سلام عليكم ...
اليوم عدنة قصة استشهاد الامام الحسين (ع) .......
برواية الامام زين العابدين (ع)
عن عبدالله بن منصور ، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال : سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى الله عليه واله فقال : حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام قال : لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له : يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم : عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن الزبير ، والحسين بن علي
فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه ،
وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا ، فانه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته ، ويواربك مؤاربة الثعلب للكلب
وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ، ولا تؤاخذه بفعله ، ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها ،
قال : فلما هلك معاوية ، وتولى الامر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه واله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة وعليها مروان ابن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان ، فلم يقدر عليه وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له
فقال الحسين عليه السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنظقت باذن الله عزوجل ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ،
فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان . أما بعد فان الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام .
فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة :
أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه ، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي .
فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق فلما أقبل الليل ، راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليودع القبر ، فلما وصل إلى القبر ، سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه ، فلما كانت الليلة الثانية راح القبر فقام يصلي فأطال فنعس وهو ساجد فجاءه النبي وهو في منامه فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ، ويقول : بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة ، يرجون شفاعتي ، مالهم عندالله من خلاق ، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة ،
فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا ، وودعهم وحمل أخواته على المحامل ، وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبوبكر بن علي ، ومحمد بن علي ، وعثمان بن علي ، والعباس بن علي ، عبدالله بن مسلم بن عقيل ، وعلي بن الحسين الاكبر ، وعلي بن الحسين الاصغر .
وسمع عبدالله بن عمر بخروجه ، فقدم راحلته ، وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل ، فقال : أين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك ، فأبى الحسين عليه ،
فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا با عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك ، فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى ، وقال : أستودعك الله يا باعبدالله فانك مقتول في وجهك هذا .
فسار الحسين عليه السلام وأصحابه فلما نزلوا ثعلبية ، ورد عليه رجل يقال له : بشر بن غالب ، فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل يوم ندعوا كل اناس بإمامهم
قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، وهو قوله عزوجل (فريق في الجنة وفريق في السعير).
ثم سار حتى نزل العذيب فقال فيها قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه باكيا فقال له : ابنه ما يبكيك يا أبه ؟
فقال : يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها وإنه عرض لي في منام عارض ، فقال : تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة .
ثم سار حتى نزل الرهيمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال : يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة ؟
فقال : ويحك يا باهرم شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فصربت ، وأيم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم .
قال : وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وأن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة فأسرى إليه حر بن يزيد في ألف فارس
قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديث ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا
فقلت : ثكلت الحر امه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ويبشر بالجنة ؟
فرهقه عند صلاه الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته
فقال الحسين : وعليك السلام من أنت يا عبدالله ؟
فقال : أنا الحر بن يزيد ،
فقال : ياحر أعلينا أم لنا ؟
فقال الحر : والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن احشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي واكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول الله أين تذهب ؟
ارجع إلى حرم جدك فانك مقتول .
فقال الحسين عليه السلام :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورا وخالف مجرما
فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم
كفى بك ذلا أن تموت وترغما
ثم سار الحسين ( عليه السلام ) حتى نزل القطقطانة ، فنظر إلى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط ؟
فقيل : لعبدالله بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين عليه السلام
فقال : أيها الرجل إنك مذنب خاطئ وإن الله عزوجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى .
فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه
فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فر ، فلا لنا ولا علينا فانه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا ، كبه الله على وجهه في نار جهنم .
ثم سار حتى نزل بكربلا فقال : أي موضع هذا ؟
فقيل : هذا كربلاء يا ابن رسول الله ،
فقال عليه السلام : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ، ويباح فيه حريمنا
فأقبل عبيدالله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له : عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس ،
وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه ،
فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمربن سعد يسامر الحسين عليه السلام ويحدثه ، ويكره قتاله ، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ،
وكتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه ، وحل بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ،
فلماوصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى : إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم . فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه ،
فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال : اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حل من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده ، فان القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري
فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام
فقال : يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام وابن نبينا سيد الانبياء ، لم نضرب معه بسيف ، ولم نقاتل معه برمح ، لا والله أو نرد موردك ، ونجعل أنفسنا دون نفسك ، ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا ، وخرجنا مما لزمنا ،
وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال : يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة ، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولاصحابه : جزيتم خيرا .
