صفحة 6 من 11 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 102
الموضوع:

موسوعة... كربلاء الخلود - الصفحة 6

الزوار من محركات البحث: 346 المشاهدات : 7707 الردود: 101
الموضوع حصري
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #51
    ....
    sajaya ruh
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: #ـــالعراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 25,861 المواضيع: 643
    صوتيات: 40 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 41412
    مزاجي: يبحث عن وطن
    أكلتي المفضلة: لا شيء معين
    مقالات المدونة: 46
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Zainab.H مشاهدة المشاركة
    بارك الله بكِ اختي
    وبك عزيزتي زينب

  2. #52
    قويـه ك أإأبـْيے
    تاريخ التسجيل: November-2014
    الدولة: آلُعٍرٍآق آلُمثنﮯ
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 18,230 المواضيع: 491
    التقييم: 3422
    مزاجي: نص نص
    المهنة: لايوجد اي مهنه
    أكلتي المفضلة: ڱڵـه. نعمـه
    موبايلي: j7
    آخر نشاط: 27/May/2020
    مقالات المدونة: 14
    احسن الله لكي عزيزتي

  3. #53
    ....
    sajaya ruh
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كبرياء مراهقه مشاهدة المشاركة
    احسن الله لكي عزيزتي
    للجميع أن شاء الله
    منورتني غاليتي

  4. #54
    ....
    sajaya ruh
    هذا ما نفهمه من مقولة (هيهات منّا الذلّة)


