صدم شابّ يقود سيّارته صدمة شديدة اودت بحياته . يدعى هذا الشابّ ( محمد شوشترى ) ، يسكن ابواه طهران . وقـد نـقـل لاحـد اصـدقـائه بـعـد مـوتـه قـصـّة عـجـيـبـة مـن عـالم مـا بـعـد المـوت ، خـلال عـشـر ليـالٍ ، ويـسـتـغـرق سـردهـا فـى كـلّ ليـلة بـضـع دقـائق . وكـان يـراه اوّل الامـر فـى الحـلم ، ثـمّ رآه بـيـن اليـقـظـة والنـوم ، واخـيـرا اتـّصل به فى اليقظة . وكانت جميع فصول القصّة تطابق آخر ما اتّفق عليه علماء علم الروح من جهة والاحاديث الدينية من جهة اخرى .
قـال صـديـقـه المـعـروف فـى الاوسـاط العـلمـيـة والثقافية :
رايته فى الحلم ليلة اصطدامه وانا لا اعلم بخبر وفـاتـه . اقـبـل علىّ مسرعا وهو فرح مستبشر وقال :
لقدمتّ ! اريد ان اخبرك بما جرى علىّ بعد موتى كلّ ليلة مدّة بضع دقائق . اترغب فى ذلك ؟ إ نّه درس مفيد لك جدّا .
قلت :
حسنا ، كلّى آذان صاغية .
قـال :
لا يـمـكـن ذلك هـنـا ، تـعـال مـعـى لنذهب الى قصر سكنته اليوم ، ونجلس هناك على الارائك ، ونتّكى ء على الوسائد ، ونتناول الفواكه والنقل ، وساءقصّ عليك حينذاك ماجرى علىّ بعد الموت .
قـلت :
هـيـّابـنـا . سـرنـا مـعـا حـتّى وصلنا الى باب بستان كبير . وكان الباب مصنوعا من الذهب والفضّة ومطعّما بـالجـواهـر . فـتـح البـاب بـإ شـارة وإ رادة خـاصـّة دون ان يـطـوّل يـده ويـفـتـحـه ، كـمـا لو اراد إ نـسـان ان يـطـوّل يده فتطول . دخلنا البستان واتّجهنا مباشرة صوب قصر مشيّد فى الوسط . وسوف اصف لكم البستان لاحـقـا اثـنـاء حـديـثى . وامّا القصر فله غرف كثيرة يتوسّطها بهو كبير ، ووضعت فى جوانب البهو ارائك وثيرة يـكـسـوهـا مـخـمـل نـاعـم . قـعـدنـا عـلى اريـكـة فـى إ حـدى جـنـبـاتـه . رآنـى مـشـغـوفـا بجمال البستان وروعة القصر ، ممّا يصرفنى عن الانتباه لحديثه .
فقال :
إ ن تعرنى سمعك فساءبدا بسرد قصّتى .
قلت :
حسنا ، لك ذلك . انتبهت لحديثه ووعيت ما قاله ، وحينما انتبهت من النوم كتبت ما حدّثنى به ، وها هو بين يديك .
قـال :
اريـد ان ابـيـّن لك فـى البـدايـة انّ افـضـل موت لمن اعرض عن الدنيا وزكّى نفسه هو موت الفجاءة
؛ لانّى حينما اصطدمت بسيارتى ما ادركت انّى متّ إ لاّ بعد ما نظرت الى جسمى ، ورايت المقود قدصكّ صدرى بشدّة ممّا تسبّب فى انفراء قلبى . وفى هذا الاثناء رايت شابا وسيما لا ادرى ايّان ظهر لى ؛ تزامنا مع موتى ام بعده ، لانّ انتزاع روحى قد تمّ بسرعة خاطفة . اخذ بيدى وقـادنـى الى نـاحـيـة . حـيـيـتـه فـردّ التـحـيـّة بـاءحـسـن مـنـهـا وهـو يـبـتـسـم ثـمـّ قال :
لا تخف ، انا اراف بك من غيرى ؛ لانّك من اولياء موالىّ وساداتى ! قلت :
ومن هم مواليك وساداتك ؟ قـال :
انا مولى آل نبىّ الاسلام ، وهم رفقائى ايضا ! جئت لاصحبك إ ليهم ، إ نّهم قالوا لى :
إ جلبه لنا ، فجئت لا ستقبالك قلت :
من انت ؟ قال :
انا ملك الموت ! قـلت :
وصـفـوك فـى الدنـيـا بـوصـف آخـر ، فـقـد قـال الخـطـبـاء :
إ نّ مـلك المـوت يعامل الناس بفظاظة وقسوة بالغة ، ولكنّى اراك عطوفا شفوقا .
كـانـت عـينا ملك الموت جميلتين جدّا وواسعتين وذات اهداب طويلة ، وكان يبدو عليه الوقار ويشعّ محيّاه نورا . رمقنى بـنـظـرة يـخـامـرهـا الودّ ، وقـال بـحـياء بالغ :
إ نّ ما تقوله صحيح ، فبعضنا يضطرّ احيانا الى اتّباع الشدّة والصـرامـة مـع اعـداء شـيعة اهل البيت ومع من انكبّ على الدنيا انكبابا ، فهذا مايعنيه الخطباء . إ نّ اللّه تعالى لم يـخـلقـنـى ومـن كـان فـى زمـرتـى شـديـدى المـراس عـبـثـا ، ولم يجبلنا على الشراسة التى هى صفة حيوانية ، بـل نـحـن نـفـتـخـر بـكـونـنـا خـدّام اهـل البـيـت ( عـليـهـم السـّلام ) مـثـل جبرئيل ؛ إ ذ نقتدى بهديهم ونسير على دربهم ، وما احسن نهجهم واعظم خلقهم ! وهـنا استيقظت من النوم ودوّنت كلّ ما حدّثنى به السيد ( محمّد شوشترى ) . وخرجت من البيت إ ثر ذلك فزعا ؛ لانّى مـا كـنـت اعـلم بـخـبر وفاته ، فاتّجهت صوب منزله مباشرة . فرايت اهله قد بلغهم نعيه للتوّ ، ورزئوا بموته رزءا عظيما . وفى اليوم التالى عمدت الى عرض ما قاله لى على الاحاديث الواردة فى الجزء السادس من كتاب بـحـار الانـوار ، وقـارنته مع آراء علماء الغرب وغيرهم الواردة فى كتاب ( عالم ما بعد الموت ) وكتاب ( الانسان روح لاجـسـد ) وكـتـاب ( عـالم مـاوراء القـبـر ) ومـع كـتـب اخـرى ، فـرايـتـه مـوافـقـا لهـا تـمـامـا . اصـبـحت انتظر حـلول الليـل بـفـارغ الصـبـر ؛ لكـى انـام واراه فـى الحلم ، ويوافينى باءخبار ما بعد هذا العالم . فقد وعدنى بـدوام ذلك مـدّة عـشـر ليـال ، وخـصـوصـا انـّى تـاءكـّدت من صدق رؤ ياى ؛ إ ذ كنت لا اعلم بوفاته ولا اصطدام سيّارته مع سيّارة اخرى .
خلدت الى النوم فى الساعة العاشرة ليلا ، فرايته امامى وانا لم انم بعد ، إ لاّ انّ النعاس كاد يدبّ فى جفنى ، فكنت فى خلسة كما يصطلح عليها ، او فى حالة بين النوم واليقظة .
قال لى :
اانت مستعد لسماع بقيّة قصّتى ؟ قلت :
كنت بانتظارك .
قـال :
إ نّك لم تتاءهّب بعد حتّى آتيك قبل هذا الاوان ، فلاتستطيع ان ترانى فى اليقظة . عليك بالصبر ريثما تنام وتنعتق روحك من نير جسمك وتكون نظيرى ؛ لكى يمكننى الحضور عندك .
واخـيـرا قـال :
انـطـلق بـى ذلك الشـابّ الوسـيـم - اعـنـى مـلك المـوت - بـرفـق وحـنـان لانـظـيـر لهـمـا نـحـو آل محمّد ( عليهم السّلام ) . وفى اثناء الطريق لاح لى شابّان جميلان كصاحبى ، فاءدركت انّهما ( منكر ) و( نكير ) او ( مبشّر ) و( بشير ) . ساءلانى ببضعة اسئلة يسيرة ، ثمّ سمحا لى بمواصلة طريقى .
ساءلت ملك الموت قائلا :
وماذا عن سؤ ال القبر ؟ قـال :
لقـد سـؤ لت روحـك هـنـا فـوق قـبـرك ؛ لانّ جـسـدك قـد تـقـطـّع إ ربـا إ ربـا ، وهـذا بـمـثـابـة سـؤ ال القبر .
قلت :
اين قبرى ؟ قال :
هنا ، واشار بيده الى الارض .
نـظـرت فـرايـت جـسـدى تـحـت الثـرى ، فـمـررت بـجـسـدى المـبـضـّع وانـا فـى طـريـقـى الى اهـل البـيـت ( عـليـهـم السـّلام ) . كـدت ان احـزن واكـتـئب إ لاّ انّ مـلك المـوت بـادرنـى بـالقـول :
هـيـّا بـنـا نـذهـب ، لا تـشـغل نفسك بذلك ، إ نّ ما تريد ان تراه اليوم يشغلك عمّا سواه . وصلنا كلمح البصر الى رحاب النبىّ الاكرم وفاطمة والائمّة الطاهرين ( عليهم السّلام ) ، وودّعنى وانصرف ، فبقيت مع هؤ لاء الصفوة .
وهـنـا جفلت فجاءة ممّا اعترانى بين النوم واليقظة ، وحاولت ان ارى ( محمد شوشترى ) ثانية ، ولكنّى لم افلح .
وحـينما رجعت الى الروايات ؛ لارى مدى صدق ما رايته فى الليلة الثانية - اى رؤ ية المعصومين - وجدت انّ ذلك مـطـابق لما نقل عن الائمة الطاهرين ومصداق لما قاله . ومن هذه الروايات مثلا الرواية الاولى والثانية والثالثة ، ومن الرواية الخامسة الى الرواية العاشرة وغيرها للباب السابع من ( ابواب الموت ) فى كتاب ( بحارالانوار )