مضمار السيارات الذي تقام فيه المسابقات
مضمار السيارات auto drome، هو المكان الذي تُقام فيه رياضة سباق السيارات بأنواعها، أو رياضة السرعة، وهي رياضة خطرة، تبرز فيها موهبة المتسابق ومهارته في قيادة السيارة، إضافة إلى كفاءة السيارة، ويكون عبارة عن مسارات مُقامة للسباق خصوصاً، وتتخللها أحياناً الطرق العامة. ويكون المضمار مُعبّداًً بكامله أو تتناوب فيه الطرق الإسفلتية والترابية أو الرملية أو الوعرة، وأحياناً الجليدية.
وينظم هذه السباقات الاتحاد الدولي لرياضة السيارات الـ FIA الذي تأسس عام 1904، كسباق الفورمولا Formula Racing وبطولة العالم للراليات، وسباق ربع الميل وغيرها من أنواع السباقات[ر. سباق السيارات].
لمحة تاريخية
أقام الإغريق المضمار على سفوح التلال، ومارسوا فيه سباق العربات والخيول، وكانت إحدى نهايتيه نصف دائرية والأخرى مستقيمة تنتهي برواق، وأشهر الميادين الإغريقية مضمار القسطنطينية Costantinople عاصمة الإمبراطورية البيزنطية؛ المبني نحو 203م. والمُسمى اليوم ساحة السلطان أحمد في إصطنبول بتركيا.
ثم أخذ الرومان عنهم هذه الرياضة، ومن أهم المضامير الرومانية مضمار مكسيموس The Circus Maximus في روما (الشكل 1)، وهو بطول 600م وعرض 200م، وسعة 250000 مشاهد. وتأخذ مضامير السباق الرومانية شكل حرف U، ولكن النهاية العلوية للحرف مغلقة، وتلتف حول مسارات السباق صفوف مقاعد حجرية لجلوس الجمهور.
الشكل (1) مضمار مكسيموس في روما
ومع التطور العلمي والتقني حلّت السيارة محل العربة وسيلة نقل في الحياة اليومية، وكذلك في مضامير السباقات الرياضية. وقد بدأت رياضة سباق السيارات عام 1890، وأُقيمت أوائل السباقات في طرق مفتوحة تربط بين المدن، وكانت معظمها مرتفعة وحادّة وغير مرصوفة، تصعب فيها إمكانية السيطرة على السيارة، مما يؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة.
ويُعد نادي السيارات الفرنسية المؤسس عام 1895 أول منظمة عالمية أشرفت على أول سباق سيارات؛ الذي كان ذهاباً وعودة بين مدينتي باريس وبوردو في فرنسا بمسافة نحو 1200كم، وكانت سرعة الفائز بالسباق 24 كم/ساعة. كما كان يتم تمييز السيارات المشاركة على أساس طريقة الدفع وهي الوقود أو البخار، وعدد المقاعد. وبعد ذلك اهتم الاتحاد الدولي لرياضة السيارات بإيجاد القوانين التي تضمن سلامة السائق والمتفرج. وأقيم أول سباق في بطولة العالم في الفورمولا واحد في سيلفرستون Silverstone في بريطانيا عام 1950.
ثم أُنشئت حلبات مخصصة لإقامة السباقات، حيث فرض الاتحاد الدولي لرياضة السيارات شروطاً قاسية في تصميم الحلبة، وطولها وعرضها، وسطحها، ومادة إكسائها، وشروط الأمان والسلامة فيها؛ إضافة إلى ما تتضمنه من معدّات وتسهيلات. كما تقوم لجنة سلامة الحلبات بتدشين الحلبة بعد موافقتها على جودة مواصفاتها، ويُشترط القيام بالصيانة الدورية لها قبل كل سباق.
أنواع المضامير:
هنالك نوعان أساسيان لمضامير سباق السيارات؛ هما:
ـ المضمار البيضوي: وهو مضمار إسفلتي تتخلله أحياناً أقسام ترابية، يحتوي طرقاً مستقيمة تنحدر عند المنحنيات، وليس له طول محدد، إذ يراوح طوله من 0.4 كم إلى نحو 4 كم، ومن أهم هذه المضامير المضمار الذي يُقام عليه سباق «إنديانا بوليس 500» Indianapolis 500، (الشكل 2) المشابه لسباقات الفورمولا من حيث مواصفات السيارات المشاركة، وكذلك تُقام عليه سباقات الـ Stock، وهو السباق الأكثر شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشترك فيه الشاحنات الأمريكية إلى جانب السيارات العادية، وتكون محركات هذه السيارات في المقدمة.
الشكل (2) حلبة إنديانا بوليس - الولايات المتحدة الأمريكية طول الحلبة 4.192كم
ـ حلبة سباق الطرق: وهي أشبه بطرق المدينة، تحتوي على طرق مستقيمة ومرتفعات ومنحنيات عديدة، بعضها أُطلق عليه تسميات معينة مثل (ملتوٍ، منعطف حاد)hairpin, dogleg، ويتضمن بعض هذه الحلبات جزءاً من الطرق العامة أو المضمار البيضوي، ويقام على هذا النوع من المضامير سباق الفورمولا، وسباق السيارات الرياضية.