    بداية نقول : أنّ أيَّةَ مقولة تُوضع لتكون شعارًا يردّدُ في مناسباته الخاصة ، وخاصة تلك التي تُوضع لتُرَدّد في لحضات المِحَن المؤلمة والإبتلاءات الموجعة ، والتي تَتَمَحَّصُ فيها أفئدة الرجال وقلُوب النساء ، لا تكتسب معانيها فقط من المعنى الذي توضع له ألفاظ المقولة أو الشِعار ، فقد تكون ألفاظ المقولة المؤثرة تحمل معاني بسيطة .
    بل إنّ الشعارات التي تؤثر في قلوب وأفئدة من يرفعها ويؤمن بها ، تكتسب معانيها المؤثرة من المعاني التي تحكم الواقع الذي كان يعيشه صاحب المقولة حين نطقه بمقولته ، لأنّها تصبح عند ذلك عِبَارة عن موقفٍ ، لا فقط شعار يُرفع ، وكذلك تكتسب معانيها ممّا عليه صاحب المقولة نفسه .
    فلو عدنا إلى مقولة " هيهات منّا الذلة " والتي توطنت وتتردّدت في قلوب وعلى ألْسُن الأحرار لأكثر من ألفِ سنة ، سنجد أنّ تردّدها على الألْسُن وكذلك تَرَسُّخها في قلوب الملايين من الأحرار عبر القرون الطويلة ، لم يكن أمرًا عبثيًا .
    بل إنّ تحليل واقع وحال من رَدَّدَ هذه المقولة ، يقودنا إلى حقيقة أنّ هذه المقولة حافظت على بقائها واستمرار تأثيرها في قلوب الأحرار بسبب ارتباط عنصرين مهمين بها :
    العنصر الأول : هو حقيقة ما يمثّله صاحب هذه المقولة من قيم انسانية وإيمانية .
    العنصر الثاني : هو تلك المعاني التي حَفَّت الواقع الذي دفع صاحب المقولة لقول مقولته .
    وقبل الحديث في هذين العنصرين ، ننقل جزءًا من الخطبة التي ذكرت فيها هذه المقولة ، كما نقلها جمهور المسلمين من السنّة والشيعة :
    فقد أخرج " أبو موفق الخوارزمي " في كتابه " مقتل الحسين (عليه السلام) " ، وكذلك نقل لنا " ابن طاووس " في كتابه " مقتل الحسين (عليه السلام) " ، الخطبة التي ذُكرت فيها مقولة " هيهات منّا الذلة " ، والتي صدح بها حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأصغر الإمام الحسين (عليه السلام) ، ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، و ابن فاطمة الزهراء (عليه السلام) بنت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) .
    في اليوم العاشر من محرم الحرام ، وهو في " كربلاء " مع بضعة عشرات من أهل بيته (عليه السلام) وبعض الأصحاب ، وهم يواجهون الألوف ممن باعوا دينهم لأجل دنياهم ، ولأجل طاعة الحُكَّام الفُسَّاق من بني أميّة ، الذين هتكوا حُرمة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) طمعا بالملك ، وابتدعوا في دين الله ما لم يسبقهم إليه أحد ، وهي :
    أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ ، قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ : بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ ؛ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ ، يَأَبَى اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَـامِ عَلَى مَصَـارِعِ الْكِرَام ( راجع كتاب مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 9 و10 ، وكتاب مقتل الحسين لابن طاووس ص 59 ) .
    ومن هنا نجد أنّ حقيقة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وما يمثّله من قيم سامية، لا تُفهم فقط من جهة كونه حفيد نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) ، ومن كونه ابن من ربّاه الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وابن بضعة رسول الله فاطمة الزهراء (عليه السلام)، وكونه من أهل بيت الرسول (عليه السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
    بل إنّ هذه القرابة العظيمة ،تكشف لنا في الواقع عن حقيقة البيئة والأسرة التي نشأ وتربَى فيها (عليه السلام) ، والتي نسلّم جميعنا بأنّ البيئة والمربّي هما قوام تشكل شخصية الفرد .
    إذن فهذا العبد المؤمن الصالح ، والعزيز الأَبِيُ ، قد باشر تربيته وراقب نشأته ، أفضل الخلق وأكملهم في هذه الأمّة ، وعليه فلا يبقى مجال للمقارنه بينه ، وبين من نشأ وتربى في بيئة الكفر والخُبث ومحاربة الإسلام ، كما هو حال " يزيد بن معاوية " و " زياد ابن أبيه " و " عمر بن سعد " .
    كما أنّ المواقف التي كشفت عنها مقولاته في " كربلاء " وكذلك سيرته ، تدحض كلّ وجوه المقارنة بين الإمام الحسين (عليه السلام) ، وغيره من البشر .
    وكذلك الواقع الذي عاشه الإمام الحسين (عليه السلام) ، حين قال مقولته " هيهات منّا الذلة " ، لا يترك لنا مجالاً لمقارنته (عليه السلام) بغيره ، ممن وقف لمواجهة الظلم والفسق ورفض الذلّة والمهانة عبر التاريخ البشري ، وهذا ما سنبيّنه في السطور القادمة.
