أما الصفات السيئة للحاكم بحسب النهج فهي ضيق الصدر ، الغضب، الرضا عن النفس ، الاستخفاف بالناس ، الطمع، حب السلطة ، الاستبداد بالرأي، الشعور بالضعف وعدم الثقة بالنفس والشعور بالاستغناء().

ان خلاف هذه الاسس الادارية وغيرها هي الفعل الطبيعي لمجتمع منهزم ينهش بعضه البعض ، وما من شك ان الامم المتحدة عندما اختارت الامام علي باعتباره ابرز الشخصيات على مر التاريخ وضعت نصب عينها كل تلك التوجهات الفكرية التي تتسم بالشمول والبلاغ

- الدكتور رحيم الساعدي