قوله تعالى : ( الرحمن الرحيم ) : تقدم شيء من تفسيرهما، وانما كرر سبحانه ( الرحمن الرحيم ) لاضافة معنى اخر ودالة تفتح مدارك الانسان على هذا المعين الالهي الذي لا ينضب، والتكرار فن قولي وتواتر معنوي في النصوص والتراكيب يرمز وظيفيا الى توكيد امر ما وعليه فان حضوره حضورا بلاغيا، وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط كما عن السيوطي – الاتقان ج3 ص280 - والانسان جبل على التكرار في قوله وفعله، ومن شان هذا الفن ترسيخ المعلومة وتحريكها نحو غاياتها ولعل منه قوله تعالى: ( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ) ، ومع هذا فان الحق انه لايوجد في القران تكرار محض، ولذا فان الرحمن الرحيم في البسملة هما في الفاتحة مع اضافة معنى اخر، حيث كانت دلالتهما في البسملة انهما صفتان لذاته المقدسة، ولما بدا هذا المشروع الالهي الكبير بهما فهذا يعني انهما يبعثان السكينة والطمأنينة في نفس المتلقي، اما في الفاتحة فكذلك ولكن مع اضافة مفادها: انهما يشعران بعلية استحاق الحمد له تعالى وانحصاره به، فانه جل شانه لما وصف ذاته المقدسة بالرحمانية والرحيمية في البسملة فانه يستحق الحمد لربوبيته ولاتصافه بهذه الرحمة الواسعة لكل شيئ
قوله تعالى : ( مالك يوم الدين ) : وصف اخر له جل شانه يشعر بحمده كذلك ،وقرئ ( ملك ) بكسر اللام كما رسمت في المصاحف الاولى ولان كل ملك يستلزم المالك ولا عكس ، وقد ورد في القران والسنة مايؤيد كلا المعنيين، والظاهر ان قراءة ( مالك ) ارجح ، لانها سمعت عنهم ( عليهم السلام ) بروايات اصح، بالرغم من كتابتها في المصحف بغير الف، ويؤيده ما ورد عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام ) في تفسير رب العالمين، قال : ( مالك الجماعات من كل مخلوق )، بمعنى عموم الربوبية، ويمكن ان نستفيد منه ان المالكية كالربوبية تمتد الى الاجزاء والجزئيات مهما تناهت بخلاف ( ملك) التي يظهر وبحسب اللغة انها تقف عند التسيطر على الكل، ولكن الظاهر انه لافرق بينهما لان مالكيته في عين ملكيته فكما انه رب العوالم كلها فهو مالكها ومليكها جميعا كما اشارت الرواية المتقدمة، وعليه فهو جل شانه يملك مصير هذه العوالم، ذلك المصير الذي يتجسد فيه كل ما صدر عن الانسان من خير او شر وهو المعبر عنه بيوم الدين في الاية المباركة ويؤيده قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا ) وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مرجعكم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وقوله تعالى :( اليوم تجزى كل نفس بما عملت) و مايوم الدين هذا الا امتداد لايام الدنيا وفيه يتسلم الانسان نتائج اعماله في كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة، وبهذا يتبين ان العوالم كلها من مبتداها الى منتهاها بين يديه تتقلب في سعة رحمته، وانما خص يوم الدين بالملك مع انه مالك لكل شيئ ولم يخرج عن ملكه شيئ لان ذلك اليوم يوم عظيم تثبت فيه الوحدانية المطلقة والعدالة الالهية بكل تفاصيلها وحينها يتبين زيف الاوهام والتخيلات الانسانية الباطلة التي زعم الكثير من الناس انها مناهج صحيحة ومتقدمة، كما لايتوهم الاعتبار في حقه جل شانه فملكه حق وحقيقي لانه مالك الملك كما عبر القران الكريم وكذا قوله تعالى : ( فتعالى الله الملك الحق لااله الا هو رب العرش الكريم ) وقوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) وقوله تعالى ": ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير ) فمن اين ياتي الاعتبار من اين؟؟ اللهم الا من الاوهام المرضية..ف( سبحانه وتعالى عما يشركون)، وهناك مطالب اخرى لعل الله يوفق بلطفه لنشير اليها في محلها
قوله تعالى : ( اياك نعبد واياك نستعين)
.
.
يتبع ان شاء الله..