طبعًا..
لم يكن زمنًا للحبّ. ولكن أليست عظمة الحبّ في قدرته على الحياة في كلّ الأزمنة المضادّة؟
الدليل أنْ لا شيء ممّا قرأته أو ممّا حدث لي بسبب هذا الرّجل، جعلني أعدل عن فكرة حبّه.
شيء يجرفني نحوه هذا المساء. شيء يحملني. شيء يركض بي. شيء يجلسني جوار هاتف.
على حافّة السّرير أجلس، دون أن أجلس تمامًا. وكأنّني أجلس على حافة قدري.
امرأة ليست أنا، تطلب رجلاً قد يكون «هو». ورجل اسمه «هو»، يرتدي أخيرًا كلماته، لا كلماتي.
يصبح صوتًا هاتفيًّا. قد يقول «ألو». قد يقول «نعم»، قد يقول «من؟».
امرأة عجلى تطلب أرقامه الستّة. وتنتظر كلمة منه. تقرّر هكذا أن تبادره بالصّمت. كأنّها تتذكّر أنّها لا تعرف هي من تطلب بالتحديد.
صوته يخترق صمتها.
لا يقول «ألو». لا يقول «نعم». لا يقول «من؟».
يقول:
- كيف أنتِ؟
يواصل أمام دهشتها.
- انتظرت هاتفك.
يضع شيئًا من الصّمت بين الكلمات يواصل:
- جميل أن يأتي هاتفك ليلاً..
هي لم تقل شيئًا بعد.. وهو يتحدّث إليها كأنّه يراها بتداخل الحواسّ.. صوته يختزل المسافة بين حاسّة وأخرى. يعيد تنقيط الأحلام.
تعرفه من نقاط الانقطاع في كلامه. تعرفه، وتحبّه بنبرته الهاتفيّة الجديدة، دافئًا، كسولاً.
تقول له أوّل جملة تخطر في ذهنها:
- أحبّ صوتك..
يجيب:
- وأحبّ صمتك..
( فوضى الحواس )