صفحة 2 من 11 الأولىالأولى 1 234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 102
الموضوع:

موسوعة... كربلاء الخلود - الصفحة 2

الزوار من محركات البحث: 346 المشاهدات : 7696 الردود: 101
الموضوع حصري
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #11
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: June-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 6,401 المواضيع: 62
    صوتيات: 64 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 6917
    مزاجي: رِذَاذ
    المهنة: أتفيأ ظلالَها
    أكلتي المفضلة: مِنْ شمَائِلٍ ساجِدة
    مقالات المدونة: 39
    بارك الله في الجهد المثمر والنافع بإذن الله
    في ميزان حسناتك أختي وفقت كثيرا

  2. #12
    ....
    sajaya ruh
    تاريخ التسجيل: January-2014
    الدولة: #ـــالعراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 25,861 المواضيع: 643
    صوتيات: 40 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 41412
    مزاجي: يبحث عن وطن
    أكلتي المفضلة: لا شيء معين
    مقالات المدونة: 46
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سومر مشاهدة المشاركة
    بارك الله في الجهد المثمر والنافع بإذن الله
    في ميزان حسناتك أختي وفقت كثيرا
    التوفيق للجميع ان شاء الله
    دمت بخير اخي

  3. #13
    ....
    sajaya ruh
    مفردات الواقع السياسي والإجتماعي الذي تحرك فيه الامام الحسين (عليه السلام):



    أولا: دولة معاوية القوية بجيشها وقوى أمنها الداخلي:
    عُني معاوية خلال السنوات العشر الاولى من حكمه ببناء الجيش من خلال عودته الى سياسة الفتوح، ثم بنى قوى الامن الداخلي من خلال متابعة الخوارج واستطاع بعد ذلك ان يستفيد منها في تثبيت منهجه التربوي والثقافي الجديد والسيطرة على الاعلام ومؤسسات التربية الدينية والثقافية كالمساجد والكتاتيب والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية تبنت هذه الدولة في إعلامها اليومي ومنهجها الفكري والثقافي لمدة عشر سنوات من سنة 50هج إلى سنة 60هج/ تربية الامة على إسلام يبتني على ثلاثة أمور اساسية:
    أ. البغض لعلي(عليه السلام) ولعنه على منابر المسلمين، وترويج الاحاديث الكاذبة في ذمه، والمنع من ذكر أي رواية عن النبي في فضله، ومعاقبة المخالف بالقتل والتهجير والسجن وقطع الايدي والنفي والحرمان من العطاء.
    قال ابوعثمان الجاحظ (1): ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم العن ابا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك الى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر.
    قال أبوجعفر الاسكافي (ت220) (2): ان معاوية وضع قوما من الصحابه وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعَلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبوهريرة وعمروبن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبيرومرة الهمداني والاسود بن يزيد ومسروق الاجدع وأبووائل شقيق بن سلمة وأبوعبد الرحمن السُّلمي القاريء وقيس بن حازم وسعيد بن المسيب والزهري ومكحول وحريز بن عثمان وغيرهم (3).
    روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :ان آل ابي طالب ليسوا لي باولياء، انما ولييّ الله وصالح المؤمنين (4).
    روى ابوالحسن علي بن محمد بن ابي سيف المدايني في كتاب الاحداث، قال :كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله: (ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته) (فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفى اهل بيته). قال الباقر (عليه السلام): وكان عُظم ذلك وكبره زمن معاويه بعد موت الحسن(عليه السلام)، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الايدي والارجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن اونهب ماله اوهدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد الى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (5).
    ب. الولاء لمعاوية : ومن يجيء بعده من الحكام وتوصيفه بخليفة الله، واعتبار طاعته أعظم طاعات الله ومعصيته اعظم معاصي الله وترويج الاحاديث الكاذبة التي تحط من شخصية النبي(صلى الله عليه وآله) بما يوافق الحكام، ومدح معاوية وإكرام فاعل ذلك بالعطاء والتشفيع والتولية والتوظيف في مرافق الدولة.
    - روى الترمذي بسنده عن سعيد بن عبد العزيز (راوي شامي) عن ربيعة بن يزيد (راوي شامي) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة (صحابي سكن الشام) (6) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لمعاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به (7).
    - ورووا انه قال: ائتمن الله على وحيه ثلاثة جبرئيل في السماء ومحمدا في الارض ومعاوية بن أبي سفيان (8).
    ج. السكوت على الظلم مهما بلغت شدته وقسوته من خلال ترويج احاديث كاذبة تدعو الى ذلك.
    - فرووا عن النبي انه قال: تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (9).
    - وأنه قال: فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (10).

    د. الطاعة المطلقة للخليفة واعتبارها رأس الطاعات.
    - ورووا عن النبي انه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية (11).
    - وانه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصيا فلا تسأل عنه، وأمة (أو عبد) أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده. (12) أقول المراد بالامام في الرواية الحاكم الاعلى للمسلمين.

    ثانيا: على أساس تلك السياسة صار الجيل الجديد في الأمة يبغض عليا ويلعنه.
    نشأ على اساس تلك التربية والمنهج جيل جديد في الامة مابين سن الخامسة عشر وسن الخامسة والعشرين، وقد كان هذا الجيل المادة الاساسية للجيش وقوى الشرطة وبقية المواقع الاجتماعية والادارية، أما معلموه فهم جماعة من الصحابة الذين حاربوا عليا في الجمل وصفين او الذين أغراهم معاوية بالمال، وجماعة من التابعين الذين ساروا على منهجهم.

    - من هؤلاء الصحابة مسلم بن عقبة المري (13) قائد جيش اهل الشام في واقعة الحرة في المدينة. قال في وصيته عند موته: اللهم انك تعلم اني لم اعص خليفة، قط، اللهم اني لم أعمل عملا أرجو به النجاة قط الا ما فعلت باهل المدينة (14). وفي رواية اليعقوبي: اللهم ان عذبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية وقتل اهل الحرة فاني إذن لشقي (15).
    - ومن التابعين شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين، قال ابو اسحق :كان يصلي معنا ثم يقول: اللهم انك تعلم اني شريف فاغفر لي، قلت :كيف يغفر الله لك وقد اعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال :ويحك فكيف نصنع؟ ان امراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم، ولوخالفناهم كنا شرا من هذه الحمر الشقاء (16).
    ثالثا: شيعة علي (عليه السلام)يتعرضون للتصفية:
    وهم طبقة من المحدِّثين فيهم مئات من الصحابة وآلاف التابعين لهم معتقد بعلي، قام على اساس أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله) وسيرته مع علي (عليه السلام)، وكذلك قام هذا المعتقد على أساس أحاديث علي (عليه السلام) وسيرته في المجتمع خلال السنوات الخمس التي حكم فيها وهي سيرة أحيت المعطل من كتاب الله والمكتوم من سنة النبي وتذوق خلالها الناس كرامة الحياة التي يدعو الانبياء اليها.
    تركز شيعة علي في الكوفة بصفتها البلد الذي شهد حركة علي الفكرية والتربوية والسياسية.
    حمل شيعة علي كل ذكرياتهم عن علي وما تعلموه منه / وهو كل الاسلام الذي جاء به النبي(صلى الله عليه وآله)، ووعاه علي وعيا تاما دون غيره من الصحابة/ونشروه في البقاع التي لم تعرف عن علي (عليه السلام) وسيرته وبخاصة الشام أيام سنوات الصلح بين الحسن ومعاوية.
    صار الشيعة وبخاصة في العراق غرضا لخطة معاوية في التصفية والإبادة والتطويق بصفتهم العقبة الكؤود امام منهجه التربوي الجديد، ومن هنا سجلت في الكوفة مظالم لم تسجل في غيرها من بلاد المسلمين:

    ـ تهجير خمسين ألف بعيالاتهم من الكوفة والبصرة الى خراسان سنة 50 هجرية، كان فيهم الصحابي بريدة بن الحصيب والصحابي أبوبرزة الاسلمي وغيرهما ممن عرف بولائه لعلي (17).
    ـ قتل حجر بن عدي الكندي وعمروبن الحمق الخزاعي واصحابهما بتلفيق تهمة الخروج على الدولة.
    ـ نفي صعصعة بن صوحان العبدي (18) وآمنة بنت الشريد زوجة عمروبن الحمق (19) كان معاوية قد سجنها رهينة حتى يسلم زوجها نفسه ولما قتل نفاها الى حمص وماتت بها وغيرهما.
    ـ قتل رشيد الهجري وميثم التمار وجويرية بن مسهر ونظرائهم.
    ـ قطع أيدي ثمانين حصبوه بالحجارة على لعنه عليا (20).
    ـ قال سليم: اشتد البلاء بالامصار كلها على شيعة علي واهل بيته، وكان اشد الناس بلية اهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل عليها زيادا، وجمع له العراقيين، كان يتتبع الشيعة… فقتلهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب وتحت كل حجر، ومدر، واحلأهم واخافهم، وقطع الايدي والارجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل اعينهم، وطردهم وشردهم (21).

