[IMG]file:///C:/Users/soc_2/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.jpg[/IMG]
شبكة النبأ: ثمة معايير أساسية تقوم عليها منظومة القيم، بكل ما تنطوي عليه من مؤشرات واهداف ودلائل، تمنح هذه القيم درجة من القبول لدى الانسان، وتمنحها قدرة الاصطفاف الى جانب الافعال والاقوال التي تمجّد قيمة الانسان، وتحافظ على كرامته وتصون حريته، وكل هذه القيم تنتمي الى الخير جملة وتفصيلا، وتقف بالضد من الشر، فيحدث ذلك الصراع المستدام بين قيم الخير وقيم الشر، وعلى هذا الاساس يتوزع الناس هنا وهناك بين هذين الطرفين المتصارعيْن، كل منهم ينتمي للخير او الشر، وفقا لما يؤمن به من قيم تقوده الى تحقيق اهدافه وتطلعاته.
وقيم عاشوراء كما تدل على ذلك ما تعلنه هذه المبادئ وما تنطوي عليه من مضامين انسانية، تؤكد أنها تهدف الى سعادة الانسان، فهي قيم تضع رفض الظلم على رأس أولوياتها أيا كان شكله أو مصدره، وتضع حرية الانسان ورأيه وتفكيره في المقدمة مما تؤمن به وتدعو إليه، لأن الانسان عندما يفقد حريته، فسوف يصبح مشلولا تماما، لا رأي له ولا فكر مستقل ولا إرادة حرة، ولعل الانسان من هذا النوع سوف يشبه الآلة التي يتحكم بها غيره، وفقا للاهداف والنوايا والمآرب التي يسعى الى تحقيقها، وهكذا يكون الانسان مسلوب الارادة، فيحركه من يسيطر عليه كما يشاء، كون الانسان غير الحر يفقد ارادته بصورة تامة، وطالما أن قيم عاشوراء ترفض تكبيل حرية الانسان، فإنها وفقا لذلك تنتمي الى منظومة القيم الانسانية المتسامية، لأنها تهدف أولا واخيرا الى سمو الانسان روحا وعقلا وسلوكا.
إن قيم عاشوراء هي قيم الامام الحسين عليه السلام سبط النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد استقاها عليه السلام من جده رسول الانسانية جمعاء، حيث تربّى في كنفه، واخذ على يده الشريفتين منظومة الاخلاق والقيم المتسامية، وكانت هذه المنظومة دليل الامام الحسين عليه السلام في حياته وفكره واقواله وسلوكه، وهي الدافع الاول الذي حدا بالامام عليه السلام، لمقارعة الانحراف والفسق لدى حكومة يزيد الذي استهان بالارث النبوي وارث القادة العظماء الذين أسسوا وبنوا دولة الاسلام العظمى التي نشرت مبادئ الدين الاسلامي في اصقاع المعمورة.
فقد اخذ الامام الحسين عليه السلام سجية مقارعة الطغيان وعشق الحرية، من جده الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، ومن ابيه علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي آزر قادة الاسلام ونصره في اشد مراحل الخطر التي مرت بها الرسالة النبوية، فعندما يتشبع الامام الحسين عليه السلام بهذا المنهج المتحرر الثائر، فإن منبعه الثر معروف، ولا يمكن أن يغض الامام عليه السلام النظر عن الانتهاكات الاموية الخطيرة التي ارتكبها يزيد، من فسق وانحراف واخلاق تتنافى مع روح الاسلام وفطرة الانسان وبحثه عن الخير والوئام.
لذلك كانت ولا تزال وستبقى القيم العاشورائية فنارا عاليا تهتدي به الانسانية جمعاء، ومنارا متوهجا يضيء للمظلومين طريق الحق والحرية والكفاح الانساني المتواصل، والثورة على الطغاة والمتسلطين على رقاب الفقراء أينما كانوا، وهذا هو السبب الاساس في انبهار قادة العالم المتحررين بالفكر الحسيني المتوقد، ولعلنا على معرفة تامة واطلاع وافٍ على هذا التأثير الكبير للقيم العاشورئية، في الثورات والانتفاضات العالمية التي اندلع لهيبها في امم كثيرة من العالم المترامي، وقد اعلن كثير من قادة العالم الخالدين في الذاكرة البشرية، مدى تأثّرهم بالفكر الحسني ومنظومة القيم التي افرزتها هذه الثورة العملاقة، حتى غطّت الانسانية جمعاء، ببهاء نورها وجمال فكرها وصفاء ونقاء مسارها وتوجهاتها.
ولعلنا قرأنا ما قاله زعيم الامة الهندية (غاندي) بحق الثورة الحسينية عندما قال (تعلمتُ من الحسين، كيف أكون مظلوما، فأنتصر)، وهو يعني هنا بوضوح تام، أن الصبر والتمسك بطريق الحق، ونبذ الخوف والتردد، والمضي قُدُما في مقارعة الظلم والظالمين، هو الدرس الاول الذي اخذه من قيم عاشوراء، ليطبقه على واقع الامة الهندية، لينتصر بذلك على أعتى قوة عالمية آنذك (بريطانيا العظمى)، حيث هزمها بالصبر واللاعنف والسلام، والارادة الحرة التي لا تخشى الطغاة مهما تعاظم بطشهم وظلمهم.
ولاشك ان القيم العاشورائية لا تنحصر في كيفية مقارعة القادة الظالمين او الساسة الفاسدين فحسب، انما تمتد الى السلوك الشخصي والتفكير الفردي، وأهمية أن يكون الانسان صادقا امينا قويا رحوما متعاطفا مع اخوته في كل شاردة و واردة، فمحبة الانسان لاخيه الانسان هي احدى اهم ما تدعو اليه قيم عاشوراء، وعندما تحمي اخاك من الضرر فإنك تعبر في ذلك عن تمسك واضح وقوي بالمنهج الحسيني الذي يدعو الى التآزر، ضد الظلم والتجاوز والتعالي على الناس، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف ما لم ينسجم المسلمون كافة، في تطلعاتهم وتعايشهم وفق قيم انسانية عظيمة، مستمدة من قيم الاسلام شكلا وجوهرا، وهي نفسها منظومة القيم العاشورائية الخالدة.