ثم إن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق ، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقو الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول :
يا دهر اف لك من خليل
كم لك في الاشراق والاصيل
من طالب وصاحب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل
وكل حي سالك سبيلي
ثم قال لاصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم ، وتوضأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبية الحرب ، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار ، ليقاتل القوم من وجه واحد ،
وأقبل رجل من عسكر عمربن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ،
فقال الحسين عليه السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا
فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق .
ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادى : يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا
فقال الحسين عليه السلام : من الرجل
فقيل تميم بن حصين
فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم ،
قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ، فوطأته الخيل بسنابكها فمات .
ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له : محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك ؟
فتلا الحسين هذه الآية : هذه الآية ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) ، ثم قال : والله إن محمدا لمن آل إبراهيم ، وإن العترة الهادية لمن آل محمد . من الرجل ؟
فقيل : محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ،
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه إلى السماء ، فقال : اللهم أر محمد بن الأشعث في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ،
فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز ، فسلط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة .
فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له : يزيد بن الحصين الهمداني
قال إبراهيم بن عبدالله (راوي الحديث): هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال : يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فاكلمهم ؟
فأذن له فخرج إليهم فقال : يامعشر الناس إن الله عزوجل بعث محمد بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابنه ،
فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله ،
فقال الحسين عليه السلام : اقعد يا يزيد ثم وثب الحسين عليه السلام متوكيا على سيفه ، فنادى بأعلا صوته ،
فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني ؟
قالوا : نعم أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن امي فاطمة بنت محمد ،
قالوا : اللهم نعم ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة إسلاما ؟
قالوا : اللهم نعم .
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي ؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟
قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده ؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ؟
قالوا : اللهم نعم
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟
قالوا اللهم نعم ، قال : فبم تستحلون دمي ؟ وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد في يد [ ي ] جدي يوم القيامة ؟
قالوا علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .
فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال :
اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عزيز ابن الله ،
واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : المسيح ابن الله ،
واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ،
واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ،
واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم .
قال : فضرب الحر بن يزيد ، فرسه ، وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك انيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك ، يا ابن رسول الله هل لي من توبة ؟
قال : نعم تاب الله عليك ،
قال : يا ابن رسول الله ائذن لي فاقاتل عنك فأذن له فبرز وهو يقول :
أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل ، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب ، فقال : بخ بخ ! يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والاخرة ثم أنشأ الحسين يقول :
لنعم الحر : حر بني رياح
ونعم الحر مختلف الرماح
ونعم الحر إذ نادى حسينا
فجاد بنفسه عند الصباح
ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام :
اليوم نلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا
فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول :
أنا زهير وأنا ابن القين
اذبكم بالسيف عن حسين
ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الاسدي وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مطهر
لنحن أزكى منكم وأطهر
ننصر خير الناس حين يذكر
فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه . ثم برز من بعده عبدالله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول :
قد علمت حقا بنو غفار
أني أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار
فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله .
ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول :
أنا بدير وأبي حفير
لا خير فيمن ليس فيه خير
فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :
قد علمت كاهلها ودودان
والخند فيون وقيس عيلان
بأن قومي قصم الاقران
يا قوم كانوا كاسود الجان
آل علي شيعة الرحمن
وآل حرب شيعة الشيطان
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول :
أنا زياد وأبي مهاصر
أشجع من ليث العرين الخادر
يا رب إني للحسين ناصر
ولابن سعد تارك مهاجر
فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو وامه فاتبعوه إلى كربلا ، فركب فرسا ، وتناول بيده عود الفسطاط ، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر ، فاتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام وأخذت امه سيفه وبرزت
فقال لها الحسين : يا ام وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء ! إنك وابنك مع جدي محمد صلى الله عليه وآله في الجنة .
ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول :
أرمي بها معلمة أفواقها
والنفس لا ينفعها إشفاقها
فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأنشأ يقول :
أقسمت لا اقتل إلا حرا
وقد وجدت الموت شيئا مرا
وأكره أن ادعى جبانا فرا
إن الجبان من عصى وفرا
فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده علي بن الحسين عليهما السلام فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجها وسمتا به ، فجعل يرتجز وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن وبيت الله أولى بالنبي
أما ترون كيف أحمي عن أبي
فقتل منهم عشره ثم رجع إلى أبيه فقال : يا أبه العطش ، فقال له الحسين عليه السلام : صبرا يا بنى يسقيك جدك بالكأس الاوفى ، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلى الله عليه .
