المدخنة
المدخنة Stack، هي قناة شاقولية يسمح مقطعها وارتفاعها بتوصيل جميع الدخان والغازات بالغزارة الكافية إلى الجو على نحو طبيعي أو بمساعدة أجهزة دفع لإطلاقها بالكمية الكافية لتشغيل الأفران والآلات الأخرى وتجديد الهواء اللازم لهذا التشغيل. تبنى المداخن الصناعية أسطوانية الشكل تقريباً بصورة عامة، في حين تبنى مداخن الأبنية بشكل مستطيل أو مربع على الأغلب.
حركة الدخان ونواتج الاحتراق
تقوم الغازات بتوصيل الحرارة المنبعثة من الاحتراق إلى أماكن استخدامها في الصناعة، وبعد ذلك تصبح هذه الغازات نواتج عديمة الفائدة ينبغي التخلص منها، وإن تركيبها أو وجود بعض العوالق فيها يحتمان ضرورة اختيار المنطقة الملائمة لإطلاقها حيث لا تؤذي الجوار، ويلزم أحياناً معالجتها وتنقيتها قبل التخلص منها، فيجب إذن:
- تسيير الغازات ضمن المُبادل الحراري للاستفادة من حرارتها.
- إرسالها بعد ذلك إلى مكان التفريغ من دون أن يحدث أي تسرب أو تراجع.
- استخراج المواد العالقة بها قبل إطلاقها إذا اقتضت الحال.
ـ الاحتراق الكامل: هو احتراق وقود يحوي الفحم والهدروجين وبعض الأكسجين والآزوت أحياناً، وينتج من ذلك ثاني أكسيد الفحم CO2 وبخار الماء والآزوت والأكسجين الزائد. يكون غاز الفحم مؤذياً إذا ارتفعت نسبة تركيزه في مكان سيئ التهوية، أما إذا كانت المواد المحترقة تحتوي على الكبريت فسينتج من الاحتراق غاز بلا ماء حمض الكبريت SO2 ذو الخواص المخرشة المؤذية عند انحلاله بالماء.
ـ الاحتراق غير الكامل: وفيه يتحول الوقود إلى غاز أول أكسيد الفحم CO السام والشديد الخطورة، وتتضمن الغازات المنطلقة في هذه الحال حموض الفحم التي يتكاثف بعضها كقطيرات زفتية الشكل على ذرات الفحم، مما يعطي الشكل المعروف للدخان، وتترسب على جدران المداخن على شكل «سخام»، ويمكن أن تُطرد خارجاً بفعل الغازات المندفعة. يمكن لغازات الاحتراق الناتجة من وقود مشتقات النفط أن تتكاثف كقطيرات حمضية (رذاذ) عند مرورها في المناطق الأكثر برودة إذا لم يكن احتراقها كاملاً، فإذا اختلطت هذه القطيرات مع الذرات التي لم تشتعل من الوقود النفطي، أعطت ما يشبه الدخان الناتج من الفحم الذي لم يحترق جيداً في أثناء التصنيع وهو مؤذٍ ومسبب للتلوث. إن أنواع الوقود التي تترك رماداً بعد الاحتراق تنتج غازات محملة بالغبار، كما أن استعمال مختلف أنواع الفحم وقوداً ينتج غازات بخار الماء فيها قليل، بينما يعطي الوقود الغازي الهدروجيني غازات رطبة (وهذا ضروري من أجل تسهيل مرورها في المناطق المنخفضة من المسار). يتبين مما سبق أن الغازات التي يجب التخلص منها عبر المدخنة هي:
- غازات صافية.
- أدخنة صافية، أحياناً مؤذية ومخرشة مع احتمال وجود دخان العرّاط.
- أدخنة محملة بجزيئات سوداء بمقادير مختلفة.
- أدخنة بخارية.
ارتفاع المدخنة
ينتشر الدخان بصورة أفضل كلما كان منسوب إطلاقه أعلى في الجو. ويتبع هذا المنسوب لارتفاع المدخنة ولسرعة اندفاع الدخان الصاعد فيها، والذي يستمر صاعداً بسبب حرارته ضمن طبقات الجو الأكثف نسبياً، ثم يميل إلى الشكل الأفقي تبعاً لاتجاه الريح مع استمرار انتشاره وتوزعه إلى أن تنخفض حرارة مكوناته إلى حرارة الجو المحيط فتبدأ بالهبوط إلى الأرض ليتوضع على مسافات متناسبة مع مربع ارتفاع المدخنة، وبسماكات متناسبة عكساً مع هذا المربع. وفي المجمعات السكنية حيث الأبنية على ارتفاع واحد تقريباً، لا تُلاحظ الغازات الناتجة من الاحتراق الكامل، لأنها تتلاشى بسرعة مادامت فوهات المداخن أعلى قليلاً من السطوح والشرفات العليا (الشكل 1).
