أشعة الشمــس تمنع انتشار الجديري المائي
مرض فيروسي يسبب العدوى والطفح الجلدي
في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أشارت دراسة حديثة، نُشرت في مجلة علوم الفيروسات «Virology Journal» أجراها باحثون من جامعة سان جورج بالمملكة المتحدة، إلى أن الأشعة فوق البنفسجية من خلال أشعة الشمس تحد من انتشار مرض الجديري المائي Chicken Pox، وهو ما يعني أن الأشخاص الذين يعيشون في أجواء أكثر اعتدالا أو لا يتعرضون بالشكل الكافي لأشعة الشمس هم أكثر عرضة من غيرهم للمعاناة أكثر من مرض الجديري المائي. ووجدت الدراسة أن انتشار المرض أقل في البلاد التي تتعرض لقدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية.
* الأشعة فوق البنفسجية
* وقد وجد الدكتور فيل رايس، الطبيب في علم الفيروسات، أن الأشعة فوق البنفسجية لا تمنع فقط نشاط الفيروس المسؤول عن الجديري المائي على جلد الشخص المصاب، لكن تمنع أيضا انتشاره إلى الآخرين، وهو الأمر الذي يفسر أن انتشار المرض في البلاد ذات الطقس المعتدل يكون في الربيع والشتاء، وهي الشهور التي تكون فيها أشعة الشمس أقل حدة. وقبل هذه الدراسة كان يعتقد أن التوزيع الجغرافي للمرض يعتمد على الحرارة والرطوبة وتوزيع السكان أو الإصابة بأمراض أخرى تكون من العوامل المحددة لانتشار المرض من مكان إلى آخر.
وقام رايس بتجميع بيانات من 25 دراسة أُجريت في الكثير من الدول المعتدلة والاستوائية حول العالم، وبمقارنة بيانات انتشار المرض مع أحوال الطقس في البلدان المختلفة لدراسة العوامل التي قد يكون من شأنها زيادة الانتشار، ومع تثبيت كل العوامل الأخرى، تبين أن الأشعة فوق البنفسجية تلعب دورها الكبير في مدى انتشار المرض تبعا لتوزيع العدوى في كل بلد على حدة.
وأوضح رايس أن أحدا لم يفكر من قبلُ في اعتبار الأشعة فوق البنفسجية عاملا، لكن بعد مقارنته لتوزيع الفيروس تبعا لخطوط العرض حول العالم وتبعا لهذه النظرية، يوجد تفسير لانتشار المرض في بعض البلدان الحارة مثل الهند وسريلانكا في الفصول التي تتميز بالحرارة والجفاف، وتكون أيضا مشمسة، وهو ما يبدو في البداية مضادا ومعارضا لنظرية الأشعة فوق البنفسجية، لكن رايس أوضح أن الأشعة فوق البنفسجية تكون أقل في الأجواء الجافة عن الأجواء التي تتميز بالرياح الموسمية؛ حيث إنه في مواسم الجفاف يعمل التلوث الموجود في الجو على ارتداد وانعكاس الأشعة فوق البنفسجية إلى الفضاء مرة أخرى وعدم وصولها، بينما في مواسم الرياح تقوم الأمطار بعمل ما يشبه غسيلا للتلوث ومن ثم تتمكن الأشعة فوق البنفسجية من النفاذ.
* تركيب جيني
* وتكمن أهمية الدراسة في أنها توصلت إلى أن هناك نوعين من التركيبات الجينية للفيروس، أحدهما التركيب الجيني، الذي يكون ملائما للبلدان ذات الجو المعتدل وينتشر في المناطق الحارة في حالة نقص الأشعة فوق البنفسجية، ويمكن أن ينقل العدوى في المنازل. أما النوع الآخر فيتلاءم تركيبه الجيني مع البلدان الحارة وينتشر في وجود الأشعة فوق البنفسجية؛ لأنه يمتلك مقاومة خاصة لتلك الأشعة. وأرجع رايس هذا إلى وجود طفرة جينية في الفيروس جعلته يفقد مقاومته للأشعة فوق البنفسجية، وهو الأمر الذي يفسر قلة حدة وجود الطفح لدى سكان المناطق الاستوائية.
* الجديري المائي
* ومن المعروف أن مرض الجديري المائي (Chicken Pox) مرض فيروسي يسبب عدوى وطفحا جلديا؛ حيث توجد حويصلات (vesicle) على سطح الجلد، وكذلك الأغشية المخاطية وفترة حضانة المرض بين أسبوعين و3 أسابيع. وتتم العدوى من خلال الحويصلات الموجودة على الجلد، وفي الأغلب يعاني الطفل ارتفاعا طفيفا في درجة الحرارة وفقدانا للشهية وصداعا وآلاما بالعضلات قبل ظهور الطفح، ويكون معديا قبل ظهور الطفح الجلدي بنحو 24 ساعة وحتى أسبوع بعد ظهور الطفح.
