عراق بلا عراقيين !!
ان المتتبع لحالات الشعوب التي مرت بمرحلة المخاض العسير والتغير القصري خلال التاريخ الحديث وخصوصاً ما بعد الحرب العالمية الثانية او ما يتبادر الى ذهنه ذكر الشعب الياباني من جهة الشرق والشعب الالماني من جهة الغرب .. فقد صنعا من الهزيمة انتصار ومن الانكسارعز ... ولا يحتاج هذا الامر الى براهين ودلائل او وثائق ومصادر .. وهنا يتبادر الى الذهن سؤال هل ما مرَّ به العراق اعنف من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي ؟!! ام اشنع من التقسيم الذي مر به الشعب الالماني ؟!! .. وان كان الشعب الياباني موحدا الا ان الشعب الالماني يتكون من فسيفساء تشبه الى حد ما الفسيفساء التكوينية للشعب العراقي ..!! فمنذ سقوط الصنم الصدامي الذي لا يستطيع احد من المجاهدين او المناضلين او أي طائفة او قومية تدعي الفخر بانها اسقطته لكي يتبجح علينا بهذا الفضل ويجعل نفسه وصياً على الباقين من بني جلدته ...!! فقد شاء الله تعالى ان تجري الاسباب بمقاديرها وتثبت القاعد الالهيه (الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه) فكان سيف الظلم الامريكي بالمشيئة الالهية هو من اسقط الصنم الصدامي ... فمنذ ذلك الحين ولحد الان مازال العراق يتصدر القوائم السوداء حسب الترتيب الذي اعددته المنظمات العالمية المختصة .. ولا يتقدم عليها فيها الا الصومال وافغانستان !! فهو المتصدر في مجال الفساد الاداري والرشوة !! والمتصدر في مجال الغوغاء السياسية !! والمتصدر في تأخر عجلة التطور الا ما يكتبه الاعلام لتلميع الصورة الحاضرة والواقعية المريرة !! وللعودة الى مثالا في بدأ الحديث نتسائل .. كم من الوقت احتاجا اليابانيون والالمان لأعادة البنى التحتية المدمرة والخدمات اللوجستية المهمة والحياة الطبيعية لشعوبهم !!! سينبري لنا احد المتبجحين بوطنيتهم ليقول : ان هؤلاء لم يتعرضوا لمؤامرات خارجية وتآمر داخلي ؟ .. نسلم لذلك ونقول كان الله بعون الشعب قبل ان يكون بعون مسؤوليه ..!! ولكن لم يتوقف الامر عند هذا الحد .. فالجميع نسى او تناسى ان العراق منذ سقوط النظام الصدامي المقبور ولحد الان لم يستطع اصحاب القرار فيه ان يخرجوه من البند(السابع) من قرارات الامم المتحدة !! وما ادراك ما البند (السابع) !! لو ان شعباً غير الشعب العراقي قد (تحرر) من نظام دكتاتوري بغيض لكان اول شيء يطالب به اخراجه من هذا البند اللعين !! الا اننا ما زلنا نعاني من حب الانا فوق حب الوطن !! واي وطن انه العراق الايكفينا فخرا اننا نحمل هذا الاسم العظيم ... لنفي اليه حقه ونجلس امام ممثليات الامم المتحدة في كل ارجاء العراق ولا نعود الى اعمالنا او بيوتنا او حياتنا الطبيعية الا ان يرفع عن عراقنا هذا البند (السابع) ...!! انه العراق يا سادتي مركز الارض برمتها .. فمن هنا ابتدأت الحياة بنزول ابينا آدم وامنا حواء على ارضه الكريمة .. وهنا كان الطوفان العظيم واستوت سفينة نبي الله نوح – عليه السلام- على الجودي وابتدأت الحياة بدايتها الثانية هنا .. وهنا يا ايها الحاملين لأسم العراق انبرت اول فأسٍ تحطم الاصنام انها فأس الخلود فأس ابراهيم الخليل – عليه السلام – لتخرس النمرود ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) البقرة258... وهنا نهاية الحياة حيث دولة صاحب الامر _ عجل الله تعالى فرجه الشريف- فتورث الارض ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) القصص 4 .. وما بينهما سفرٌ خالد من المجد التليد يتربع على عرشه سيد الوصيين وامير الموحدين مولانا الامام علي – عليه السلام – اول من اتخذ الكوفة عاصمة له ... وهنا ملحمة كربلاء حيث عشق الحُسين وخير كوكبة على الارض من الشهداء... لقول الامام الحسين – عليه السلام - لأصحابه: «أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي...» .. هذه ارض انجبت الخلد كله وتسعى لترث المجد كله ... ونحن اليوم نحمل اسمها ولكننا لم نحافظ عليه بل نسوء له !! فهل ينطبق علينا قول : ( بئس الخلف لخير سلف ) !! ... جميعنا يتغنى بعشق العراق ولكن من منا خدم العراق !! .. حتى من ابتغى الاخلاص في خدمته لهذا البلد الكريم لا يجعلها خدمة خالصة لوجه الله .. او لحب العراق .. بل يشرك بذلك حزبه او طائفته او قوميته او .. او 0 او .. واذا كان هناك مخلصاً جداً في حبه وعمله سيواجه مافيات لا تعد ولا تحصى تمنعه من الوصل الى غايته وعصابات من المتسلقين والمتملقين والمنافقين تشوه صورته وان لم تفلح ستقوم بتصفيته بابشع الطرق !! فيضطر الى التزام الصمت والنظر من بعيج الى ما يحري دون ان يحرك ساكن ... اذا تمكن االحفاظ على نهجه سليما ..!! فكم سليم معافى جرفت ايدي الرشاة فجعلته مرتشيا ... وكم كريم خلوق اجربته يد اللصوص فحولته الى سارق ...!! وما يحز في النفس اننا نرى التساقط مستمر ..!! فيتبارى ابناء العراق اليوم لسرقته بعدما بنى اجدادهم مجده وبذلوا الغالي والنفيس من اجل علو كعبه ورفعته الى يومنا هذا !! وتبلغ الانانية الفردية والانانية التكتليه بشتى اصنافها (القومية والعرقية والدينية) ذروتها في عصرنا الجديد هذا وتتجاوز حب الارض وحب العراق ...!! فأين يكمن السر في هذا السقوط العجيب ؟!!... والانحدار الخلقي الرهيب ؟!! ان الشعوب المحبة لأرضها ووطنها صنعت من هزيمتها مجدا وبنت من محنتها طودا .. ونحن وبعد ان خلصنا الله تعالى من اعتى عصابة عرفها التاريخ الحديث نصنع اليوم من خلاصنا سقوطا .. ومن تحررنا انحداراً ...!! سألت يوماً احد كبار السن من الاوفياء القدماء : ماسبب هذا السقوط ياترى برأي ؟ .. اجابني بلا تردد وبفطرته الناصعة : انها ازمة اخلاق نمر بها ... فتبادر الى ذهني على الفور قول الشاعر :
انما الامم الاخلاق مابقيت *** فأن ذهبت اخلاقهم ذهبوا
فها هي اخلاقنا تذهب من بين ايدينا شيئاً فشييء ..!! فاين ياترى سنذهب نحن بعدها ؟!! قال لي ابي مرة : (كان اللص (الحرامي) في السابق لا يسرق من منطقته .. وكان الخائن لا يخون اهل جلدته !! واليوم الكل يسرق و الكل يخون ارضه وبلده!!.. وكنا بعضنا يرحم بعض ويعطف عليه .. واليوم يقتل بعضنا بعض ويتشمت به!!) ... هذه حقائق بطعم العلقم لا بد ان نعترف بها... فلا المسؤول مبرء ولا الشعب معصوم ...!! فكيف يبرء المسؤول افعالا شنيعة حدثت ومازالت تحدث اهونها منذ السقوط لم تعالج اهم المسائل الا وهي الكهرباء وعلى هذا المنوال قس ما شئت بعدها ...؟!! وكيف يتقبل شعب ان تملأ شوارعه النفايات والاوساخ وتسول له نفسه لزيادتها بدل ان يساهم برفعها ؟!! .. هذان مثلان فقط من ملايين الامثلة التي تدل على ما نعانيه من ازمة اخلاقية لاتمت لمجتمعنا الاصيل بصلة ... ويكفي السائل الدخول يوما الى المحاكم العراقية ليرى الخلافات والمنازعات والاختلاسات و النصب والاحتيال و قضايا الشرف والخيانة .. والقتل والسلب والنهب .... فقد شوه الدين بعدما لبس اللصوص لباسه ... وشوهت السياسة بعدما أُتُمن الخائن ... واصبحنا مصداقا لقول الشاعر : لا تربط الجرباء حول صحيحة *** خوف على تلك الصحيحة ان تجربُ
ومنذ السقوط بدا الجرب الاخلاقي ينتقل الى كل طبقات المجتمع واشكاله ولم نتجرأ يوماً ان نتخلص من الذين يسعون في ارض وطننا فسادا بل تركناهم طلقاء حتى اصبحنا جميعاً اما مفسدين اوشياطين ...!! أليس الساكت عن الحق شيطان اخرس !! فأشجعنا اليوم لاذ بالسكوت وتردد على الالسنه بالعراقي (آني شعليه)!! او تسمع من الف صوت يخرس الحق ليقول له (لاتصير براسي وطني) ... فكأنما نحن في معسكر الباطل كشيعة آل ابي سفيان حينما قال لهم الامام الحسين – عليه السلام – ( يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم او كونوا عُرباً كما تزعمون) .. فاصبحنا بلا دين فديننا اليوم لعقٌ على الستنا ... ولسنا باحرار فحريتنا كذبة نتبجح بها ولا نمتلكها ... ولا عُرباً كما ندعي فعروبتنا لم يبقى منها الا اسمها ... فكنا مصداقا لقول الشاعر :
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيبٌ سوانا
انها دعوة للنظر فيما وصلنا اليه .. ولنذكر انفسنا ومن حولنا .. بقوله تعالى ((..إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ )) الرعد 11 .. فهل نملك الاستعداد لهذا التغيير ام اننا نتسابق الى السقوط ؟!. يجرنا اليه الطمع والجشع و المال السائب والاخلاق المفقودة !! ليتحول مجتمعنا الى طباقات متباينة ... طبقة تداس باقدام الجشعين والسراق والمنافقين ... وطبقة تشرب من دماء الفقراء وتصعد عل اكتافهم وتبني عروشها على دماءهم وتقتلهم وهم احياء ... لتحول فيهم القتلة وضعاف النفوس الذين يبيعون انفسهم بابخس الاثمان ليخونوا وطنهم ووطنيتهم ... وطبقات تتبجح بقوميتها واخرى بحزبها وثالثة بطائفتها ويبقى العراق بلا عراقيين !!