الشكل (1) مداخن في بناء سكني
إن التعليمات الرسمية المتعلقة بمداخن الأبنية في أغلب دول العالم تمثّل المتطلبات التي تضمن عدم إلحاق الأذى بالجوار في حالة الاحتراق غير الكامل، حيث تنتشر أدخنة سامة وذات روائح كريهة وتسبب ترسب أوساخ مخرشة. فمن الضروري اختيار مواد الوقود بعناية والاهتمام بحرقها حسب الأصول، والتخلص من النتائج المؤذية.
في المراجل الضخمة، يستعمل عادة وقود رخيص الثمن كالفحم الناعم، لذا يجب اختيار مواقع المدخنة بدقة، وزيادة ارتفاعها لكي يتم توزع الغبار المرافق لذرات الفحم على مساحة أكبر خارج المناطق المأهولة قدر الإمكان. ولكن هذا لا يفيد إلا في تخفيف حدة التلوث الذي من الأفضل الحد منه بإزالة الغبار من الدخان قبل إطلاقه في الجو، الأمر الذي يعد سهلاً بالقياس لضخامة هذه المراجل.
ـ الطريقة الطبيعية لعمل المدخنة: يطلق اسم المدخنة عادة على القسم الشاقولي من مسار غازات الاحتراق، تمييزاً من الدارة التي تسلكها هذه الغازات من مكان الاحتراق إلى المدخنة مروراً بجميع الموصلات اللازمة لذلك. فلإمرار خليط الهواء والغازات في الدارة ما قبل المدخنة، ولجعل هذا الخليط يتحرك ضمن المسار المحدد له، يلزم أن يكون ضغط الهواء عند المدخل أكبر منه عند المخرج. ومبدئياً، يكون ضغط الهواء عند المدخل مساوياً لضغط الجو الطبيعي، ومن الضروري إحداث ضغط أقل عند قاعدة المدخنة لكي تبدأ عملية سحب الهواء عبر مكان الاحتراق، الأمر الذي يعد من خصائص كل مدخنة. ويتناسب سحب الهواء طرداً مع جداء مربّع ارتفاع المدخنة وفرق الكثافة بين الجو الخارجي وبين الغازات الساخنة. إلا أن السَحْب يتناقص بسبب الاحتكاك بجدران المدخنة مما يخفف سرعة انطلاق الغازات عند الفوهة العليا، فمن أجل مقطع مفروض وغزارة محددة يبقى الارتفاع هو العامل الذي يجب أخذه بالحسبان للحصول على السحب المطلوب. ويمكن التحكم بعملية الاحتراق بالتحكم بكمية الهواء الداخل إلى مكان الاحتراق.
في المداخن ذات الارتفاع البسيط يتأثر السحب بتيارات الهواء عند فوهة المدخنة، وعادة يجري تحسين خروج الغازات بوضع أغطية توجه ذاتياً مع اتجاه الرياح، أو بوسائل أخرى تختلف من منطقة لأخرى (الشكل 2).
الشكل (2)
ـ الطريقة القسرية لعمل المدخنة: لابد من دفع الهواء أو سحبه أو كليهما عندما لا يكون بالإمكان تنفيذ مداخن عالية أو واسعة (مداخن القطارات مثلاً)، وقد يوضع مكان الاحتراق كله تحت الضغط، الأمر الذي يوجب استعمال سماكات أكبر لجدرانه مما يفيد في زيادة العازلية.
المتطلبات التي تحدد ارتفاع المدخنة ومقطعها
يتبع تحديد قياسات المدخنة إلى مجموعة من المعطيات والفرضيات، فارتفاعها الأصغري تابع إلى السحب الضروري لإتمام الاحتراق الكامل وإجراء التبادل الحراري، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون كافياً حيث لا تزعج الغازات والأدخنة المنطلقة أياً من الجيران، ويخضع ارتفاع مداخن الأبنية في المدن إلى تعليمات تختلف من بلد إلى آخر.
في المنشآت الصناعية (معامل، محطات توليد الكهرباء، المراكز الحرارية العامة، كسارات الحصويات للخرسانة ومواد البناء) تتجه الدراسات إلى بناء مداخن عالية لتحقيق توزعٍ واسع للغازات والجزيئات الأخرى، الأمر الذي يمكن زيادته بزيادة سرعة اندفاع الغازات من فوهات المداخن، وقد أصبح من الممكن إطلاق غازات بسرعة 30 م/ثانية عند الغزارة العظمى.
