صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 40
الموضوع:

موسوعة الفن العالمي اللوحات واعمال فنيه خالده - الصفحة 2

الزوار من محركات البحث: 3262 المشاهدات : 12512 الردود: 39
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #11
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    تاريخ التسجيل: April-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,226 المواضيع: 173
    التقييم: 432
    أكلتي المفضلة: دلميه
    موبايلي: ايفون
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى ابن الغربيه
    الغـُـــراب
    للفنان الفرنسي كـلـود مـونيـه، 1868




    كان من عادة مونيه أن يقضي شهور الشتاء في الريف، حيث كان يزاول المشي في الحقول القريبة من منزله ويراقب تساقط الثلج ويرسم أثره على الطبيعة.
    في هذه اللوحة يرسم الفنّان مزرعة صغيرة في إحدى قرى النورماندي، وقد غطّى الثلج أشجارها ونباتاتها والبيوت الواقعة خلفها.
    وكعادة الانطباعيين، اختار مونيه أن يركّز اهتمامه على تصوير العلاقة بين ضوء الشمس والألوان والظلال في الطبيعة الثلجية.
    في مثل هذا النوع من الطقس المتطرّف، يندر أن تشرق الشمس التي تكون عادة متوارية خلف طبقات الغيم. لكن في هذا المنظر، هناك شمس خفيفة، وتأثير الضوء في هذه الحالة وعلاقته باللون والظل مما يثير فضول الفنان ويحفزه لتصوير التفاعل ما بين هذه العناصر وأيضا اكتشاف المزيد من الإمكانيات الجمالية والانفعالية المرتبطة بالظروف المناخية الباردة.
    في الظلّ يبدو لون الثلج ازرق شاحبا. وفي المساحات المفتوحة يأخذ لونا ابيض داكنا. بينما تتوزّع على بقية اللوحة درجات خفيفة من الأسود والرمادي والأرجواني والأبيض.
    كما يبدو الثلج ذا لمسة أكثر نعومة في الأجزاء التي يغطّيها الظلّ. في حين تتفاوت الأسطح هي الأخرى في مستوى صلابتها و نعومتها بحسب توزيعات الضوء والظلّ فيها.
    من اللافت أيضا في اللوحة أن الرسّام استخدم ضربات فرشاة سريعة ومتكسّرة، ما يعطي الانطباع بأن اللوحة لم تكتمل. وهو ما كان يأخذه الناس على رسوم الانطباعيين بشكل عام.
    هذا العامل، بالإضافة إلى ما قيل عن شحوب ألوان اللوحة وعدم وفائها بالمعايير الفنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، هو الذي دفع صالون باريس إلى رفض عرض اللوحة بعد فترة قصيرة من رسمها.
    اسم اللوحة يبدو غريبا بعض الشيء، وقد استمدّه الرسّام من الطائر الذي يجلس على البوّابة الخشبية الصغيرة للمزرعة. وهو من فصيلة الغربان ويسمّى بالعربية العقعق أو الغراب الأبقع بسبب سواد لونه الذي تخالطه بقع من البياض في جناحيه وبطنه.
    وهذا النوع من الغربان يعيش عادة في المناطق الريفية والزراعية بالقرب من المياه والغابات والمزارع. وهو معروف بقدرته العالية على التكيّف مع مختلف ظروف المناخ. وتعيش أعداد كثيرة منه في أوربّا وأمريكا الشمالية والوسطى وسيبيريا وفي بعض مناطق آسيا.
    يعود الفضل لـ مونيه في تأسيس المدرسة الانطباعية في الرسم بالتعاون مع عدد من أصدقائه من الرسّامين أمثال رينوار وسيسلي ومانيه وبيسارو وغيرهم.
    وبالإضافة إلى ميله للابتكار والتجديد، عُرف عن مونيه أيضا جدّيته وحرصه على تجويد أعماله. فكان يرسم اللوحة مرّات ومرّات ويجري عليها الكثير من التعديل والتحوير إلى أن تأخذ شكلها النهائي، قبل أن ينقلها إلى رقعة الرسم.
    ورغم أن بعض الناس في زمانه لم يكونوا ينظرون إلى أعماله كلوحات كاملة وإنما مجرّد انطباعات، فقد اكتسبت لوحاته مع مرور الزمن كثيرا من أهمّيتها وتميّزها ووجدت إقبالا كبيرا من أصحاب المجموعات الفنية الخاصة الذين كانوا يحرصون على شرائها واقتنائها.
    وقد بيعت بعض لوحاته في مناسبات مختلفة بعشرات الملايين من الدولارات، بينما يستقرّ الجزء الأكبر منها في أشهر المتاحف الفرنسية والعالمية.
    جمال لوحات مونيه بثراء ألوانها ولمعان أضوائها وما تعكسه من حبّ للطبيعة واحتفاء بالحياة دفعت بعض النقاد إلى تشبيهها بموسيقى شوبان وديبوسيه التي تمتلئ هي الأخرى بالتدرّجات الصوتية وبالانفعالات والمشاعر الجيّاشة.
    في السنوات الأخيرة من حياته، عانى مونيه من ضعف بصره، الأمر الذي أدّى إلى الحدّ من قدرته على التمييز بين الألوان، فتغيّر المزاج المتفائل الذي كان يغلب على لوحاته وغابت عنها تلك الألوان الساطعة والمبهجة واستحالت في النهاية إلى مناظر مشوّشة تكثر فيها الألوان الداكنة والثقيلة كالبنّي والأحمر.
    ولوحته الصفصاف الباكي التي رسمها قبيل وفاته رأى فيها الكثيرون انعكاسا لإحساس الرسّام بالحزن والوحدة واقتراب الأجل بعد رحيل زوجته وفقدان بصره وتدهور صحّته.
    وقد توفي مونيه في الخامس من ديسمبر 1926 عن ستّة وثمانين عاما.