ويستمر ظهور الطفح من 3 إلى 4 أيام ويأخذ أشكالا مختلفة من مجرد بقعة حمراء دائرية على الجلد أو مرتفعة قليلا عن سطح الجلد أو حويصلة، ويمكن أن تكون هذه الحويصلات مليئة بسائل سرعان ما يتحول إلى صديد ودائما يكون الطفح مصحوبا بألم وحكة، وهي التي تشكل عرضا شديد الإزعاج للطفل ويكون توزيع الطفح أكثر ناحية الجذع، وأيضا يمكن أن يصيب الأغشية المخاطية للأعضاء الجنسية الخارجية، وكذلك يمكن أن يصيب القرنية والملتحمة، وهذا الطفح سطحي ولا يترك ندبات وأيضا يحدث تضخم للغدد الليمفاوية.
* مضاعفات المرض
* في الأغلب يكون المرض أخف حدة في الأطفال عنه في الرضع أو الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة أو حتى عند البالغين، لكن في بعض الحالات يمكن حدوث مضاعفات نتيجة للمرض، منها حدوث عدوى ثانوية بكتيرية للجلد، وكذلك يمكن حدوث التهاب رئوي إما نتيجة للفيروس المسبب للمرض (varicella zoster) وإما نتيجة لحدوث عدوى بكتيرية.
وأيضا يمكن حدوث التهاب في أنسجة المخ (encephalitis)، وهي أهم المضاعفات التي تحدث، لكنها نادرة الحدوث وتصيب واحدا من كل 4000 طفل. ويحدث هذا الالتهاب إما نتيجة لالتهاب فيروسي وإما بعد الالتهاب الفيروسي، وكذلك تحدث أعراض نتيجة لإصابة المخيخ مثل عدم الاتزان، وأيضا يمكن حدوث التهاب في أعصاب العمود الفقري أو التهاب العصب الخامس أو التهاب العصب البصري، ويمكن كذلك حدوث التهاب أو قرحة في القرنية التي قد تؤدي إلى مشاكل في الرؤية، وقد يؤدي الفيروس أيضا إلى التهاب في عضلة القلب أو الغلاف المحيط بعضلة القلب، وأيضا يمكن حدوث التهاب كبدي، خاصة إذا تم تناول عقار الأسبرين وأيضا يمكن حدوث التهاب في المفاصل والتهاب في عضلات الأطراف.
* العلاج
* في الأغلب لا يحتاج الجديري المائي إلى فحوصات لتشخيصه؛ حيث يعتمد الطبيب على التاريخ المرضي وكذلك شكل وتوزيع الطفح على جلد الطفل.
ويتم علاج الأعراض التي تزعج الطفل، مثل الارتفاع في درجات الحرارة، بإعطاء خافض للحرارة مثل عقار الباراسيتامول (paracetamol) في جرعة من 10 إلى 15 ملغم - كلغم للجرعة الواحدة، وبالنسبة للألم يمكن إعطاء عقار إيبيبروفين (Ibuprofen) وأيضا يمكن إعطاء مضادات للهستامين، التي تقلل من الإحساس بالهرش أو الحكة. ويستحسن أيضا تقليم أظافر الطفل. وأيضا يمكن إعطاء كريم يعمل بمثابة مخدر للجلد، لكن يستحسن عدم البدء باستخدام الكريم إلا في حالات الألم الشديدة Topical lidocaine، وتمكن أيضا معالجة الالتهاب الجلدي البكتيري عن طريق إعطاء مضادات حيوية عن طريق الشرب.
وبالنسبة للمرضى المعرضين للمضاعفات والمرضى من ذوي المناعة الضعيفة، يمكن إعطاء مضاد للفيروسات مثل «acyclovir»، وهو أحد أكثر مضادات الفيروسات أمانا بالنسبة للأطفال.
وعلى الرغم من وجود تطعيم وقائي من المرض (Zostavax)، أثبت فاعلية في تقليل الإصابات بالمرض في الأطفال، فإن توصيات إدارة الغذاء والدواء لا تسمح بإعطائه للأطفال. ويعقد الأمل على مثل هذه الدراسات لإنتاج تطعيمات وقائية للمرض تسهم في تقليل الإصابة بالجديري المائي.
المصدر: الشرق الاوسط