ما عثرنا يوماً ولم نجد كتاباً في التاريخ يروي لنا أنَّ أحد رؤساء الوزارات في العهد الملكي أوالجمهوري في العراق والذين تجاوزوا الاربعين رئيساً وأكثر أنَّ ذهب الى إحدى دور السينما لمشاهدة عرض أحد الافلام
ولم نشاهد أو نسمع أنَّ أحداً ممن أشغلوا المنصب من بعده وحتى الآن من تأريخنا قد دخل الى السينما لمشاهدة فيلم سينمائي في إحدى دور العرض السينمائية مع أبناء الشعب وما أكثرها في بغداد الصيفية منها أو الشتوية قبل أن تمتد إليها أيادي الشر التترية من ذوي النفوس الناقصة والمتعفنة في أوكار الذئاب الهمجية
كان الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء الوحيد الذي أرتاد السينما لمشاهدة فيلم (أُم الهند) وكان ذلك عام 1959 في سينما الخيام وكانت في وقتها أفضل دورالعرض السينمائية في بغداد حتى أكتمال إنشاء سينما النصر بعد ذلك من قبل شركة دور السينما
وعلى الرغم من أن هذا الفيلم كان أطول فيلم في وقته حيث أستغرق عرضه أكثر من ثلاث ساعات، وكان والدي رحمه الله في أيامها من الذين شاهدوا الفلم ولكن ليس في نفس يوم زيارة الزعيم، إذ كانت السينما تكتظ دائماً بالجماهير وكان هذا الفيلم من الأفلام الهندية الأولى الذي فتح الباب أمام الأفلام الهندية للدخول الى دور العرض السينمائية العراقية ليأخذ مساحته الواسعة وخصوصاً من الناحية العاطفية والبكاء إضافة أنَّ قصة الفيلم تلامس الأفكار السياسية التي ظهرت بشدة من قبل الأحزاب المتعددة بعد الأطاحة بالنظام الملكي وأشاعة الأفكار الأشتراكية ضد الأقطاع
محور الفيلم يدور عن عائلة هندية فقيرة جداً تتكون من أُم وأطفالها والذي يصور معاناة الأم في توفير لقمة العيش لأبنائها الصغار زمن الأقطاع في الهند وقبل الأستقلال وكيف أنها عانت في حياتها ما عانت لأجل توفير أبسط الأمور لأبنائها وكان أسم أحدهم (برجو) وهو من المتمردين على الواقع المؤلم والذي أنتهى به أندفاعه وثورته وتمرده ضد النظام السياسي إلى مصرعه، وإبنها الآخر الوديع الذي كان يؤمن باللاعنف كأساس لتحقيق الأهداف وكيف أنَّ الأحوال تغيرت بعد أستقلال الهند وأصبحت هذه الأم عنواناً ورمزاً للإمرأة الهندية الصابرة المناضلة حتى أنها تستدعى لأفتتاح مشروع زراعي كبير بدلاً من رئيس الوزراء آنذاك جواهر لال نهرو
كانت السينما يومها مكتظة وحضر عبدالكريم قاسم في فترة الأستراحة الأولى أي في الوقت الذي ينتهي فيه عرض المقدمات من لقطات وأعلانات قصيرة للافلام التي ستعرضها السينما مستقبلاً فيتم التوقف فترة وأنارة أضوية القاعة
فحضر الزعيم عبد الكريم مع شخص واحد فقط من مرافقيه وعند ذهاب المرافق لدفع ثمن التذاكر منعه أحد مالكي السينما من الدفع أحتفاءاً بالرئيس وقال: سيدي لقد حجزنا لك (اللوج) أي إحدى المقصورات التي تتكون من أربعة مقاعد منفصلة عن المقصورات الأخرى ولكن الزعيم أصَرَّ على دفع ثمن تذاكر المقصورة
وبعد دخوله أبتدأ عرض الفيلم ولم يخرج منها حتى آخر لحظات أنتهاء عرض الفيلم الهندي
حيث شاهده الناس بعد إنارة الأضواء وبدء التصفيق والهتاف لتحيته
الله يرحم أيام زمان .. وأهل أيام زمان
كاردينيا