وبرز من بعده القاسم بن الحسن [ بن علي بن أبي طالب ] عليه السلام وهو يقول :
لا تجزعي نفسي فكل فان
اليوم تلقين ذرى الجنان
فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه .
ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك ، وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ، ورمي بسهم فوقع في نحره وخر عن فرسه ، فأخذ السهم فرمى به ، فجعل يتلقى الدم بكفه فلما امتلات لطخ بها رأسه ولحيته ويقول : ألقى الله عزوجل وأنا مظلوم متلطخ بدمي ، ثم خر على خده الايسر صريعا .
وأقبل عدو الله سنان الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام فقال بعضهم لبعض : ما تنتظرون ؟ أريحوا الرجل ،
فنزل سنان بن الانس الايادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول : والله إني لاجتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا واما ،
وأقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين ، وجعل يركض ويصهل فسمعت بنات النبي صهيله فخرجن فاذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل ،
وخرجت ام كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب وتقول : وا محمداه ، هذا الحسين بالعراء ، قد سلب العمامة والرداء
أقبل سنان حتى أدخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام على عبيد الله بن زياد وهو يقول:
املا ركابي فضة وذهبا
أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس اما وأبا
وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال له عبيد الله بن زياد : ويحك ، فان علمت أنه خير الناس أبا واما لم قتلته إذا ؟ فأمر به فضربت عنقه وعجل الله بروحه إلى النار ،
وأرسل ابن زياد قاصدا إلى ام كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها : الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم ؟
فقالت : يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده صلى الله عليه وآله به ، وكان يقبله ويلثم شفتيه ، ويضعه على عاتقه ، يا ابن زياد أعد لجده جوابا فانه خصمك غدا ([1]) .
([1])الأمالي للشيخ الصدوق ،ص 214 ،بحار الأنوار 44 : 310 / 1 .
عن عبدالله بن منصور ، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال : سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى الله عليه واله فقال : حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام قال : لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له : يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم : عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن الزبير ، والحسين بن علي
فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه ،
وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا ، فانه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته ، ويواربك مؤاربة الثعلب للكلب
وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ، ولا تؤاخذه بفعله ، ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها ،
قال : فلما هلك معاوية ، وتولى الامر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه واله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة وعليها مروان ابن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان ، فلم يقدر عليه وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له
فقال الحسين عليه السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنظقت باذن الله عزوجل ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ،
فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان . أما بعد فان الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام .
فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة :
أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه ، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي .
فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق فلما أقبل الليل ، راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليودع القبر ، فلما وصل إلى القبر ، سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه ، فلما كانت الليلة الثانية راح القبر فقام يصلي فأطال فنعس وهو ساجد فجاءه النبي وهو في منامه فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ، ويقول : بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة ، يرجون شفاعتي ، مالهم عندالله من خلاق ، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة ،
فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا ، وودعهم وحمل أخواته على المحامل ، وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبوبكر بن علي ، ومحمد بن علي ، وعثمان بن علي ، والعباس بن علي ، عبدالله بن مسلم بن عقيل ، وعلي بن الحسين الاكبر ، وعلي بن الحسين الاصغر .
وسمع عبدالله بن عمر بخروجه ، فقدم راحلته ، وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل ، فقال : أين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك ، فأبى الحسين عليه ،
فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا با عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك ، فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى ، وقال : أستودعك الله يا باعبدالله فانك مقتول في وجهك هذا .
فسار الحسين عليه السلام وأصحابه فلما نزلوا ثعلبية ، ورد عليه رجل يقال له : بشر بن غالب ، فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل يوم ندعوا كل اناس بإمامهم
قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، وهو قوله عزوجل (فريق في الجنة وفريق في السعير).
ثم سار حتى نزل العذيب فقال فيها قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه باكيا فقال له : ابنه ما يبكيك يا أبه ؟
فقال : يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها وإنه عرض لي في منام عارض ، فقال : تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة .
ثم سار حتى نزل الرهيمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال : يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة ؟
فقال : ويحك يا باهرم شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فصربت ، وأيم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم .
قال : وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وأن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة فأسرى إليه حر بن يزيد في ألف فارس
قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديث ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا
فقلت : ثكلت الحر امه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ويبشر بالجنة ؟
فرهقه عند صلاه الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته
فقال الحسين : وعليك السلام من أنت يا عبدالله ؟
فقال : أنا الحر بن يزيد ،
فقال : ياحر أعلينا أم لنا ؟
فقال الحر : والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن احشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي واكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول الله أين تذهب ؟
ارجع إلى حرم جدك فانك مقتول .
فقال الحسين عليه السلام :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثبورا وخالف مجرما
فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم
كفى بك ذلا أن تموت وترغما
ثم سار الحسين ( عليه السلام ) حتى نزل القطقطانة ، فنظر إلى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط ؟
فقيل : لعبدالله بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين عليه السلام
فقال : أيها الرجل إنك مذنب خاطئ وإن الله عزوجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى .
فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه
فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فر ، فلا لنا ولا علينا فانه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا ، كبه الله على وجهه في نار جهنم .
ثم سار حتى نزل بكربلا فقال : أي موضع هذا ؟
فقيل : هذا كربلاء يا ابن رسول الله ،
فقال عليه السلام : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ، ويباح فيه حريمنا
فأقبل عبيدالله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له : عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس ،
وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه ،
فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمربن سعد يسامر الحسين عليه السلام ويحدثه ، ويكره قتاله ، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ،
وكتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه ، وحل بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ،
فلماوصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى : إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم . فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه ،
فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال : اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حل من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده ، فان القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري
فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام
فقال : يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام وابن نبينا سيد الانبياء ، لم نضرب معه بسيف ، ولم نقاتل معه برمح ، لا والله أو نرد موردك ، ونجعل أنفسنا دون نفسك ، ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا ، وخرجنا مما لزمنا ،
وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال : يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة ، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولاصحابه : جزيتم خيرا .
ثم إن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق ، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقو الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول :
يا دهر اف لك من خليل
كم لك في الاشراق والاصيل
من طالب وصاحب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل
وكل حي سالك سبيلي
ثم قال لاصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم ، وتوضأوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبية الحرب ، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار ، ليقاتل القوم من وجه واحد ،
وأقبل رجل من عسكر عمربن سعد على فرس له يقال له : ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ،
فقال الحسين عليه السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا
فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق .
ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادى : يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا
فقال الحسين عليه السلام : من الرجل
فقيل تميم بن حصين
فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم ،
قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ، فوطأته الخيل بسنابكها فمات .
ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له : محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك ؟
فتلا الحسين هذه الآية : هذه الآية ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) ، ثم قال : والله إن محمدا لمن آل إبراهيم ، وإن العترة الهادية لمن آل محمد . من الرجل ؟
فقيل : محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ،
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه إلى السماء ، فقال : اللهم أر محمد بن الأشعث في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ،
فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز ، فسلط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة .
فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له : يزيد بن الحصين الهمداني
قال إبراهيم بن عبدالله (راوي الحديث): هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال : يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فاكلمهم ؟
فأذن له فخرج إليهم فقال : يامعشر الناس إن الله عزوجل بعث محمد بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابنه ،
فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله ،
فقال الحسين عليه السلام : اقعد يا يزيد ثم وثب الحسين عليه السلام متوكيا على سيفه ، فنادى بأعلا صوته ،
فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني ؟
قالوا : نعم أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن امي فاطمة بنت محمد ،
قالوا : اللهم نعم ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة إسلاما ؟
قالوا : اللهم نعم .
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي ؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟
قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده ؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : فانشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ؟
قالوا : اللهم نعم
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟
قالوا اللهم نعم ، قال : فبم تستحلون دمي ؟ وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد في يد [ ي ] جدي يوم القيامة ؟
قالوا علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .
فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال :
اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عزيز ابن الله ،
واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : المسيح ابن الله ،
واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ،
واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ،
واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم .
قال : فضرب الحر بن يزيد ، فرسه ، وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك انيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك ، يا ابن رسول الله هل لي من توبة ؟
قال : نعم تاب الله عليك ،
قال : يا ابن رسول الله ائذن لي فاقاتل عنك فأذن له فبرز وهو يقول :
أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل ، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب ، فقال : بخ بخ ! يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والاخرة ثم أنشأ الحسين يقول :
لنعم الحر : حر بني رياح
ونعم الحر مختلف الرماح
ونعم الحر إذ نادى حسينا
فجاد بنفسه عند الصباح
ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام :
اليوم نلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا
فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول :
أنا زهير وأنا ابن القين
اذبكم بالسيف عن حسين
ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الاسدي وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مطهر
لنحن أزكى منكم وأطهر
ننصر خير الناس حين يذكر
فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه . ثم برز من بعده عبدالله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول :
قد علمت حقا بنو غفار
أني أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار
فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله .
ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول :
أنا بدير وأبي حفير
لا خير فيمن ليس فيه خير
فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :
قد علمت كاهلها ودودان
والخند فيون وقيس عيلان
بأن قومي قصم الاقران
يا قوم كانوا كاسود الجان
آل علي شيعة الرحمن
وآل حرب شيعة الشيطان
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول :
أنا زياد وأبي مهاصر
أشجع من ليث العرين الخادر
يا رب إني للحسين ناصر
ولابن سعد تارك مهاجر
فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو وامه فاتبعوه إلى كربلا ، فركب فرسا ، وتناول بيده عود الفسطاط ، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر ، فاتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام وأخذت امه سيفه وبرزت
فقال لها الحسين : يا ام وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء ! إنك وابنك مع جدي محمد صلى الله عليه وآله في الجنة .
ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول :
أرمي بها معلمة أفواقها
والنفس لا ينفعها إشفاقها
فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأنشأ يقول :
أقسمت لا اقتل إلا حرا
وقد وجدت الموت شيئا مرا
وأكره أن ادعى جبانا فرا
إن الجبان من عصى وفرا
فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه .
وبرز من بعده علي بن الحسين عليهما السلام فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجها وسمتا به ، فجعل يرتجز وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن وبيت الله أولى بالنبي
أما ترون كيف أحمي عن أبي
فقتل منهم عشره ثم رجع إلى أبيه فقال : يا أبه العطش ، فقال له الحسين عليه السلام : صبرا يا بنى يسقيك جدك بالكأس الاوفى ، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلى الله عليه .
وبرز من بعده القاسم بن الحسن [ بن علي بن أبي طالب ] عليه السلام وهو يقول :
لا تجزعي نفسي فكل فان
اليوم تلقين ذرى الجنان
فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه .
ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك ، وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ، ورمي بسهم فوقع في نحره وخر عن فرسه ، فأخذ السهم فرمى به ، فجعل يتلقى الدم بكفه فلما امتلات لطخ بها رأسه ولحيته ويقول : ألقى الله عزوجل وأنا مظلوم متلطخ بدمي ، ثم خر على خده الايسر صريعا .
وأقبل عدو الله سنان الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام فقال بعضهم لبعض : ما تنتظرون ؟ أريحوا الرجل ،
فنزل سنان بن الانس الايادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول : والله إني لاجتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا واما ،
وأقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين ، وجعل يركض ويصهل فسمعت بنات النبي صهيله فخرجن فاذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل ،
وخرجت ام كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب وتقول : وا محمداه ، هذا الحسين بالعراء ، قد سلب العمامة والرداء
أقبل سنان حتى أدخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام على عبيد الله بن زياد وهو يقول:
املا ركابي فضة وذهبا
أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس اما وأبا
وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال له عبيد الله بن زياد : ويحك ، فان علمت أنه خير الناس أبا واما لم قتلته إذا ؟ فأمر به فضربت عنقه وعجل الله بروحه إلى النار ،
وأرسل ابن زياد قاصدا إلى ام كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها : الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم ؟
فقالت : يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده صلى الله عليه وآله به ، وكان يقبله ويلثم شفتيه ، ويضعه على عاتقه ، يا ابن زياد أعد لجده جوابا فانه خصمك غدا ([1]) .
([1])الأمالي للشيخ الصدوق ،ص 214 ،بحار الأنوار 44 : 310 / 1 .
ان شاء الله تعجبكم ....