وفي مضامير السباق كافة توجد منطقة تُسمى «بيت» Pit (الشكلان 2 و6) يحصل فيها المتسابقون على الخدمات الضرورية في أثناء عملية السباق، كتبديل الإطارات والتزوُّد بالوقود، وهي عمليات تستغرق بضع ثوانٍ نظراً لأهمية الوقت في السباق. وقد كانت الحلبات تميل إلى كونها سريعة مع سحبات طويلة، ومع تطور أداء السيارات أُدخلت عليها بعض المنعطفات للحدّ من السرعة الزائدة.
ومن الأمثلة على الحلبات حلبة البحرين الدولية، (الأشكال 3 و4 و5) المخصصة لسباقات الفورمولا واحد، وقد بلغت كلفتها 150 مليون دولار أمريكي [ر. سباق السيارات]. تقع الحلبة في منطقة الصخير جنوبي البحرين، وقد قامت بإنشائها شركة تيلكيه العالمية وشركة سيباركو البحرين بالتعاون مع شركة «دبليو سي تي WCT» الماليزية للهندسة، وهي مشادة على أرض مساحتها مليون وسبعمئة ألف متر مربع، وتتسع لأربعين ألف متفرج. وقد تمت مراعاة الطابع المعماري البحريني والعربي في التصميم الهندسي، واستوحى المصمم المعماري التغطية من أشكال الخيمة الصحراوية. وهي مؤلفة من خمس حلبات مختلفة، وأبنية الخدمات وأبنية الجمهور.
الأشكال (3، 4، 5) حلبة البحرين الدولية
كما تُعدّ حلبة إسبانيا Spain لسباق الفورمولا واحد، (الشكل 6) الواقعة شمالي برشلونة؛ في منطقة كتالونيا Catalan من أفضل الحلبات الحديثة من ناحية التصميم، حيث إنَّ المصمم أخذ في الحسبان إمكانية مشاهدة المتفرج للتجاوز، الأمر الذي يستهوي عشاق هذه الرياضة أكثر من متابعة العرض، وفيها منعطفات حادّة، ومساحات واسعة مرصوفة بالحصى لإبطاء سرعة المنحرفين عن المسار.
ومن الحلبات حلبة ريمز Reims التي يبلغ طولها 8.301 كم؛ والتي يبلغ طول حلبة التجربة فيها 7.152 كم، وحلبة مونزا Monza في إيطاليا، (الشكل 7) التي يبلغ طول منصة السباق فيها 4.25 كم، وعرضها الأدنى 9 م.
وأحياناً تكون المنعطفات حادة وخطيرة في بعض الحلبات، مما يؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة، فيتم تعديل تلك الحلبات، كما في حلبة «وودكوت» التي شهدت حوادث انزلاق ودوران لسيارات في سباق عام 1973، فأضيف مقطع متعرج فيها قبل سباق سنة 1975، وأُعيد بناء الحلبة عام 1991، وأُضيفت إليها تعديلات كبيرة عام 1994.
وتُعد حلبة سوزوكا Suzuka اليابانية (الشكل 8) من أصعب الحلبات العالمية، وهي مصممة بشكل رقم (8)، وتتضمن مزيجاً متنوعاً من الزوايا السريعة والبطيئة، والتجاوز فيها يكاد يكون مستحيلاً؛ و لاسيما بعد تضييق المقطع المتعرج قبل موقع الحفر سنة 1991 مما أفسد فرصة التجاوز في نهاية الطريق المستقيم الرئيسي.
كما يُعد مضمار دبي أوتودروم الذي افتُتح عام 2004 أول مضمار متكامل لسباق السيارات الرياضية في المنطقة، يشمل حلبة للسيارات بطول 5.39كم و6 مضامير مختلفة، ومدرسة تعليم القيادة والسباقات. وهو مكان ملائم لإجراء التجارب وتطوير نماذج السيارات وطرح المنتجات، وإجراء أبحاث عن قيادة السيارات في الطقس الحار.
على الرغم من وجود الحلبات المصممة وفق أحدث النسب والمعايير الهندسية التي توفر الخدمات للمتسابقين والجمهور؛ فإن السباقات التي تُقام في شوارع المدن تتميز بالشعبية والمشاركة الجماهيرية أكثر من السباقات المُقامة على الحلبات، ومن أشهر هذه السباقات سباق موناكو.
برز مهندسون متخصصون بتصميم الحلبات، كالمصمم الألماني الشهير هِرْمَن تيلِكه Hermann Tilke الذي صمم حلبة تركيا ذات الأربعة عشر منعطفاً، والواقعة على بعد 80 ـ 90كم من وسط إصطنبول؛ إضافة إلى حلبتي البحرين والصين الجديدتين.
