اهتمت المدرسة التجريدية الفنية بالأصل الطبيعي , ورؤيته من زواية هندسية , حيث تتحول المناظر إلى مجرد مثلثاث ومربعات ودوائر .
وتظهر اللوحة التجريدية أشبه ماتكون بقصاصات الورق المتراكمة أو بقطاعات من الصخور أو أشكال السحب , أي مجرد قطع إيقاعية مترابطة ليس لها دلائل بصرية مباشرة , وإن كانت تحمل في طياتها شيئاً من خلاصة التجربة التشكيلية التي مر بها الفنان .
إنها اتجاه يرفض الصورية وبالتالي الطبيعة وأبعادها المرئية . التجريدية هي انتقال الفن من مجال محاكاة الطبيعة وتصوير العالم المرئي إلى التعامل مع الأفكار والشعور والأحاسيس , أو ما يسميه أبو التجريدية كاندنسكي (kandenski) بالضرورة الداخلية , ليجعل اللامرئي مرئياً . إنه الفن الذي ينقل المشاهد إلى المشاركة في العمل الفني بدل أن يكون حكماً عليه , والذي يقطع نهائياً مع الواقع . الأشكال قائمة بذاتها , مبتكرة من ذوات الأفكار والأحاسيس , لا تدل غالباً على موضوع .
وعموماً فإن المذهب التجريدي في الرسم , يسعى إلى البحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها في أشكال موجزة في داخلها الخبرات الفنية , التي أثارت وجدان الفنان التجريدي . وكلمة (( تجريد )) تعني التخلص من كل آثار الواقع والارتباط به , فالجسم الكروي تجريد لعدد كبير من الأشكال التي تحمل هذا الطابع : كالتفاحة والشمس وكرة اللعب وما إلى ذلك . فالشكل الواحد قد يوحي بمعانٍ متعددة , فيبدو للمشاهد أكثر ثراء .
ولعل أول عمل تجريدي هو لوحة للفنان واسيلي كاندنسكي Wassily Kandinsky رسمها عام 1910 م رغم أن الاسم لم يشتهر في ذلك الوقت . ويزعم التجريديون أن الفكرة الفلسفية لهم قديمة . وقد أوجدها أفلاطون في ثنايا حديثه عن الفن . والتجريد نوعان :
(1) تجريد جزئي
حيث تبدو بعض ملامح الشكل المرسوم , بحيث يمكن التعرف عليه من جانب المشاهد .
(2) تجريد كامل يهتم فيه الفنان بالأشكال والأحجام والألوان فقط , ولا تكون هناك أهمية للموضوع المرسوم .
وتلتقي المدرسة التجريدية مع عدد من المدراس في نحوها هذا النحو , ومن هذه المدارس :
1- التكعيبية .
2- الإنشائية أو البنوية التي أنشأها فلاديمير تاتلين . ويعمل فنانوها بكل الخامات كالأسلاك , والزجاج , والحديد . كما عمل فنانوها في العمارة , وتصميم الأثاثات , وفي الزخارف , وكل ذلك بهدف ربط الفن بالحياة اليومية . وعلى الرغم من أن أصلها روسي , إلا أنها قد انتهت في روسيا منذ عام 1921 م واستمرت في ألمانيا بقيادة الفنان جابو حتى عام 1932 م . وفي فرنسا بزعامة أخية بفسنر وقد هجرا بلادهما روسيا لرفضها للفن التجريدي .
3- (( التاشية )) التي تعتمد على وضع الألوان على شكل بقع كبيرة متجاورة كما في أعمال الفنان الألماني ألفريد ولز وهنري مايكوكس
4- التعبيرية التجريدية التي توسطت بين التعبيرية والتجريدية فلم تكن تعبيرية خالصة ولا تجريدية خالصة . أما من ناحية الأسلوب فقد استعارت أسلوب السريالية وطورته , كما استعارت أفكار التكعيبية . ومن أعلامها جاكسون بولوك وروثكو .