ـ المداخن العالية: في عام 1950 بدئ ببناء مداخن ارتفاعها عالٍ باستعمال الخرسانة المسلحة عوضاً عن البناء بالحجر أو الآجر (القرميد)، مع أن الآجر كان يستعمل لمقاومة الآثار المؤذية للأدخنة الحمضية ولصموده ضد سخونتها، ولكن بعد بلوغ هذا الارتفاع 70 متراً أو أكثر، أصبح من الضروري العمل على زيادة سماكة الجدران لتخفيض الإجهادات stresses فيها ولمقاومة دفع الرياح، وهذا يتطلب أساسات أكبر، إلى جانب ازدياد تكاليف الإنشاء.
وفي المراكز الحرارية الحديثة حيث كميات الغازات والأبخرة المتصاعدة كبيرة إلى حد تتطلب معه رفعها إلى ارتفاعات عالية، كان الحل الأمثل هو الاتجاه إلى الخرسانة المسلحة التي أصبح تنفيذها أسهل وذلك للتقدم الكبير في كيفية تنفيذها وفي القوالب اللازمة لهذا التنفيذ، حتى صار بالإمكان تنفيذ مداخن ارتفاعها 200م سواء كانت أسطوانية أم بشكل جذع مخروط مولداته الداخلية والخارجية مائلة نحو محوره بمقدار 2% تقريباً أو أكثر في الأقسام السفلى أحياناً (الشكل 3).
الشكل (3) مداخن عالية
يُصمم أساس المدخنة سواء كان دائرياً أم مضلعاً على شكل كتلة ضخمة لتمنع انقلابها بفعل الرياح أو الزلازل، كما أن سماكة جدرانها ترتبط بالمنطقة الزلزالية وسرعة الرياح التصميمية المفروضة على منشآت المنطقة التي تقع فيها، إضافة إلى ذلك ترتبط هذه السماكة بارتفاع المدخنة ومقطعها الأفقي ومقاومةالخرسانة المستعملة في بنائها. فمثلاً في مداخن محطة الزارة (غربي الرستن) لتوليد الكهرباء، يبلغ ارتفاع المدخنة 150 متراً وقطرها مـن الـداخل 12.80م في الأسفل و6.00م عند الفوهة العليا، وتنخفض سماكة جدرانها من 67سم في الأسفل إلى 30سم عند الفوهة، والمقاومة التصميمية للخرسانة 280كغ/سم2، أما الأساس فقطره 25.00 متراً وعمقه التصميمي 4.50م، وقد تم إنجاز أعمال الخرسانة المسلحة للمدخنة باستعمال قالب منزلق.
تبطن المداخن الخرسانية بجدار دائري من الآجر الحراري، سماكته نحو 11سم يوازي الجدار المصبوب سابقاً ويبعد عنه بمسافة تراوح بين 10سم و20سم حسب التصميم المعتمد للصيانة. يبنى هذا الجدار على شكل أجزاء حلقية محمولة على جوائزbeams خرسانية محمولة بدورها على أظفار cantilever مثبتة إلى الجدران الخرسانية للمدخنة. ويكون الآجر المستعمل من النوع الذي يتحمل درجات الحرارة العالية التي تبلغ 140مْ وقد تصل إلى 200 ْم، ويقاوم ذرات حمض الكبريت المتطايرة مع الدخان.
تطور نوع الملاط المستخدم لتثبيت قطع الآجر من طين مشابه للطين الذي صنع منه الآجر يتصلب لدى تعرضه لغازات الاحتراق، ثم إلى رمل سيليسي مجبول بإسمنت يتحمل درجات الحرارة العالية ويقاوم حمض الكبريت وأملاحه، ثم بدئ بإضافة المواد الملدِّنة والمواد المانعة لتجمع الفقاعات، كما جرى إدخال بعض المعادن كالرصاص والحديد المغلفن لتثبيت نهايات قطع الجدار وحماية الملاط في المناطق الحرجة.
الشكل (4) مدخنة معدنية مضافة إلى بناء
تطلى المداخن، ككل المنشآت العالية؛ بألوان تميزها عن كل ما يجاورها (غالباً بالأحمر) تلافياً لاصطدام الطائرات بها، كما يوضع في أعلاها مصباح كهربائي يعطي ضوءاً متقطعاً ليلاً، وتزود بسلالم معدنية خارجية أو داخلية (بين الجوائز الحلقية) أو بكليهما.
ـ المداخن المعدنية: في المنشآت الصناعية التي لا حاجة لنزع المواد الصلبة من نواتج احتراقها، تبنى المداخن من صفائح معدنية تُحمى من الداخل بطبقة سمكها 3 إلى 4سم من مونة الإسمنت الألمنيومي والإسمنت البركاني؛ وذلك لمقاومة اهتراء المعدن من جراء تعرضه للأدخنة الحمضية. تثبت هذه الطبقة على شبك معدني ملحوم إلى الجدار المعدني للمدخنة (الشكل 4).
خلدون عودة