هندسة الثقافة المجتمعية..!
:
عندما نقول إن الوطن يعاني من أزمة ثقافية لا نعني بذلك عدم وجود ثقافة ولا نعني الأمية، فقد يكون المجتمع متحضراً ومتطوراً ولكنه ذو ثقافة متدنية والعكس صحيح أو أن يكون المجتمع قد ابتلى بأزمة ثقافية لأسباب خارجة عن إرادته، وعندما يبتلي المجتمع بأزمة الثقافة فإنه يبتلي أيضا بأزمة الهوية فالمجتمع يتأثر سواء بالثقافات الغربية أو بثقافات الدول المجاورة والمرافقة للمهجرين والمشردين منهم لأسباب عديدة حيث أصبحوا جزءاً من هذا المجتمع فكيف سيتم مواجهة كل هذه المتغيرات والتأثيرات إن لم يكن هناك تكنولوجيا لبناء الثقافة الوطنية المجتمعية أي هندسة الثقافة المجتمعية والتي بناءاً عليها وعلى أساسها يمكن أن يكون للنخبة المثقفة في الوطن دور كبير في المحافظة على هوية وثقافة المجتمع من التأثير بالثقافات المختلفة وهنا نعيش أزمة تغير في المعايير المجتمعية سواء كان ذلك بالسلوكيات أو القيم أو المبادئ أو الأخلاقيات وغيرها الكثير الكثير.فهل أزمتنا دينية أم دنيوية وهل أزمتنا فكرية أم روحية وهل أزمتنا سلوكية أم حضارية؟، إنها الأسئلة المشروعة التي تشغل الساحة منذ سنوات وتختلف الإجابات باختلاف المقاربات والأحداث والهجرات من البلدان المجاورة لهذا الوطن ومن المتغيرات الخارجية سواء كان ذلك كعادات أو تقاليد أو قيم أو مبادئ قديمة جديدة مختلفة ومتعددة الأشكال والأوجه تغزو المجتمع هنا وهناك. ولكن القاسم المشترك الذي يكاد يتفق عليه الجميع في هذا الوطن هو مشكلة الثقافة والمحافظة على الهوية، فهذه المشكلة تمتد في الحياة الإنسانية لابن الوطن طولاً وعرضاً وعمقاً لتشمل الدين والتقاليد والعادات حتى اللغة كذلك الأفكار والمفاهيم والأخلاق والآداب وهي بالتالي الأساس في التغيرات الاجتماعية في أي مجتمع واللعب في المعايير ليختل التوازن لصالح هذه الفئات وهذه المتغيرات تتم رغم أي قرار سياسي وتتم وفق تحولات نفسية وبنيوية تطال جميع أبناء المجتمع بفعل عوامل ذاتية وموضوعية تحويها عملية متشعبة بطيئة تنمو في دوائر الإنسان ثم المجتمع لتؤول وتفضي إلى تغير مركب تفاعلي في المجتمع تتداخل فيه المعارف وحركات مختلف أطياف الجماهير التي تعيش فيه من شتى الأصول والمنابت وهنا يكمن مدى أهمية أن يحتل فيه المثقف الوطني مكاناً ودوراً بارزاً بالساحة المجتمعية والثقافية سواء اعترفت له الساحة الجماهيرية بذلك أو تجاهلته للكثير من الأسباب والمعطيات، فإذا أصابت الأزمة كلاً من الثقافة والمثقف فسوف تلقي بظلالها على كامل المجتمع وتتجسد في صور مختلفة ومتعددة الأشكال لاحظناها ونلاحظها.إن أي انفتاح غير متزن على ما يفرضه علينا الغرب سواء من تغيير في القوانين والأنظمة والتشريعات تحت مسميات الحريات وحقوق المرأة والإنسان مقرون بتوقيع الاتفاقيات وبالدعم المالي وتأسيس المراكز الاستشارية الخاصة بذلك لتحقيق الهدف والغاية المطلوبة بحيث يكون الضحية هو تأثر المجتمع وأبناءه بهذا الانفتاح ليصبح الممنوع مسموحاً.وها نحن نشاهد الكثير من المظاهر التي تخالف الدين والشرع والقيم والمبادئ والأخلاق وما صاحبها من حريات محمية اعتبرها الغيورون على الوطن من النخبة والمثقفين تغيرات جوهرية تتناسب وتتلاءم وأقرب إلى المجتمعات الغربية التي تعاني أصلا منها ومن التفكك الأسري والعنف المجتمعي والانحلال وفقدان الهوية. فإذا لم يتم الاهتمام الكافي بالثقافة والمثقف فإنها ستموت تدريجياً وببطء وسنفقد المعالم الأخلاقية وتسود ثقافة الاستبعاد والتهميش والإلغاء بحيث لا يرى أي مثقف أو كاتب أو محلل أو متكلم سوى فضاء ضيقاً واحداً لا يتسع لأي رأي مخالف أو طرح مغاير وأصبحنا لا نعرف سوى ثقافات دخيلة هابطة وهذا ما يصنع الفرق بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى سواء غربية أو عربية ثقافات غربية متدنية الراسخة في مجتمعاتهم وفي نفوس شعوبهم يريدون الآن أن يغرسوها في نفوس أبناء مجتمعنا بشتى الوسائل والطرق، إلكترونية وعملية وإعلامية، لنجد أننا بحاجة ماسة لمحاسبة الذات نتكلم عن الآخرين لكننا لا نرى أنفسنا إلى أين متجهين. لقد غاب عن ساحتنا المثقف الوطني المدرك الواعي القلق على المجتمع ووسائل تحصينه بعد أن تم فتح كافة الطرق والأبواب للمثقف الدخيل سواء عبر شاشات الكمبيوتر أو الهاتف النقال أو مراكز حقوق الإنسان وغيرها من المسميات وأصبحنا بحاجة لمثقف يصنع الثقافة الوطنية الحضارية الملتزمة المتزنة في الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة وكافة المحافل بدلاً من الديكور المصنع للحضارة الغربية المدبلجة المزركشة الملونة.
نحن بحاجة لاستفاقة الضمير الثقافي الوطني للمحافظة على الهوية الوطنية الثقافية المجتمعية بتضافر كافة الجهات المعنية حكومية وقطاع خاص وأبناء المجتمع للمحافظة على الهوية الوطنية ولتحصين المجتمع من مختلف الآفات الثقافية الدخيلة على مجتمعنا أياً كان مصدرها.