ملحمة كربلاء العظيمة
ياعين ُ هذا مأتم ُ الأحزان ِ = فابكِ الحسينَ على مدى الأزمان ِ
وتقَرّحي مما جرى في كربلا = بالنوح ِ والأكدارِ والأشجان ِ
فلقد هوى سبطُ النبوةِ ظامئاً = بين َ العدا وكواسرَ العُقبان ِ
رضّت ْ سنابكُ خيلِهم أضلاعهُ = مِن بعدِ ما داسَت على الجُثمانِ
تركوهُ في ذاكَ الصعيدِ مُرَمّلاً = بدمائهِ ، مُلقىً على التربانِ
سَلبوهُ في يومِ الطفوفِ ملابساً = لهفي عليهِ مُجرّدَ الأكفانِ
ذبحوهُ مَظلوماً بعَرصَةِ كربلا = وسقوهُ كأسَ الغدرِ والأضغانِ
فعلى الثرى جسدُ الوليُّ مُقطّعُ = والأرضُ تُرْوى بالنجيعِ القاني
حمراءَ يحسَبُها الثكولُ ملاحفاً = صُبِغَت ْ مع َ التبجيل ِ بالمرجانِ
لهفي عليهِ وأيَّ خطبٍ صابهُ = دارتْ عليهِ عصابة ُ الشيطانِ
مِن كلّ أفّاكٍ وكلّ منافقٍ = أو جاحدٍ بالآلِ والقرآن ِ
نقضوا عهود َ الله ثمّ محمدٍ = مذْ بدّلوا الإيمانَ بالبُهتانِ
مِن ليسَ يعرفهُ الزمانُ بمؤمنٍ = حتى ولا مِن طاهرِ النسوان ِ
هذا هو الخطبُ الجليل بعينه = سادتْ أراذلهُم على الأوطانِ
قطعوا الرؤوس وخلّفوا أجسادها = في الطفّ لم يقرب ْ إليها الداني
يتلذّذون بقتل آلِ محمد ٍ = بالسّم ِّ والأحجار والمُرّان
هذا برأسِ الرمح يصلب رأسَهُ = أو ذاك يُحْمَلُ كالأثيم الجاني
هَدَموا عُرى الدينِ الحنيفِ وضيّعوا = سننَ الإله ِ الواحد ِ المنانِ
ياليت شعري أينَ ساداتُ الورى = مابين ذبحٍ في القفا وطعان ِ
أو بين قرعٍ بالسياط وربطِهِم ْ = بحبائل الأشرار والطغيان ِ
ما أنس َ لا أنسى بناتَ محمدٍ = يبكين بالتصويت ِ والإرنان ِ
يندبن ليثاً غاب في سوح الوغى = مِن سادةِ الأنسابِ في الأكوانِ
قد قطّعوا منه الوتين َ وجسمَهُ = عندَ الطفوف ِ بعُهْدة الدّيان ِ
وأخوه مقطوع اليدين موسّدُ = بين الفرات ِوخيرة الفرسان ِِ
ماراعهُ تلك الجيوشَ وحربهَُم = حملَ اللواءَ بعزمِه ِ المتفاني
وَرَدَ الفرات َبعزمهِ متمكّناً = مِن زُمرةِ الأرجاس والأوثان ِ
ملأ القرابَ وصدره ُ متلظياً = مثل َ الحسين وقلبهُ سيّان ِ
لم ْ يرتشف منه القليل بكفّه = حتى يسيرَ على خطى الإخوان
فرمى المياهَ مردداً أرجوزة ً = صارتْ مِن الأحكام للإنسانِ
يانفسُ هوني لإبن بنت ِ محمّدٍ = إنّ الحسين فريضة ُ الإيمان ِ
إن كان في حب الحسين شهادتي = هاتيك منزلة ُ من الرحمن ِ
يرمي بذابل رُمحِه وسطَ العِدا = والموتُ يحصدهم برمحٍ ثاني
ماراعهُ كثرُ الجيوش وزحفُهم = بل راح يرسلها إلى النيران ِ
بعث الردى نحو الطُغاة ِ وجُندُهم = يقضي على الأرواح ِ بالأبدان ِ
ملأ الطفوف من الروؤس بسيفه = وبدت مع الأجساد كالكثبان
والله ماينجون من ضرباته = ماكان للعباس ِ مِن أقران ِ
وجدوا المنايا طائعاتَ لفعله = وكأنها حممُ من البركانِ ِ
نسفت عروش الظلم ِ معْ تيجانها = وتظنها هُدِمت على السلطانِ
لم ْ يأمنوا سيف الأبيّ ورمحهِ = لله من عزم ٍ ومن وجدان ِ
لم ْ يعرفوا أنّ الوصيّ بكربلا = فرّوا مِن الصمصام ِ كالظُلمَانِ
لم يدركوا أن ّ الليوثَ وولدها = لم تختلفْ في البأس والعنوان ِ
هذا سقى كلُّ الفوارسِ حتفَهُم = متمكناً يوم التقى الجمعانِ
وفقاره بيمينه لما مضى = كالبرق يخطف ُ أشجع الشجعانِ
قد سددّتهُ يدُ الإله ورسلُهِ = بلغت ْ من التسديد كلّ مكان ِ
والسيدُ العباس من حامى الحمى = لافرق لأبن الليثِ في الميدان ِ
فكلاهما في ربّه مُتيقّنا = وبشرعة الإسلام والأديان ِ
فمضى يصول على العدا بحسامه = صولاتَ كرار الورى العدنان ِ
غدروا به عند الفرات بغيلة ٍ = قطعوا عليه مع العهود أماني
قطعوا الشمال مع اليمين ورأسه = ضربوه في عمدٍ من القضبانِ
فنعاهُ سبط ُ محمدٍ مُتكدراً = وبعبرة ٍ وبأنّةِ الثَكلان ِ
خلع َ العمودَ فقوّضت آركانه = إنّ العمودَ دعامة َُ البنيان ِ
يبكي فتنحدرُ الدموع ُ بشدّةٍ = وعيونه كالعارض ِ الهتّانِ
ينعى الكميّ وقبله أصحابه = بعد النياح بخطبة ٍ وبيان ِ
أين الكماة ُوأين ساداتُ الوغى = هلاّ رددتم ْ كفّة العدوان
فلعلَّ ليثاً مِن ليوث ِ كتيبتي = قد جاء بالأنصار ِ والأعوان ِ
مَن للكتائب ِ ياحبيب ُ وعسكري = ركبَ الردى للخلدِ والرضوان ِ
هذا الزمان ُ يدور ُ في دوراته = وكذا الزمان ُ يعود ُ بالدوران ِ
هوّن عليكَ فلا أمانَ لدهرنا = إن ّ الدهورَ سريعة ُ السُّلوانِ
غدرت بآل محمدٍ في كربلا = ولقد بكى من غدرها القمران
يادائم َ الذكر العظيم فإنني = أبقى السعيد َ بساحة ِ الغفرانِ
مادام ذكرك َ في الورى متقدّساً = بين العباد وعند كلِّ أذان
يممتُ قلباً في هواك َ مُتيّماً = مافيه مِن مكرٍ الخبيث الشاني
متوجهاً نحو الجموع بصولتي = وعزيمتي بالراحم ِ الدّيانِِ
فأتى الحسين ُ الى عقيلة ِ هاشم ٍ = وهي الكفيلُ وآيةُ العرفانِ
والخدُّ منها بالدموعِ مُخدّدُ = ويلاهُ تجري بالدّما الخدّانِ
فتعانقا يوم الفراق ِبعبرةٍ = علوية ٍ تجري بغير عنان
وَعَلا البكاءُ مِن الأحبة ِ للسّما = ولقد تفجّعَ للبكا الثقلان ِِ
مازال يخترقُ السماءَ لهيبُها = بين الورى أو عند كلّ أذان ِ
فمضى الحسينُ إلى القتال وقلبُه = عند الوداع ِ كأنّه قلبانِ
فهوى الحسينُ إلى الثرى متعفّرا = لَمْ يدّخر ْ جهداً مع الإمكان ِ
لولا القضاءُ لكانَ جيش ُ أميةٍ = طُعماً لبطنِ الأجدل الغرثانِ
لكنهُ رفع الشموخ بكربلا = وبنى أساس العزّ للإوطان ِ
جعل الإباء شهادةَ مِن أرضها = لتُخرّجَ الأحرارَ في الحدثان ِ
فالله ُ يشهدُ أنّ نورَك في السما = قد بات يخترق الثرى بثواني ِ
فتوهّموا أن الحسينَ على الثرى = ونضالَهُ يدنو مِن النسيان ِ
كمْ مِن قتيلٍ في الحروب ِ دماؤه = أضحت ْ مِن الآثار ِ للسكّان ِ
لاشرع َإلا ماتراهُ لنا القنا = لارأي َ للمظلوم ِ في البلدانِ
وهنا تفرّق جمعُهُمْ في كربلا = بدم ِ المجدّدِ في الدُنا والباني
أنّى التفَتّ وجدتَ أرضاً كربلا = أو صرخةً الثوّار في السجّانِ
وتحطّمتْ تيجانُ مَن عبدَ الهوى = لاشرعَ إلا شرعة َ الرُضوانِ
بطلُ أذلَّ أميةَ وطُغاتَها = وأذلَ خادمَهُمْ مع السُلطانِ
قد قدّمَ الشيءَ النفيس َ لربّهِ = بمناهجِ التسبيح ِ والإحسانِ
قطعوا الوتين َ وقلبهُ متيقن ُ = بالنصر ِ مِن هذا اللعين ُ الجاني
مازال َ يرقى في السماء مُكبّراً = حتى إنتهى في روضة ٍ السُبحانِ
هذا ابن ُ خيرِ عبادهِ ووصيّه = ساد الجنانَ كَسَيّدِ الشبّانِ
فتحتْ له ُالأملاكُ أبواب َ العُلا = بالذكرِ والصلوات والريحانِ
فرجوتُ آل َ محمّدٍ متوسّلا = بالفوزِ عند شفاعة ِ الحنانِ
لأكون في ركبِ الحسين ِ بطرستي = ألقي القصيدَ بروضتي وجناني
ولطالما وعدَ الحسينُ شفاعةً = هذا لمن يبكي ومن بكّاني
لكننّي أرثي الحسين َ على الورى = والحرفُ يأتي طائعاً لبناني
ما خابَ مِن رثيّ الحسينُ بكلْمةٍ = كلا ولا خابَ البعيدُ الداني
ياكاتباً أرثِ الحسينَ بمهجة ٍ = حرى ودعْ قولَ الزنيم الفاني
اللهُ قدْ أعطى الحسين َ كرامةً = نوراً وليست بقعةُ الدُّخانِ
أعطاهُ في ذاك الضريح وسيلةً = تشفي النفوسَ بنفحةِ في الآن ِ
وترابهُ أزكى ترابٍ في الدُنا = لا الوردُ ينثرهُ على البستانِ
هذي جماهير ُ الورى بضريحه = صبّتْ مدامعَها على الغدرانِ
لَطموا الخدودَ معَ الصدورِ جميعُهُم = وبصرخة ٍ نفديكَ والثقلان ِ
يبقى الحسين ُ على القلوبِ هويةً = علوية َ التصنيفِ كالبنيانِ
أنهي القصيدَ بدمعةٍ وبحرقةٍ = والقلبُ في حزنٍ معَ الغليان ِ
فسلامُ ربّي للحسينِ وصِحبهِ = رَجَحَت ْ على الصلواتِ في الميزانِ
علي الربيعي .