    ـ وكان آخر ما عزم على فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين هو ان جمع الناس فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي (عليه السلام) (22) فمن أبى ذلك عرضه على السيف (23). ولكن الله تعالى قد سلط عليه الطاعون اشغله عنهم ومات بعدها بأيام (24).

    العلامة المحقق السيد سامي البدري.

  4. #14
    ....
    sajaya ruh

    لماذا نهض الامام الحسين(عليه السلام) في زمن يزيد وليس في زمن معاوية؟


    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبيينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واصحابه الأخيار المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين. أعظم الله لكم الأجر بمصاب سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    سؤال يطرحه كثيرون ومن حقهم أن يطرحوه ومفاده لماذا لم يخرج الإمام الحسين عليه السلام في عهد معاوية طالما أن الظروف التي حتمت عليه الخروجه هي نفسها؟؟ خاصة إذا لاحظنا أن شرعية الخروج كانت قائمة بدليل أن الحسين عليه السلام نفسه قال ذلك لمعاوية في كتاب له إليه. وفي الجواب يحسن بنا أن ننقل نتفاً من ذلك الكتاب قبل أن نلج في عميق الإجابة على هكذا سؤال: فقد ذكر نص الكتاب كل من صاحب أعيان الشيعة السيد الأمين وابن قتيبة في الإمامة والسياسة


    ونصه التالي: ((أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير فإن الحسنات لا يهدي إليها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقي إليك عني فإنما رقاه إليك الملاقون المشاوؤن بالنميم المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الإعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة ألا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم جرأة على الله واستخفافاً بعهده أولست قاتل ابن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العبد الصالح فقتلته بعدما آمنته. أولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف؟ فزعمت أنه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبعت هواك بغير هدى من الله ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك. أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم على دين علي صلوات الله عليه فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين علي هو دين ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردهم إلى فتنة وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أن أجاهدك وقلت فيما قلت إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني فكد ما بدا لك فإني أرجو أن لا يضرني كيدك وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك لأنك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان والعهود والمواثيق ولم تفعل ذلك إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك أولياءه من دورهم إلى دور الغربة)).

    إن المتأمل في حنايا هذا الكتاب العظيم الذي يعد بجد من أهم الوثائق التي أضاءت تلك الحقبة من التاريخ. فقد بين فيه عليه السلام كل ما أراد الآخرون إخفاءه فهو يظهر نقض معاوية للعهد والميثاق الذي أبرمه مع الإمام الحسن عليه السلام بقتله المؤمنين وتنكيله بهم وتهجيرهم محدداً أصل الصراع وقطب رحاه وهو حب أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقهم والولاء لهم، مبيناً أن القتل وانتهاك الحرمات لم يكن عن شبهة أو وشاية بل كان عن سابق تصور وتصميم وعن مخطط مدروس عنوانه الإنقضاض على مبادئ الإسلام السامية ليحل محلها قانون الإستئثار والمصالح الشخصية لأن ادعاء مثل زياد لأبيه إنما هو النقيض للحكم الشرعي. وما تعمد الحسين عليه السلام أن يعدد هذه المثالب إلا ليكرس عدم شرعية معاوية في الحكم حتى ولو انتزع الصلح انتزاعاً من قبل فإن مخالفته الشريعة والدين يزيدان في فقدانه لتلك الشرعية لكن أهم ما ورد في الكتاب أنه يصرح عليه السلام بأن جهاد معاوية على تصرفاته وآثامه واجب شرعي وهنا سدد الإمام ضربته الرائعة بأن جعل توقيت ذلك الجهاد بيده وتفعيله تحت سيطرته لأن جهاداً لا يكون بتوقيته المناسب لا يؤتي ثماره وأكله المرجوة فقد يكون الأداء عسكرياً غير مشفوع بمظلة عقلائية موضوعية تؤمن له الفعالية والفلاح وبالاً على أصحابه وسلاحاً ذا حدين. فقد كان الإمام الحسين يخمر النفوس لتقبل خروجه لا لأجل نصرته تكثير عديده بل لأجل أن يؤتي خروجه ثمار إخراج الأمة من حالة خدرها ونومها. وبدأ أول ما بدأ بأن كرّس عدم شرعية ما يجري فإن كان الناس ممن يعتقدون بإمامته فيجب عليهم اتباعه في ما يقوله ويرشدهم إليه وإن كان الناس ممن يرونه واحداً من أهل الحل والعقد بل وعظيمهم فإن ما أرشد إليه دل على أن أهل الحل والعقد لا يرضون بمعاوية وأمثاله حاكماً يحظى بشرعية ولكنه عليه السلام أبقى المسلمين في حال من التحفز بانتظار الساعة التي يحددها فقد رد على سليمان بن صرد الخزاعي حين سأله الخروج بقوله: ليكن كل رجل منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام معاوية حياً فإنها بيعة كنت والله لها كارهاً فإن هلك معاوية نظرنا ونظرتم ورأينا ورأيتم. ما هي إذن العقبة التي يشكلها معاوية وزمانه. هذا ما سنتحدث به إن شاء الله.

    وما زلنا في أجواء السؤال الذي عالجنا قسماً من الإجابة عليه سابقاً وهو لماذا لم يتم خروج الحسين عليه السلام في زمن معاوية طالما أن النظام الحاكم هو نفسه والأسباب هي نفسها، وكنا قد أسلفنا أن الإمام عليه السلام في إحدى كتبه إلى معاوية كرس وبالأرقام والأمثلة نقض معاوية للعهد والميثاق واستحلاله الدم والمال الحرام والوقوف في مواجهة خط أهل البيت عليهم السلام مما جعله فاقداً للشرعية مجدداً واقصد أنه أعاد للأذهان ما حاول معاوية تعميته وهو أنه لم يكن أبداً ذا شرعية في حركته السياسية أو على مستوى سلطته التنفيذية.

    ولو خرج الحسين عليه السلام في زمانه لاستشهد كما حصل بعد ذلك لكن لم يكن لاستشهاده ذلك الدوي لعدة أسباب منها أن معاوية كان حريصاً على إسباغ لبوس ديني شرعي على تصرفاته ولو من قبيل شراء الوضاعين للأحاديث أو استمالة وعاظ السلاطين أو تجميع عارضي البضائع الدينية لإضفاء تلك المسحة التي ترضي الأكثرية من البسطاء فضلاً عن تطويقهم من نواحٍ أخرى بالترهيب تارة والترغيب أخرى. فلو قام الحسين عليه السلام لوجد معاوية وأعوانه ما يجيبون به الناس من قبيل اتهامه بأنه كان طالب سلطة أو خارجاً عن القانون ولما كان لقتله آنذاك أي استنكار في أوساط المجتمعات الإسلامية لأن معاوية بالتحديد كان يملك أكثر من وسيلة تعمية على الأهداف الأساسية التي يضحي من أجلها الحسين عليه السلام. ومن جهة أخرى فإن عهداً وميثاقاً قد وقع بين الحسن عليه السلام ومعاوية، وصحيح أن معاوية لم يفِ بأي بند من بنود الصلح لكن الناس بطبيعتها التي تميل الدعة والمهادنة كانت سترى أن الحسين قد تمرد بشكل غير مشروع فقد نقل السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء والشيخ المفيد في الإرشاد أنه لما مات الحسن بن علي عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً ولا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك، إذن فإن أي قيام لن يكون مضمون النتائج أقصد بالنتائج هنا غير المكسب العسكري قطعاً بل ما حققه الحسين عليه السلام بعد ذلك، وقد أطبقت كلمة المؤرخين على أن صبر الحسين أثمر في نهاية المطاف إذ ما لبث معاوية أن هلك وكان هناك انقلاب في أفكار الناس تجاه الحكم، ولعل فيما قاله طه حسين في هذا الصدد كفاية حيث أنقل نصه بهذا الخصوص: ((ومات معاوية حين مات وكثير من الناس وعامة أهل العراق بنوع خاص يرون بغض بين أمية وحب أهل البيت لأنفسهم ديناً)).