الشكل (6) حلبة إسبانيا في كتالونيا (شمالي برشلونة)
الشكل (7) حلبة مونزا - إيطاليا
الشكل (8) حلبة سوزوكا - اليابان
تطور المضمار وعلاقته بتطور السيارات
في البداية تميزت السباقات ببساطتها نتيجةً لضعف مكابح السيارة أو فراملها، وصعوبة السيطرة عليها والتحكم بها في طرق معظمها غير مرصوفة وحادّة، وتتعرض لرياح شديدة. ثم استفاد مصممو السيارات من التقدم التقني، فعملوا على زيادة قدرة السيارات مما ضاعف سرعتها، كما تنافس المصممون ومصنِّعو السيارات لتطوير سيارات السباق.
في خمسينيات القرن العشرين تطورت صناعة السيارات تطوراً هائلاً من حيث المحركات والشكل الانسيابي ونوعية الإطارات والمواد المستخدمة فيها؛ مع أخذ عامل الأمان بالحسبان؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة سرعة السيارات إلى حدّ كبير. وقد انعكس ذلك بصورة مباشرة على تصميم حلبات السباق، إذ أصبحت هنالك مسارات متعرجة في المضمار عند بعض المنعطفات للتخفيف من سرعة السيارات، كما أنَّ شدة تموج الحلبة تحتاج إلى قدرة ومهارة عاليين في الاستجابة والتحكم بالسيارة في شتى الظروف، كما تطرح المنعطفات الضيقة مشاكلات خطيرة لأجهزة السرعة.
كذلك فرض الاتحاد العالمي لرياضة السيارات شروطاً ومعايير متعلقة بتصنيع السيارة تؤخذ فيها مواصفات الأمان القياسية، والتلوث البيئي بالحسبان، كوجود الأحزمة، واستخدام خزانات الوقود المضادة للتسرب، والبنزين الخالي من الرصاص.
تُصنَّف السيارات المشاركة في السباق إلى مجموعات مثل (أ) A و(ن) N وغيرها... فالسيارة المنتمية للمجموعة A، هي التي تُصَنَّع، وتُسَوَّق في المصانع التي تنتج سيارات مخصصة للمشاركة في بطولة السباقات العالمية، أو السباقات القوية، وهي باهظة الثمن، وذات تجهيزات عالية الجودة، وهي مجال للتنافس بين مُصنعي السيارات. أما سيارات المجموعة N فيمكن لأيّ شخص شراؤها من أيّ معرض سيارات؛ والقيام بتجهيزها بنفسه.
أبنية الخدمات
يشارك السائقون والمصنِّعون في رياضة سباق السيارات بإشراف حُكام دوليين، إضافة إلى فريق ذي اختصاصات متعددة، كالمختصين في احتساب الزمن والبث إلى الشاشات الإلكترونية الموجودة على طول مسار الحلبة، والفريق الطبي، والمسعفين، ومكافحي النيران، وفرق الإنقاذ، وفرق التزويد بالوقود، والميكانيكيين؛ إضافة إلى الفنيين والإداريين.
وهؤلاء جميعاً يتوزعون ميدانياً على مسار الحلبة. وهنالك أبنية متخصصة للخدمات كأقسام الشؤون الإدارية والاستقبال، والمراكز الطبية ومراكز الإسعاف، كما أصبحت المراكز الإعلامية الصحافية ومراكز البث التلفزيوني والإذاعي للصحافة المحلية والعالمية من الأبنية الخدمية الأساسية الموجودة إلى جانب الحلبة.
كما تتطلب عمليات الصيانة أو التدخل في حالات الطوارئ في أثناء السباق وجود أنفاق تحت الحلبة لنقل المشاة والآليات؛ إضافة إلى توافر المرآب اللازم للوصول السهل إلى أماكن السباق، وبعض الحلبات تتضمن مهبطاً لطائرة.
كما توجد أبنية مخصصة لإقامة الفرق الرياضية المشاركة، ومراكز تجميع المعلومات التقنية الخاصة بالسيارات المشاركة.
أبنية الجمهور
إلى جانب المضمار الذي يجري فيه السباق، هنالك أماكن لعدة آلاف من المشاهدين. إضافة إلى وجود الفنادق وأماكن الاستضافة وإقامة كبار الضيوف، إلى جانب مراكز المبيعات والتسوق من مطاعم ومقاهٍ وأماكن الاستراحة وبيع التذكاريات؛ والمباني الخاصة بالشؤون الإدارية والاستقبال.
وتشهد أبنية الخدمات وأبنية الجمهور تطوراً كبيراً مرتبطاً بشعبية هذه الرياضة التي أصبحت من الموارد الاقتصادية المهمّة في بعض الدول. كما بدأت بلدان الشرق الأوسط تتطلع إليها بجدّية، وشهدت سورية في الآونة الأخيرة عدّة سباقات للرالي الصحراوي الذي يستهوي عشاق هذه الرياضة وهواتها، إضافة إلى مساهمته في تطوير السياحة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ماريان صفائي