بغداديات ...الكهرباء في بغداد لاول مره
عندما دخل القرن العشرين كانت بغداد لا تعرف الكهرباء بعد وكانت شوارعها محدوده جدا بشارعين رئيسيين هما شارع ( خليل باشا جادة سي) وهو شارع الرشيد الحالي وعلى قسمين وغير متصل في منطقة سيد سلطان علي وهذا في الرصافه وفي جانب الكرخ كان شارع السكه الذي يربط بين جسر الكطعه ( الشهداء الحالي ) وبين قضاء الكاظميه وكانت هناك العديد من الازقه والفروع التي ترتبط بهاذين الشارعين وفي محلات بغداد المعروفه في الرصافه والكرخ ..
كانت هذه الشوارع والازقه تنار بواسطة الفوانيس والتي تسمى (اللمبه) وهي عباره عن فانوس زجاجي يعلق في اماكن وسطيه تتمكن من اناره جزء من الشارع او الطريق وتعمل بواسطه الزيت والفتيل القطني وكانت انارتها ضعيفه ولكنها تفي بالغرض وتؤمن الحاجه منها...
ويخصص لها اشخاص لانارتها عند الغروب واملائها بالزيت واطفائها عند الضياء صباحا ويسمى هذا العامل ب ( اللمبجي) الذي اشتهر اسمه من خلال اغنية للمرحوم يوسف عمر مغني المقام المشهور والسبب يعود الى ان هذا ( اللمبجي ) كان بحكم مهنته يطلع على الكثير من الاسرار في المناطق وصعوده على السلم الخشبي لغرض تأ ديته عمله مما يسهل له النظر عبر الجدران والاسطح الواطئه ويكتشف بعض الامور ..
ترجعُ انارة شوارع بغداد إلى عام 1889م.وهي فترة متأخرة نسبياً من باقي الدول و في عهد الوالي العثماني (عبد الرحمن) ، حين امر بانارة بعض المحلات بجانب الرصافة ،فوضعت (الفوانيس) من قبل بلدية بغداد.وفي عصر كل يوم يجتاز مستخدمو البلدية ( اللمبجيه ) الطرق وهم يحملون السلالم الخشبية وقوارير الزيت ومعدات لاشعال هذه الفوانيس ، وشملت هذه الانارة معظم شوارع بغداد وفي عام 1908 لم تكن بغداد قد عرفت الكهرباء حتى ايام الوالي ناظم باشا 1910 ـ1911 ،حين جرت اول محاولة في عهده لاستخدام الطاقة الكهربائية في تشغيل (ترمواي بغداد ـ الكاظمية)..
ناظم باشا
وتمكن احد تجار بغداد ان يؤسس شركة في لندن لانشاء مشروع الطاقة الكهربائية في بغداد ،بعد حصوله على موافقة السلطات العثمانية على هذه الشركة في عام 1914 ،التي كانت تعرف باسم : ( الشركة العثمانية المساهمة للترمواي والتنوير والقوة الكهربائية لمدينة بغداد) .ولكن المشروع تم تجميده بسبب اندلاع الحرب العالميه الاولى حيث اوقف العمل بالمشروع .
عند الاحتلال البريطاني لبغداد في 1/ 10 /1917. قامت مصلحة الاشغال العسكرية البريطانية بنصب اول مولده للكهرباء في السراي قرب بناية القشلة ،وكانت تهدف إلى انارة شارع السراي وبنايات القشلة والمستشفيات ، و المستشفى المركزي البريطاني في (الباب المعظم) ،ونصبت اخرى مثلها في شريعة المجيدية ( مدينة الطب حاليا )لايصال الضياء إلى جملة المستشفيات الموجودة خارج باب المعظم وكلاهما بقوة 220 VOLT تكفي كل واحدة منها لاضاءة الف مصباح تقريباً ،وكذلك نصبت اخرى في الكرادة (الجانب الايسر) واخرى في كرادة مريم (ام العظام) لانارة معسكرات الجيش البريطاني ،واقتصر تجهيز الكهرباء اول الامر على المؤسسات العسكرية البريطانية ودوائر الحكومة في القشلة . وفي اذار 1918 اعلنت السلطات البريطانية توزيع عدد محدود من المصابيح الكهربائيه على بعض المناطق والبيوت القريبة من السراي ، وطلبت من الراغبين تقديم طلبهم إلى بلدية بغداد بموجب شروط معينه منها دفع تكاليف النصب والمعدات والاسلاك كما حددت اسعار الصرف للطاقه الكهربائيه وكما يلي :
1 . الابنيه الكبيره 8 آنات لكل درجه على المقياس
2 . مصباح صغير 4 آنات رسم
3 . مروحه 16 آنه رسم
الآنه تساوي اربعة فلوس في العمله العراقيه لاحقا
وتزامن مع استخدام الكهرباء توسعا ملحوظا في استخدام الفوانيس النفطيه حيث ضخت البلديه كميات كبيره من الفوانيس في الرصافه والكرخ ولكنها كانت لاتوازي الاناره الكهربائيه في قوتها وسهولة نصبها وتشغيلها ونظافتها وفي عام 1921 ادركت قوات الاحتلال البريطاني حاجة الجيش وسكان بغداد إلى الاناره الكهربائيه ،فقامت بنصب مولده كبيرة الحجم والجهد لتقوم مقام المولدات الصغيره التي نصبتها عام 1917 ـ 1918.وكانت هذه الماكنة بثلاثة محركات بخارية قوة كل منها (300) حصان ونصبتها في بناية (العبخانة) قرب ساحة الوثبة حالياً ،والتي كانت سابقاً (المعمل العسكري للجيش العثماني) ،ثم نصبت الاعمدة ومدت الاسلاك في الشارع الجديد (الرشيد) من الباب الشرقي إلى باب المعظم ،وربطت هذه الاسلاك ،وصارت محطة العبخانة هي المركز والاساس لكهرباء بغداد ،ووضعت بلدية بغداد عام 1922 على كل عمود في شارع الرشيد مصباحاً كهربائياً وانارت قسماً من شارع النهر وكانت لهذه الماكنة المغذية الجديدة للكهرباء اثرها في قيام بلدية بغداد بمد النور الكهربائي من باب المعظم إلى القصر الملكي في الوزيرية ثم الاعظمية ،ثم مدت اسلاكا من جسر مود (الاحرار) إلى الصالحية في الكرخ فالكريمات والشواكة حتى وصلت إلى محطة القطار ثم إلى محلة خضر الياس والسوق الجديد والست نفيسه والتكارته والجعيفر والرحمانيه ثم العطيفيه ( جامع براثا ) ،ثم تم تنوير المنطقة المزدحمة والممتدة من جامع مرجان فسوق الشورجة فالصدرية إلى جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ومن الميدان إلى رأس الكنيسة ثم إلى جامع الفضل وفروعه المتشعبة.
في تلك الفتره الزمنيه لم تكن هناك اجهزه كهربائيه كما حصل لاحقا وكانت الكهرباء لغرض الاناره فقط واستخدام بعض المراوح المنضديه لتلافي حرارة الجو وكانت اسعار الكهرباء عاليه قياسا بدخل الفرد البغدادي في تلك الفتره وتطورت الكهرباء تبعا لما كان يدخل من اجهزه كهربائيه للاستخدام المنزلي وتوسعت محطات الكهرباء وتعددت ثم دخلت محافظات اخرى الى جانب بغداد في استخدام الكهرباء ..
ولم يبقى من الفوانيس سوى ذكرى اللمبجي ويوسف عمر ...
ولاتزال بغداد الى حد الان تعاني من شحة الكهرباء بالرغم من صرف المليارات بدون اي نجاح يذكر منذ اثني عشر سنه والحمد لله على نعمه بعد ان كانت الطاقه الكهربائيه فائضه للجيران ..
عبد الكريم الحسيني
كاردينيا