    أمّا العنصر الثاني فنستوعبه عندما نعلم ، أنّ رجلا كالإمام الحسين (عليه السلام) ، وبعد أنّ ذاق مرارة الغدر في أعلى دراجته ممن كاتَبوه وطلبوا منه النصرة، وكيف لا وقد ترتّب على هذا الغدر شهادته مع أهل بيته (عليه السلام) وخُلّص أقاربه و أصحابه ، بل وسبي نسائه ، وقيادتهن من العراق إلى الشام مقيّدين كما تُقيّد العبيد بِسلاسلِ الحديد .
    وكذلك تجرّع ألم ووجع المسؤولية في أبشع صورها ، وكيف لا يكون كذلك ، وهو بعد أن حوصر في الصحاري مع نسائه الذين هم حرائر بيت النبوة ، وأطفاله الذين هم بقيّة من ذريّة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، وقلّة من أقاربه وأصحابه الخُلّص لربّهم ، وهو يشاهد بأمّ عينه ، أطفاله وأهله يفترشون الأرض وشفاههم قد تشقَّقَت وحناجرهم جفَّت من العطش الذي جَفَّت معه صدور المرضعات من أهل بيته ، وخمد معه بكاء الأطفال ، ونهر الفرات لا يبعُد عنه مَرمى سهمٍ ، لا لشيء إلا لأنّ هناك حاكمًا فاسقًامن بني أميّة ، قد أمر شذّاذ المطالب والأماني وعبّاد زيف الدنيا وحطامها ، بمنع الماء عنه وعن مَن معه ، ليدفعهم للخضوع له والنزول عند حكمه الفاسد .
    فرجل مثله (عليه السلام) ، وبعد أن يعيش فوقَ أوجاعه وألمه ، كلّ هذه المرارات وهذه الآلام والأوجاع ، ثمّ يواجه ابتلاءات موته وموت أطفاله وأهل بيته وأصحابه ، بل ويواجه أصعب الإبتلاءات والمِحنِ التي يمكن أن يتعرّض لها إنسان ، وهو ألم ومرارة سبي نسائه الذين هم أطهر نساء الأمّة .
    فرجل مثله(عليه السلام) ، وبعد أن خُيّر من قِبَل شخص ، وكما حكى لنا التاريخ ، أنّه ابن سِفاح وزنا وهو " زياد ابن أبيه " ، بعد أن خيّره بين أنّ يخضع ويخنع لحُكم " يزيد بن معاوية " الفاسد الفاسق الفاجر ، وبين أن يواجه الموت هو ومن معه ، ويواجه ما يترتب على ذالك من سبي للنساء .
    فأجاب قائلا : { أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ } أي أنّ ابن من لا يعرف له أب ، { قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ } بمعنى أنّه استقرّ حكمه علينا بخيارين ، { بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ } أي بين استلال السيف والمواجهة حتّى الموت أو الذلّة له ولمن يقف خلفه ، { وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ } فلفظة هيهات تفيد معنى النفي في أعلى مراتبه ودرجاته ، وهي بمعنى يستحيل أن تكون لنا الذلّة .
    { يَأَبَى اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } هنا بدأ يذكر السّببَ وراء أن الذلّة ليست له (عليه السلام) ، فإنّ الله الذي خلقه وخلق الخلق ، يرفض أن تكون الذلّة من نصيبه ، بل قدّر أن لا تكون له ، وكذلك نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله) ، فرفض المولى تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله) يعني تكليف شرعي ، ومن كان مؤمنا حقَّا كذلك يرفض لنا أن نختار الذلة .
    { وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ } ، بل يبيّن فوق ذلك ، أنّ كل إنسان تربى في حجر طيب وطاهر ، بحيث تحقّقت فيه انسانية الإنسان ، وكل من كان له حميّة على عرضه وشرفه ، وكل من كانت نفسه أبيّة على قبول الذلّة والمهانة ، يرفض لنا أن نقدّم طاعة اللئام - وهم الذين يبيعون الشرف والعرض ويفعلون كل الرذائل في سبيل تحصيل بعض مكاسب الدنيا - ، على مِيتَةِ العباد الكرام .
    وبمعنى آخر أن الذين بلغوا درجة تحقيق إنسانيتهم ، وإن كانوا من غير دين الإسلام ، الذين هم عندهم حميّة على الشرف والعزّة والكرامة والعرض ، وأصحاب النفوس الأبيّة عن الذلّ ، لا يرضون لنا ، أن نختار طاعة اللئيم ، في سبيل الهروب من الموت الكريم ، الذي هو الموت رفضا للذلّة ، وهو ما نعبّر عنه بالشهادة .
    وخلاصة كل هذا :
    أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ، يريد أن يوصل لنا من خلال ما ترجمه من موقفٍ ، والذي تكشفه لنا مقولته " هيهات منا الذلّة " المفيدة لمعنى الرفض البات للذلّة ، أنّه مهما واجهتنا من آلام ومن أوجاع ، ومهما كانت مرارة النتائج التي ستؤدي إليه المواجهة ، ومهما بلغت معاناتنا الجسدية والشعورية النفسية ، لا بد أن يكون موقفنا هو نفس الموقف الذي تعبّر عنه مقولة "هيهات منّا الذلّة " .
    وأيضا يريد أن يعلمنا أنّه على العبد المؤمن ، وعندما يواجه العدو اللئيم الجائر ، وهو على طريق الحقّ ، أن لا يختار أبدا طريق الرضوخ له والخنوع ، لأنّ الله عزّ وجل يُحرّم علينا هذا الخيار ، والرسول (صلى الله عليه وآله) كذلك يأبى لنا أن نختار الذلّة على الشهادة ، و المؤمنون مع أحرار العالم يرفضون لنا ذلك ، ففي الخضوع والرضوخ هروبًا من الموت الكريم الذي هو الشهادة، خسارة في الدنيا بما يترتب عليها من خِزيٍ وعار ، وخسارة في الأخرة بالذلّة والمهانة.
    والحمد لله رب العالمين
    الكاتب / السيد حبيب المقدم

