الشيخ قاصد والواوي* ..قصة حقيقية!
عندما دخل الأنكليز العراق عام 1918 بعد أن تم دحر العثمانيين من منطقة الفرات الأوسط قرروا أنشاء معسكر لهم في هذه المنطقة.
وبالفعل نفذوا ذلك وكان مكان المعسكر يقع ضمن مناطق نفوذ أحد مشايخ الفرات الأوسط آنذاك وهو الشيخ گاصد.
ولم يكن لهذا المعسكر واجب يذكر فكل شيء هادئ جدا" في المنطقة والعثمانيون غادروا العراق نهائيا”. ولم يكن لدى الضباط والجنود أي واجبات. وكان لديهم الكثير من الوقت فقرروا صيد الثعالب*(واوية) وهي هواية محببة لدى فئة كبار العسكريين البريطانيين.
وفي أحد المرات قامت مجموعة من ضباط هذا المعسكر بمطاردة ثعلب داخل عمق مناطق بساتين الشيخ كاصد. تمت محاصرة هذا الثعلب وكان جميل الشكل فقرروا أسره وشحنه إلى بريطانيا للمباهاة.
وتشاء الصدف أن يشهد الحادثة أحد الرعيان وكان قبيح المنظر أعورا" وأعرج وقصير القامة. ولم ينبس هذا الراعي بشفة في حينها لكنه أمتعض امتعاضا" شديدا". وحالما غادر البريطانيون البستان جمع الخراف على عجل وتوجه إلى مضيف الشيخ.
دخل الراعي المضيف وكان الشيخ جالس مع رجاله وربعة من العربان وقام برمي العقال على الحصيرة وهوس مايلي بالجلفي (مع الشرح بالفصيح):
واوينا ياگــاصد شنهو السبب كضة
(لماذا أسرو ثعلبنا)
تراجية ذهــــــــــب والطــوك من فضة
(معناها ثعلبنا عزيز وغالي)
جم صوجر بصـــــــــــوجر بالسدر عضة
(عض كثير من الجنود البريطانيين)
ميســــــــور إل لنـــــــــــدة يــــــودونة؟
(هل سنقبل بأن يرسل إلى لندن أسير)
عندئذ ساد المضيف الهرج والمرج من شدة هذا الكلام عليهم، شلون الواوي يروح أسير إلى لندن.
وزعق الشيخ گاصد على أتباعه: تفـگگكم أخوتي ...تفگكم أخوتي ...
وجمع الشيخ گاصد مجموعة كبيرة من المسلحين ببنادق الكجك جبلي القصيرة والتي تستخدم في الهجمات الالتحامية وتوجه والى المعسكر البريطاني.
وفي هجوم خاطف دخلوا المعسكرغير المستعد وفتكوا بكل الجنود البريطانيين الموجودين فيه. وبحثوا مطولا" عن الواوي ولكن بدون جدوى ولم يكن له أثر فعاد الشيخ گاصد مع رجاله إلى ديارهم وهو يرتعد من الغضب فقد تم شحن الواوي إلى لندن وكان هذا قدره.
أما ما كان من البريطانيين فقد صعقتهم المفاجأة فهذا عمل عسكري تكتيكي لا سابقة له في تاريخ الحرب العالمية الأولى وما قبلها. وربما أخذ الألمان من الشيخ گاصد فكرة الحرب الخاطفة. وبدأ البريطانيون تحقيقاتهم وتحرياتهم مستفيدين من ذوي النفوس الضعيفة وشخصوا قائد المقاتلين وتحسبوا لكل ما يمكن أن يكون أسوأ من ذلك واعتبروه اهانة لا يمكن غض النظر عنها لملكتهم المعظمة وللتاج البريطاني وتوصلوا إلى حل أوله قطع رأس الشيخ گاصد
وكعادة البريطانيين في الكيد و الخباثة طلبوا من الشيخ گاصد أن يتوجه لمقر المندوب السامي البريطاني في بغداد للتفاوض والغرض الحقيقي الإنفراد به وأسره لغرض تنفيذ الحكم بأعدامه.
رفض الشيخ گاصد هذا الطلب وقال ما معناه اللي يريد يحچي وياي يتفضل عندي بالمضيف وهو آمن على الرحب والسعة.
عندئذ توصل المندوب السامي إلى حل وسطي في الخباثة وأرسل له بطلب موافاته في القطار الذي سيتوقف في أقرب محطة من مقر الشيخ گاصد وفي ضميره أن يأسره في القطار ويتوجه به إلى بغداد حيث يعدمه هناك. وافق الشيخ گاصد وتوجه إلى المحطة .
وعندما وصل إلى المحطة كانت تحوط القطار من جميع الجهات جميع تفاگة العشاير والربحر من الرجال والعكل والسلاح من عشائر الفرات الأوسط . وكان القطار يبدو مثل القارب الصغير وسط بحر من الرجال المسلحين
وطار قلب المندوب السامي البريطاني شعاعا" فقد ظن بأنه وقع في فخ الشيخ گاصد (كلمن يشوف الناس بعين طبعه) وأن الشيخ ينوي الفتك به كما فتك بجنوده.
ولكن الشيخ گاصد لم يكن يضمر الغدر وصعد إلى القطار وكان لبقا" ودبلوماسيا " في حديثه مع المندوب السامي وحاول بحلاوة المنطق إن يعيد الواوي إلى موطنه. وهنا ارتأى المندوب السامي طلب جزية لقاء الجنود الذين قتلوا في المعسكر البريطاني فلم يكن يصدق مطلقا" أن هذا العمل العسكري المرعب هو لإطلاق سراح الواوي. وحاول أن يكون حادا" مع الشيخ بكل عنجهية واستعلاء فكتوري على طلب مبلغ يكسر الظهر.
أدرك الشيخ گاصد أن لا جدوى من الكلام مع المندوب السامي البريطاني فقال له إنني لست صاحب القرار في ذلك ولكني سأنقل رغبتك بكل أمانة لأخوتي وأنا سأطيعهم في ما يقررون. وخرج الشيخ من القطار ولم يجرأ أحد على إيقافه
خاطب الشيخ گاصد جموع المحاربين قائلا" بطريقة يفهمونها بقصد استفزازهم على البريطانيين:
- الصاحب يريد دن (جزية تعويضية) والواوي باقي يمهم شتكولون أخوتي؟؟؟؟؟؟؟ .
وهنا جن جنون المحاربين من هذا الطلب وظلوا يهوسون ببنادقهم ورافقتها أطلاقات نارية في الهواء
. دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا
ارتعدت فرائص المندوب السامي ومن معه من المرافقين والحرس وظنوا أن الهلاك المحتم مصيرهم وأشار عليه أحد مرافقيه أن يغض النظر عن هذا موضوع الدن وأن يعد الشيخ بإطلاق سراح الواوي بأسرع وقت. فقال المندوب السامي ما معناه منين أجيب الواوي؟؟؟ فقال له من معه " جيب أي واوي منين ما جان وأعطه لهم وسد حلكهم.".
عندئذ أبرق إلى بغداد بإرسال أي واوي شلون ماكان بأسرع ما يمكن وكان له ما أراد.
وهكذا عاد الواوي الأغبر إلى دياره بزفة عظيمة من هوسات المقاتلين الذين أسعدتهم عودته ولم يسبق أن حظي بهذه الزفة أي واوي في تاريخ العالم القديم أو الحديث. كذلك عاد الشيخ گاصد فرحا" ومسرورا" بعودة الواوي العزيز والغالي والذي من أجله سقط العشرات من الجنود البريطانيين مضرجين برصاص العشاير فداء له.
من ناحية أخرى عاد المندوب السامي مع مرافقيه إلى بغداد غير مصدقين بنجاتهم من ناحية وكيف أن أرواحهم كانت على المحك وإنها توقفت على واوي أغبر واحد وما أكثر الواوية في العراق وبريطانيا العظمى...
خلاصة الكلام مما سبق أن العزة لله وحده ولكن من يعتز بأبناء بلده جميعا" حتى لو كانوا واوية فأنه لن يهون أو يهان أحد من أبناء ذلك البلد مطلقا".
لقد عرفها الشيخ گاصد قبل تسعين عاما"
فهل عرفناها نحن؟؟؟؟
الجواب أسمعة من عدكم
وينكم سمعوني..
ملاحظة:للأسف لم نتوصل الى أسم الكاتب..لذلك لابد أن نعتذر منه ونقول له: عاشت الأيادي..
كاردينيا