يا أخي
ما هذه الصفحات سوى مراحل قطعتها.
هذه مراحل قطعتها وأنا مغمور بالضباب. وهل بيننا يا ترى من يسير إلا بضباب ما يعرفه أو بضباب ما يجهله؟
حبذا لو كان بإمكاني أن أسير بنور الظهيرة ويدي بيد من يقرأ هذا الكتاب بجلاء الصباح وأمام الشمس.
حبذا لو كان بإمكاني أن أبلغ به وبي محجة التجريد بعد أن نجتاز مراحل الحدس والتخمين.
حبذا لو كان بإمكاني أن أبلغ وإياه البحر بدون أن نتتبع منعرجات هذا الجدول الصغير.
حبذا لو كان بإمكاني أن أبلغ وإياه محجة التجرد بدون إجهاد قواه في عقبات الحدس والتخمين.
حبذا وعرف أنّه إذا ما وجد شيئاً حريّاً بعطفه في هذه الصفحات كان هو الواهب وكنت أنا الموهوب.
ولدت منذ أربعين سنة
ولدت منذ أربعين سنة وأراني في كل يوم مولوداً. إنني ولدت وأحببت وتألمت ولم أزل حيّاً. أما ما بقي فكان وما برح في عالم الخفاء.
وقد صرفت الأربعين سنة محبّاً للناس متمرداً متألماً كاتباً مصوّراً.
أما محبتي فقد كانت للناس والأشياء. وأما ألمي فهو معلّمي وأستاذي.
... وأما تمردي فضعف. وألمي هو ضرب من اللذة أو شكل من الأنانية.
أما ما كتبته وصوّرته فلا أعرف اليوم عنه شيئاً. وربما عرفت بعد أن تطوي الأرض ما بي من الأرض وينشر الأثير ما بي من الأثير.
يا صديقي
أنا أصرف أيامي وليالي يا صديقي في عالمين تفصل بينهما هاوية فسيحة وعميقة. فما يحدث لي في العالم الواحد لا يدري به العالم الآخر.
أنا أعيش في مدنيّتين متباينتين: المدنية الشرقية وهي أمي، والمدنية الغربية ولقد تبنّتني. ومما لا أفهمه يا صديقي هو أن الناس في هاتين المدنيتين لا يتفقون على مظهر من مظاهر هذه الذات الصغيرة التي أدعوها «أنا». ولذلك أجد نفسي مخجولاً ضائعاً لا منصرفاً عن التفكير بالحياة وهي الوظيفة التي تليق بي الى التفكير بنفسي وهي وظيفة أستعفي منها.
في نفسي من الاحتشام ما يبعدني عن الكلام عن نفسي ولكن في نفسي من الاستغراب ما يحتّم عليّ الكلام عن خبري وأخباري.
إذاً فاسمع يا صديقي: تلطّف رجل إنكليزي وقال (فيّ) هذه الكلمات:
«إني أكره كل ما يقوله هذا اللبناني ولكنني لا أستطيع إلا محبته بل والخضوع أمام ذلك الأسلوب الذي ابتدعه لنفسه».
حمّى الربيع في دمي
قلت: إن الربيع يبثّ بي شكلاً من التشويش ويضع في دمي نوعاً من الحمّى.
وفي هذا الصباح وقفت قبالة نافذة في بيتي متأملاً ببعض نباتات الرياحين المزروعة بأجران فخارية وضعتها في نافذتي. وقفت وتأملتها ملياً. ثم لمست قضيباً من قضبانها النحيفة النحيلة بأصابعي فأحسست بنبض خافق دقيق. ثم جرحت بظفري قشرة ذلك القضيب ونظرت فإذا بدمه يسيل على أصابعي. فقلت لذاتي: ما أشبهني بذلك التلميذ الذي لم يؤمن حتى وضع إصبعه بجرح معلمه.
قد بلغنا سفح الجبل
ها قد بلغنا سفح الجبل حيث تتشعّب السبل. فليذهب كل منا في طريقه. قد رافقتكم في السهول والغابات. وكنت أبطئ متماهلاً كي لا أسبقكم. أما الآن، وقد بلغنا سفح الجبل فليستلم كلّ منا طريقه.