  2. #12
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    امـرأة بمظلـة "مدام مونيه وابنها"
    للفنان الفرنسي كـلـود مـونيـه، 1875


    مونيه بالنسبة للكثيرين هو واسطة العقد بين جميع الفنانين الانطباعيين، وكلّ عمل من أعمال هذا الفنان الاستثنائي هو عالم قائم بذاته.
    ومعظم نقاد الفنّ يجمعون على اعتبار هذه اللوحة احد اشهر وأفضل أعماله. ويمكن التدليل على ذلك بما حققته اللوحة من ذيوع وانتشار كبيرين. وبالإمكان رؤيتها على أغلفة العديد من الروايات العاطفية وكتب النقد الفني وأقراص الموسيقى المدمجة وخلافها.
    في هذه اللوحة يلخّص مونيه المفهوم الانطباعي عن اللمحة الخاطفة. فاللوحة توصل بطريقة رائعة الإحساس باللقطة عندما تقتنص في اللحظة المناسبة خلال رحلة لزوجة الفنّان وابنه في يوم مشمس جميل.
    طريقة رشّ الألوان النابضة والخفيفة تلعب دورا رئيسيا في خلق شعور بالتلقائية. ومن الصعب ونحن نتمعّن في هذه اللوحة أن نتبيّن إلى أين ستنتهي الغيوم الخفيفة آو متى تبدأ الريح في تحريك وشاح المرأة.
    الطيّات اللولبية في فستان السيّدة هي تجسيد للنسيم الذي نكاد نحسّ به هنا وهو يتخلّل ثنايا المشهد كله.
    أما ضوء الشمس الآتي من جهة اليسار فيقف في مواجهة الريح القادمة من اليمين، والشمس والريح يتماسّان ليشكلا دوّامة في منتصف اللوحة تبدأ بأوراق العشب المتثنية وتنعطف عبر المساحات البيضاء في مؤخّرة الفستان وحتى أعلى المظلّة.
    أما المنظر من اسفل فيضفي ظلا على صورتي المرأة والطفل ليكثف بالتالي التأثير الديناميكي للشمس والضوء.
    مونيه استطاع في هذه اللوحة أن يحقّق تباينا مبهجا بين الريح والغيم والضوء وثبات ارض المرتفع، من خلال ربط كلّ هذه العناصر بوضعية شخص المرأة.
    واخيرا تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الانطباعية اشتقّ من اسم لوحة لـ مونيه بعنوان "شروق انطباعي". وقد اختير الاسم ليوضع على عجل كعنوان للدليل المصوّر الخاصّ بمعرض فنّي أقيم في باريس العام 1874م.








  3. #13
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    بورتريـه بينـدو آلتـوفيـتــي
    للفنان الإيطالي رافـائيــل، 1515




    يعتبر رافائيل احد أعظم الرسّامين وأكثرهم أصالة وموهبة.
    وكان يعتبر دا فنشي صديقه ومعلمه ووالده الروحي، بينما كانت علاقته مع مايكل انجيلو عاصفة ومتوّترة معظم الأحيان بسبب التنافس بين الرجلين.
    في هذا البورتريه الجميل رسم رافائيل صديقه بيندو آلتوفيتي الذي كان سليل عائلة عريقة من فلورنسا وصديقا للكثير من الفنانين المهمّين في عصره مثل مايكل انجيلو ورافائيل.
    وأوّل ما يلفت الانتباه في هذا البورتريه هو وسامة صاحبه اللافتة وتعابيره الوقورة وملامحه الواثقة وفخامة لباسه وأناقة مظهره بشكل عام. وكلها أمور تشي بثراء الرجل وأصله النبيل.
    هناك أيضا التفاتة الرجل والطريقة التي ينظر بها والتي لا تخلو من مسحة مسرحية واضحة.
    ومما يجذب الانتباه أيضا في البورتريه روعة وتناغم ألوانه المكوّنة من الكحلي والأصفر ودرجاتهما وكذلك أناقة خطوطه ونعومة تفاصيله. هنا أيضا يمكن أن نتلمّس تعامل الفنان المبهر مع الأثاث والألبسة التي تشعّ بالضوء والألوان المتوهجة والباذخة.
    وكالعادة ركّز رافائيل على ملامح الرجل التي تعطي فكرة كافية عن مكانته وأهمّيته في مجتمع عصر النهضة الايطالي.
    في ذلك العصر، كان الفنانون والمبدعون يركّزون على تمثيل الأفكار السامية والمثل الأفلاطونية باعتبارها تجسيدا لعظمة ونبل الإنسان.
    في سنّ السادسة عشرة ورث آلتوفيتي مصرف والده الذي استطاع من خلاله تكوين ثروة طائلة مكّنته من أن يصبح شخصية متنفّذة عند البابا بول الثالث.
    وظلّ نفوذه يمتدّ باطراد إلى أن أعلن على الملأ معارضته لأسرة ميديتشي وعزمه تأييد الحكم الجمهوري في فلورنسا.
    غير انه لم يلبث أن قُبض عليه واتهم بالعصيان وصودرت جميع ممتلكاته في توسكاني.
    في بعض الأوقات ساد اعتقاد خاطئ بأن رافائيل رسم هذا البورتريه لنفسه، ومما ساعد على رواج هذه النظرية حقيقة أن رافائيل نفسه كان معروفا بوسامته الفائقة وحسن مظهره.
    وقد ولد هذا الفنّان رسّاما بالفطرة وكان دائما ميّالا للتفكير المتأمّل والحزين وأعماله جميعها، تقريبا، حتى تلك التي تتناول موضوعات دينية كانت تتمحور حول فكرتي الجمال والصفاء النفسي.
    بورتريه بيندو آلتوفيتـي كان وما يزال موضوعـا للتناول والنقاش في أوساط نقّاد الفن والأكاديميين المتخصّصين، وقد ألف ديفيد براون كتـابـا عن قصّة البورتريه وخلفية العلاقة التي ربطت الفنّان المبدع بالمصرفي الوسيم.
    توفي رافائيل بالحمّى في يـوم عيد ميلاده السابع والثلاثين ودُفن في البانثيون بروما وسط مظاهر حزن واسعة.








  4. #14
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    بورتريه بالداسار كاستيليوني
    للفنان الإيطالي رافـائيــل، 1515



    أحد ملامح عظمة رافائيل وتميّزه عمّن سواه من الرسّامين هو براعته الفائقة في فنّ البورتريه.
    كان يلتقط الحالة الروحية والإنسانية والاجتماعية لشخوصه ثم يضيف إلى ذلك من الإيحاءات والدلالات الخاصّة ما يعين الناظر على التعرّف عن قرب على طبيعة الشخص ومكانته إلى غير ذلك من السمات الشخصية.
    هذا البورتريه يعتبره بعض نقّاد الفنّ واحدا من أعظم البورتريهات التي أنجزت خلال عصر النهضة الايطالي، لدرجة أن الرسّام الهولندي روبنز قام باستنساخه وتقليده تعبيرا عن إعجابه به وبالأسلوب الذي ُنفّذ به.
    وأوّل ما يميّز البورتريه روعة تصميمه ونعومة خطوطه وانسجام ألوانه واتّساق بنائه الهندسي العام.
    ويأتي بعد ذلك موضوع البورتريه نفسه، إذ انه يصوّر شخصية فكرية يعتبرها الكثير من المؤرّخين من أهم شخصيات عصر النهضة الايطالي.
    كان بالداسار كاستيليوني يعمل في بلاط اوربينو في بدايات القرن السادس عشر وكان كاتبا وأديبا بارزا ذا نزعة إنسانية.
    ولعلّ احد أسباب شهرة كاستيليوني ترجع إلى كونه مؤلف كتاب "رجل البلاط" الذي اعُتبر احد أعظم الكتب في زمانه.
    وقد كان لذلك الكتاب تأثير كبير في صياغة الأعراف والسلوكيات المفترض أن يتحلى بها رجال الحاشية والدائرة المقرّبة من الحكام والأمراء والولاة.
    وتعدّى تأثير الكتاب حدود ايطاليا ليشتهر وينتشر في مختلف بلدان أوربا في ذلك الوقت.
    في كتابه، يستعرض كاستيليوني جوانب من ثقافة وملامح عصر النهضة في ايطاليا، كما يتطرّق إلى طبيعة التفكير والعلاقات ومظاهر الايتيكيت والأعراف الرسمية والديبلوماسية التي كانت سائدة في بلاط اوربينو حيث كان يعمل.
    ولا بدّ وأن رافائيل فكّر في رسم بورتريه لكاستيليوني مدفوعا بصداقته للرجل وقربه منه وكبادرة على احترامه وتقديره لفكره وعلمه.
    مما يلفت الانتباه أيضا في هذا البورتريه براعة رافائيل في توظيف تقنية الفراغ الثلاثي الأبعاد من خلال رسم الأشكال الدائرية والبيضاوية التي تتخلل المنكبين والذراعين والأكمام.
    ثم هناك الاستخدام المتقشّف والأنيق في توظيف الألوان التي يغلب عليها الأسود والرمادي وتدرّجاتهما المختلفة.
    وبشكل عام فإن البورتريه ينقل لنا صورة رجل على درجة عالية من الذكاء والانضباط والوقار.
    كما يشي البورتريه بالهدوء الداخلي لصاحبه وبالأخلاق والحكمة والمعرفة التي ُيتوقّع أن يتحلى بها رجل ينتسب إلى طبقة الأعيان والنبلاء.








  5. #15
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    نـاتـاراجـا
    للفنانة البريطانية بريـدجيـت رايـلـي، 1993



    برز اسم بريدجيت رايلي في ستّينات القرن الماضي كأحد أهمّ الرسّامات التجريديات في بريطانيا. وهي رائدة من روّاد ما يُعرف بـ "الأوب آرت" أو الفنّ البصري، وهو نوع من الرسم يستخدم الخداع أو الإيهام الذي تنتجه التأثيرات البصرية للشكل واللون.
    رايلي في أعمالها النابضة بالحياة والمميّزة بصريّا تحاول استكشاف الظواهر البصرية. وعندما تنظر إلى إحدى لوحاتها فإنها تمنحك انطباعا عن الحركة وعن الصور الخفيّة والوميض والاهتزاز والتألّق واللمعان والانعكاس.
    في هذه اللوحة ترسم الفنّانة مجموعة من القطاعات الملوّنة والمقسّمة عموديّا. وقد وظّفت في اللوحة حوالي 20 لونا مع ظلالها المختلفة ورتّبت الألوان بعناية من حيث التشابه والتوافق والتباين.
    استخدام الرسّامة للألوان الساطعة وتكرار الأشكال الهندسية يخلق إحساسا بالحركة وعمقا بثلاثة أبعاد. ومجموعات الألوان المستخدمة تؤثّر على الفراغات في ما بينها لتنتج لمحات لونية سريعة الزوال، ومن ثم تخلق وهماً بالحركة. بينما تُستخدم بعض الألوان والخطوط لإنتاج تأثير مضيء.
    رايلي اختارت للوحة هذا الاسم الغريب "ناتاراجا" الذي يحيل إلى كلمة مشتقّة من الأساطير الهندوسية القديمة تعني سيّد الرقص وتشير إلى الإله الهندوسي شيفا الذي تذكر الأسطورة انه كان يؤدّي رقصاته المقدّسة ليدمّر كوناً مُملا ويمهّد الطريق أمام الإله براهما ليبدأ عملية الخلق.
    الصعوبة الأساسية في هذا النوع من التوليف تتمثّل في محاولة الربط بين ألوان متشابهة ومتباينة بطريقة تدعم كثافة وتشبّع الألوان عبر سطح الصورة كلّه، وخلق مجال موحّد ومتوازن من الإحساس البصري مع المحافظة على ديناميكية كلّ لون على حدة.
    وبالنسبة لـ رايلي، فإن الألوان والتباينات والأشكال هي المواضيع الحقيقية للوحة. وكلّ لون له تأثيره، كما انه يؤثّر على اللون الذي يليه.
    في بداية الستّينات، زارت بريدجيت رايلي مصر وبُهرت بالديكورات الهيروغليفية الملوّنة وبرسومات القبور في وادي الملوك. وقد وجدت الفنّانة في الألوان التي استخدمها المصريّون لأكثر من 3000 عام مجموعة من الألوان الساطعة التي وظّفتها في خطط لوحاتها. ومن الواضح أن صورها التجريدية تشير إلى ذكريات وأحاسيس وأماكن وحالات.
    ولدت بريدجيت رايلي (81 عاما) سنة 1931 في لندن وتلقّت تعليمها في كلّية شيلتينهام للسيّدات، ثمّ درست الفنّ في كلّية غولدسميث ثمّ في الكلّية الملكية للفنون.
    في بداياتها، كانت ترسم الأشخاص ولوحات شبه انطباعية. ثمّ درست لوحات الرسّام الفرنسي جورج سُورا الذي ابتدع ما عُرف بالأسلوب النُقَطي في الرسم، أي بناء صورة من نقاط صغيرة من الألوان يكمّل بعضها بعضا. المعروف أن سورا نفسه كان متأثّرا بـ شارل هنري، وهو فيلسوف وعالم فرنسيّ وضع نظريّات متطوّرة عن استخدام وإدراك وفهم الألوان.
    رايلي تحدّثت في أكثر من مناسبة عن أهميّة ملاحظة الطبيعة ونسبت لها التأثير الهام والمبكّر على فنّها. وقد ذهبت في بداياتها إلى توسكاني في ايطاليا لتأمّل طبيعتها، ثمّ إلى فينيسيا لدراسة اللوحات التي تمثل أساس التلوين الأوربّي.
    ويُعرف عنها حبّها للأدب، كما أنها منظّرة في الألوان ومحاضرة وكاتبة. ومثل كاندينسكي، تؤكّد رايلي دائما على العلاقة الوثيقة بين الموسيقى والرسم.
    وقد مُنحت الفنّانة عددا من الجوائز العالمية على أعمالها وظهرت بعض لوحاتها على أغلفة الكثير من المجلات المتخصصة. كما مُنحت درجات دكتوراة فخرية من اعرق جامعات انجلترا مثل اكسفورد وكيمبريدج، ثم انتخبت عضوا في مجلس إدارة الناشيونال غاليري في لندن.
    وتوجد أعمالها في العديد من المتاحف حول العالم، خاصّة في الولايات المتحدة. وقد اشتريت إحدى لوحاتها قبل أربع سنوات بأكثر من 5 ملايين دولار. وقبل ذلك بيعت لوحة أخرى لها بأكثر من مليوني دولار.

  6. #16
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    قيـلـولـة
    للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ، 1890


    رسم فان غوخ هذه اللوحة بعد أن اُدخل إحدى المصحّات النفسية في سان ريمي. وعلى الرغم من جوّ اللوحة الهادئ، إلا أنها تشعّ بذلك التوتّر الذي يطبع أعمال فان غوخ عادةّ.
    واللوحة هي واحدة من ثلاثين لوحة اختار الفنّان أن يستنسخها عن رسّامين آخرين. كان فان غوخ وهو في المصحّة يتأمّل ماضيه فلا يجد فيه سوى القليل من السعادة. وكان يحاول جاهدا البحث عن مواضيع للرسم توفّر عليه مشقّة الخروج إلى الطبيعة في ذروة فصل الشتاء القارس.
    وقد وجد أخيرا بعض السلوى في أعمال رسّاميه المفضّلين الذين قرّر أن يعيد رسم بعض لوحاتهم. وأكثر اللوحات التي رسمها كانت لـ جان فرانسوا ميليه الذي كان فان غوخ معجبا به ولطالما اعتبره فنّانا حديثا أكثر من مانيه.
    في هذه اللوحة ينسج فان غوخ على منوال ميليه في إحدى لوحاته، فيرسم زوجين نائمين في احد الحقول وقت القيلولة. زوج الأحذية المخلوعة والمنجلان الموضوعان جنبا إلى جنب هي تذكير بوقت الراحة بعد يوم حافل بالجهد والتعب. تنظر إلى جوّ اللوحة فتتذكّر بيئة الفلاحين وما يرتبط بها من حرارة الشمس اللاهبة والعمل البدني المضني والإحساس بالإرهاق والتعب.
    اللوحة تتضمّن أيضا مجموعة من الثنائيات: الزوجان "أي الرجل والمرأة"، الحذاءان، كومتا القشّ والمنجلان. المنظر هادئ إجمالا ويخلو من أيّ توتّر. والسماء الزرقاء تعمّق الإحساس بهذه الحالة من الصفاء والسكينة.
    الرسّام وظّف هنا الألوان الزرقاء والبنفسجية والبرتقالية والصفراء. كما استخدم ضربات فرشاة فضفاضة في المقدّمة كي يكرّس المزاج المسترخي في هذه اللوحة الغنائية.
    وعندما تتأمّل التفاصيل الهادئة في الصورة، لا يمكن أن يخطر ببالك أن من رسمها سيقدم على قتل نفسه بعد أشهر قليلة من إتمامها.
    جان فرانسوا ميليه كان معروفا برسم مناظر الطبيعة التي تصوّر الريف الفرنسي في سبعينات القرن التاسع عشر. وخلافا لـ فان جوخ، حقّق ميليه نجاحا ملحوظا خلال مسيرته الفنّية. وكان محظوظا بما فيه الكفاية عندما رأى الناس والجمهور يعترفون بموهبته ويقدّرون أعماله وهو ما يزال على قيد الحياة.
    خلفية جان فرانسوا ميليه الاجتماعية المتواضعة كان لها تأثير كبير على طبيعة مواضيعه. كان كثيرا ما يقول: لقد ولدت فلاحا وسأموت فلاحا". لكن بعد أن أصاب بعض النجاح تغيّرت أفكاره وأصبح يقدّر مزايا وايجابيات الحياة المرفّهة والمريحة. وقد أودع في لوحاته تعاطفه الكبير مع الفلاحين عندما صوّرهم وهم يجهدون في زراعة الأرض ورعايتها لتأمين لقمة عيشهم.
    فان غوخ، هو الآخر، كان يحترم الطبقات الكادحة ويتعاطف معها. لوحاته التي رسمها في هولندا كانت تصوّر فلاحين ونسّاجين وغيرهم من فئات المجتمع البسيطة. وكان يبدو في أحسن حالاته عندما يشاركهم حياتهم وتجاربهم. كان، مثل ميليه، يراهم أناسا نبلاء حقّاً وعَكَس هذا الانطباع في رسوماته.
    الجدير بالذكر أن فان جوخ درس أعمال ميليه في وقت مبكّر. وقد ساعدته دراسته تلك على معرفة أساليب التعامل مع الطلاء والألوان. ولا أدلّ على افتتانه بـ ميليه من قوله في إحدى رسائله إلى شقيقه ثيو: ميليه هو الأب والمرشد لجميع الرسّامين الشباب". غير أن تأثير ميليه عليه بدأ يتناقص عندما أصبح فان غوخ يخالط رموز مجتمع الفنّ الحديث في باريس مثل غوغان وبيسارو وتولوز لوتريك وغيرهم. لكن انجذابه للريف لم يتلاشَ تماما. فلوحاته عن المحاصيل والحقول المشمسة في آرل تبدو دافئة وذات حضور كبير.
    اللوحات التي استنسخها فان غوخ لآخرين حرص فيها على أن لا يتمسّك بالتفاصيل، بل غيّر فيها وبدّل في محاولة لأن يترجمها من منظوره هو من خلال التكنيك والألوان.
    وقد فعل نفس الشيء تقريبا وهو يرسم هذه اللوحة، على الرغم من انه بقي وفيّا للتوليف الأصلي وحافظ على تفاصيل الحياة الساكنة في المقدّمة.
    في احدى رسائله، يخبر شقيقه عن أمر هذه الصور التي استنسخها قائلا: لقد بدأت في رسمها عن غير قصد. وأنا الآن ارتجل الألوان وأعيد تشكيل ما أراه. الشخص الذي يعزف موسيقى بيتهوفن يضيف إليها رؤيته وتفسيره وإحساسه الشخصي. وهذا ما افعله. لقد تعلّمت من هذه التجربة أشياء. كما أنها تمنحني بعض الراحة والسلوان. الفرشاة تتحرّك الآن بين أصابعي مثلما تتحرّك الريشة على آلة الكمان. وهذا مبعث سرور عظيم لي".
    عمل فان غوخ في مستهلّ حياته واعظا بأحد الأديرة. ولما اتضحت موهبته في الرسم بدأ برسم الفقراء الذين كانوا يأتون إلى الدير لسماع خطبه.
    وعلى الرغم من انه لم يبدأ الرسم إلا في آخر عشر سنوات من حياته، إلا أنه كان غزير الإنتاج وترك ما لا يقلّ عن سبعمائة لوحة، عدا عن مئات الرسومات والاسكتشات.
    كان فان غوخ إنسانا يائسا وذا مزاج متقلّب وعنيف دفعه في النهاية لأن يقدم على الانتحار. ورغم انه توفّي وعمره لا يتجاوز السابعة والثلاثين، إلا انه أصبح بعد وفاته احد النجوم الكبار في سماء الفنّ الحديث.

  7. #17
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    لاسكــابيـليـاتــا أو رأس أنثــى
    للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1508



    رسم دافنشي هذه اللوحة بعد عشرين عاما من إتمامه "العشاء الأخير".
    وفيها نرى مثالا آخر للكيفية التي كان ليوناردو ينظر بها إلى جمال الأنثى. وهو هنا يحاول إبراز جمال الروح والنفس والتقاط الحالة الداخلية؛ الإنسانية والروحية التي تميّز الشخصية.
    المرأة في اللوحة غير معروفة، لكن هناك من النقّاد من يرجّح أن تكون إحدى "المادونات" الكثيرة التي رسمها دافنشي في أكثر من لوحة.
    ومما يجذب الانتباه في تفاصيل هذا العمل إجادة الرسّام تمثيل شعر المرأة الذي يبدو غير مرتّب، والنظرة المفكّرة والمتأمّلة التي تعمّقها وضعية الرأس المحني إلى أسفل.
    ثم هناك تقاطيع الوجه التي تشي بنوع من الجمال النبيل المفعم بقدر غير قليل من البساطة والرّقة.
    هذا البورتريه لا يختلف كثيرا عن بقيّة أعمال دافنشي التي رسم فيها نساءً. فالملامح الفيزيائية تكاد تكون واحدة تقريبا وهي سمة تختصر مفهوم الفنان الخاص عن الجمال الأنثوي خلال عصر النهضة الايطالي. فالأنف دقيق وحادّ والشفاه رقيقة والجبين عريض وناتئ قليلا، بالإضافة طبعا إلى المسحة التأمّلية الهادئة والبسمة الخفيفة والغامضة.
    في العديد من بورتريهات ليوناردو نلمس حضورا قويا للنساء، وقد كانت له فلسفته الخاصّة عن المرأة إذ كان يرى أنها كائن عاقل وأنها من الناحية البيولوجية والفكرية مكافئة للرجل. وكانت أفكاره تلك تشكّل تحدّيا لأعراف المجتمع الأبوي آنذاك الذي لم يكن يعترف بأيّ دور للنساء في السياسة أو المجتمع.
    "لاسكابيلياتا" دافنشي كانت وما تزال تثير اهتمام الكثير من النقاد ومؤرخي الفن.
    وبعضهم يرجّح أن يكون دافنشي رسمها كي يعكس من خلالها تأمّلاته حول تجاربه عندما كان شابا.
    كما أن الطابع التأمّلي العميق في اللوحة دفع نقّادا آخرين للقول إنها أكثر أعمال الفنان تسامياً ونبلا. بل إن البعض يذهب إلى القول إنها أكثر سموّاً حتى من الموناليزا. وقد رسمها ليوناردو بطريقة احترافية بارعة تؤهلها لان تعمّر طويلا متحدّية كلّ عوامل النسيان والتقادم.
    الجدير بالذكر أن هذه اللوحة اكتسبت شعبية جماهيرية إضافية عام 1998 عندما وظّفت في الفيلم السينمائي المشهور Ever After الذي تظهر فيه بطلة الفيلم درو باريمور في بورتريه تتّخذ فيه شكل ووضعية المرأة في بورتريه دافنشي.

  8. #18
    من اهل الدار
    حۑډرۑ آڵھٍۅى
    تاريخ التسجيل: February-2013
    الدولة: بغداد
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 29,649 المواضيع: 4,213
    صوتيات: 313 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 39180
    مزاجي: الحمد الله
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: طبخ الوالدة
    موبايلي: Galaxy S8
    آخر نشاط: منذ 43 دقيقة
    مقالات المدونة: 53
    جميل جدا موضوعك صديقنا
    ينقل للقسم المناسب لتفاعل الاعضاء معه
    تحياتي

  9. #19
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة
    المـأســاة
    للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو، 1903



    اتسمت مرحلة بيكاسو الزرقاء بغلبة اللون الأزرق على لوحاته. وأصبح الأزرق، بفضل توظيف بيكاسو له، رمزا للوحشة والحزن والخواء وأحيانا للتأمّل الصامت.
    كان الفنان يمزج اللون والمزاج معا بنمط معيّن من الشخصيات التي كان يتعاطف معها، كالمتسوّلين والمنبوذين والمشرّدين والسكارى ولاعبي السيرك والباعة المتجوّلين وبائعات الهوى وغيرهم من الفئات الاجتماعية المسحوقة والمهمّشة.
    ولوحات بيكاسو في المرحلة الزرقاء تعتبر من أجمل ما رسم، رغم كونها مجلّلة بالمعاناة والخيبة والحزن.
    في "المأساة" يرسم بيكاسو ثلاثة أشخاص، رجل وامرأة وطفل، وهم يقفون على شاطئ البحر. اللون الأزرق، هنا أيضا، يحدّد طبيعة المزاج والمشاعر.
    الأشخاص الثلاثة قد يكونون أفراد عائلة واحدة، رغم أن هذا ليس مؤكّدا. غير أن من الواضح أن المنظر يعكس شعورا بالحزن وربّما الفجيعة.
    من الأشياء اللافتة في اللوحة أن الفنان بالغ في رسم نسب الشخوص وجعلهم يغطون كامل مساحة اللوحة تقريبا.
    الطفل يبدو وكأنه الشخصية المركزية في هذه اللوحة. يده الممتدّة إلى الرجل ونظراته التائهة تعطي إحساسا بحاجته للتعاطف والسلوان. وقد تكون حركة يديه تعبيرا عن حاجته للدفء الإنساني.
    في اللوحة، ثمّة إحساس واضح بالفقد. لكن طبيعة المأساة ليست واضحة. قد تكون مرضا، موتا، جوعا، أو كارثة طبيعية ما. لكن لا شيء مؤكّد.
    الرجل يبدو منسحبا وغير مكترث بما يجري. تعابيره توحي بأنه يريد إبعاد نفسه عن لمسة الطفل ونظرات المرأة.
    ويُحتمل أن يكون ردّ فعل الرجل غير المبالي انعكاسا لشعوره بالذنب أو تأنيب الضمير.
    المرأة تعطي ظهرها للناظر ولا يظهر منها سوى جانب واحد من وجهها. كما أن نظرها مركّز إلى أسفل.
    هل في هذا ما يشير إلى أنها تلوم الرجل وتعتبره مسئولا عما حدث؟
    من الواضح أن الثلاثة فقراء، إذ يبدون حفاة الأقدام ويرتجفون من البرد كما أنهم غارقون في الحزن.
    لا يبدو واضحا لماذا رسم بيكاسو اللوحة وما الذي كان يقصده من ورائها.
    هل "المأساة" هي الإحساس بالوحدة والحزن الذي يجعل كلّ واحد من الثلاثة يشعر بأنه منفصل عن الآخرين ومستغرق في همّه الخاص؟
    بعض النقاد يشيرون إلى أن "المأساة" رُسمت فوق لوحة أخرى وأن في تفاصيل اللوحة ما يوحي بأن بيكاسو استبدل باللوحة لوحة أخرى مخبّأة تحت سطحها.
    المعروف أن الرمزيين سبقوا بيكاسو في استخدام لون واحد لخلق مزاج أو انفعال معيّن. ويسلر ومونيه وسيزان أيضا رسموا لوحات ذات لون واحد.
    ومثل هذه الصور كانت تروق كثيرا للشعراء الرمزيين مثل بول فاليري الذي كان شاعر بيكاسو المفضّل.
    "المأساة" تبدو لوحة كئيبة وحزينة. وهناك من يعتبرها دراسة بصرية مثيرة عن الحزن.
    بيكاسو نفسه كان يعتقد أن الفنّ هو الابن الشرعي للحزن وأن المعاناة شيء أساسي في الحياة.
    وعندما كان في أوائل العشرينات من عمره، كان بيكاسو شخصا فقيرا ومكافحا. ويقال انه بسبب الفقر كان يحرق لوحاته ليتدفّأ بنارها.
    ويبدو أن هذا سرّ تماهيه وتعاطفه الشديد مع المنبوذين والتعساء الذين كان يرسمهم.
    لوحات المرحلة الزرقاء تتضمّن الكثير من المشاعر الإنسانية. وهي ترمز لحالة بيكاسو التعيسة آنذاك. وربّما أراد أن يقرن حال الفنان بحال الشخص المنبوذ، باعتبار مكانة الفنان المتدنّية اجتماعيا في ذلك الوقت.
    وقد يكون اللون الأزرق قدّم لـ بيكاسو العزاء والراحة وحماه من بعض الانفعالات التي لم يكن قادرا على كبحها أو التعامل معها وسمح له بأن يحزن فنيّا وأن يتعافى من حزنه بعد ذلك.
    بدأت مرحلة بيكاسو الزرقاء بموت اقرب أصدقائه الذي حاول التقرّب من إحدى الفتيات وعندما صدّته قتلها وقتل نفسه. وقال بيكاسو في ما بعد: كان التفكير في ذلك الصديق هو ما دفعني لكي أرسم بالأزرق".
    الجدير بالذكر أن "المأساة" وظفت في احد الإعلانات التي تحذّر من مخاطر مرض نقص المناعة المكتسبة أو "الايدز".

  10. #20
    من أهل الدار
    الانبار فلوجة

    عـازف الغيتـار العجـوز
    للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو، 1903


    لوحة شهيرة أخرى رسمها بيكاسو خلال ما ُعرف بالمرحلة الزرقاء (1901 – 1904).
    في الفترة التي سبقت المرحلة الزرقاء، كان بيكاسو يركّز على رسم الأزهار مستخدما ألوانا قاتمة.
    وفي المرحلة الزرقاء اصبح اللون الأزرق يطغى على اللوحات التي رسمها الفنان في تلك الفترة.
    وقد تباينت التفسيرات عن سبب اقتصار بيكاسو على الرّسم بذلك اللون تحديدا، لكن اقرب تلك التفسيرات إلى المنطق هو أنه أراد من خلال استخدامه ذلك اللون بالذات تصوير الحالة النفسية التي كان يمرّ بها آنذاك. وهي مزيج من الحزن والسوداوية والبرود، نتيجة ظروف عدّة عاشها بيكاسو كان من أهمّها انتحار أحد أصدقائه المقرّبين.
    أما الموضوع المهيمن على لوحات المرحلة الزرقاء فقد كان حياة الفنان نفسه الذي كان يعاني النبذ والعزلة، وقد كان يرى ذاته في صور الفقراء والمتسوّلين الذين كان يرسمهم.
    لوحات بيكاسو في المرحلة الزرقاء كانت، بمعنى ما، تلخيصا لحياة الفنان نفسه. إذ كان يعاني الفقر والحزن، كما كان واقعا تحت تأثير ابتعاده عن عائلته في برشلونة. ولوحاته في تلك الفترة تشي بتعاطفه العميق مع المنبوذين والفقراء والمكفوفين وذوي العاهات، وباختصار كل من يعيش على هامش الحياة.
    ولوحة "عازف الغيتار العجوز" توفّر نموذجا ممتازا لطبيعة لوحات المرحلة الزرقاء، التي تعمّد فيها بيكاسو رسم شخوص لوحاته بهيئات منكسرة ومشوّهة.
    في هذه اللوحة تمكّن بيكاسو من التعبير ببراعة عن التدهور الجسماني والمعنوي للشخصية موضوع اللوحة. هنا يبدو العازف العجوز الأعمى بملابسه الرثّة وجسده الكليل وهو يعزف على غيتاره بلا اهتمام، وقد اتّخذ وضع جلوس غير مريح وبدا كما لو انه لا ينتظر أيّ عزاء أو إشادة من العالم المحيط به، أو كما لو أن الحياة تسرّبت من جسده الشاحب ولم تعد تعني له شيئا.
    العازف العجوز كان أحد بؤساء المرحلة الزرقاء، أي نفس الفئة التي وجد بيكاسو نفسه متعاطفا مع أفرادها بعيد وصوله إلى باريس لاول مرة وكان عمره لا يتجاوز التاسعة عشرة.
    وقد افرد بيكاسو لهذه الفئة العديد من اللوحات التي تصوّرهم في كافة أشكال الحرمان والبؤس مستخدما اللون الأزرق، الذي اصبح بفضل بيكاسو ومرحلته الزرقاء رمزا للسوداوية والحزن وخلوّ الحياة نفسها من أي معنى أو هدف.








صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 234 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال