Saturday, January, 28, 2012
من تقارير BBC
كركوك.. القنبلة السياسية الموقوتة
مصير مجهول ينتظر العراقيين من ساستهم ان يحددوا ملامحه بما يصون البلاد من التشرذم بدل تأجيل المواجهة مع هذا الملف
تزور كركوك وكأنّك في عراق مصغر بكل طوائفه وهمومه ومشاكله.
يتردد اسم مدينة كركوك كما يتردد اسم بغداد كواحدة من أبرز مشاكل العراق المؤجّلة إلى حين. ثروات وقدرات هائلة تعجز عن حل مشكلات متشعبة وسكّانٌ يتعايشون قدر ما استطاعوا مع واقع يتأرجح بين توتر شعبي مستتر وتشدّد أمني مستمر.
____________________________
كركوك مشكلة عراقية مزمنة، تعود بداياتها إلى بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة. فثورة الأكراد على معظم حكومات العراق المتعاقبة هدفت دوما إلى تحقيق الحكم الذاتي وعينهم على المدينة القلب النابض لقوميّتهم وعاصمة للكيان الحلم.
تغيير ديموغرافيانتفاضات الاكراد المتكرّرة لم تسفرْ عن نتيجة تذكر كما لم تؤد عمليات القمع التي مارستها الحكومات المتعاقبة الى تخلي الاكراد عن مساعيهم.
عند استلامه السلطة عام ١٩٦٨سعى حزب البعث إلى انهاء المشكلة من جذورها. وعند توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وايران والتي انهت الدعم الايراني لأكراد العراق بدأ النظام انذاك عمليّةً لتغيير الطبيعة الديموغرافية لمدينة كركوك عن طريق ارغام الاكراد على مغادرة المدينة من جهة واغراء عرب العراق من المحافظات الاخرى على الانتقال الى المدينة من جهة أخرى، بإعطائهم مبالغ مالية وفرص عمل فيها.
كانت التهم الجاهزة بان بعض الافراد قد فروا من الخدمة العسكرية او انهم قد التحقوا بقوات البيشمركة او ما كانوا يسمون حينها بالعصاة كافية لاجبار العائلات الكردية على مغادرة المدينة إلى محافظات اخرى.
والحقت بعض المدن الصغيرة وخاصة الكردية او التركمانيّة بغالبيتها بمحافظات اخرى كالسليمانية واربيل، ومنها جمجمال (تُلفظ تشم تشمال) وكلار وطوزخورماتو والتون كوبري وكفري والتي كانت تابعة لمحافظة كركوك أو محافظة التأميم في عهد البعث، فيما أُلحقت بكركوك مدن عربية كالحويجة التي كانت تابعة لمحافظة صلاح الدين.
استمرت هذه السياسة لعقود مما اخل بالتوازن السكاني الذي اصطبغت به المدينة على مر العصور، كما زادت من التوتر بين مكوناتها السكانية للمدينة وكم ذهب ضحيّة تلك السياسات أعداد كبيرة من المدنيين.
"إن كل من عاد الى المدينة من الاكراد قد اتبع الطريق القانوني للعودة"محمد كمال، رئيس قائمة كركوك المتآخية
فرصة
سقوط نظام صدام حسين في عام ٢٠٠٣ وفّر فرصة لأن يضغط الاكراد من أجل تضمين الدستور العراقي مادة تسهل عودة الامور في المدينة النفطية الى سابق عهدها وهو ما تضطلع به لجنة المادة ١٤٠ من الدستور العراقي.
تنصّ هذه المادّة على تطبيع الاوضاع في ما سُمّي بالمناطق المتنازع عليها يليه اجراء احصاء سكاني ثم استفتاء لتحديد مصير تلك المناطق وعلى رأسها مدينة كركوك.
التطبيع بالمفهوم العراقي لأوضاع سكان بعض المدن يعني عودة من اجبر على الرحيل منها ومغادرة من وفد اليها ولجنة تنفيذ المادة ١٤٠ التي شُكّلت مهمتها تحديد من اجبر على مغادرة المدينة ومن جاء اليها ايام النظام السابق لتسهيل عودتهم أو مغادرتهم بعد اعطائهم تعويضات مالية.
يرأس تلك اللجنة كردي من اعضاء مجلس المحافظة يعاونه تركماني كرئيس للجنة تقصي الحقائق وعربي كرئيس للجنة الفنية لغرض منع التعسف في تنفيذ أحكام تلك المادة الدستورية.
يقدر عدد العائدين الأكراد الى مدينة كركوك بعد عام ٢٠٠٣ بحوالي ٩٥ الف عائلة في حين غادرها من العائلات العربية الوافدة حوالي 20 الف عائلة. إلا أنه لا يمكن تحديد العدد الحقيقي للذين يرفضون العودة وبالتالي تحديد الأعداد التي وفدت الى المدينة زمن النظام السابق الا بعد اجراء احصاء سكاني للمحافظة.
وتُعدّ مغادرة العرب الوافدين امرا طوعيا لا يجبرهم عليه احد. كما يُسمح لمن يرغبون بالبقاء شرطَ عدم مشاركتهم في اي استفتاء حول مستقبل المدينة.
هذا الاستفتاء يرفض نتائجه مسبقا محمد خليل الجبوري العضو العربي في مجلس محافظة كركوك بحجّة أن الظروف السياسية، يزيد من حدتها تواجد قوات الامن الكردية المعروفة باسم الأسايش التابعة للحزبين الكرديين الرئيسيين في كركوك، إضافة إلى استحواذ الاكراد على المناصب الرئيسية وخصوصا الامنية شكّل غطاء "لزيادة اصطناعية وممنهجة" لفئة مقابل أخرى.
وهذا ما يخل مرة اخرى بالتوازن السكاني ولكن لصالح الاكراد هذه المرة حسب قوله ورغم ذلك يدافع كرئيس للجنة الفنية التابعة للجنة تنفيذ المادة ١٤٠ عن قانونية الاجراءات التي تتبعها اللجنة.
محمد كمال رئيس قائمة كركوك المتآخية وهي قائمة الأكثرية الكرديّة في مجلس المحافظة يرى ان "كل من عاد الى المدينة من الاكراد قد اتبع الطريق القانوني للعودة".
وتقول الأكثرية الكردية في مجلس المحافظة بوجوب الاحتكام إلى إحصائيات رسمية للوقوف على الحقائق الديموغرافية للمدينة فآخرُ إحصاء متوافق عليها يعود لعام سبعة وخمسين من القرن الماضي، والسجلات التي رافقت مذّاك التطورَ السكاني التهمتها ألسنة النار في أحد الاعتداءات. ومن يعارضون إجراء استفتاء جديد يخشون ان يعيدَهم خطوات إلى الوراء ومن هذه الفئة التركمان والكلدو-أشوريون.
وفي الوقت الذي ينقسم فيه العراقيون بشأن الوضع السياسي في بلادهم ينقسمون كذلك وبنفس الحدة بشأن بين من يرى ان المدينة بما تمثله من تنوع يشبه تنوع العراق ينبغي ان تبقى ضمن عراق مركزي وآخرون يرون ان المدينة جزء من كردستان .
يؤيد رأي من يرى أن مصلحة المدينة ان تكون جزءا من كردستان الحالة الامنية والعمرانية والمعيشية السيئة التي يعيشها اهلها مقارنة بمدن الاقليم المجاورة.
مصير مجهول ينتظر العراقيين من ساستهم ان يحددوا ملامحه بما يصون البلاد من التشرذم بدل تأجيل المواجهة مع هذا الملف الدقيق فالعنف الطائفي والخلافات السياسية الحادة قد تفجّر فجأة القنبلة الموقوتة التي هي "كركوك" .