قد صحبتكم طويلاً. وكنت أشاطركم مخاوف النهار وهواجس الليل، وأستبسل أمامكم لمطاردة قطّاع الطرق ووحوش الأودية. أما الآن، وقد بلغنا سفح الجبل، فصعب عليّ البقاء معكم، وصعب عليكم مجاراتي.
أيستطيع الرجل العادل؟
أيستطيع الرجل العادل أن يعيش في هذا العالم بدون أن يكون ظالماً أو مظلوماً؟
أبإمكان الأبيّ أن يسير على سبل الحياة بدون أن يسحق أحداً بقدميه أو أن تسحقه أقدام السائرين؟
أيقدر من يعتقد بأن الجامعة البشرية مؤسسة على المبادلة أن يقف أيامه على ابتزاز ما للناس أو أن يسمح للناس ابتزاز ما لديه؟
من يخبرني ما إذا كان الحق في القوة أو القوة في الحق؟
أيّ منكم أيها الناس يستطيع أن يخبرني ماذا أفعل عندما ألتقي بالجبان المستبطل أو لما أجتمع بالشجاع المتمسكن؟
أذكر أنني لما كنت صبياً في السادسة كنت أجمع الحجارة الصغيرة وأبني منها بيوتاً صغيرة ذات قناطر وأبواب ونوافذ ثم أقتلع النباتات الصغيرة الجميلة من حديقتنا وأغرسها صفوفاً حول تلك المنازل. وكنت أفعل ذلك بلذة ورغبة غريبتين قلّما شعرت بمثلهما منذ ذاك الزمن. ولكن في المساء لم أكن أنتهي من عملي هذا وأعود الى البيت لتناول العشاء حتى يجيء أترابي الصبيان ويهدموا ما بنيته ويقتلعوا ما غرسته.
فكنت أستيقظ في الصباح وأذهب تواً لأفرح بما صنعته يدي بالأمس فلا أجد سوى الحجارة المبعثرة والأزهار الذابلة فتظلم الدنيا في عيني وتملأ الغصات قلبي فأركض الى والدتي وأشكو لها أولئك الصبيان فتقول لي مبتسمة: «لا بأس لا بأس يا ولدي. إذهب وابن بيتاً أكبر وأجمل من الذي بنيته بالأمس. وعندما تنتهي سأجيء وأساعدك على جمع الأزهار وغرسها حوله».
وبقيت مزاولاً بناء البيوت وغرس الحدائق الصغيرة وأترابي الصبيان يهدمون ما أبني ويقتلعون ما أغرس حتى ثارت روحي فتمردت على أولئك المخربين الأشرار. أجل تمردت روحي على سماحة والدتي وعلى صمتها وطول أناتها. فقلت في ذاتي: لن أبني بيتاً آخر بل سوف أهدم كل ما يبنونه وأخرب كل ما يفعلونه. وهكذا فعلت. فإني صرت بعد ذلك أراقب أعمال وألعاب أولئك الصبيان فلم يبنوا بيتاً إلا وهجمت مستفرساً وهدمت على مشهد منهم ما أقاموه. ولم أكن أكتفي بالهدم بل كنت ألتقط حجارة قصورهم وأرمي بها الى أبعد ما يبلغ إليه عزم ساعدي.
والغريب أن عملي هذا قد جاء بالنتيجة المرغوبة وأوجد التأثير المطلوب في نفوس أترابي الأحداث فصار كل واحد منهم يشعر بأن له عدواً يثأر لنفسه ولا ينام على الضيم.
أذكر قول أحدهم، وقد كان أحبهم لديّ، بأنه أطل ذات صباح من نافذة بيته وناداني قائلاً: «إذا كنت لا تهدم ما أبني فلن أهدم ما تبني». وهكذا تم الصلح بيني وبين رفاقي. فصرت أبني البيوت والقصور - والكنائس في بعض الأحايين - فتبقى على حالها حتى تهب الأرياح وتهبط الأمطار وتهدمها الى الحضيض.
والعجيب أنني لم أكن أشعر بألم أو بأسف عندما كانت الأعاصير تهدم مبانيّ وتبعثر حدائقي، بل وكنت في بعض الأحايين أقف في رواق منزلنا ناظراً الى أعمال العاصفة بشيء من الغبطة والسلامة. فهل كنت أشعر يا ترى إذ ذاك أن كل ما يجيء من الأعالي على الرأس والعين وأما ما يجيء من الناس فلا؟ أو هي الكبرياء تجعلنا ألاّ نرضى إلا بالعاصفة معادياً؟
ما حدث لي أيام الصيف مع رفاقي حول منازلنا وحدائقنا الصغيرة حدث ثانية في الشتاء حول التماثيل التي كنت أصنعها من الثلج. فقد كان أترابي يشوّهون ثمار قريحتي ومظاهر «فنّي» حتى أعدت الكرّة.
سوف تستيقظون
سوف تستيقظون من سباتكم.
سوف تستيقظون ولكن بعد أن ينام جسدي في الحفرة وتسرح روحي مع أسراب الأرواح.
سوف تتنبهون وتفتحون أجفانكم المغلقة وتحدّقون بما حدقت به وتصغون الى ما أصغيت.
الحياة تسير أبداً الى الأمام. وأنتم أنتم الذين اتخذتكم الحياة أبناء لها تسيرون رغم أنفكم مع الحياة.
الحياة نهر يسرع متراكضاً نحو البحر وما أنتم سوى الأزهار والأعشاب التي اختطفها التيار من حافتي النهر فلا تستطيعون سوى الركض والإسراع مع تيار النهر نحو البحر.
أجل سوف تستيقظون وتسمعون صوتي. ولكن بعد أن تذبل شفتاي ويمتلك السكون لساني.
سوف تشعرون بنبضات قلبي شعوركم بنبضات قلوبكم ولكن بعد أن يتحول قلبي الى عناصر تتناولها الورود لتصبغ بها أزاهرها.
سوف تتبينون ملامح وجهي وترونها من وراء نقاب دموعي ولكن بعد أن تمحو الأيام رسم وجهي وتجفف الأيام دموعي.
عندما كنت شجرة
عندما كنت شجرة في الغاب كنت أزهر في الربيع، وأثمر في الصيف. ولما صرت بشراً بين البشر فلا أجد من يفرح لفرحي ويبتهج لبهجتي أو يغنّي لي، على أنني أفضّل أن أكون بشراً من أن أكون شجراً...
ميزة خصصت بها
ليس لي فضيلة ولا حسنة فأنا كالناس كافة. وما يربطهم بالحياة يربطني بها. وما يفصلهم عن ذاتهم يفصلني عن ذاتي الكبرى. ولكن لي ميزة خصصت بها وحدي دون الناس وهي أنني أتكلّم بلسان الخرسان وأسمع بأذن الأصمّ وأنظر من وراء أجفان الأعمى فأرى الحياة مكتنفة بنور الشمس. وعلاوة عن كل ذلك فأنا أبكي بالنيابة عن الذين ولدوا بدون دموع وأضحك بالأصالة عن الذين لا يضحكون.
النور أعماني
هي الشمس التي تهبكم نهاركم وهبتني ليلي.
وإنه لليل يزيد، في عمقه، على الحلم.
وإني مع ذلك لأعبر في سبيلي بينما أنتم متربعون حيث ولدتكم الحياة لا تبرحون حتى يأتيكم الموت ليمنحكم ولادة أخرى. وإني، مع ذلك، لأتلمّس الطريق بقيثارتي وبعكازي بينما أنتم جلوس تلاعب أناملكم مسابحكم.
وإني، مع ذلك، لأقتحم الظلام حين أنتم تتهيبون النور.
وإني مع ذلك لأغنّي وأترنم. وهيهات أن أضلّ الطريق. فإن الله يرى طريقنا حتى حين لا شمس. وإنّا لفي حرز حريز.
ولئن عثرت قدماي فإن نشيدي لمحلّق تخفق جناحاه فوق الرياح.