    ويحسن هنا أن نشير إلى وضوح الرؤية بشكل ساطع فلم يعط الحسين عليه السلام أي شرعية للبيعة التي أخذها معاوية لولده يزيد في حياته حتى بلغ به الأمر أن يحرم بني هاشم من أعطياتهم حتى يبايع الحسين ومع ذلك لم يفعل بل فند للتاريخ مزايا شخصية يزيد في كتابه لمعاوية الذي يقول فيه: ((وفهمت ما ذكرت عن يزيد في اكتماله وسياسته لأمة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص. وقد دل يزيد من نفسه على موضع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية وما بينك وبين الموت إلا غمضة)) ثم ما لبث عليه السلام أن جاهر برأيه عندما لم يكن بد من المجاهرة فقد كتب معاوية إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة يقول له)) أما بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام)).

    فدعا الوليد الحسين عليه السلام فأجابه قائلاً: مثلي لا يبايع سراً ولا يجتزئ بها مني سراً فإذا خرجت للناس ودعوتهم للبيعة ودعوتنا معهم كان الأمر واحداً فانبرى مروان بن الحكم قائلاً للوليد: لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبسه فإن بايع وإلا فاضرب عنقه، فصاح بالحسين عليه السلام: ويلي عليك يا بن الزرقاء، أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمت ثم أقبل على الوليد وأطلق شرارة مشروعه التاريخي بقوله: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله. لقد أوضح عليه السلام الخط الدقيق الفاصل بين أن ترضخ الأمة للحكم الظالم مع علمها بأنه ظالم وبين أن ترضخ وهي ترى أنه حكم شرعي لا يجوز الإنقضاض عليه.

    أيها الأخوة إن أدنى تبصر في مواقف الحسين عليه السلام من خلال تسلسلها يدرك عميق ما كان يرمي الله لذلك كله آثر أن تتخمر الظروف ويتوالى فشل الجهاز الحاكم ويكثر الناقمون عليه، وكانت الفرصة التاريخية التي تمثلت بشخص يزيد على رأس السلطة مع ما كانت تستبطنه شخصيته من تهور وسطحية وبعد عن الحذر والحيطة والتروي، وهو ما ظهر جلياً في معالجته الفاضحة لنهضة الحسين عليه السلام وفي استباحته المدينة المنورة بعد ذلك وفي محاصرته مكة وضرب الكعبة المشرفة بالمجانيق. هذا هو الحاكم الذي تنمو في فترة حكمه بذرة الإصلاح التي دسها الولي ابن الأولياء أبو عبد الله الحسين في تراب وجدان الأمة وعميق دفائن تراثها.


    سماحة الشيخ القاضي محمد كنعان

  5. #15
    ....
    sajaya ruh

    ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأثرها في ترسيخ حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)



    ورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأثرها في ترسيخ حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)بعد انتهاكها وتثبيتها في نفوس المسلمين


    إنّ من الحقائق التي كشفتها واقعة الطف في يوم عاشوراء اعتقاد الناس بذهاب حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأهل بيته إلى المستوى الذي شهدته كربلاء من سفك دماء ولده وسبي بناته فلم يشهد حينها دين من الأديان هذا الحد من التجري على الله وأنبيائه ورسله.

    ولعل البعض يستغرب من هذه الحقيقة مستبعداً إن ذلك الاعتقاد كان سائداً في المجتمع الإسلامي لاسيما ــ وكما أسلفنا ــ إننا نتحدث عن أناس كانوا بحسب الموازين الحديثية أنهم أبناء أهل غير الأزمنة، فهم اتباع السلف الصالح ومن ثم كيف يمكن أن يكون هؤلاء صلحاء وهم قد تجروا على الله تعالى ورسوله بتلك الانتهاكات للحرمة؟!

    فإما أننا نقرأ هذه الوقائع وهي تتحدث عن أناس لم يعرفوا الإسلام ولم تسمع آذانهم باسم محمد (صلى الله عليه وآله)فهم غرباء عنه، فكيف لهم أن يؤمنوا به؟!

    وأما أننا أمام حقيقة مرة تؤكد أن هؤلاء عرفوا النبي (صلى الله عليه وآله)وسمعوا حديثه إلاّ أنهم لم يؤمنوا به، بل حقدوا عليه أشد الحقد وبغضوه وحاربوه حيا وميتاً، بل إن حربهم له (صلى الله عليه وآله)بعد وفاته أشد بكثير من حربهم له في حياته، وذلك لخوفهم من الافتضاح. قال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ}[1].

    ولذا: فحينما شاء الله تعالى: «ان يراهن سبايا» كان من مصاديق هذه المشيئة إظهار ما كان المنافقون يحذرون من كشفه فأخرجه الله تعالى في يوم عاشوراء وغيره. كما نصت الآية المباركة. كانوا سراعاً في انتهاك هذه الحرمة وأخذ الثأر منه ببنيه وذريته فأول ما بدأوا به هجومهم على دار ابنتة فاطمة واقتحامه وجمع الحطب على بابها وحرقها.

    ولم يكن وجود الحسن والحسين وأمهما فاطمة وهي بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)التي يرضيه ما يرضيها ويغضبه ما يغضبها[2]، بمانعهم عن حرق دارها واقتحامهم له، حتى وقفت ــ بأبي وأمي ــ خلف الباب لعل البعض منهم يرتدع حينما يسمع صوتها ويعلم بوجودها فلا ينتهك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)أو لعلها أرادت أن تقطع عليهم العذر حينما يخاصمهم سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله)يوم القيامة فيقول أحدهم انني لم أكن أعلم بوجودها.

    ولذلك: وقفت تنادي فيهم وترد على عمر بن الخطاب حينما أخذ ينادي: يا ابن أبي طالب: افتح الباب فقالت فاطمة (عليها السلام): «يا عمر، ما لنا ولك؟ ألا تدعنا وما نحن فيه». قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه! فقالت: «يا عمر، أما تتقي الله عزّ وجل، تدخل بيتي وتهجم عليّ داري».

    فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر.

    فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: «يا أبتاه يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!».

    فرفع ــ عمر ــ السيف وهو في غمده فوجئ به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: «يا أبتاه!»[3].

    فهذه النار التي أضرمت بقلب مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأحرقت دار بضعته وانتهكت حرمته وقتل ولده كانت الأساس الذي بنى فوقه الناس التجري على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)ليتضاعف هذا اللهب فيحرق قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)بقتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) في محراب جامع الكوفة ومسجدها ثم لينثني بعده على ريحانته المجتبى فيمضي إليه مسموماً وقد قطع كبده ورمي جثمانه بالسهام ثم تمنعه عائشة من الدخول إلى روضة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)وهي تنادي بصحابة النبي وبأهل بيت النبوة: (لا تدخلوا بيتي من لا أحب، إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه)[4] وأشارت إلى ناصيتها.

    فكيف ورثت الزوجة دون البنت، هذا ما لم يكن في ملة من الملل إلا في هذه الأمة التي لم تدع حرمة لنبيها إلا انتهكتها.

    حتى إذا وصلنا إلى كربلاء الرزايا فإننا نجد أعظم المصائب التي ألمت برسول الله (صلى الله عليه وآله)وأشدها ألماً. فبين قتل ولده وذريته، وسفك دمائهم، والتمثيل بهم، وبين سبي بناته وسلبهن، وكشف رؤوسهن، وضرب أجسامهن بالسياط وكعوب الرماح، ثم يطاف بهن البلاد يستقبلهن الذمي واليهودي والنصراني والمسلم والعربي والأعجمي.

