ميس: المسلحون يجوبون الشوارع والحياة صعبة للغاية

سيطر عناصر تنظيم داعش الإرهابي، على مدينة الموصل منذ يونيو/ حزيران الماضي، معلنين إقامة ما وصفوه "دولة الخلافة".
ومنذ ذلك الحين، بدأ عناصر التنظيم في فرض نظام للحكم يتماشى مع مفهومهم الإرهابي عن الإسلام والذي يتضمن فرض عقوبات شديدة القسوة ومعاملة متزمته مع النساء وموقفا متطرفا ضد أي شكل من أشكال المعارضة أو المقاومة.
يشرح عدد من سكان الموصل في سلسلة المذكرات هذه طبيعة الحياة في المدينة بعد سقوطها بأيدي تنظيم "الدولة الاسلامية". وقد تم تغيير أو حجب أسماء المشاركين في اليوميات حفاظا على سلامتهم.

نزار: الذين فعلوا ما فعلوا بالمسيحيين لا دين لهم
لم يعد هناك بيت للمسيحيين في الموصل ألا وسكنه "الدواعش" أو نهبوا كل ما فيه من أثاث ومقتنيات، ولم يتركوا في بعض البيوت شيئا يذكر.
ومن احتل البيوت منهم وسكنها، يتصرف فيها وفي جميع محتوياتها بما في ذلك الملابس، وكأنها ملك صرف ورثه من أهله.
إنتشر عناصر "داعش" وقطنوا كل مناطق الموصل واعتبروا منازلها، بحسب قياساتهم، "غنائم حرب". وجعلوا من المسيحيين واليزيدين أعداء يستبيحون كل ما يتعلق بحياتهم، لقد أصبح هؤلاء بسبب أفعالهم عبئاً على مناطقنا ويظهرون منظرا قبيحا فيها.
كم نشعر بالخجل من أصدقائنا المسيحيين والأيزيديين.. لم يعد لدينا وجه نقابلهم به لم يعد لنا القدرة على الاتصال بهم حتى هاتفياً.. وكأنني أنا وأقربائي وأصدقائي، من ارتكبوا الجريمة النكراء بحق هؤلاء، لكني أعود وأقول لا ذنب لنا نحن في ذلك.
لقد قررت ان لا أتكلم او أبادر بالسلام على أي "داعشي" غاصب لبيت مسيحي من حولي.. لم أعد قادرا القدرة على تحمل النظر اليهم الى وجوههم الممتلئة بالشر.

تأثير الغارات
لاحظت ما يفعله "الدواعش" القاطنين في المناطق السكنية إثناء شن غارة لقوات التحالف.. أول ما يفعلونه يطفئون جميع الأنوار مباشرة في البيوت التي يحتلونها.. ومنهم من يغادرها بالسيارات التي سرقوها الى جهات غير معلومة.
ومن ثم يعودون الى أماكنهم بعد انتهاء القصف.. مرة تجرأ احد اصدقائي وسأل أحدهم في منطقته: لماذا انتم تفزعون اثناء القصف وتتركون محلات سكناكم؟
فأجابه بأنهم يخشون أن يستهدف القصف بيوت المسيحيين التي سكنوها، فقد يكون المسيحيون قد أبلغوا قوات التحالف عن مواقعها.
صديق آخر حاول الاقتراب من بيت يسكنه "داعشي" ومعه عائلته لمعرفة ماذا يحصل في البيت.. لكنه لم يفلح في ذلك لأن الدواعش لا يتركون الباب مفتوحاً ولا يتحدثون في حديقة البيت.
قررت ومعي اصدقائي بأن نحاول أن نعيد تأثيث بيوت أصدقائنا المسيحيين بعد ان تتطهر مدينتنا من الاوساخ والقاذورات لنبين للعالم أجمع ولأصدقائنا المسيحين بأن من فعل هذا بهم لا دين له.

فيصل: الضربات الجوية لم تغيّر شيئا والخوف تضاعف
مضى أربعة أشهر على فرض إرهابيي "داعش" سيطرتهم على المدينة، ومنذ ذلك الحين غير صديق لي محل سكنه وبات يختبىء بشكل دائم إذ كان يعمل حارساً خاصاً لبعض القضاة الذين تركوا المدينة فور سقوطها.
لا يستطيع صديقي التحرك في شوارع المدينة فعناصر التنظيم منتشرون في كل مكان تقريباً.. وينصب مقاتلوه بين الحين والآخر نقاط تفتيش لفحص هويات المارة بحثاً عن المطلوبين وفق مقاييس "داعش" الذي يعتبر هؤلاء مرتدين أو مجرمين.
والمطلوبون بحسابات "الدواعش" هم العاملون في السياسة أو في الجيش والشرطة أو السلك القضائي أو في مجلس محافظة نينوى أوالمرشحون لعضويته وإن لم يفوزوا، أو ممن يعتقدون أنهم تسببوا في القبض على عناصر من التنظيم ومحاكمتهم قبل سقوط المدينة.. لكن معظم هؤلاء فرّ خوفا من أحكام الإعدام التي قد يصدرها التنظيم ضدهم.
وبسبب هذه الأفعال الإجرامية لعناصر التنظيم التي طالت المدنيين المسالمين البسطاء أصيب كثيرون بالذعر والفزع، خصوصا عندما يشاهدون أفعال هؤلاء وهم ينفذون أحكاما بالإعدام ضد ناشطين وحتى ناشطات في الطريق العام أمام أعين الناس.
ويرتدي عناصر هذا التنظيم اللباس الأسود ويطلقون لحاهم ويتركون شعرهم مرسلا وبعضهم يبدو وكأنه لم يستحم منذ زمن طويل. وفي كل يوم نراهم يكثرون في الشوارع يوما بعد يوم ويتمركزون ويثبتون مواقعهم، دون أن تسهم الضربات الجوية في تغيير الوضع على الأرض، ما تغير بالفعل هو حياتنا فقد تضاعف الذعر وأصبح الواقع الذي نعيشه كل يوم أكثر رعباً.

