محابس المياه مع الرسم الهندسي
المحابس المائية water locks منشآت ومعدات مائية تستخدم في مجاري النقل المائي وشبكات الري ومياه الاستعمال المنزلي، وظيفتها تحويل جزء من التصريف المائي للمجرى أو كامله، وتنظيم ارتفاع كمية المياه التي تتدفق في الأقنية وانخفاضها، وفتح شبكات الري والمياه المنزلية وإغلاقها حسب الحاجة.
يعتمد مبدؤها السيطرة على مستوى المياه وكميتها والتحكم بهما؛ مما دفع الإنسان إلى ابتكار الصمامات والمحابس المائية وتطويرها تبعاً لتطور الحياة الإنسانية، فكان بداية ضيق المستوى، مثل رفع المياه ضمن الأقنية أو تحويلها من منطقة إلى أخرى باستخدام الحجارة والأتربة، ومن ثم تطور هذا المبدأ؛ ليصير منشآت مائية مثل السدود والبوابات والقنوات الصنعية والصمامات لتحويل المياه من مصادرها الطبيعية، ومن ثم نقلها إلى المزارع لاستعمالها في الري، أو إلى الأبنية المختلفة لاستعمالها في الشرب والغسيل.
لمحة تاريخية
حاول الإنسان منذ أقدم العصور السيطرة على المياه لما لها من أهمية في حياته؛ إذ تُعدّ مصدر رخائه وسعادته وفي الوقت نفسه مصدر رعب وخوف؛ مما دعاه - منذ العصور القديمة - إلى محاولة التحكم بالمياه بإنشاء المحابس المائية المختلفة.
- تكشف المخطوطات المنسوبة لحمورابي منذ نحو2000عام ق.م أنه كان إدارياً ناجحاً وحازماً، فيذكر في أحد قوانينه «أن من أهمل تقوية المجاري المائية المجاورة لأرضه، وتسبب نتيجة لهذا الإهمال في اكتساح المياه للحقول المجاورة، فعليه أن يعوض أصحابها ما فقدوه من المحاصيل والحبوب».
- ويعتقد أن إحدى ملكات آشور القديمة التي عاشت قبل عام 2500ق.م قد اتسم عهدها بالخير والرخاء، فقد أصدرت توجيهاتٍ لحكومتها تقضي بإنشاء محابس مائية لتحويل مياه الأنهار وري الأراضي القاحلة، وقد حفر على قبر هذه الملكة ما يأتي: «لقد قهرت المياه، فتدفقت وفقاً لرغبتي تبعث الخصب للأرض بعد جدبها وخلوها من السكان».
- وهذا ما يؤكد استمرار عملية التحكم بالمياه بالمحابس المائية منذ آلاف عدة من السنين في وادي النيل، ومنذ عصور سحيقة في سورية وبلاد فارس والهند وجاوا وإيطاليا. وتفخر اليوم مصر ببناء أقدم سد في العالم منذ (5000 عامٍ مضت) بلغ طوله نحو 108م وارتفاعه 12م؛ وذلك لتخزين مياه الشرب والري، والتحكم بها بالمحابس المائية.
وفي الصين بدأ إنشاء المحابس المائية منذ أكثر من 4000 عام؛ إذ كان مقياس نجاح ملوكها متوقفاً على مدى تقدمهم وحكمتهم في استخدام أساليب السيطرة على المياه بوساطة إنشاء المحابس المائية، وانتخب فيها عام (2200) ق.م الملك يو من أسرة هسيا ملكاً تقديراً لعمله المتميز في فن التحكم المائي بالمحابس المائية. كما أن سد توكيانج الشهير الذي ما يزال قائماً إلى اليوم، قام بتشييده «لي» وابنه في عهد أسرة تشين عام 2000 ق.م؛ وذلك بهدف التحكم بالمياه وإمداد حقول الأرز بمياه الري.
- وفي سري لانكا ثمة خزانات يناهز عمرها 2500 عام، كما جاء في مخطوطاتها المدونة في عام 300 ق.م أنها كانت خاضعة كاملة لنظم التحكم بالمياه بوساطة المحابس المائية، ومن ثم كان الرخاء فيها شاملاً لتمكنهم من زراعة محصولين وحصادهما سنوياً.