    كل هذه المشاهد المروعة والمرسخة للتجري على الله وانتهاك حرمته وحرمة رسوله (صلى الله عليه وآله)كانت بحاجة إلى ما يعيدها إلى وضعها الصحيح، أي إرجاع الحرمة للحدود الشرعية وحرمة الله ورسوله إلى أذهان الناس لتستقر في قلوبهم بعد أن صدأت بما أسسه السلف. فكان كالآتي:

    أولاً: دخولهن بالحالة المفجعة إلى الكوفة عمل على تصديع سنة التجري:

    إن من السمات الأولى التي يظهرها خطاب السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة هو انقلاب حال الكوفة عند رؤيته للسبايا وما رافقه من مشاهد للرؤوس لاسيما رأس ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

    إذ تظهر العقيلة زينب (عليها السلام) الحالة التي أصبح عليها الناس من خلال خطابها فتمرر للقارئ والباحث ذلك المشهد العام الذي أصبح عليه الناس لتقطع الطريق على المتزلفة والوضاعة حينما يحاولون طمس هذا التحرك الاجتماعي والهيجان النفسي الذي أحدثته العقيلة زينب (عليها السلام) على الرغم من كل التراكمات التي جمعتها السنين وهي تتلقى فكر التجري في مجتمع الكوفة.

    هذه المدينة التي غير فيها التثاقف السفياني فصدع بنيانها الفكري ومعطياتها العقائدية إلى ذلك المستوى الذي شهدته أرض كربلاء[5]. فما كان دخول السبايا ومرورهن بين تلك الجموع إلا كحالة الكي للجرح الذي أصاب المسلمين منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)فأعقبه انعقاد السقيفة.

    ولذا: وقفت ابنة أمير المؤمنين تخاطب هذا الجمع فابتدأت بأول هذه المعالجات الاجتماعية والعقائدية فقالت: «الحمد لله، والصلاة على أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»[6]. وفي لفظ: «الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار»[7].

    إذن: جوهر القضية العاشورائية هي حرمة محمد (صلى الله عليه وآله)ولذا استخدمت في صلاتها على رسول الله (صلى الله عليه وآله)لفظ (أبي) ولم تقل جدي أو نبي الله، أو رسول الله، أو غيرها من أسمائه وصفاته، فهذه الواقفة الآن أمامكم هي ابنته وهي من يُبتدأ الكلام بحمد الله والصلاة على أبيها.

    ثم تنحدر ابنة سيد البلغاء والمتكلمين إلى أداة علاجية أخرى وهي صدمهم بعظيم الجرم الذي فعلوه، فقالت: «أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟».

    إذن: عامة أهل الكوفة اليوم في حال البكاء، والباكي حينما يبكي إنما لشعوره بالندم على تفريطه في حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مما يعني: أنهم في حال من الغليان النفسي وحرارة المشاعر الوجدانية فيحتاجون مطرقة من يد ابنة علي الكرار تعيد النفوس التي اعوجت إلى الاستقامة.

    فقالت: «فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف والصدر الشنف وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون»[8].

    ثم تعود سلام الله عليها إلى تأجيج نار الندم في قلوبهم ليكوّنوا أساساً جيداً لبناء صون الحرم فقالت: «أتبكون وتنتحبون، أي والله فأبكوا كثيرا، واضحكوا قليلاً، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن تغسلوا دنسها عنكم أبداً، فسليل خاتم الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وأمارة محجتكم، ومدرجة حجتكم خذلتم، وله قتلتم؟! ألا ساء ما تزرون، فتعسا ونكساً، فلقد خاب السعي، وتربت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة»[9].

    ثانيا: إن هتك حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)لا يسده شيء.

    بعد هذا الغليان الذي تجمرت له القلوب التي وقفت تستمع لابنة الكرار انعطفت (عليها السلام) تطرقها بمطرقة الحرمة النبوية التي انتهكت فقالت: «ويلكم يا أهل الكوفة: أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّا! ولقد أتيتم بها فرقاء شوهاء كطلاع الأرض، وملء السماء؛ أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد»[10].

    قال خزيمة الأسدي وقيل بشر: فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى قد ردوا أيديهم إلى أفواههم[11].

    ثانيا: التلازم بين حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)وحرمة أبنائه وذريته:

    بعد هذا الزلزال الذي أحدثته العقيلة زينب (عليها السلام) في أرض تلك القلوب المتحجرة تأتي السيدة أم كلثوم بأداة لعلاج تلك القلوب، وذلك من خلال بيان التلازم فيما بين حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)وحرمة أهل بيته وأبنائه وذريته فقالت (عليها السلام): «صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل الخطاب. يا أهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتباً لكم وسحقاً، ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم وأي وزر على ظهوركم حملتم، وأي دماء سفكتم وأي كريمة أصبتموها وأي صبية أسلمتموها وأي أموال انتهبتموها قتلتم خير الرجالات بعد النبي ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم المفلحون، وحزب الشيطان هم الخاسرون».

    فضج الناس بالبكاء ونشرن النساء الشعور وخمشن الوجوه ولطمن الخدود ودعون بالويل والثبور فلم ير ذلك اليوم أكثر باك)[12].

    وهنا: نرى بوضوح حقيقة هذا التلازم في الحرمة بين النبي (صلى الله عليه وآله)وذريته وما يرتبط بهم من أموال وممتلكات وأعراض التي فرضت حولها الشريعة الإسلامية حدوداً كثيرة توجب على المسلم الالتزام بها وعدم التعدي عليها.

    الكاتب: السيد نبيل الحسني.

  6. #16
    من اهل الدار
    ملكة
    تاريخ التسجيل: November-2013
    الدولة: الكوت
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 25,920 المواضيع: 3,287
    صوتيات: 63 سوالف عراقية: 3
    التقييم: 38249
    مزاجي: فدددد ندمان
    المهنة: مصوره
    أكلتي المفضلة: معجنات
    موبايلي: هواوي
    آخر نشاط: منذ 3 أسابيع
    مقالات المدونة: 59
    بارك الله بكم

  7. #17
    ....
    sajaya ruh

    من أخلاقيات كربلاء: موقف الإمام الحسين (عليه السلام) من أنصاره


    من نافلة القول أن نؤكّد بأن معاهدة أهل الكوفة للإمام على معاضدته ومساندة حركته بعد استنصارهم له لأكثر من عشر سنين كان لها الأثر المهمّ في قيام الإمام بنهضته المباركة والسير فيها قدماً.


    نعم، ما نحتاج إلى التأكيد عليه هو التكليف الشرعي بعنوانه الأوّلي للأمّة تجاه الإمام المعصوم (عليه السلام).

    فالله سبحانه ــ بحسب أصل التكوين ــ جعل في قدرة كل امرئ إمكانية السير في الطريق الذي يريده ويختاره فمن اختار طريق الصلاح وطريق الأنبياء والصلحاء وجد المنفذ إليه والقدرة عليه، ومن اختار طريق الشرّ والكفران وطريق التمرّد على الله ورسله تمكّن من السير في ذلك الطريق أيضاً.

    فلم يُجبر المرء في أصل خلقته على نهج معيّن ولم يتحدّد أمامه طريق الحياة، بل المناهج أمامه واضحة، والأعلام لائحة، والعقل معه يحاكم الأشياء ويحكم لها أو عليها ثم هو عليه أنْ يختار، وعلى هذا يكون بلوغه الجنة أو النار بحسب اختياراته في الدنيا فالدنيا دار اختبار، أما غيرها فيتحدّد فيها المسار بحسب ما يناسب مسيرته الدنيوية، فهو مضطرّ بعدها إلى المصير إلى ساحة الشقاء أو ساحة النعيم ولا يتمكّن من الفكاك من نتائج عمله الدنيوي أبداً وإن فعل ما فعل.

    ما تقدّم كله بحسب أصل الجعل التكويني.

    أما بحسب الجعل التشريعي في الإسلام العزيز: فإن الله سبحانه جعل للمعصوم ــ النبي الأكرم أو أحد أوصيائه الاثني عشر ــ حق الطاعة على الأمة وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

    أما النبي (صلى الله عليه وآله) فلنصّ الآية المباركة: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))[1].

    وأما الوصي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلحديث الغدير المبارك إذ سأل النبي أمته: «ألستم تعلمون أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟». فقالوا: بلى. فقال (صلى الله عليه وآله): «أللهم من كنت مولاه فعلي مولاه..، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»[2].