أجل!
لقد عميت من التفرّس في العمق والتطلع الى العلاء. ويا ليت شعري! من ذا الذي لا يفادي بعينيه لقاء استجلاء مشهد العلوّ والعمق. ومن لا يعمد الى إطفاء شمعتين مرتجفتين عندما يسطع الفجر أمامه؟
وكأني بكم تقولون: وا رحمتاه له لا يستطيع أن يرى النجوم في السماء ولا الأقحوان في الروض. أما أنا فأقول:
وا رحمتاه لهم فإنهم لا يستطيعون أن يطالوا النجوم ولا أن يصغوا الى ما يقوله الأقحوان.
وا رحمتاه لهم وا رحمتاه! فليست لهم شفاه على أطراف بنانهم.
مغلوب على أمري
أعود كل ليلة الى منزلي مغلوباً على أمري. أعود وفي قلبي سهم وفي روحي مرارة.
أعود مغلوباً مكسوراً الى منزلي لأن الناس يحدثونني كل ليلة عن أمر يظنونه بي وهو ليس بي فكأنهم يومئون نحو محجة بعيدة دونها الموت قائلين «هذا أنت». ولو عرفوا وعدلوا لقالوا: «كذا يجب أن تكون فمت لتكون».
كلنا أهل للمسير في موكب الحياة ولكن ليس بيننا من يستحق مقابلة الحياة وجهاً لوجه فإذا ما قيل لك قد رأيناك والحياة وجهاً لوجه شعرت بصغري، بل شعرت بأن القائل يذكرني بصغري متعمداً احتقاري. لذلك أعود كل ليلة الى منزلي مغلوباً مكسوراً.
كان أهل بالوقوف أمام الشمس ولكن ليس بيننا من يستحق الامتزاج بنور الشمس فإذا قيل لي: «أنت والنور عنصر واحد» جمد قلبي في صدري وأحسست أن الأرض تميد تحت قدميّ بل وأحسست أن المتكلم يرغب في إيقافي أمام ظلمتي لذلك أعود الى منزلي مغلوباً.
عهد الجمال
كنت في شبابي أحب الجمال وأتبرّم من البشاعة. فكان الجمال عندي علماً منفصلاً عن الوجود كافة. أما اليوم، وقد أزالت السنون العطوفة نقاب الانتقاء عن عيني، فصرت أعرف أن ما ندعوه بشاعة في ما نراه ونسمعه ليس بأكثر من جهالة في بصيرتنا ومسمعنا وأن الحواس كالناس أعداء ما يجهلون.
وكنت في شبابي أحبّ الرياحين كأن أحبّ الوردة ولونها وأريجها، وأكره أشواكها. وأشواكها سياجها ولولا سياجها لانقرضت.
وكنت في شبابي أكره من الفصول الشتاء لأنه يسلب الحقول بهجتها ويجرّد الغابات من أثوابها الباهرة ويوقفها عارية أمام العواصف والأنواء.
أما اليوم فصرت أعرف أن في الشتاء ولادة جديدة وأن الأرياح تمزّق ما بلي من أثواب الأشجار لتلبسها حلّة جديدة سنيّة من نسيج الربيع.
وكنت في شبابي أقف أمام النجوم ليلاً وأمام الشمس نهاراً وأقول في سرّي: «ما أصغرني! ما أصغرني! وما أصغر دائرة أحلامي».
أما اليوم فإذا ما وقفت أمام الشمس والنجوم أقول: «ما أبهى الشمس وما أبعد النجوم فتلك النسبية الرائعة التي كان يعزلها الجسم والمسافة في شبابي قد استحالت الى اللانسبية - أو الشعور بالوحدة العظمى التي لا تفرّق بين بعيد وقريب أو بين الصغير والكبير.
إرادة البنفسج الطموح
... وما زلت أتمرد على ذاتي وأتشوق الى ما ليس لي حتى تحوّل تمردي وشوقي الى إرادة قوية فعالة مشتعلة تبتدع من رغائبها رسوم حياة أجلّ وأجمل من حياتي. ولم أطلب الى الطبيعة أن تحوّلني الى وردة إلاّ بعد أن أبدلت روحي البنفسجية بروح وردية. ولم يبق من ذاتي القديمة سوى الصورة الخارجية... وما الصورة الخارجية سوى وهم متغلّب على الأبصار.
كنت مثلكن. ولو بقيت مثلكن لبقيت حية معافية ولكن صعدت بي الأجيال الى ما فوقكن فعشت يوماً كاملاً: في عالم أرفع من عالمكن. عالم رأيت وسمعت فيه ما لم أره في الحلم، وعرفت فيه ما لم يصوّره الخيال. وأموت الآن وردةً لا بنفسجةً وهذا فخر ما حصلت عليه بنفسجة من قلبي.
إن من يطلب المجد يعلم ماهيته فيستعد لمآتيه قبل البلوغ إليه. فمن لا يضحي درهماً من الفضة لن يحصل على دينار من الذهب.
والآن وقد أوشك ضمير الوجود أن يسترجعني، وسكينة الأبدية أن تغمر وجداني، أقول لكنّ (طائفة البنفسج) 110707b.jpg إن من لا تعلو به الرغائب الى ما فوق طبيعته يكون أقرب الى الموات منه الى الأحياء فما العالم وما فيه من النواميس والشرائع سوى سلّم تصعد عليه المخلوقات من درجة الى درجة محمولة على أكف الشوق والحنين والآمال والأماني والرغائب والمطامع. والمخلوق الذي يقنع بدرجة من الدرجات ولا يتطاول للحصول على ما فوقها يكون مخالفاً لتلك الشرائع والنواميس محاولاً إيقافها بضعفه حتى توقفه بقوّتها.
هذا تاريخ البشر
هذا تاريخ البشر: ولادة وزواج وموت.
ثم ولادة وزواج وموت.
ثم ولادة وزواج وموت.
ولكن: كلّ ألف سنة من سلسلة أجيال خالية إلا من الولادة والزواج والموت، يظهر في الأرض مجنون ذو فكرة غريبة ويحقق حلماً رآه في عالم غير هذا العالم وبين بشر أرقى من سكّان هذه الأرض الذين لا يرون في أحلامهم سوى الولادة والزواج والموت.
الجسد والروح
إذا كانت اللؤلؤة هيكلاً يبنيه الألم حول حبة رمل فأجسادنا هياكل بناها شوق الحياة حول ذرّات من الروح. فأجسادنا أرواح ظاهرة وأرواحنا أجساد خفيّة.
العقول قشور القلوب
إنما العقول قشور القلوب والأرواح. فالذي يعيش بعقله دون قلبه لا ولن يعرف من الحياة سوى قشورها. ولكن ما أقل أصحاب القلوب وما أعذبهم وما أكثر ذوي العقول وما أبلدهم.
إن من يعيش بروحه يضحك ويضحك بكل ما في كيانه من المسرّة والارتياح.
أما ذو العقل الراجح فيضحك ولكن بتأنٍ كأن وجهه صنع من زجاج فإذا استسلم الى الضحك تكسّرت بعض ملامحه.
ابن الروح يحيا بروحه، يحزن، ينتحب ويبكي حتى يغرق بدموعه. أما عبد العقل فلا (يكاد) يبكي حتى يقوم من عقله رياضي ماهر ليعدّ قطرات الدموع ويدوّن التنهدات والتأوهات.
ابن الروح يحبّ ويحبّ ويحبذ حتى يصل الى الله. أما ابن العقل فيتودّد ولكن بحكمة والتودّد علم بأصول.
الموت يقظة أجمل
الحياة يقظة جميلة. أما الموت فيقظة أجمل.
الحياة في أن نسير على سبل ضيّقة نحو محجة معلومة. أما الموت في أن نطير محلّقين في فضاء غير محدود نحو نقطة الدائرة العليا، نحو دائرة الشمال الأعلى. وكم برز من حياة بعض الناس أنها كمظهر من الغفلة حتى إذا ما أغمض الموت أجفانهم عرفنا أنهم قد انتبهوا ووقفوا امام الفجر الكليّ الذي يظلّ فجراً حتى نهاية الدهور فرأينا نفوسنا رغم ما بنا من الدعوة في غياهب ليل لا ينتهي حتى ننتهي.