- وجد الإسبان في القرن الخامس عشر عند غزوهم المكسيك والبيرو أنهما كانا يستعملان وسائل متقنة لتخزين الموارد المائية ونقلها والتحكم بها.
وهكذا فإن التحكم بالمياه يعد من التقنيات البالغة الأهمية سواء في المناطق الجافة من العالم لتوفير المياه الضرورية، أو في المناطق الرطبة التي لا تقل أهمية التحكم بمياهها عن سابقتها؛ وذلك لمنع أضرار المياه. وقد أدى التنازع على البقاء وتزايد الحاجة إلى كميات إضافية من الطعام إلى التوسع السريع في ممارسة عمليات التحكم بالمياه ومناسيبها بالمحابس المائية يدوياً وآلياً.
أنواع المحابس المائية وأهميتها
الشكل (1) محابس يدوية لفتح شبكة الري وقفلها الشكل (2) محابس كهربائية لقفل شبكة الري وفتحها
1 ـ محابس المياه أو الصمامات المائية:
ـ محابس الإغلاق والفتح أو محابس التحكم: تستخدم في فتح شبكات الري والشرب وقفلها (الشكل 1).
- محابس عدم رجوع المياه: الغرض منها منع رجوع المياه في الاتجاه العكسي لحركتها، ولاسيما في حال استخدام الأسمدة في شبكة الري، وللحيلولة دون حدوث تلوث للمصدر المائي بعكس اتجاه المياه.
- محبس صمام تخفيف الضغط: غالباً ما تحدث زيادة في الضغط المائي داخل الشبكة نتيجة إيقاف المضخة أو تشغيلها، أو بسبب الإغلاق المفاجئ لأي صمام آخر.
تصنع الصمامات من المعدن أو اللدائن غالباً، ويمكن أن تقوم بالتحكم وتخفيف الضغط في آن واحد. تتنوع محابس التحكم، فمنها ما يعمل هدروليكياً، وأخرى كهربائياً مع مقبض للتشغيل اليدوي (الشكل 2).
2ـ بوابات التحكم: وتنشأ عبر مجرى مائي للتحكم بوساطتها بالمياه الجارية في الأقنية الرئيسة والفرعية ولتحويل جزء من تصريف المجرى المائي أو كامله، كما هو المتبع في إنشاء السدود والهدارات على الأنهار. وتشتمل على الأنواع الآتية:
- بوابات التحكم المقامة على أقنية الري: تعمل محابس مائية للمآخذ، ولاسيما في مآخذ المجاري المائية الصغيرة التابعة للأقنية الرئيسة الكبيرة. تستعمل في هذا النوع الأخشاب لرفع منسوب المياه (الشكل 3 ـ أ)، ويمكن أن تكون من الخرسانة مع لوح خشب أو معدن (الشكل 3 ـ ب).
الشكل (3- أ) بوابة خشبية ذات جناحين قياسية للتحكم بتوجيه المياه الشكل (3- ب) بوابة تحويل خرسانية ولوح خشبي
يتم التحكم في هذه المحابس يدوياً أو كهربائياً من بعد. وفي الزراعات الصغيرة يستعمل مزارعون كثيرون السدود الترابية المؤقتة لتحويل المياه في الأقنية الصغيرة باستخدام المجارف العادية، أو بالقش والحشائش التي تثبت في مكانها بأوتاد خشبية، وذلك في الترب المعرضة للتآكل والانجراف. وهذه المحابس المؤقتة غير مناسبة للمجاري المائية التي يزيد تصريفها المائي على 50 لتر/ثانية.
- محابس المياه في المنحدرات: تُنشأ هذه المحابس من الخشب، أو الخرسانة أو الحديد، وتكون فعّالةً في حال نقل المياه في المنحدرات، إذ يمكن التحكم جيداً بوساطتها في سرعة المياه، فلا ينتج أي هتك أو انجراف في قاع القناة وجوانبها. يهبط الماء عبر هذه المحابس مسافة قصيرة وتخف طاقة جريانه المائي المتدفق، ومن ثم تعمل أحواض تهدئة وتخميد. ويمكن أن تكون هذه المحابس متعاقبة ومتقاربة من بعضها بعضاً حسب شدة الانحدار (الشكل 4).
الشكل (4) رسم مقطع عرضي تخطيطي لمحابس المياه في المنحدرات
- محابس التحكم المقامة على السدود: وهي بوابات تعمل على توفير الأمان المطلوب لحماية السدود والتحكم في مستوى مياهها.
يمكن تصنيفها في ثلاثة أنواع، وهي: محابس المفيض ومحابس المآخذ ومحابس المجاري المضغوطة لتوليد الكهرباء.
تهدف محابس المفيض إلى إمرار كميات المياه الكبيرة التي تزيد على قدرة التخزين في بحيرة السد؛ والناتجة من الأمطار الغزيرة والفيضانات. فتعمل هذه المحابس جيداً على تفريغ الفيضانات المائية التي تتعرض لها السدود، وتحافظ على أمان السدود؛ إذ إن العديد من السدود قد دمّر كاملاً لعدم توافر مثل هذه المحابس ولاجتياح مياه الفيضان أعلى السد.
أما محـابس المآخذ فيتم فتحها حسـب الحاجة، لاستغلال المياه في الري (الشكل 5).
الشكل (5) بوابات أسمنتية لتنظيم عمليات الري
وتُنشأ المحابس المضغوطة في السدود المقاومة لتوليد الطاقة الكهربائية من مياهها، إذ إن محطة التوليد تحتوي على مجموعة من العنفات المرتبطة بمجموعةٍ من المنوبات، ويتم توجيه المياه من أعلى بحيرة التخزين نحو العنفات بوساطة مجارٍ مضغوطة تعمل على إدارة هذه العنفات وتوليد الطاقة الكهربائية.
- محابس الملاحة (بوابات الملاحة): تستخدم لتسهيل مرور المراكب طبيعياً في الممرات المائية عند وجود فرق في المنسوب المائي الذي يمكن أن يعوق حركة الملاحة؛ لذلك تنشأ المحابس المائية؛ لتعمل على رفع مستوى المياه وخفضه؛ مما يؤدي من ثم إلى رفع المراكب من المستوى المنخفض إلى المستوى الأعلى أو بالعكس، مما يسهم في استمرار الملاحة المائية في هذه الممرات المائية الخاصة (الشكل 6).
الشكل (6)بوابات الملاحة (ترفع وتغلق كهربائياً)
(1) فتح البوابة (1) وملء المنطقة الوسطى لأجل رفع مستوى الماء فيها إلى مستوى المنطقة الأولى.
(2) إغلاق البوابة.
(3) فتح البوابة (2) لخفض منسوب المياه والوصول إلى مستوى المنطقة الثالثة.
- البوابة القطرية المائية: كانت المحابس المائية المستوية منها شائعة الاستخدام إلى وقت قريب، ثم استبدلت بها تدريجياً البوابات القطرية (الشكل 7) التي تحتاج إلى مجهود أقل في حركتها مقارنة مع البوابات المستوية؛ إذ تتكون البوابة القطرية من لوح حديدي منحنٍ ومدعم بدعامات حديدية أفقية ورأسية ومثبت على كل جانب من جوانب البوابة ذراع يدور حول محور مثبت بالحائط الجانبي، وينتقل ضغط الماء العمودي على سطح البوابة مباشرة إلى محور الدوار عبر ذراعي البوابة، ومن ثم لا يسبب ضغط الماء أي قوة احتكاك تقاوم حركة البوابة (كما هي الحال في البوابات المستوية)، وتقل القوة الضرورية لرفع البوابة عند الفتح؛ إضافةً إلى ذلك فإن البوابة القطرية ذات قدرة تصريفية أعلى من البوابة المستوية، وتشغل يدوياً أو آلياً من قرب أو من بعد.
الشكل (7) بوابة قطرية
رياض بلدية