    وأما بقية المعصومين فلجريان ما ورد في أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقّهم أيضاً لوحدة الملاك ولوجود نصوص خاصة بشأنهم أيضاً. منها، الآية المباركة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ))[3].

    فإنهم أولو الأمر الذين يجب على الأمة إطاعتهم ــ بل على الناس كافة ــ وذلك بضميمة ما ورد في روايات العامة والخاصة من أنهم هم أولو الأمر المقصودون في الآية المباركة.

    منها ما عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) في أن أولي الأمر: «الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام إلى يوم القيامة»[4].

    ولسنا هنا في مقام استقصاء المطلب بل المقصود الإشارة فقط. فلما كان للأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام حق الطاعة على الأمة فإنه يجب على كل فرد في الأمة الوصول إليهم ومراجعتهم ومعرفة أوامرهم وتوجيهاتهم في كل صغيرة وكبيرة ومن لم يطعهم فقد استحق النار والعذاب العظيم، وهذا معناه أن لا خيار للمرء في مخالفتهم إلاّ إذا صدر التخيير من نفس الإمام (عليه السلام). هذا الشقّ الأول من الكلام.

    والشق الثاني: إنه يجب على كل إنسان اتباع أوامر الله ونواهيه ــ المعصوم وغيره ــ وَمِن أمْرِهِ سبحانه أن يقوم المسلم بأمر الظالمين والعصاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومجاهدة الكافرين والظالمين والطواغيت وإزاحتهم من سدّة الحكم وإقامة دولة الحق وإفساح المجال للخلفاء الحق لله تعالى وهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه عليهم السلام لارتقاء المقام المختصّ بهم، مقام الخلافة والإمامة والزعامة في الأمة ــ وكل ما تقدم مع تحقق شروطه ــ.

    فيجب على الأمّة النهضة ومؤازرة الإمام المعصوم في جهوده لدفع الطواغيت عن مقام الأنبياء والأوصياء. ومتى ما تمرّدَت الأمة وعصت، أو تقاعست وكسلت وأخلدت إلى الراحة فإنه يجب على الإمام النهضة بمن تحقق به الكفاية ويتم به الهدف.

    ومع عدم توفر الإمكانيات المطلوبة والعدد الكافي يسقط الوجوب عن الإمام ويأثم من الأمّة من لم يطعه ولم ينهض معه ومن لم يجعل نفسه تحت إمرته. وهذا هو الذي حصل مع الأئمة علي والحسن والحسين إلى المهدي وكذا مع الزهراء عليهم السلام حين استنهضت المهاجرين والأنصار لرد الظلامة عنها واسترجاع الحقوق المسلوبة.

    نعم حين يتوفر الأنصار يلزم الإمام النهضة، وهو الذي حصل للإمام أمير المؤمنين بعد مقتل عثمان وللإمام الحسن بعد رحيل والده مباشرة وللإمام الحسين (عليه السلام) بعد استنصار أهل الكوفة به.

    وقد نهض الإمام الحسين بعد الاستنصار وبعد انتهاء أمد الصلح بهلاك فرعون الأمة الإسلامية وطاغيتها: معاوية. وحين نهض الإمام الحسين خليفة الله ورسوله في الأرض فقد وجب على الناس كافة ــ الأمة الإسلامية بكل فرد من أفرادها ــ النهضة معه ومساندته ومعاضدته وحمايته والسعي لتحقيق أهدافه سواءٌ في ذلك أهل الكوفة أم غيرهم، شيعة أم مخالفون، لأن التكليف إسلامي بحت وليس بأمر خاص بالشيعة أو بالبيت النبوي.

    وقد وجه الإمام (عليه السلام) أمراً عاماً للأمة بلزوم نصرتها له وقد بقي إلى الساعات الأخيرة يوجه النداء تلو النداء. أما من ناصر ينصرنا. أما من مغيث يغيثنا لوجه الله. أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله.فوجوب النصرة تام وثابت في رقبة كل فردٍ من الأمة، وإلى اللحظة الأخيرة من حياة الإمام الحسين المظلوم (عليه السلام).

    لكن لما خذل معظم الأمة إمامهم. وجبُن أهل الكوفة عن الالتزام بمواثيقهم وعهودهم المستمرة منذ سنين، فإن الإمام (عليه السلام) فصّل توجيهاته بحسب طواعية الأفراد للأمر الإلهي.

    والتفصيل: أن التكليف بالالتحاق به ونصرته والاستماتة في سبيله لم يسقط عن أي فرد. نعم الذين أظهروا طواعية واستجابة ومماشاة لأمر الإمام ونهيه فإن الإمام أسقط عنهم التكليف الإلزامي بل حثّهم على الرجوع حباً لهم وتقديراً لموقفهم إلاّ أنهم تمسكوا بخيار البقاء ومفاداة الإمام المظلوم فأجاز الإمام لهم هذا وأثنى عليهم لموقفهم النبيل وأبان لهم عن عظيم مقام الكرامة المعد لهم في الآخرة جزاءً لصمودهم معه، وذلك أن الساقط عنهم هو الإلزام دون أصل الأمر؛ إذ مفاداة الإمام والتضحية في سبيله بالنفس والنفيس فيه المحبوبية العظيمة للمولى تبارك وتقدس.

    فالأمر بالالتحاق به (عليه السلام) لكل أفراد الأمة مستمر إلى آخر لحظة من حياته الشريفة وإسقاطه الأمر الإلزامي عمن التحق به مستمر إلى النهاية.

    وهو (عليه السلام) خيّر من يسير في ركابه ــ عموماً ــ بين الاستمرار معه أو الرجوع، وذلك بعد ما بلغه خبر استشهاد مسلم وانقلاب الأمور في الكوفة لصالح الفئة الحاكمة الكافرة ــ الأموية ــ ولم يحصل تخيير أو إسقاط للتكليف الإلزامي عن الأمة جمعاء أبداً بل التكليف ثابت في أعناق الكل ــ دون من شملهم التخيير وإسقاط الإلزام عنهم ــ.

    وعبيد الله بن الحر الجعفي والذي التقاه الإمام في منطقة قصر بني مقاتل في طريقه إلى الكوفة، لو رضي ما عرضه عليه الإمام من الالتحاق به لينال رضا الله ورسوله لحصل على رضا الله سبحانه ولحصل أيضاً على تخيير الإمام بالرجوع أو الاستمرار فيختار الرجوع إن أراده ورغب فيه، غير أنه غلبت عليه شقوته فأبى مطاوعة الإمام من البداية فخسر الكرامة وخسر التخيير من الإمام وبقي الإثم في عنقه، بل لحقه العار والخزي لإبائه الالتحاق بالإمام مع طلب الإمام منه النصرة بمباشرةٍ منه (عليه السلام).

    أخلاقيات كربلاء:

    من أراد التمييز بين الفئة المحقة والفئة المبطلة فليحضر إلى كربلاء.

    من أراد معرفة طريق الله وطريق الشيطان فضالته في كربلاء.

    من أراد معرفة الإسلام والإيمان بأكثر صوره إشراقاً ومعرفة الكفر والرذيلة بأكثر صوره قتامة.

    فالموعد في كربلاء.

    هناك طفح كل إناء بما فيه.

    وعبّرت كل فئة عن منهجها.

    وكل فردٍ عن ذاتياته.

    ووضحت عندها غاية كل طريق.

    الصورة المشرقة:

    أما مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) فلا يسعنا ــ هنا ــ الحديث عن مكارم أخلاقه وسمو مقاصده. فهو ابن من خاطبه الله سبحانه: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[5]. وهو الذي قال النبي في حقه: «حسين مني وأنا من حسين»[6].

    ويكفيك ــ لتستشف من عظمته ــ أن أعداءه ومبغضيه من الأمويين وغيرهم لم يجرؤوا ولم يتمكنوا من الخدش بساحة قدسه مع شدة عداوتهم له حتى سفكوا دمه وقطعوا رأسه وداروا به في البلدان وحرثوا فيما بعد قبره وقتلوا كل من يزور مرقده بل بطشوا بكل من يهواه.

    الحسين خليفة الله ورسوله في الأرض، فهو منبع الفضائل بل هو القرآن في سلوكه وسيرته. غير أنا لا نبخس أنفسنا حظوظها بحرمانها من ذكر بعض ما صدر عن الإمام في عرصات كربلاء.

    ولعل من مواقفه التي تتجلى فيها تلك الروح المحمدية الطاهرة التي تثير فينا الألم والحسرة، تخييره (عليه السلام) لأهل بيته وصحبه بل حثه لهم على استغلال ظلمة الليل وترك عرصات كربلاء والعودة إلى ديارهم ومأمنهم وتركه في مقابلة عشرات الآلاف من جنود الدولة الطاغوتية الكافرة.

    إن أصل التكليف الشرعي الموجه للأمة ــ كل فرد في الأمة ــ بنصرة الإمام وفدائه بكل غال ونفيس: مستمر. كما أن كل من صحب الإمام ورافقه عن طواعية ورغبة وتسليم له فإن مخير بين البقاء والرجوع.

    إن من يتعرض لخطر يجب على الآخرين إنجاؤه. فإذا كان إنجاؤه يؤدي إلى هلاك المنجي فهنا يقع تزاحم بين وجوب إنقاذ المؤمن وبين وجوب حفظ نفسه، ولا يمكن التحفظ على التكليفين في نفس الوقت كما هو الفرض فيصبح الإنسان هنا مخيّراً بين إنجاء الآخر وإتلاف نفسه، أو المحافظة على نفسه وترك الآخر لما قدّر له.

    أما إذا كان الآخر في معرض الهلاك والتلف والموت على كل حال فيحتمل هنا لزوم المحافظة على نفسه ليأسه من إمكانية إنجاء الطرف الآخر فلا تزاحم بين تكليفين في البين ويبقى لزوم حفظه لنفسه قائماً.

    وقضية بقاء أصحاب الإمام (عليه السلام) معه وتعريضهم أنفسهم للموت في سبيل الإمام الأقدس (عليه السلام) مع كونه المقصود أساساً للدولة الظالمة ــ أما هم فمقصودون بالتبع للبثهم مع الإمام ولاستماتتهم في المحافظة عليه أن لا تصل إليه يد السلطة الكافرة ــ تثير تساؤلا.

    فما الوجه الفقهي في لبثهم؟

    إن الإمام (عليه السلام) صرح لهم ليلة العاشر من محرم الحرام بأنه المقصود ــ شخصياً ــ لهذا الجيش المتجمع في كربلاء ولو ظفروا به لانشغلوا عن غيره.

    فعنه (عليه السلام): «... فهذا الليل قد أقبل فقوموا واتخذوه جملاً، ليأخذ كل رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من إخوتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم»[7].

    وفي نص ابن طاوس: (أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم، ولا أهل بيت أفضل وأبر من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري»[8].

    هناك احتمالان في توجيه موقف الأنصار من الإمام (عليه السلام):

    أ : إن موقفهم ــ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ــ إنما هو بحسب التكليف الإسلامي العام وهو وجوب أو جواز تعريض النفس لخطر التهلكة رجاءً إنقاذ أي نفس مؤمنة ــ واختلاف التكليف لاختلاف خصوصيات الحالة، فكيف إذا كانت هذه النفس هي نفس إمام معصوم فعلى المرء أن يتقدم ويضحي بنفسه ذيادةً عن الإمام ودفعاً للموت عنه ولو أدى هذا إلى فناء الجميع؛ لأن نفس المعصوم فوق كل نفس بخلافته لله ورسوله في الأرض، والأسباب الأخرى فإذا فعلوا هذا وأدوا ما عليهم من تضحية فقد أبرؤوا ذمتهم من تكليف النتيجة النهائية يتخذ الإمام لها الموقف المناسب، فإما يقدم نفسه قرباناً لله سبحانه أو يصنع ما يجده صالحاً، ويتحمل الجيش الأموي إثم قتل الإمام، وبقية الأمة إثم خذلانه وبلوغه إلى النتيجة المأساوية دون أن يحركوا ساكناً.

    ب: إن موقفهم من الإمام لم يكن على طبق التكليف الإسلامي العام، بل كان لخصوصية الحسين (عليه السلام) كإمام معصوم، وخليفة لله ورسوله في الأرض جهة حيثية في وقوفهم ذلك الموقف المفاداتي منه ولو كان الأمر طبق التكليف العام لكان من المحتمل المنع من اتخاذهم لذلك الموقف؛ لأنه (عليه السلام) مقتول على كل حال وصمودهم إلى جانبه معناه تعريض جميع تلك النفوس المؤمنة للقتل الحتمي مع أنّها غير مطلوبة للسلطة أولاً وبالذات وإنما بمقدار حمايتهم للإمام وحؤولهم السلطة عن التمكن منه ولدفاعهم المستميت عنه فما الداعي لهذه الاستماتة والنتيجة محسومة؟

    إذن: كان للإمامة والإمام مدخلية في صحة تقديم أنفسهم قرابين فداءً لخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحق في الأمة.

    أما موقف الإمام من أنصاره:

    1 ــ فإنه طبقاً للاحتمال الأول: أرجعهم؛ لأن تصميمهم على البقاء والمفاداة قبل أن يعلموا قطعية شهادته فكان تكليفهم البقاء، غير أنه (عليه السلام) لعلمه بانتهائه إلى الشهادة قدم لهم التخيير في اللبث والرجوع بل حثهم عليه، ــ وسيأتي وجه الحث ــ.

    2 ــ وأما إرجاعهم طبقاً للاحتمال الثاني فيُحتمل أن الإمام بحكم أنه ذو صلاحيات خاصة ــ لإمامته وعصمته وخلافته لله ورسوله في الأرض ــ قد أذن لكل من أطاع الله تعالى في نصرته وقدّم نفسه رخيصة فداءً لنفسه المقدسة بالانصراف وأسقط هذا التكليف عنهم تقديراً لموقفهم فلهم أن يرجعوا فيحيوا في أهلهم وذراريهم وذمتهم بريئة من خذلان الإمام ومعصية الله ورسوله، كما لهم البقاء والاستمرار ومشاركة الإمام في جهاده وكفاحه فيكون فداؤهم طوعياً دون أن يكونوا ملجئين إليه بسبب التكليف بالثبات والتضحية.

    ومن المعلوم أن من يخير تخييراً كهذا ويختار البقاء والتضحية فموقفه هذا غاية النبل والسمو ونكران الذات في جنب الله ورسوله والإمام المعصوم، ومن يكن هذا شأنه فلا حدّ لرضا الله ورسوله والإمام عنه كما لا حدّ لجود الله سبحانه معه.

    إن إسقاط الإمام (عليه السلام) لتكليف لزوم البقاء واللبث الثابت في ذمة أهل بيته وصحبه لغرض نصره والدفع عنه بما أنه إمام معصوم وخليفة الله ورسوله في الأرض، وسماحه لهم بالرجوع وارتضاؤه لمواجهة القوم الظالمين وحيداً منفرداً مع تصميمه اللانهائي على الامتناع عن مبايعة يزيد وتصميمهم على قتله لهو في حد نفسه دليل على إمامته وعصمته وخلافته لله ورسوله وعلى عدم النظير له.

    وكذلك على أخلاق عظيمة سامية أسسها الإسلام وشيدها النبي وآله، وبهذا الخلق ونحوه قام الإسلام على سوقه ونبتت شجرة الإمامة وأرسلت فروعها في كل صوب وآتت ثمارها طيبة مباركة ولا تزال.

    إن أول من أجاب الحسين ببيان ثباته وتصميمه على البقاء معه والاستماتة في سبيله مهما تكن النتائج هو أبو الفضل العباس وعلى إثر موقفه تتابعت مواقف الصمود والفداء فكان له مقام السبق إلى هذه الكرامة، وكان هو المعلّم والموجه لهؤلاء الأطياب الأكارم في اتخاذ الموقف الصحيح في هذا الموقف الذي يهز الجبال الرواسي.

    وأما وجه حث الإمام لهم على الرجوع دون بيان تخييرهم فقط:

    فيحتمل أنه تقديراً منه (عليه السلام) لموقفهم البطولي في الثبات معه، وشفقة عليهم من أن تنال سيوف الفراعنة منهم منالها فتمزقهم إرباً، وتقليلاً للخسائر ما أمكن، مع الإبقاء عليهم كي يبقى الرعيل الواعي والرسالي والمستعد للتضحية والتغيير من واقع الأمة الفاسد، ويبقى بعد لهم التميز في المقام عند الله ورسوله والأئمة على بقية الأمة لموقفهم النادر مع الإمام السبط الشهيد.

    غير أنهم أصروا على مرافقة الحسين (عليه السلام) في رحلته إلى عالم البقاء والخلود بل على التضحية بكل شيء فداءً له.

    وما كان الحسين (عليه السلام) لينفس عليهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقد صح منهم العزم وعرف منهم الثبات فأعلن الإمام (عليه السلام) السماح لهم بمشاطرته نهضته والقدوم معه على الله سبحانه بموقف ثائر في سبيل الله لتحقيق إرادته تعالى في الأرض لم تعرف له الدنيا نظيراً فكانت العظمة كل العظمة للحسين السبط (عليه السلام) وكانوا هم معه حيثما ذكر.

    (السلام عليك يا أبا عبد الله... وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار).

    الكاتب: الشيخ محمد البغدادي.

  8. #18
    ....
    sajaya ruh

    النهضة الحسينية المباركة فوق الشبهات





    يثير البعض ــ سواءٌ أكانوا مخلصين متعلمين أم مرجفين ــ مجموعة من التساؤلات تتعلق بالثورة الحسينية الرائدة لمقارعة الظلم ومكافحته، المحفزة لمناوأته، والمشعل الوضاء في درب الفداء.

    التساؤل الأول:

    منها: علة قيام سيد الشهداء بثورته بذلك العدد القليل والإمكانيات المتواضعة أمام إمكانيات دولة جبارة تحتل مساحة واسعة من الأرض يومذاك قد تقدر اليوم بما يعادل الثلاثين دولة ــ على اختلاف رقع الدول مساحة من كبر وصغر وعلى اختلافها في الإمكانيات المالية والسكانية والعسكرية ــ كما أن المتصدين لأمور تلك الدولة عرفوا بتمام البطش وعدم التورع عن عمل أي شيءٍ، من سفك دم بطرقه الكثيرة، ومن إيداع في السجن ــ وحدث عن سجونهم وفجائعها ولا حرج ــ ومن تشريد، وهدم للمنازل، واستيلاء على الأموال، إلى غير ذلك من طرق الانتقام، بكل من تحدثه نفسه لمعارضتهم فضلاً عن العمل المسلح لإسقاطهم وإنهاء دولتهم.

    فهذا القيام من الإمام الحسين عليه السلام لا يعدو كونه إلقاءً لنفسه المقدسة في التهلكة بدون فائدةٍ تجنى بل سيؤدي إلى استحكام قبضة الطغاة على الأمة.

    التساؤل الثاني:

    وتساؤل آخر: عن السر في أن الإمام عليه السلام كان يأمر بعض من يلتقيه بالالتحاق بثورته والفوز بنصرته، ويدعو بعضاً آخر إلى الرجوع وإنجاء نفسه من نتائج هذه المعركة مع أن بين هذين المسلكين مضادة واضحة، وغرابة تستدعي كشف الوجه فيه ومعرفة إن كان السبب شخصياً، أو فقهياً، أو غيبياً.

    أما عن الوجه في قيام الإمام عليه السلام بثورته بذلك العدد القليل وتلك الإمكانيات الضئيلة أمام إمكانيات هائلة مع أن ثورة كهذه فشلها واضح جداً لدى كل أحد فضلاً عن الإمام المعصوم المسدد.

    إن الإمام الحسين عليه السلام:

    1 ــ إمام معصوم مسدد من الله سبحانه، وذلك لدلالة آية التطهير وحديث الثقلين وغيرهما من النصوص الكثيرة المروية في كتب عامّة فرق المسلمين.

    ولما كان الإمام معصوماً أصبح السؤال بلم وكيف، عمّا صدر منه نافلةً من القول وبلا موجب وخطأ في السلوك قد يكشف عن ركاكة إيمان المرء وحيرته في دينه.

    نعم، قد يكون الوجه في التساؤل، هو معرفة التكليف الإلهي في مثل هذه الوقائع والاسترشاد بطريقة الإمام في إدارة الأحداث وهذا يكشف عن جانب إيمانيّ في المتسائل.

    2 ــ إنه ذو خبرة واسعة في الحكم وإدارة شؤون الدولة والمجتمع كما أنه ذو خبرة ممتازة في الشؤون العسكرية فهو يقدّر الوضع العام بكل جوانبه بدقة ويقدّر إمكانيات الطرفين مع ملاحظة الحكم الشرعي المناسب مع هذا الظرف.

    3 ــ إنه قد تهيأت له الإمكانيات الجيدة للنصر وتحقيق الهدف، بحكم المتاح من أسباب النصر، فهو قد بدأ معركته بما تقتضيه ساحة الصراع إلاّ أن تطورات الأحداث أدّت إلى انعكاس نتائج المعركة لما قامت به السلطة من بطش وتنكيل، ولتكن معركتا أحد وحنين نصب أعيننا عند دراسة الحركة الحسينية.

    إن الإمام سلام الله عليه لم يخرج من مكة إلى الكوفة إلاّ بعد تهيؤ عوامل عدّة:

    1) وجود تذمر عام من الحكم الأموي، ويتمركز هذا التذمر على نحو الخصوص في مجموعة من المواطن على رأسها الكوفة لما لاقته من بني أميّة وولاتهم من أقسى أنواع الجور والتنكيل والفجائع عبر سنين طويلة.

    2) استنصار الناس بالحسين عليه السلام لنجدتهم وللعمل على تغيير الأوضاع ووضع حدّ لاستهتار البيت الأموي وعبثهم بالبلاد والعباد والأموال والدين.

    3) معاهدة الآلاف من أهل الكوفة وغيرها للإمام عليه السلام على نصرته ومؤازرته في نهضته حتى تحقيق الهدف منها، وإنهم يفدونه بالأنفس والأموال والأهل وكل نفيس دون نفسه المقدّسة.

    4) إن الإمام عليه السلام الأوفر سهماً في تولي زمام أمر الأمة الإسلامية بعد هلاك معاوية؛ إذ إن الاتفاق قد جرى في عقد الصلح على أن يترك الخيار للأمة في تحديد الخليفة بعد موت معاوية ــ أو تعود الخلافة إلى الحسن أو الحسين عليهما السلام على رواية[1] ــ وطبيعي أن الأمة ستختار الإمام الحسين عليه السلام وذلك أن وقائع الأحداث أثبتت أن الأمة تتوجه إلى أهل البيت النبوي عليهم السلام حالما تترك وشأنها، وقد حصل هذا لأمير المؤمنين علي عليه السلام من بعد عثمان وللإمام الحسن عليه السلام بعد استشهاد الإمام الوصي عليه السلام وللإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام ــ مع وجود معاوية في السلطة بتفرعنه وتجبّره ودمويته ــ.

    ومعنى ما تقدم: أن الصلح ــ بصيغته المتقدّم ذكرها ــ يوفّر أرضية مهمة لتوجّه الأمة للإمام عليه السلام كما يوفّر الأرضية لنجاح حركته ونهضته.

    والذي يسهّل للإمام نجاحه ــ أيضاً ــ مؤهلاته العظيمة التي لا يضاهيه فيها أحد من الأمة كائناً من كان وما ثبت بالنص القطعي الدال على إمامته وزعامته وخلافته وقيامه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والنصوص هذه مروية في كتب شتى فرق المسلمين إلاّ أن البعض لا يلتزم بلوازم هذه النصوص خوفاً من أمور منها:

    ألف: أنها تهدم أركاناً عدة قامت عليها هذه الفرق وبانهيارها تنهار تلك المذاهب؛ إذ تفقد مسوّغ وجودها كمذهب متميز له حدوده بين فرق المسلمين.

    باء: إن بعض الفرق لا تؤمن إلاّ بمبدأ الأمر الواقع ولا تخضع إلاّ له ولمّا لم يتمكّنْ الإمام السبط الشهيد من منصب الخلافة ولم يتسلّمه فهي لا تلتزم بإمامته بينما تلتزم بإمامة وخلافة كل متغلّب على الأمة بالقهر والسيف.

    5) يذكر البعض أن سيد الشهداء سلام الله عليه خرج من مكة وكان عدد من معه يقارب خمسة الآلاف، كما أن من المعلوم أنّ أهل الكوفة قد عاهدوه على نصرته وفداء أنفسهم في سبيله وسبيل قضيته إضافة إلى أنه عليه السلام بعث إلى البصرة بكتاب طالباً النصرة فجاءه جيش من تلك الجهة لنصرته.

    إلاّ أن هذا الجيش ــ وهو في طريقه للالتحاق بالإمام ــ بلغه استشهاد الإمام عليه السلام فرجع أدراجه.

    إضافة إلى أن هناك توتراً هائلاً في المدينتين ــ مكة والمدينة ــ ضد الحكم القائم وعلى وشك الثوران، إذ في مكة عبد الله بن الزبير ــ وهو متهيئ لإعلان الثورة ــ وهذا مما يعضد عملية هدم كيان الدولة الجائرة ويدفع بسيد الشهداء سلام الله عليه في مسيرته نحو هدفه، كما أن أهل المدينة أعلنوا ثورتهم عقب استشهاد الإمام عليه السلام ــ ومعنى هذا توفّر الإمكانيات المادية والمعنوية لديهم لمعاضدة ثورة الإمام عليه السلام ــ.

    فالقصد أن سيد الشهداء عليه السلام لم يبدأ حركته بسبعين رجلاً كي يثار سؤال عن الجدوى من حركته وكونها إلقاءً للنفس في التهلكة أم لا.

    فإنه يجاب بأن بدء الحركة كان بهذه الجموع الغفيرة الوفيرة ولم تبدأ بسبعين.

    نعم لمّا بلغ الإمام عليه السلام خذلان أهل الكوفة وتقاعسهم عما عاهدوه عليه واستحكام قبضة السلطة في الكوفة مما أدى إلى انهيار معنويات الناس واستسلامهم لبطش الدولة اتضح أنه لا جدوى من الحركة إن كان الهدف منها ــ فقط ــ إسقاط الدولة الجائرة، إذن فليس من البعيد أن الهدف قد تغيّر كما أنّ الخطّة أخذت منحى آخر، ولذلك أعلن على الملأ الذين معه استشهاد مسلم رضوان الله تعالى عليه وخذلان أهل الكوفة له وسمح للناس بالانصراف عنه لكنه عليه السلام استمر في نهضته: «بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ليس عليه ذمام»[2].

    6) إن مسألة إلقاء النفس في التهلكة والحكم المتعلق بها مشوّشة في أذهان أبناء الأمة، فإن أصل نزول الآية المباركة: ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))[3].

    على ما ذكرته الكتب المعنية بهذا الشأن هو أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرجوا إلى الجهاد فنزلت الآية المباركة محذرة لهم ومهددة ومبيّنة بأن ترك الجهاد إلقاء للنفس في التهلكة وهي النار التي هي مآل العصاة والمجرمين هذا أولاً، ومع التسليم ــ كما هو الصحيح ــ بشمول الآية لأمثال المورد الذي نحن بصدده فإن حركة سيد الشهداء عليه السلام خارجة تخصيصاً، إن لم نلتزم بخروجها تخصصاً عن الحكم المطلق في الآية المباركة حتى مع غضّ النظر عن مسألة عصمته وتسديده وتبصّره التام في أموره موضوعاً وحكماً وعاقبة.

    وذلك: لأنّه عليه السلام أعدّ لنهضته مستلزماتها وخرج إلاّ أن الحركة السريعة للدولة للسيطرة على الوضع والأسلوب الإرهابي الذي اتبعته ومنها إعدامها لزعيم المعارضة في الكوفة مولانا مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه ومن أسنده كهاني وعبد الله بن يقطر وغيرهم، أدى بالحركة إلى عدم تحقيقها لأهدافها فوراً، وإن حققت أهدافاً عظيمة بالتدريج بل لعل ما تحقق بالتدريج لم يكن ليتحقق فيما لو استلم الإمام الحسين عليه السلام الحكم، ومصداق هذا ما حصل في دولة الوصيّ وفي أيام حكم المجتبى من فتن واضطرابات بسبب المنافقين وطابور معاوية في الكوفة أو لعوامل أخرى، غير أنّ نتيجة الحال في الكوفة إثر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام هو نموّ نبتة التشيّع فيها شيئاً فشيئاً إلى أن استولت عليها.

    وهناك أسباب كثيرة أخرى وكلّها تصبّ في منحى أن حركة الإمام عليه السلام ناجحة مائة في المائة بحسب ظرف قيامها، نعم بدأت الأمور تتراجع من بعد ترك أهل الكوفة لمسلم إذ هدّدهم ابن زياد بجيش الشام ــ ولم يكن في البين جيش من الشام أو غيرها كما لم يحضر جيش كهذا أبداً، نعم تجمّعت فلول المنافقين والخوارج والأمويين من أهل الكوفة ونظّمت جيشاً كهذا وقتلت الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسرت نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصبيته كما قتلت خيرة عُبّاد الأمة وأبدالها ــ.

    إن عدّ قضية الحسين عليه السلام قضية في واقعة: إمّا لأنّها غير مطابقة للقواعد الفقهية أو للمسلمات المعروفة عن أهل البيت عليهم السلام في ظرف كهذا أو لعدم اتضاح ظروف الواقعة بما يمنع انسجامها مع القواعد والمسلمات فلابدّ من افتراض ظرف غير معلوم وغير واضح لنا أدى إلى اتخاذ الإمام عليه السلام لموقفه هذا.

    ويتضح من خلال بياننا لأسباب الثورة أن الدوافع واضحة وظرفها يقتضي ما فعله الإمام عليه السلام فتخرج عن كونها ــ قضيّة في واقعة ــ نعم هناك أمور غير مفهومة للوهلة الأولى، مثل الإصرار على عدم البيعة ونتيجة هذا إصرار يزيد على قتله عليه السلام، ثم منها إصراره على الاستجابة لكتب أهل الكوفة مع كونهم أهل غدر ونكث وقد اشتهر هذا عنهم ولهم سوابق مع الإمامين عليهما السلام قبله عليه السلام، وإصراره عليه السلام على الذهاب إلى الكوفة، واختياره خصوص كربلاء للاستشهاد، وامتناعه عن مقاتلتهم ابتداءً إلى غير هذه لكن لو تبينت لنا وجوه صحيحة لهذه الأمور والأمور الأخرى التي تستدعي الاستغراب والتساؤل فإن هذا سيرفع عنها، وبلا ريب، الحكم بأنها قضية في واقعة، وهو الذي نحاول الإسهام في تبيينه ــ مع بقية المهتمين بهذا الميدان ــ وذلك من خلال كتبنا ومقالاتنا.

    بقلم: الشيخ محمد البغدادي

    ـــــــــــــــ

    [1] صرّح ابن الزبير في خطبة له بمكة أنه كان للإمام الحسين عليه السلام بيعة في عنق معاوية وقد نقضها الأخير ببيعته ليزيد، قال: ثمّ إنه أخذ البيعة لابنه يزيد في حياته، ونقض ما كان في عنقه من بيعة الحسين بن علي عليهما السلام. راجع: مقتل الحسين عليه السلام لابن أعثم: ص180.

    وهذا يقوّي ما نقل من أن عقد الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية قد تضمّن إرجاع الخلافة إلى الإمام الحسن عليه السلام بعد معاوية ومع وفاة الإمام الحسن عليه السلام ترجع إلى الإمام الحسين عليه السلام، ومما يقوّيه أيضاً اغتيال معاوية للإمام الحسن عليه السلام مع أنه ترك له الحكم وهناك شواهد أخرى.

    [2] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص75.

    [3] سورة البقرة، الآية: 195

  9. #19
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,067 المواضيع: 1,005
    التقييم: 10947
    آخر نشاط: 7/December/2024
    بارك الله فيك..مشكوره عزيزتي
    تقييم

  10. #20
    ....
    sajaya ruh
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Albayatya مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك..مشكوره عزيزتي
    تقييم
    عزيزتي منورتني
    ممتنه للتقيم ..دمت بخير

صفحة 2 من 11 الأولىالأولى 1 234 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال