من هم الأبدال ؟
جواب : الأبدال : جَمْعُ بَدَلْ وَ بَدِيل ، و هم الزُّهاد ، و العُبَّاد ، و الأولياء المخلصين للّه .
و في علم الرجال [1] يُعتبر عَدُّ الراوي من الأبدال مَدحاً من الدرجة العليا يصل إلى درجة التوثيق ، فمثلاً نجدُ أنَّ الشيخ الطوسي (قدَّس الله نفسه الزَّكية) لدى ذكره لحجر بن عدي الكندي ، يقول :
وكان من الأبدال [2] .
أقوال العلماء في الأبدال :
قال العلامة الطُريحي : الأبدال قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم ، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر.
و في القاموس : الأبدال قوم يقيم الله بهم الأرض و هم سبعون ، أربعون بالشام و ثلاثون بغيرها ، لا يموت أحدهم إلا قام مقامه آخر من سائر الناس [3].
و للعلامة الراغب الإصفهاني تفسيرٌ آخر للأبدال حيث يقول : و الأبدال قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين ـ و قد أنكر بعض الناس وجودهم ـ .
ثم يضيف قائلاً : و حقيقته هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة ، و هم المشار إليهم بقوله تعالى: { فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [4] ، [5] .
الأبدال في الأحاديث و الأخبار :
لقد ذُكرت مفردة " الأبدال " في الأخبار و الأحاديث الشريفة في مواضع مختلفة ، لكن رغم إختلاف مواردها فقد جاءت كلها في مقام المدح و الثناء ، بحيث يظهر منها أن الأبدال هم أناسٌ يمتازون عن غيرهم بالصلاح و الدرجة الإيمانية العالية و الرفيعة.
فمثلاً جاء في وصايا النبي ( صلى الله عليه و آله ) لعلي ( عليه السَّلام ) : " ... وَ إِنْ جَامَعْتَهَا فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّهُ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنَ الْأَبْدَالِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ... " [6].
وَ رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " مَنْ دَعا للمؤمنين و المؤمنات في كل يوم خمساً و عشرينَ مرة ، نَزَعَ اللهُ الغِلَّ من صدره ، وَ كََتَبُه من الأبدال إن شاء الله " [7].
من هم الأبدال تحديداً ؟
لدى مراجعة الأحاديث و الروايات الواردة فيما نحن بصدد بيانه و دراستها نجد أن مفردة " الأبدال " استُعملت في الروايات و الأحاديث في المعاني التالية:
الأول : الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) أو خواص أصحابهم :
فقد رُوِيَ عن الخالد بن الهيثم الفارسي أنه قال : قلت لأبي الحسن الرضا [8]( عليه السَّلام ) إن الناس يزعمون أن في الأرض أبدالا ، فمن هؤلاء الأبدال ؟
قال : " صدقوا ، الأبدال الأوصياء ، جعلهم الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض بَدَلَ الأنبياء ، إذ رفع الأنبياء و ختمهم محمد ( صلى الله عليه و آله ) " [9] .
قال العلامة المجلسي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) بعد ذكره للرواية السابقة : ظاهر الدعاء المروي من أم داود عن الصادق ( عليه السَّلام ) في النصف من رجب ـ حيث قال ـ : " اللهم صل على محمد و آل محمد ، و ارحم محمدا و آل محمد ، و بارك على محمد و آل محمد ، كما صليت و رحمت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على الأوصياء و السعداء و الشهداء و أئمة الهدى ، اللهم صل على الأبدال و الأوتاد و السياح و العباد و المخلصين و الزهاد و أهل الجد و الاجتهاد " ، ـ إلى آخر الدعاء ـ يدل على مغايرة الأبدال للأئمة ( عليهم السلام ) ، لكن ليس بصريح فيها ، فيمكن حمله على التأكيد .
ثم أضاف قائلاً : و يحتمل أن يكون المراد به في الدعاء خواص أصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) ... [10] .
الثاني : أصحاب الإمام المهدي المنتظر ( عجَّل الله فرَجَه ) :
فقد رَوى طارق بن شهاب عن حذيفة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول : " إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين ، و ولي الأمر خير أمة محمد ، فالحقوا بمكة ، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام و عصائب العراق رهبان بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن و المقام ... " [11] .
وَ رُوِيَ عن جابر الجعفي أنه قال : قال أبو جعفر [12] ( عليه السَّلام ) : " يبايع القائم بين الركن و المقام ثلاثمائة و نيف عدة أهل بدر ، فيهم النجباء من أهل مصر ، و الأبدال من أهل الشام ، و الأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء الله أن يقيم " [13].
الثالث : النخبة الصالحون من المؤمنين :
و يدل عليه مضافاً إلى الحديث المشتمل على وصايا النبي ( صلى الله عليه و آله ) لعلي ( عليه السَّلام ) ، الذي ذكرناه في بداية البحث الحديث المذكور بعده .
صفوة القول :
و لعل الصواب في معنى الأبدال هو أن لهذه المفردة معناً عاماً يُراد به الصفوة الإيمانية و النخبة المتميزة في كل عصر ، و هذا المعنى العام يكون له مصاديق متعددة ، و أبرز هذه المصاديق هم الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) ، ثم الخواص من أصحابهم ، ثم المؤمنين الخُلَّص .