  5. #55
    من المشرفين القدامى
    ^_^
    تاريخ التسجيل: September-2014
    الدولة: بغداد
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 38,683 المواضيع: 6,944
    صوتيات: 16 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 11582
    مزاجي: الحمد الله
    أكلتي المفضلة: الدولمة
    موبايلي: ون بلاس
    مقالات المدونة: 3
    وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته

    بارك الله بيج أختي العزيزة
    الله يجعلهة بميزان حسناتك
    يارب
    أن شاء الله متابعة
    ومشاركة
    بأذن الله

  6. #56
    ....
    sajaya ruh
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة * نجمة النجوم* مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته

    بارك الله بيج أختي العزيزة
    الله يجعلهة بميزان حسناتك
    يارب
    أن شاء الله متابعة
    ومشاركة
    بأذن الله
    يبارك بعمرج تسلمين غاليتي
    تسعدني وتشرفني مشاركتكِ ومروركِ غاليتي بأي وقت أهلا بكِ عزيزتي
    كل الود والتحايا لكِ

  7. #57
    ....
    sajaya ruh

    لماذا لابدّ من إحياء حادثة قد مر عليها ما يناهز 1360 عاماً ؟ ولماذا لابدّ من إقامة مراسم الإحياء لهذه الذكرى؟ إنها حادثة تاريخية قد تقادم عليها الزمن ، وسواء أكانت مرة أم حلوة فإنها قد انتهت؛ فلماذا بعد مرور ما يقرب من أربعة عشر قرناً نلجأ إلى إحياء ذكرى هذه الحادثة ونقيم مراسم لذلك؟
    إنّ الجواب على هذا السؤال ليس عسيراً جداً؛ لأنه من الممكن أن نبيّن لأيّ شاب أن الحوادث الماضية في كل مجتمع يمكن أن تكون لها آثار ضخمة في مصير ذلك المجتمع ومستقبله، وإحياء تلك الحوادث هو في الواقع لون من إعادة النظر والصياغة الجديدة لتلك الحادثة حتى يتيسر للناس أن ينتفعوا منها، فإذا كانت الحادثة نافعة عند حدوثها، وكانت منشأ لآثار طيبة وبركات كثيرة فإنّ إعادة النظر إليها وإعادة صياغتها يمكن أن تكون منشأ لكثير من المنافع.
    وعلاوة على ذلك فقد اعتادت المجتمعات البشرية على أن تقوم بإحياء حوادث الماضي بشكل من الأشكال، وأن تجلّها وتضفي عليها ألواناً من الاحترام والتقدير، سواء أكانت تلك الحوادث متعلقة بأشخاص كان لهم دور مؤثر في رقي مجتمعاتهم كالعلماء والمكتشفين أم كانت متعلقة بأشخاص تميّزوا بدور حساس في تحرير أممهم من الناحية السياسية والاجتماعية وأصبحوا أبطالاً وطنيين.
    إنّ جميع العقلاء في العالم يحيون ذكريات مثل هذه الشخصيات البارزة، ويحصل هذا الأمر حسب واحدة من أقدس الرغبات الفطرية التي أودعها الله سبحانه في أعماق جميع الناس، ويعبر عنها بـ "حس الاعتراف بحق الآخر أو الاعتراف بالجميل للآخر" فهناك رغبة فطرية موجودة في أعماق جميع الناس وهي تدفعهم للاعتراف بحق من أسدى إليهم خدمة، وعليهم أن يتذكروها ويحترموا ذكراها، وبذلك ستكون الأفعال العظيمة لتلك الشخصيات قد تجددت.
    ولما كنّا نعتقد أن وقعة عاشوراء كانت حادثة عظيمة في تاريخ الإسلام، وكان لها دور مصيري في سعادة المسلمين وتبيين سبيل الهداية للناس؛ لهذا أصبحت تلك الواقعة ذات قيمة عظيمة عندنا، ويغدو إحياؤها وتذكّرها وإعادة صياغتها أمراً لا يمكن التفريط به؛ لأن بركات ذلك ستشمل مجتمعنا المعاصر.
    ويتلخص الجواب على هذا السؤال بأن البحث حول شخصية سيد الشهداء (عليه السلام) ، وتنظيم الندوات والمحاضرات، وكتابة المقالات وأمثال هذه الأعمال الثقافية والعلمية هي أمور نافعة وضرورية وتجري في مجتمعنا ببركة إقامة العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام) إذ يحصل من خلال إقامة العزاء البحث والتحقيق حول هذه الأمور ويستفيد الناس معارفاً قيّمة في هذا المجال.
    إنّ هذه النشاطات ضرورية في مجالها ولكن هل هي كافية لكي ننتفع بشكل كامل من حادثة عاشوراء؟ أم هناك أمور أخرى ضرورية ـ أيضاً ـ مثل إقامة العزاء في مجاله الخاص؟
    إنّ الجواب على هذا السؤال يتوقف على القيام بتحليل نفسي للإنسان لمعرفة العوامل المؤثرة في سلوكه الواعي.
    وهل أن المؤثر في سلوك الإنسان هو عامل المعرفة فحسب، أم هناك عوامل أخرى تؤثر في بلورة هذا السلوك؟
    عندما نتأمل في سلوكنا ندرك أنّ هناك - على أقل تقدير - طائفتين من العوامل تنهض بالدور الرئيسي في هذا المضمار:
    الطائفة الأولى: عوامل المعرفة، ويكون تأثيرها من بعد أن يفهم الإنسان شيئاً ويتقبله، ومن البديهي أن يستدل على الموضوع المطلوب بما يتناسب معه من الأدلة، فإن كان الموضوع عقلياً ـ كما في الفلسفة ـ استدل عليه بأدلة عقلية، وإن كان الموضوع تجريبياً ـ كما في الكيمياء والفيزياء ـ استدل عليه بأدلة تجريبية و... إلخ.
    ومن الواضح جداً أن للمعرفة تأثيراً كبيراً في سلوكنا ولكنها ليست هي العامل الوحيد بل هناك عوامل أخرى لعل تأثيرها في سلوكنا أكبر من عامل المعرفة.
    وتسمى هذه العوامل بـ(الدوافع أو الأحاسيس أو العواطف أو الميول أو الرغبات) إنّها مجموعة من العوامل الباطنية النفسية المؤثرة في سلوكنا.
    كلما قمت بتحليل سلوكك ـ سواء أكان السلوك المتعلق بالحياة الفردية أم الحياة العائلية أم الحياة الاجتماعية أم الحياة السياسية ـ ؛ فستلاحظ أن الأمر الأساسي الذي دفعك للقيام بذلك السلوك هو هذه البواعث والعوامل المحركة.
    ويوجد في هذا المجال تشبيه لطيف حيث يشبه السلوك الإنساني بالسيارة التي تسير في ظلمة الليل فهي تحتاج إلى عاملين لتتحرك:
    أحدهما الطاقة الميكانيكية للسيارة حتى تتيسر لها الحركة بواسطتها، والعامل الآخر هو أنه لابدّ للسيارة أيضاً من مصباح يُضاء به الطريق حتى لا تقع السيارة في المطبات والحفر والمزالق الخطيرة.
    فلو فرضنا أن السيارة تتحرك في تلك الأجواء فحتى لو كانت ماكنتها تعمل بشكل جيد وتنتج طاقة ميكانيكية كافية فإن سائقها اذا لم يرَ الطريق فلعله يواجه مخاطر عظيمة ويتعرض لحادثة قد تودي بحياته مع جميع الركاب.
    وكذا الأمر في سلوك الإنسان فهو بحاجة إلى لونين من العوامل.
    أحدهما: لابدّ من توفره في أعماقه حتى يبعثه ويحركه ويوفر له الرغبة في الفعل كي يشتاق إليه يوماً ويقوم به.
    والثاني: لابدّ أن يعرف لماذا يجب القيام بهذا الفعل؟ ما الفائدة من هذا الفعل بالنسبة إليه؟ وكيف ينبغي إنجازه؟
    إنّ هذه الأسئلة وأمثالها هي من جملة عوامل المعرفة.
    ؛ فعلينا ـ إذن ـ أن نتأمل في مثل هذه العوامل ونتعرف عليها إما عن طريق التجربة وإما عن طريق الاستدلال.
    ومن الضروري الرجوع إلى المصادر المناسبة للفعل الذي نريد القيام به ؛ لكي نظفر بالمعارف اللازمة [أي العامل الأول]، لكن المعرفة وحدها غير كافية لدفعنا نحو الحركة، وإنما نحن بحاجة إلى عامل نفسي آخر ليبعثنا نحو ذلك الفعل ويقودنا إلى إنجازه، ومثل هذه العوامل يطلقون عليها اسم الدوافع النفسية، ولها أسماء أخرى كالأحاسيس والعواطف وغير ذلك.
    فلو عرف الإنسان بصورة يقينية أن غذاءً ما مفيد لجسمه فإنه لن يندفع لتناوله ما لم تتحرك الرغبة في نفسه لذلك الغذاء ويشتهيه، فلو فرضنا أن الرغبة قد انعدمت عند شخص أو أنه ابتلي ـ والعياذ بالله ـ بمرض لا يكون معه راغباً في شيء،فمهما قيل له إن هذا الغذاء نافع لجسمك فإنه لا يتحرك لتناوله.
    إذن إضافه إلى المعرفه لابدّ من وجود الرغبة والدافع في أعماق الإنسان.
    والقضايا الاجتماعية والسياسية لها نفس هذا الحكم، فحتى لو عرف الشخص أن هناك حركة اجتماعية حسنة ونافعة فإنه لا يتحرك نحوها ما لم يكن هناك دافع للقيام بتلك الحركة، وحتى لو صرح ذلك الشخص نفسه بأن القيام بهذه الحركة حسن لكنه لابدّ له من دافع وعامل يحركه للقيام بذلك الفعل.
    ثم بعد أن عرفنا وسلمنا بأن السلوك والحركات الإنسانية الواعية تحتاج إلى طائفتين من العوامل إحداهما عوامل المعرفة والثانية عوامل العواطف والأحاسيس، وبعد أن عرفنا مدى ما لحركة سيد الشهداء (عليه السلام) من دور مهم في سعادة الناس؛ فإننا سنلتفت إلى أن المعرفة وحدها لا تحقق فينا الحركة، ومعرفة تلك الوقعة وتذكرها لا تقودنا إلى فعل مشابه لفعل الإمام الحسين (عليه السلام) ، ولا تحملنا على اقتفاء أثره إلا إذا تحقق في أنفسنا الدافع ثم على أساسه نغدو مشتاقين للقيام بما يشبه ذلك الفعل.
    إذن تحقق مثل هذا الأمر يحتاج إلى طائفتين من العوامل.
    جلسات البحث والتحقيق والخطابة توفر لنا الطائفة الأولى من تلك العوامل أي إنها تزودنا بالمعارف اللازمة لكن لابدّ لنا من الطائفة الثانية حتى يتم من خلالها تنمية العواطف وتقوية المشاعر، ومن الواضح أن للمعرفة ذاتها دوراً في تذكر ودراسة الواقعة لكن الدور الأساسي تنهض به الأمور التي لها تأثير مباشر على العواطف والمشاعر، ويلاحظ ذلك عندما تعاد صياغة مشهد معين ويتأمل المرء في ذلك المشهد عن كثب فإن هذا يختلف كثيراً عمّا لو اكتفى بسماعه فقط.
    ونستطيع نحن تجربة هذا الأمر بأنفسنا إذ نجد اختلافاً كبيراً بين شيء عرفنا أنه قد تحقق أو سيتحقق لكننا لم نشاهد وقوعه، وشيء شاهدنا بأعيننا تحققه فمثلاً نحن نعلم جميعاً بوجود أناس كثيرين محرومين في هذه المدينة ولكن رؤية إنسان محروم يعيش حالة مثيرة للشفقة يمكنها أن تترك فينا أثراً لا يمكن أن تتركة المعرفة المجردة عن النظر والمشاهدة. عندما يشاهد الإنسان حالة مريض أو طفل يتيم مثيرة للرقة فإن هذه المشاهدة تترك أثراً في روحه لا تتركها المعرفة لوحدها.
    إنّ هذا الموضوع يمكننا تجربته في حياتنا ويمكننا أيضاً أن نلاحظه في المصادر الدينية.
    وفي هذا المضمار نشير إلى قصة واردة في القرآن الكريم تصلح أن تكون مثالاً على ما ذكرناه:
    فنحن نعلم أن النبي موسى (عليه السلام) قد دُعيَ من قبل الله تعالى إلى جبل الطور ليعبد الله تعالى هناك، وقيل لقومه:
    إنّ موسى (عليه السلام) سيبقى هناك شهراً من الزمان، لكن إرادة الله سبحانه قد اقتضت أن يبقى هناك أربعين يوماً، يقول تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} (1).
    ولم يكن بنو إسرائيل عالمين بهذه الليالي العشر الإضافية، وقد كان هذا اختباراً لهم ليتبيّن مدى تمسكهم بإيمانهم.
    ولما انتهت الليالي الثلاثون جاء بنو إسرائيل إلى هارون (عليه السلام) ـ وهو خليفة موسى (عليه السلام) ـ وسألوه عن سبب عدم عودة أخيه؟ فأجاب بأننا منتظرون وسيعود سريعاً، وفي اليوم التالي لم يعد موسى (عليه السلام) ، فكرروا السؤال عنه، وبدأ هاجس الخوف يلوح عندهم بالأفق؛ فظنوا أن تأخر موسى يعني أنه تركهم وذهب إلى حال سبيله؛ فاستغلّ السامري هذه الفرصة فصنع لهم عجلاً ودعا الناس إلى عبادته قائلاً: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} (2).
    لقد خدعهم مدعياً أن هذا العجل الذي صنعه لهم هو إله موسى الذي دعاه للمناجاة في جبل الطور والذي بعث موسى بالرسالة إلى الناس، فوقع كثير من بني أسرائيل ساجدين لهذا العجل وراحوا يعبدونه.
    فأوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) مخبراً إياه بما جرى لقومه ـ بني إسرائيل ـ وأنهم قد عبدوا العجل خلال غيبته عنهم في هذه الليالي العشر، وقد سمع موسى (عليه السلام) بهذا النبأ ولكنه لم يبد رد فعل عليه.
    انتهت الليالي الأربعون وعاد موسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل وهو يحمل الألواح السماوية التي أُنزلت عليه لكي يدعو الناس إلى طاعة الله تعالى والعمل بالشريعة النازلة إليهم فعندما حضر موسى (عليه السلام) بينهم ونظر إليهم وهم يعبدون العجل تغيّر وضعه واستولى عليه الغضب، قال تعالى في ذلك: {وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} (3).
    إذ سأل أخاه هارون معترضاً عليه قائلاً : لماذا سمحت للناس أن يسلكوا سبيل الضلال: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (4).
    ولا نحتاج هنا إلى إكمال بقية القصة؛ لأن شاهدنا هو هذا القسم، ومنها يعلم الفرق الكبير بين العلم لوحده وبين المشاهدة.
    إنّ الله سبحانه كان قد أخبر موسى (عليه السلام) بما جرى على قومه من عبادة العجل، ولم يكن لدى موسى (عليه السلام) أدنى شك في حدوث ذلك؛ لأن المخبر هو الله تعالى أصدق الصادقين وعندما سمع بذلك الخبر لم تبد عليه آثار الغضب لكن لما شاهد ما جرى بأم عينيه أبدى تأثره بالصورة المذكورة.
    فما نبتغيه هو بيان الفرق بين المعرفة والمشاهدة.
    إنّ الله سبحانه قد خلق الإنسان على هيئةٍ بحيث يتأثر بالشيء الذي يراه تأثراً لا يمكن أن يحصل من خلال سماعه لذلك الشيء أو علمه به.
    فإذا قمنا نحن بإعادة صياغة بعض مشاهد يوم عاشوراء ـ سواء أكان ذلك في الإطار التقليديّ أم باستخدام الأساليب الحديثة ـ وأخرجناها بصورة تمثيل أو فيلم يجسم للناس أحداث ذلك اليوم الرهيب فإن لهذه المشاهد آثاراً لا تدانيها آثار الأقوال والمعلومات التي تعكس نفس الموضوع.
    وقد جرب أكثرنا نماذج لهذا الموضوع مراراً في حياته فسمع حوادث عاشوراء مكررة واستقرت في ذهنه، وعلم كيف استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) في ذلك اليوم، ولكن هل هذه المعلومات لوحدها تجري الدموع من عينيه؟
    أما إذا حضر أحدنا في مجلس العزاء وبدأ الخطيب يقرأ الرثاء ـ ولاسيما إذا كان الشعر رائعاً والصوت حزيناً واستغرق بصورة جذابة في بيان قصة كربلاء ـ فسوف لا يتمالك نفسه، وسيجهش بالبكاء من دون اختيار؛ إنّ هذا الأسلوب يؤثر في تحريك المشاعر بصورة أكثر بكثير من تأثير الاطلاع والمعرفة، فما يُرى أكثر تأثيراً مما يسمع.
    ومقصدونا من هذه التوضيحات هو أننا علاوة على كوننا لابدّ أن نعرف لماذا نهض الإمام الحسين (عليه السلام)؟ ولماذا استشهد مظلوماً؟ لابدّ أيضاً أن تعاد صياغة هذا الموضوع بشكل أفضل بحيث نسمع تلك الأحداث ونشاهدها لتستثار عواطفنا ومشاعرنا بشكل قوي، وكلما كانت هذه المشاهد أكثر تاثيراً في إثارة مشاعرنا وعواطفنا فإنّ حادثة عاشوراء تصبح أعمق تأثيراً في حياتنا.
    وبناءً على هذا فإن مجرد البحث والدراسة العلمية لواقعة عاشوراء لا يمكن أن يقوم بالدور الذي تقوم به مجالس العزاء؛ فلابدّ من توفير مشاهد في المجتمع تحرك مشاعر الناس مثلاً أن خروج الإنسان من بيته في صباح اليوم الأول من شهر محرم الحرام ومشاهدته السواد قد عمّ شوارع المدينة والأعلام السود قد انتشرت فيها فنفس هذا التغيير في الوضع العام يحرك القلوب ويهزّ المشاعر.
    صحيح أن الناس يعلمون أن غداً هو اليوم الأول من شهر محرم، ولكن لمشاهدة الأعلام السود أثراً في قلوبهم لا يستطيع أن يوجده في أنفسهم مجرد العلم بأن غداً هو بداية شهر محرم، إن تشكيل هيئات العزاء بذلك الحماس الخاص يمكن أن تكون له آثار لا يحققها أي عمل آخر.
    الشيخ مصباح اليزدي / من كتاب نظرة في إحياء مراسم عاشوراء / بتصرف .
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
    (1) سورة الأعراف : الآية 142.
    (2) سورة طه: الآية 88.
    (3) سورة الأعراف : الآية 150.
    (4) سورة طه : الآية 93.

  8. #58
    ....
    sajaya ruh


    أحد الأسباب الرئيسة لقيام الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يكمن في تحرير الإنسان، وكما هو ثابت في علم الاجتماع فإن الإنسان يشكّل وحدة أساسية في بنية المجتمع، فأيّ ضعف يتسرب إليه يؤثر سلباً على الآخرين، ويتضاعف الضعف إذا انعدمت في المجتمع عوامل النهوض، وفي مقدمتها القيادات الحكيمة.
    وقد سعى معاوية إلى اغتيال القيادات الحكيمة بخطط لئيمة، وحيث أفرغ المجتمع الإسلامي من قياداته المتألقة كالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)[1]، والإمام الحسن (عليه السلام)، ومالك الأشتر، وحجر بن عدي، وعمار بن ياسر، وخزيمة ذي الشهادتين، وكثير من الصحابة[2].
    فبات المجتمع الإسلامي قفراً من القيادات وقد أحدث فراغاً كبيراً وفي ضوء هذه الخطة الخبيثة استولى معاوية على سدّة الحكم، واستطاع أن يحكم البلد الإسلامي، ويا للمهزلة.
    وبإزاحة القيادات العملاقة استطاع معاوية أن يكبّل الإنسان المسلم بقيود مهينة، ثم يجهز على شخصيته كي يعيش ذليلاً لا يشعر بمعانيه الإنسانية.
    يقول الكاتب الأستاذ القرشي:«ولم تملك الأمة في عهد معاوية ويزيد إرادتها واختيارها فقد كانت جثة هامدة لا وعي فيها ولا اختيار، قد كبلت بقيود ثقيلة سدت في وجهها منافذ النور والوعي، وحيل بينها وبين إرادتها، لقد عمل الحكم الأموي على تخدير المسلمين وشلّ تفكيرهم، وكانت قلوبهم مع الإمام الحسين (عليه السلام)، إلا إنهم لا يتمكنون من متابعة قلوبهم وضمائرهم فقد استولت عليها حكومة الأمويين بالقهر»[3].
    وقد أصبح المسلم في عهد معاوية ويزيد جثة هامدة لا حراك فيها وهذا أخطر ما يتعرض له الإنسان، فعندما تتلاشى الإرادة لا يملك الإنسان بوصلة التوجيه فلا يهمّه في أيّ فج يكون، ويظلّ الإنسان ينحدر كلما اضمحلت إرادته فيفقد القدرة على المجابهة.
    لقد نهض الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) ليضخّ الكرامة في عروق الأمة كي تستعيد إرادتها؛ فكان لابدّ من حدث كبير يهزّها من الأعماق، ويوقظ فيها الروح الإنسانية، وكما هو واضح في واقع النهضات أنّ الواقع العملي هو الذي يبعث الروح ويبث الحياة في القيم ويوقظ الإحساس عند المجتمع، وبقدر ما يتعمق الواقع في حياة الثوّار تتجلى الآثار بقوة في حركة المجتمع.
    إنّ الواقع العملي وحده يصنع العلاقة بين المجتمع والقيم بالذات إذا كان المجتمع يمرّ بانعطافة خطيرة، لذلك فإنّ الإمام أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) أكّده في حياته، فبرز بشكل واضح وبمعانٍ كبيرة.
    وتجلّت القيم الإلهية في كربلاء بكل إشراقاتها حتى أضحت عنواناً عريضاً يعلو جبين الزمان؛ فالعمل الخالص يظل يرتفع عن كل أشكال النصب والعداء.
    قال تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) [4].
    نعم فإن العمل الصالح يظلّ يرتفع في كل حين حتى يصبح حقيقة وواقعاً حياً، وحجّة على المتقاعسين ومن يتوانى عن نصرة الحق.
    إنّ ثورة كربلاء بقيمها الفذة وواقعها الحي لم تبق حجة لأحد كي يتقاعس ويضنُّ بنفسه وماله، أو يتعلل، فكربلاء أوصدت الباب أمام كل الأعذار، لذلك فإنّ ثورة كربلاء تبقى الحجة الكاملة في كل زمان ومكان حتى قيام الإمام الحجة (صلوات الله عليه) ليقيم بناءه الشامخ على صرحها كي تتكامل الحجج وتأخذ صورتها الحقيقية.
    إنّ ساحة كربلاء أضحت في يوم عاشوراء موئلاً لكلّ القيم الحقّة، فهي كانت على موعد مع قيم البطولة والشهامة والرجولة والعفة والاستقامة.
    حتى قال العقّاد في كتابه (سيد الشهداء الحسين بن علي): «إنّ كل القيم الحقة كانت تتسابق في ساحة كربلاء، فالبطولة كانت في سباق مع الشهامة والرجولة مع الإيثار والجود مع العفة»[5].
    وحتى يعمّق الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) الواقع الحسيني؛ فقد أعطى كل ما يملك من قيم وأخلاق وصفات عالية، فبلغت القمة، وستبقى قيم الإمام الحسين (عليه السلام) تتربّع القمة وتعتلي عرش الفضائل؛ لأن كربلاء هي المحك لقيم الحق والباطل.
    لقد أصبحت مخزناً عظيماً يضخّ العزم والقوة في عروق الأمة، بالذات في الأزمات، وهذا شيء فريدٌ.
    وتظلّ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) تضخّ قيم البطولة ؛ لذلك نقول: إنّ كل من يريد العزّة والشموخ عليه أن يشدّ الرحال إلى كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام) وينهل من نميرها الرقراق ونبعها الثر، ونصيحتي لمن يشكو علة الضعف والإرادة ووهن الشخصية الذهاب إلى كربلاء الحسين (عليه السلام)، وقد رأيت بأم عيني الحسينيين في مواقف البطولة أشد عزيمة، وأمضى جناناً، إنّ الحسينيين لم ولن يعرفوا معنىً للجبن والوهن.
    وتعمّقت قناعتي عندما رأيت الملايين تتجه صوب كربلاء بكل عزم وصلابة، وقد سحقت جميع العقبات، هذا وقد أظهرت الجموع حقيقة مهمة تكمن في نفاذ البصيرة وعمق الإيمان، ألم يقلْ الإمام الصادق (عليه السلام): «كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان،جاهدَ مع أبي عبد الله وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً»[6].
    يقول الشيخ محمد الغزالي: «ليس قيمة الإنسان فيما يصل إليه من حقائق وما يهتدي إليه من أفكار سامية، ولكن في أن تكون الأفكار السامية هي نفسه، وهي عمله، وهي حياته الخارجية كما أنها حياته الداخلية، فالفكر بلا عمل مناقشات بيزنطية، أو بحوث جامعية، أو ألعاب بهلوانية، إنما قوة الفكرة وأحقّيتها بتحويلها إلى عمل ووضعها مع التجربة.
    وإذا اعتقدها الإنسان، فمعناه أن يعمل بها، وإذا دعا إليها، فمعناه أنه جرَّبها في نفسه وبنفسه فوجدَها صالحة، وما عدا ذلك فشقشقة ألفاظ، وملء مجالس، وإظهار تظرّف، ومباهاة بالقوة العقلية، أو القدرة الجدلية، ومقدمة بلا نتيجة.
    إنّ عيب المبادئ السامية كـ(حقوق الإنسان)، و(عصبة الأمم)، و(ميثاق الأطلسي)، و(حماية الأقليات)، و(حقوق الأمم الصغيرة)، و(العدالة الاجتماعية)، ونحو ذلك، إنها أفكار لم ترتبط بالعمل ولم تعبر حقيقة نفس قائلها، وإن عبرت فلم تعبر عن نفس من يملكون تنفيذها، وستظل عديمة القيمة ما لم ترتبط بالعمل»[7].
    الكاتب / الشّيخ حسن الشّمّريّ
    ــــــــــــــــــــ
    [1] سيرة الأئمة الاثني عشر: السيد هاشم معروف الحسني، ج1.
    [2] الإصابة في تمييز الصحابة النصائح الكافية.
    [3] حياة الإمام الحسين (عليه السلام): الشيخ باقر شريف القرشي، ج2/ص278.
    [4] فاطر: ١٠.
    [5] سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام): عباس محمود العقاد.
    [6] شرح الأخبار: القاضي نعمان المغربي، ج3/ص184. عمدة الطالب: ابن عنبة، ص356. سر السلسلة العلوية: أبي نصر البخاري، ص89. مستدركات علم رجال الحديث: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج4/ص350. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، ج7/ص430. مقتل الحسين: أبو مخنف الأزدي، ص173. الأنوار العلوية: الشيخ جعفر النقدي، ص441.
    [7] ركائز الإيمان بين العقل والقلب: الشيخ محمد الغزالي، ص112، دار الاعتصام

  9. #59
    ....
    sajaya ruh
    9


    الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء .

    كانت الجاهلية مسرحا مرعبا تجسدت فيه شريعة الغاب بأفظع صورها فالقوي يأكل الضعيف والغني يستغل الفقير, وليس ثمة سلطة او قانون ينظمان الحياة أو يضمنان لذوي الحقوق حقوقهم, والملاحظ على المجتمع الجاهلي هو الاستقرار التام من ناحية التسليم بهذا الواقع المر, فليس ثمة انتفاضة تذكر للطبقة المسحوقة ضد الطبقة المنتفعة الاستقراطية, فينتج هنا سؤال مهم وهو لماذا؟
    أي لماذا لايبادر الفقراء والمسحوقون بأية ردة فعل ثورية تجاه الطبقة الحاكمة القوية ؟
    إن الجواب يكمن في عاملين كانا قد تواجدا في المجتمع الجاهلي فأدى ذلك الى الاستقرار والتسليم .. والعاملان هما
    1.الارهاب والقوة:
    فماذا يمكن ان يفعل عبد مملوك او فقير مسحوق إزاء القوة التي يملكها سادة مكة او غيرهم من زعماء القبائل ذات الحول والقوة؟
    إن خوف الطبقة المسحوقة منعها من أية انتفاضة وحال بينها وبين اية جرأة على الثورة بوجوه السادة المستبدين
    2.شرعنة الميزان المعوج للحياة الجاهلية:
    لقد دأبت الطبقة المستفيدة على غرس ثقافة الغابة في أذهان الناس وجعلها الشكل الحقيقي للحياة, بمعنى أن الغابة التي يتم فيها افتراس الحيوان القوي كالأسد للحيوان الضعيف كالارنب, يتم دون اي اشكال في مفهوم العدالة, حيث ان الحياة تقوم على اساس الاقدار فقدر الاسد هو ان يكون قويا وقدر الارنب, وبذلك فلاوجه للاعتراض على الاسد فيما يفعل, لقد جرّت الطبقة المستفيدة هذه القاعدة الى مجتمعها البشري, واعلنت ان الحياة مجموعة اقدار, فإذا اراد الضعيف فرصة في حياة كريمة فله ان يجاهد ليصبح قويا ويفعل مايشاء. ولاشك ان هذه الشرعنة تجد مناخها الملائم في ظل الاصنام التي كانوا يعبدونها بعد أن يصنعونها بأيديهم فلا يشكلون هيئته فحسب كما يريدون, بل كانوا يشكلون رغباتهم وما يضمن مصالحهم فيه ايضا.
    وهنا وحين يصير الانسان خائفا من جهة ومن جهة اخرى يؤمن بأن لاحق له في الحياة إلا ما يسمح له قدره فيها, لن يبادر الى أي اعتراض وثورة.
    كيف قلب النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) الواقع الجاهلي؟
    لقد تم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) تحقيق منجزه العملاق من خلال تحطيمه لتأثير ذالكما العنصرين وهما:
    1.الارهاب والقوة:
    حيث جسد النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) صورة فريدة في الشجاعة والتحدي الصارخ لسادة قريش بكل جبروتهم وطغيانهم حين وقف في بدء الدعوة بكل ثقة وحيدا يسخر من قدس اقداسهم وهو الوثن, ويعلن صراحة انها احجار بالية أولى بأن تكون القمامة مأوى لها, فكسر بذلك حاجز الخوف عند المسحوقين وألهب روح التحدي في نفوسهم, فهبّ اولئك الضعفاء المعدومون يتحدون قريشا وطغيانها بكل جرأة وشجاعة.
    2.شرعنة الميزان المعوج للحياة الجاهلية:
    من الافكار الاساسية التي جاء بها النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) هي ان الله خلق الحياة للجميع فالجميع مخلوقاته وهو غني عن كل شئ, فيكون الناس جميعا متساوين من حيث انهم جميعا مخلوقات الله وعبيده, ولهم حق متساو في الحياة التي خلقها الله لهم جميعا, والمائز الوحيد بين البشر هو مايبديه الانسان في تقديم الافضل للحياة, وهنا وحين فهم الضعيف ان له حقا في الحياة, وان فلسفة الاقدار التي يحدد من خلالها قيمة الانسان هي فلسفة مغلوطة اندفع في طريق الثورة والتغيير.

    الكاتب / الشيخ صلاح الخاقاني

  10. #60
    قويـه ك أإأبـْيے
    بوركتي خيتي

صفحة 6 من 11 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال