0
عندما يأخذ الأب قرار السفر فإنه يلجأ إلى أخذ رأي الشريك فهو الرأي الأول والأخير في إتخاذه قراره، ولا يستشير الأهل والأصدقاء إلاّ عندما يكون في حيرة من أمره،
ولا يشعر بأن رأي الشريك داعم له أو مسيّر لأمره كما أنه وحتى في حال كان يرى مغريات، ووجد نجاح الآخرين في السفر فإنه لن يشعر بارتياح إلاّ إذا كان هناك موافقة وإتفاق تام بينه وبين الشريك حول هذا الموضوع،
لكن بشكل عام فإن سفر أحد الشريكين له تداعيات نفسية مزعجة على كليهما وهو أمر ليس بالمستحب لأن السفر الفردي هو نصيحة غير حكيمة.
غياب الأب
ان الآثار الجانبية التي يتركها غياب الأب عن الأسرة غير حميدة، وإذا ما أردنا العودة إلى تاريخ الهجرة بحد ذاتها والعمل في الخارج فإن لها أسباب عدة أبرزها عدم الاكتفاء المادي في الوطن والسعي إلى تحسين الدخل ويختلف سبب الهجرة باختلاف البلد المقصود للعمل في الخارج
فإذا كان المقصد الذهاب الى البلاد الأوروبية فيكون من أجل تحقيق رفاهية أكبر للعائلة والحصول على الجنسية لتأمين حياة أفضل وهنا لا يتأثر الأولاد كثيرًا لأنهم يكونون بحضرة الأم والأب،
أما السفر الى البلدان العربية فيعني أن الأب مضطر للسفر وحده وترك عائلته في بلده من أجل تأمين دخل أكبر، وهنا يحقق المال ويخسر عائلته وزوجته وأولاده،
فغياب الرجل يدفع بالمرأة إلى تحمّل مسؤولية كبيرة والبحث عن الحُب والأمان عند شخص آخر، ويدفع بالأولاد إلى الضياع بسبب غياب عمود البيت وركنه الأساسي.
دكتور أحمد يوسف (أخصائي علم النفس)
للأب دور كبير في الضبط الإجتماعي، فهو رمز للسلطة والقوة، والإبن يحاكي الأب في السلوك ومن خلال الأب يتعلّم الأبناء الكثير وتنضج خبرتهم ويتعرّفون على الحياة، وتأثير غياب الأب يعتمد على جنس الطفل وعلى السن الذي حدث فيه الغياب،
ولقد إتفق معظم علماء النفس والاجتماع على أن تأثير الأب يبدو أكثرَ وضوحًا في مرحلة الطفولة خصوصًا مع الأولاد أكثر من البنات،
فالأولاد يتربّون من خلال آباء أقوياء وعطوفين، ويصبحون هم أنفسهم أكثرَ دفئًا وثقة بالنفس وقدرة على القيادة من الأطفال الآخرين.
الخطر يداهم الأبناء
أثبتت الدراسات أن غياب الأب يُؤثر على الأبناء من الناحية الجسمانية والنفسية والاجتماعية فيبدو الطفل أقلَّ نشاطًا ويكون أكثر عدائية حينما يلعب مع أصدقاءه ويتلّفظ بألفاظ عنيفة،
كما يؤثر غياب الأب في الضبط الاجتماعي داخل الأسرة والذي من شأنه أن يؤدي إلى فوضى سريعة في الأسرة وعندئذ يفشل الأفراد في الاتفاق مع المجتمع، وفي ذات السياق فإن غياب الأب لا يؤثر فقط على الأبناء بل يؤثر على الأم أيضًا التي تفقد شريك حياتها
وتقوم بدور مزدوج الأمر الذي يضغط على سلوكها ويؤثر على تربية أطفالها، ولا تستطيع الأم ابداً تعويض دور الأب القيادي التربوي.
قصص من معاناة الحياة
عبير أحمد (34 عاماً، لا تعمل)
المال كان الدافع وراء سفر والدي إلى الخارج ما دفع بوالدتي إلى تحمّل مسؤولية تربيتنا منفردة،
لكن للأسف لم تعوّض المادة غياب أبي الذي توفى في بلاد الغربة ولم يتسن لنا وداعه، غياب والدي عرّض والدتي للكثير من المواقف المزعجة والمهينة والمذلّة،
كما جعلنا نفقد عنصر الحب الذكوري في حياتنا وذلك دفعنا إلى البحث عن الحب في الشريك وفقدان هذا الحب الرجولي دفعنا انا وشقيقاتي الى إختيار الشريك الخاطئ ولم ننعم بحياة زوجية جميلة هذا بالنسبة للبنات،
أما للرجال فلم يتعلّموا كيفية إحترام العائلة والتزام الارتباط العائلي وأوصلهم الأمر إلى الطلاق.
شخصياً أوصلني إلى الطلاق وفسخ خطبة أخرى، وذلك بسبب عدم وجود مرشد في العائلة يدفعني إلى تركيز خياراتي وإختيار الشخص الصحيح،
كما أن التفكّك العائلي الذي أصابنا جرّاء سفر والدي كان له الاثر الأكبر في تكويني النفسي، وفي قناعاتي إن سفر ولي أمر الأسرة أرفضه رفضاً مطلقاً، ولا يمكنني لو إرتبطت مجدداً قبول أن يحصل الأمر معي ومع أولادي اذا رزقت بهم من جديد.
محمد منيمني
(20 عاماً، طالب جامعي)
يصف محمد معاناته بسبب سفر والده إلى الخارج لظروف ليست بالحسبان، فقد نشأ واصبح يافعاً بعيداً عن والده، ويقول أن غياب والده عن المنزل تعدى الثماني سنوات، ولم يره خلال تلك الفترة سوى أيام معدودة،
وهو يحتاجه كثيراً ويحتاج لتوجيهاته ونصائحه، خاصة أنه أصبح شاباً في مقتبل العمر وأبيه ذو خبرة واسعة في الحياة، ونصائحه تهمه،
كما أن والدته لا تستطيع أن تفهم ما يفكّر فيه، وهناك الكثير من الأمور التي يستطيع مناقشتها مع والدته فهو يشعر بالخجل ويشعر بأنه في حاجة لمناقشتها مع رجل علّه يعطيه الأفكار الصحيحة.
عُمر العلي
(أستاذ اللغة العربية- 50 عاماً)
كسَبت كثيراً من سفري إلى إحدى الدول الذي امتد قرابة السنوات العشر ولم نعد نعاني أيَّ ازمة مادية . بل أصبحنا على النقيض نعيش في رغد من العيش،
وكنت خلال السفر أترك زوجتي وأولادي في بلدي لظروف ارتباطهم بالمدارس وكانوا في رعاية والدي لكنه لم يستطع أن يستوعب أحد أبنائي الذي أخذ يدخن السجائر ويرسب في المدرسة،
وانضم إلى رفقاء السُوء وانقلبت شخصيته تماماً وفقدنا السيطرة عليه وكلما رأيته أمامي تذكرت انه ضحية سفري .
تقرير روتانا