ميس: المسلحون يجوبون الشوارع والحياة صعبة للغاية
أعمل في التعليم في إحدى مدارس مدينتي الحبيبة الموصل.. حالي مثل كثير من الأمهات العراقيات فأنا أعمل لمساعدة زوجي، ولو بالقليل، في تحمل الأعباء المادية وصعوبات الحياة وشدتها في زمن قاسٍ رغم غنى بلدنا.
ومع بدء عطلة الصيف، ومثل كل عام، قررت السفر إلى بغداد في زيارة للأهل والأقارب وحضور مناسبة عائلية خاصة في بداية حزيران/ يونيو.
وعقب انتهاء الحفل وبينما ما زلنا وسط الفرحة وأجواء الاحتفال والوجود وسط الأحباب، سمعنا بأنباء حظر التجوال في مدينة الموصل، وبدء القتال بين عناصر ما يسمى "الثوار" وكذلك مسلحي "داعش" (تنظيم الدولة الاسلامية) من جهة والقوات الحكومية من جهة أخرى.
وفي ذلك الوقت بدأت احاول التواصل مع زوجي بشكل يومي عبر الهاتف لمعرفة أخر الأخبار. وبسبب القلق، قضيت أسوأ ايام حياتي في بغداد المدينة التي كانت قد شهدت براءة طفولتي وأحلامي كامرأة في العشرينات وكنت سعيدة فيها سعادة لا توصف، ولم أتركها إلا عندما تزوجت وانتقلت إلى الموصل.
مرت أيام القتال الخمسة الاولى في رعب وجزع وخوف فكنت لا أعلم مصير زوجي الحبيب.. وكان السؤال الذي يشغلني باستمرار هو: هل ستجمعني الأيام بزوجي مرة أخرى؟
ومع دخول ما يوصفون بـ "الثوار" أو "رجال الطريقة النقشبندية" ومسلحي "الدولة الاسلامية" إلى الموصل، بدأت أخطط مع زوجي لعودتي إلى المدينة، لكن لا طريق لذلك بسبب المعارك بين بغداد والموصل.. وجميع الطرق كانت مغلقة بسبب احتدام القتال، وبسبب سقوط عدد من المدن خلال ساعات - وليس أيام - بعد انسحاب القوات الحكومية، وهو الأمر الذي فاجأ الجميع ولا يعرف أحد لماذا حصل.
وبعد عدة محاولات وبفضل اتصالات زوجي الواسعة في بغداد واربيل والسليمانية، تمكنا من حجز مستعجل لتذكرة طيران من بغداد إلى أربيل.. لكن العقبة الأخرى التي واجهتنا هي انني لم احضر هويات ابنائي معي لأننا جئنا للعاصمة عن طريق البر، ولا يمكن الحجز للسفر جوا دونها.
وبفضل الله تمكنت من الحصول على الاوراق عن طريق صديق غادر الموصل بسيارته ثم تمكن من الطيران من أربيل إلى بغداد. ومن ثم تمكنت من اصطحاب ابنائي وعدنا إلى أربيل جوا ومن ثم سافرنا براً إلى منزلنا في الموصل.. وعند الوصول بعد منتصف الليل صليت وقررت الصيام ثلاثة أيام والبقاء حبيسة المنزل لعدة أيام محاولة الاعتياد على ما نعيشه من أوقات صعبة لن يسهل نسيانها.
وقد بدأت أدرك ما يحدث وصدمت بما شاهدته فقد كان المسلحون يجوبون شوارع المدينة في كل الأوقات. لكن الخوف كان يملأني لما تراه عيناي من مظاهر مسلحة في الشوارع بشكل غريب على الرغم من رؤية هذه المناظر من قبل مع وجود قوات الجيش والشرطة سابقاً.. لكني لم أعش لحظة دخول هؤلاء الإرهابيين كما عاشها زوجي وأهل المدينة.. ولا تزال الحياة صعبة للغاية بشكل لم اعتده من قبل.

نبذة عن مدينة الموصل
هي ثاني أكبر المدن العراقية بعد بغداد، وقعت تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في يونيو/حزيران 2014، كانت موطناً لأكثر من 2 مليون شخص قبل سقوطها تحت سيطرة التنظيم الإرهابي لكن فر منها نحو 500 الف شخص على الأقل تاركين منازلهم خوفا من ممارسات عناصر التنظيم، يقطنها أغلبية من المسلمين السنة والكورد والتركمان وعدد من الأقليات الأخرى.


PUKmedia عن الـ بي بي سي