نحن الآن في حالة حرجة
نحن الآن في حالة حرجة.
نحن بين مساء الأمس وصباح الغد. فبعضنا نائم يغطّ غطيطاً مزعجاً وبعضنا ساهر يرقب النجوم.
أما النائمون فهم بنات وأبناء الأمس. ولهم الحق كل الحق أن يناموا ويغطّوا غطيطاً يزعجنا. وأما الساهرون فهم أبناء الغد. وهم يسهرون لا لفضيلة فيهم بل لأنهم لا يستطيعون سوى السهر.
إن النائمين بين الشرقيين كثار وهم يحلمون بما كان بالأمس ولا بما سيكون.
أما الساهرون بيننا فقليل وهم يحلمون في يقظتهم بما سيكون في الغد.
وفي شرعي أن هؤلاء المستيقظين هم هم الذين سيبنون فوق الخرائب الشرقية برجاً جديداً من حجارة الشرق جديدة.
ولكن يجب ألا نكره النائمين من أبناء أمتنا. علينا أن نشفق عليهم. بل علينا أن نسهر ونحرسهم، بل علينا أن نسمع غطيطهم صابرين.
نهضة أم يقظة قصيرة؟
هل هي نهضة يا ترى أم يقظة قصيرة قبل الموت؟
هل نحن مجدّون نحو مجد أضعناه أم هي أحلام جسمتها ذكرى الماضي فبتنا نحسبها حقائق؟
هذا سؤال يعذّب قلبي فلا أعرف كيف أجيب عليه ولا أعرف من يعرف ولكن لديّ حقيقة... هي هذه:
بي السوريين علماء ورجال ذوو نفوس شريفة وعواطف جميلة... هؤلاء الرجال الذين يحسبهم الأديب من مبتدعات تخيلاتي موجودون في كل قطر من الأقطار الشرقية. رجال دعتهم المعرفة لموائدها فأتوا ووجدوا المتربعين على الكراسي فرجعوا والأسف يملأ قلوبهم.
من يعش ير
لبنان يتمخّض بثورة مذهبية ومن يعش ير.
لبنان البلد الصغير، الهادئ الآن، سيكون مسرحاً لمجزرة هائلة يذبح فيها المسلم المسيحي والمسيحي الدرزي. وسوف يذبح المسيحي أخاه المسيحي. ومن يعش ير.
ما هي الفصاحة
الفصاحة!
ماذا تعنون بهذه الكلمة «الفصاحة»؟
إن كنت تعنون بها الزوزقة فاذهبوا وإياها الى المقبرة.
وإن كنتم تعنون بها الحيلة فروحوا وإياها الى الجحيم.
أتريدون الكذب الأسود المكلّس بالكلس الأبيض؟
آراء
فن المصريين في الكتمان
فن الكلدانيين في الأشعة
فن الإغريق: التناسب
فن الرومان: الصدى
فن اليابان: التقليد
فن الصينيين: الاحترام
فن الهنود: الخير والشر
فن اليهود: النكبة
فن العرب: المبالغة
فن الفرس: التأنق
فن الفرنساويين: الدقة
فن الإنكليز: المفاخرة
فن الإسبان: المادة عارية
فن الطليان: الجمال
فن الألمان: الطموح
فن الروسيين: الحزن
المتنبي - لولا سيف الدولة لما عرفنا شيئاً عنه.
ابن الفارض - لو ضارع بيانه فكرته لكان نبياً.
الشريف الرضي - قرّب بين اللفظ والمعنى حتى كاد أن يجعلهما واحداً.
أبو النواس - حرون بين الناس. كئيب في وحدته. (سفيه).
لدى من يترقّب السفاهة ويعجب بها.
... على قبري
كلمة أريد أن تكتب على قبري:
«أنا حيّ مثلك. وأنا واقف الآن الى جانبك.
فاغمض عينيك والتفت، تراني أمامك».
-------------------------------------------